شرح حديث: كل سلامى من الناس عليه صدقة
عبدالعال بن سعد الرشيدي
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ))؛ رواه البخاري ومسلم.
منزلة الحديث:
◙ هذا الحديث حديث عظيم، وقاعدة من قواعد الدين الحنيف؛ إذ يبيـن أن الأعمال الصالحة لا تقتصر على الإنسان نفسه، بل كل عمل فيه نصح للناس فيه أجر[1].
◙ قال ابن العطار رحمه الله: ففي هذا الحديث عِظَمُ فضل صلاة الضحى، وأنها تجزئ عن ذلك كله[2].
غريب الحديث:
◙ سُلَامَى: العظام التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان.
◙ تميط الأذى: تزيل كل ما يؤذي المارة من حجر أو شوك أو قذَر.
شرح الحديث:
((كل سلامى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس)) المعنى: أنه كلما جاء يوم صار على كل مفصل من مفاصل الإنسان صدقة يؤديها شكرًا لله تعالى على نعمة العافية وعلى البقاء، ولكن هذه الصدقة ليست صدقة المال فقط، بل هي أنواع.
((تعدل)) المعنى: عدلك؛ أي: صلحك، ((بيـن اثـنيـن)) متحاكمين أو متخاصمين أو متهاجرين، ((صدقةٌ))؛ أي: منك عليهما؛ لوقايتهما وحفظهما مما يترتب على المنافرة والمنازعة بينهما من قبيح الأقوال والأفعال.
((وتعين))؛ أي: في إعانتك ((الرجل))؛ أي: الإنسان، ((في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ))، وهذا أيضًا من الصدقات؛ أن تعين أخاك المسلم في دابته، إما أن تحمله عليها إن كان لا يستطيع أن يحمل نفسه، أو ترفع له على دابته متاعه وعفشه، فهذا إحسان، والله يحب المحسنين.
((والكلمة الطيبة صدقةٌ)) وهي كل ذكر ودعاء للنفس والغير، وسلام عليه وردٌّ، وثناء عليه، ونحو ذلك مما فيه سرور السامع، واجتماع القلوب وتألفها، وكذا سائر ما فيه معاملة الناس بمكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)).
((وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ)) فيه مزيد الحث والتأكيد على حضور الجماعات وعمارة المساجد؛ إذ لو صلى في بيته فاته ذلك.
((وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ))؛ أي: إزالة الأذى عن الطريق، والأذى ما يؤذي المارة من ماء أو حجَر أو زجاج أو شوك أو غير ذلك، سواء أكان يؤذيه من الأرض أم يؤذيه من فوق، كما لو كان هناك أغصان شجرة متدلية تؤذي الناس فأماطها، فإن هذه صدقة.
وعن أبي برزة رضي الله عنه قال: قلت: يا نبي الله، علمني شيئًا أنتفع به، قال: ((اعزل الأذى عن طريق المسلمين))[3].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ وجد غصن شوكٍ على الطريق، فأخَّره، فشكر الله له، فغفر له))[4].
الفوائد من الحديث:
1- أن كل إنسان عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس على عدد مفاصله.
2- الصدقة لا تنحصر في المال، بل إن الصدقات كثيرة، ومنها أنواع؛ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومساعدة الآخرين، وكف الأذى.
3- المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة المسجد.
4- الترغيب في إزالة الأذى عن الطريق، وما في معناه.
5- للبدن زكاة، كما أن للمال زكاة.
[1] الجواهر اللؤلؤية شرح الأربعين النووية (253) الإلمام (429).
[2] شرح الأربعين النووية لابن العطار (142).
[3] رواه مسلم (2618).
[4] رواه مسلم (1914).