رمضان وتجديد الخطاب
عبد الحق معزوز
إن من الإصابات البالغة في مجال الخطاب الديني، والتي تظهر جلية في شهر رمضان المبارك عند كثير من أبناء وإخوان وآباء الحقل الوعظي شيوع خطاب التكرار لما قيل في كل سنة من هذا الموسم من الشهر الفضيل، وهذا يعكس واقع العجز والكسل الذي يفترض ألا يعرفه سادة الأمة وقادة المجتمع - خطباء ووعاظ - إذ بهم تناط معالجة المشكلات وتحليل الإشكالات، وكشف الخلل ودراسة الأسباب المنشئة له، وصرف الجهد الفكري والفقهي والوعظي لتقديم الوصفات الشرعية والحلول الإسلامية والأدوية النبوية لكل داء أصاب كبد الأمة والمجتمع.
إنه مع امتداد الزمن وتطور المجتمعات وانفتاح الدنيا وثورة المعلومات صرنا ملزمين؛ أئمة وخطباء، دعاة وعلماء، وعاظا وفقهاء، بتقديم الرؤية الشرعية، وتوليد الأحكام الفقهية والحلول لمشكلات الحياة ومعضلات الواقع، حتى يصير خطابنا جزءا من قضايا المجتمع، فاعلا فيها، مشاركا في معالجتها، مبينا رؤية الإسلام في مشكلاتها وكيفية إدارتها، قادرا على وقاية المجتمع من الأزمات قبل نزولها، رائدا في كل مجال؛ اجتماعي أو سياسي أو تربوي أو فكري...خاصة وقد أتت الشريعة بأصول وقواعد تعم الزمان والمكان والإنسان، فتحقيق المصالح الشرعية أصل، ودرء المفاسد أصل، وسد الذرائع أصل، ومراعاة العرف والعادة والحال أصل، واعتبار المآل أصل، والاستحسان أصل... وهذا كله لا يخرج عن دائرة الأصول العامة والقواعد الجامعة والمقاصد الكلية.
وإنها لفرصة والله - هذا الشهر المبارك حيث تفد الوفود مجددة البيعة لكتاب الله وسنة رسوله في بيوت الله، فتدخل الأفواج تلو الأفواج بمختلف الشرائح المجتمعية؛ أساتذة ومهندسين وأطباء ومثقفين وحرفيين ومهنيين وتجارا وطلبة وباحثين... وعلى تفاوت مداركهم ومعارفهم ومستوياتهم - ليجتهد حملة الرسالة وحماة الملة وحصون الشريعة في تصحيح المفاهيم ومعالجة الظواهر وتحليل القضايا وتأصيل علاجها بعد تشخيص دائها برؤية شرعية حصيفة ونظرة علمية فاحصة، فيكون خطابهم رائدا، ويكون حملته قادة سائرين أمام المجتمعات لا خلفها، يرسمون للناس طريقهم المأمون، ويخلصونهم من كل دخن ومظنون، خاصة والقلوب مقبلة والأفئدة ملتهبة، والشياطين مصفدة، وبغاة الخير مقبلون، وبغاة الشر مقصرون.
إن خلود الدعوة الاسلامية برسالتها الخاتمة يملي أن يتجدد الخطاب ويعم الناس باللغة التي يفهمونها، والحال المناسب لعصرهم وزمانهم بما لا تجفى عنه عقولهم، ولا يبعد عن واقعهم ومشكلاتهم، فتجدد الحياة يفرض تجدد الخطاب، وتطور أساليب العيش يستلزم تنوع أساليب الخطاب ليتحقق التأثير ويرتجى التغيير. وإنه لمن دواعي الأسف والأسى أن تقصر همم الكثيرين عن هذه المهمة، ويرضوا بالدون، حتى تثلم الدعوة وتوصم بالتخلف عن حل مشاكل الواقع، وينهض كل صاحب قلم أو ريشة، أو موقع أو جريدة، منتقصا منتقضا، حتى صار الدعاة حديث مجالس العوام، ينتقدون ويلاحظون، ويراجعون ويعلقون، ويقومون ويناقشون، فتطاول السفهاء وحدثاء الأسنان ومن لم يشم رائحة العلم الشرعي على من هم أحسن الناس قولا، ورثة الرسالة وحملتها.