أضرار المعاصي
الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم
الحمد لله القاهر القادر، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، أحمده سبحانه وأشكره على جميع نِعَمه وعموم فضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له ما في السموات والأرض؛ ليَجزي الذين أساؤوا بما عمِلوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين والمبشِّر لهم بحُسْن العُقْبى، والحُجَّة على العاصين والمحذِّر لهم من شؤم معاصيهم، فهو البشير النذير، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين اشتدَّ خوفُهم من الذُّنوب، فهي عليهم أشد من وقْع السهام؛ لأنها تقتل القلوب والأرواحَ، كما أن الرَّصاص يقتل الأبدانَ ويُخرب البنيان.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى واشكُروا نِعَمه، وارْجُوا رحمتَه، وخافوا سطوتَه ونِقْمته، فهو القادر على مَن انتَهَك محارمَه.
قال تعالى: ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [العنكبوت: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56].
عباد الله المؤمنين:
أتدرون ما الإحسان الذي هو سبب لقُرْب رحمة الله تعالى؟ هو: لُزُوم طاعة الله تعالى على نور من الله قولاً وفِعْلاً وإخلاصًا ومتابعةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يُقْبل قول بلا عملٍ، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنيَّة خالصة لله تعالى ومتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن الإحسان الذي يُقرِّب من رحمة الله تعالى: أن يتباعد المسلمُ عن معصيته، فلا يترك أمْرَه، ولا يُخالِف نَهْيه، ولعله بذلك يكون من المحسنين الذين تقرَّبوا إلى الله تعالى بطاعته ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتَشمَلهم رحمة الله تعالى، ويَغمُرهم عفوه، واعلموا أن للمعاصي أضرارًا يَعجِز القلمُ واللسان عن عدِّها وحَصْرها؛ فآثارها السيئة على القلب والبدن في الدنيا والآخرة واضحة جَليَّة، لمن وفَّقه الله تعالى، فمِن ذلك حِرمان العلمِ الشَّرعي؛ لأنه نورٌ يَقذِفه الله تعالى في قلب المسلم، والمعصية تطفئ ذلك النور.
جلس الشافعيُّ عند مالك - رحِمهما الله وجميع علماء المسلمين - فأعجبته فِطْنتُه وكمال فَهْمه، فقال: إني أرى الله تعالى قد ألقى عليك قليل نورٍ، فلا تُطْفئه بظلمة المعصية.
ومن الآثار المترتِّبة على المعصية: حِرْمان الرِّزق، كما في الأثر: ((إن العبد لَيُحرَمُ الرزق بالذنب يُصيبه)).
وكما أن التقوى مَجلَبة للرزق، وغنى النَّفس، وبركة المال، فإن ترْك التقوى مَجلَبة للشُّحِّ ونقْص البركة والفقر، ومنها: ما يجده العبدُ من وحشةٍ بينه وبين الله تعالى، ومن وحشة بينه وبين الناس، ولا سيما أهل الخير منهم، فإنه يجد وحشةً بينه وبينهم، وكلما قويت تلك الوحشة بَعُد منهم ومن مجالسهم، وحُرِم بركة الانتفاع بهم، وقَرُب من حزب الشيطان بقدر ما بعد عن حزب الرحمن، وتقوى هذه الوحشةُ حتى تَستحكِم، فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه، بل وبينه وبين نفسه، فنراه مستوحشًا من نفسه، وقال بعض السلف: إني لأعصي الله، فأرى ذلك في خُلُق دابتي وامرأتي.
أيها المسلمون:
إن من أضرار المعاصي ما يَجِده العبدُ من تعسير أموره عليه، فلا يتوجَّه لأمر إلا يجده مُغلَقًا دونه، أو مُتعسِّرًا عليه، هذا وإن مَن اتقى الله تعالى جعل له من أمره يسرًا، ومَن عطَّل التقوى جعل له من أمره عسرًا.
ويا له من عجبٍ! كيف يجد العبدُ أبوابَ الخير والمصالح مسدودةً عنه، وطرقها مُتعسِّرة عليه، ولا يعلم من أين أُتِي؟! ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4]، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، فاتَّقِ الله تعالى يا أخي المسلم، واجتنِب المعاصي، وحذار من ارتكابها؛ لتَسعَد في دنياك، وتحظى بلقاء الله تعالى والقُرْب منه في أخراك، واحمد الله تعالى على نعمة الإيمان والإسلام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.