شرح حديث أبي هريرة: أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((دينارٌ أنفَقتَه في سبيل الله، ودينار أنفَقتَه في رقَبة، ودينار تَصدَّقتَ به على مسكين، ودينارٌ أنفَقتَه على أهلِك، أعظَمُها أجرًا الذي أنفَقتَه على أهلِك))؛ رواه مسلم.
وعن أبي عبدالله - ويقال له: أبو عبدالرحمن - ثوبان بن بُجْدُدٍ مَوْلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضلُ دينار يُنفِقُه الرجلُ دينارٌ يُنفِقُه على عياله، ودينار يُنفِقُه على دابَّتِه في سبيل الله، ودينار يُنفِقُه على أصحابه في سبيل الله))؛ رواه مسلم.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلتُ: يا رسول الله، هل لي أجر في بَنِي أبي سلمة أن أُنفِق عليهم، ولستُ بتاركتِهم هكذا وهكذا؛ إنما هم بَنيَّ؟ فقال: ((نعم، لك أجرُ ما أنفَقتِ عليهم))؛ متفق عليه.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في حديثه الطويل الذي قدَّمناه في أول الكتاب في باب النيَّة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((وإنك لن تُنفِقَ نفقةً تَبتغي بها وجهَ الله إلا أُجِرتَ بها، حتى ما تجعل فِي فِي امرأتِك))؛ متفق عليه.
وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أنفَقَ الرجُلُ على أهله نفقةً يَحتسِبُها، فهي له صدقة))؛ متفق عليه.
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرءِ إثمًا أن يُضيِّعَ مَن يقُوتُ))؛ حديث صحيح رواه أبو داود وغيره.
ورواه مسلم في صحيحه بمعناه قال: ((كفى بالمرء إثمًا أن يَحبِسَ عمَّن يَملِكُ قُوتَه)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما مِن يومٍ يُصبِحُ العبادُ فيه إلا ملَكانِ يَنزِلانِ، فيقول أحدُهما: اللهم أَعطِ مُنفِقًا خلَفًا، ويقول الآخر: اللهم أَعطِ ممسكًا تلفًا))؛ متفق عليه.
وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى، وابدَأْ بمَن تعُول، وخيرُ الصدقة ما كان عن ظهر غِنًى، ومَن يَستعفِفْ يُعِفَّهُ الله، ومَن يَستغنِ يُغنِهِ الله))؛ رواه البخاري.
قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
هذه الأحاديث التي ذكَرَها المؤلِّف رحمه الله تعالى في باب النفقة على الأهل، كلُّها تدل على فضيلة الإنفاق على الأهل، وأنه أفضل من الإنفاق في سبيل الله، وأفضل من الإنفاق في الرِّقاب، وأفضل من الإنفاق على المساكين؛ وذلك لأن الأهل ممن ألزَمَك اللهُ بهم، وأوجَبَ عليك نفَقَتَهم، فالإنفاق عليهم فرضُ عين، والإنفاق على من سواهم فرضُ كفاية، وفرضُ العين أفضلُ من فرض الكفاية.
وقد يكون الإنفاق على مَن سواهم على وجه التطوُّع، والفرضُ أفضلُ من التطوُّع؛ لقوله تعالى في الحديث القدسي: ((ما تَقرَّبَ إليَّ عبدي بشيء أحَبَّ إليَّ مما افترَضتُه عليه)).
لكن الشيطان يرغِّب الإنسانَ في التطوع، ويقِّلل رغْبتَه في الواجب، فتجده مثلًا يحرص على الصدقة ويدَعُ الواجب، يتصدَّق على مسكين أو ما أشبه ذلك، ويدَعُ الواجبَ لأهله، يتصدَّق على مسكين أو نحوه ويدَع الواجبَ لنفسه؛ كقضاء الدَّيْنِ مثلًا، تجده مَدينًا يُطالِبُه صاحبُ الدَّينِ بدَينِه وهو لا يوفي، ويذهب يتصدَّق على المساكين، وربما يذهب للعمرة أو لحجِّ التطوع وما أشبه ذلك ويدع الواجب، وهذا خلاف الشرع وخلاف الحكمة، فهو سَفَهٌ في العقل، وضلالٌ في الشرع.
والواجب على المسلم أن يبدأ بالواجب الذي هو محتَّمٌ عليه، ثم بعد ذلك ما أراد من التطوع بشرط ألا تكون مُسْرِفًا ولا مُقَطِّرًا، فتخرج عن سبيل الاعتدال؛ لقول الله تعالى في وصف عباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67].
يعني لا إقتار ولا إسراف، بل قَوامًا، ولم يقل: (بين ذلك) فقط، بل: (بين ذلك قوامًا)، قد يكون الأفضل أن تزيد، أو أن تنقص، أو بين ذلك بالوسط.
على كلِّ حال هذه الأحاديثُ كلُّها تدل على أنه يجب على الإنسان أن ينفق على مَن عليه نفَقتُه، وأن إنفاقه على من عليه نفقتُه أفضلُ من الإنفاق على الغير.
وفي هذه الأحاديث أيضًا التهديد والوعيد على من ضيَّع عمن يَملِكُ قُوتَه، وهو شامل للإنسان وغير الإنسان، فالإنسان يملك الأرقَّة مثلًا، ويملك المواشيَ من إبل وبقر وغنم، فهو آثمٌ إذا ضيَّع من يلزمه قُوتُه من آدميِّين أو غير آدميِّين، ((كفى بالمرء إثمًا أن يَحبِسَ عمن يَملِكُ قُوتَهم))، واللفظ الثاني في غير مسلم: ((كفى بالمرء إثمًا أن يُضيِّعَ مَن يقُوتُ))، وفي هذا دليل على وجوب رعاية من ألزَمَك اللهُ بالإنفاق عليه.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (3/ 156- 159)
الالوكة
.............