تفسير: أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون
السؤال
سيدي الفاضل: يقول الله تعالى في سورة الحجرات: يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون.
أريد أن أفهم كيف يحبط عمل المؤمن وهو لا يشعر؟ علما أن الله تعالى لا يؤاخذنا بما نخطئ به.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعـد:
فهذه الآيات فيها تحذير من الفعل السيئ الذي تكون عاقبته حبوط العمل وقد لا يشعر الإنسان أن عمله قد حبط بهذا الفعل لجهله جهلا لا يعذر به أو استهزائه أو عدم مبالاته واستخفافه أو فعله للمحرم مع معرفته بتحريمه وعدم معرفته بما يترتب عليه من عقوبة مثل: حبوط العمل وهذا ظاهر في حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار: وهم من قرأ القرآن ولكن ليقال قارئ ومن تصدق ليقال جواد ومن قاتل ليقال شجاع ـ يعني عملوا رياء وسمعة ـ فأحبط الله أعمالهم يوم القيامة وأدخلهم النار. كما في صحيحمسلموغيره.
فإذا علم المسلم بتحريم شيء وأتاه وكانت عقوبته حبوط العمل فلا يشترط لتحقق هذا الحبوط أن يكون على علم به بل يكفي أنه يعلم تحريمه.
فالمقصود بقوله هنا:وأنتم لا تشعرون.يعني: لا تشعرون بالحبوط وليس لا تشعرون بالعمل بل هم قصدوا العمل عالمين مختارين له غير مخطئين.
فليس في الآية أن المعذور أو المخطئ يحبط عمله ثم الآية ليس فيها أن من رفع صوته أو جهر للنبي صلى الله عليه وسلم ـ كما يفعل مع غيره من البشر من قبل أن يعلم بتحريم ذلك ـ قد حبط عمله بل فيها التحذير من هذا الفعل مستقبلا حتى لا يتسبب في حبوط الأعمال وقصةثابت بن قيسـ رضي الله عنه ـ وكان جهير الصوت تؤيد ذلك فقد خاف بعد نزول الآيات من أن يكون عمله قد حبط واختفى أياما فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بأمره أرسل له يخبره أنه من أهل الجنة. والقصة في صحيحالبخاريوغيره.
وقد قالالقرطبيفيتفسيره:وليسقوله: أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون.بموجب أن يكفر الإنسان وهو لا يعلم فكما لا يكون الكافر مؤمنا إلا باختياره الإيمان على الكفر كذلك لا يكون المؤمن كافرا من حيث لا يقصد إلى الكفر ولا يختاره ـ بإجماع ـ كذلك لا يكون الكافر كافرا من حيث لا يعلم.اهـ.
ثم إن حبوط العمل قد يكون بسبب الكفر وقد يكون بسبب المعاصي .
وذكرالبخاريفي صحيحه بابا بعنوان: خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر.
وقال الحافظابن الملقنفي شرحه: المراد بالحبط: نقصان الإيمان وإبطال بعض العبادات لا الكفر فإن الإنسان لا يكفر ويخرج من الملة إلإ بما يعتقده أو يفعله عالما بأنه يوجب الكفر.انتهى من التوضيح لشرح الجامع الصحيح.
وقالابن القيمـ رحمه الله:ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر وليس الشأن في العمل إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه.
والله أعلم.
اسلام ويب