النهي عن الحلف بغير الله
الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
الحمدُ لله نحمَدُه، ونستَعِينه ونستَهدِيه، ونستَغفِره ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى لله عليه وعلى آله وصحابته وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ: فيا عباد الله:
اتَّقوا الله - تعالى - ووحِّدوه وعظِّموه، فهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، والخالق الرازق المدبِّر لجميع الخلائق والنافع الضار، وجميع الخلائق مفتقرة إليه - جلَّ وعلا - وهو وحدَه الذي يوصل الخير لها، ويدفع الشرَّ عنها، فلا يحتاج إلى واسطة، ولا وزير ولا مُعين - سبحانه وتعالى - عمَّا يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
وممَّا يُؤلم ويحزُّ في النفس أنَّنا نسمع من بعض المسلمين أيمانًا بغير الله؛ كالحلف بالأمانة، وحياة فلان، والكعبة، وغير ذلك من المخلوقات، وهذا لا يجوز، وقد يصلُ إلى الكُفر والشِّرك بالله إذا كان الحالف بهذا المخلوق قد عظَّمَه كتعظيم الله، أو اعتقد أنَّه يجلب نفعًا أو يدفع ضرًّا دُون الله، فينبغي لِمَن اعتادَ الحلف بغير الله أنْ يحذر من الوُقوع في الكفر والشرك بالله، ولا يحلف إلا بالله، إذا كان لا بُدَّ حالفًا، في حديثٍ عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ الله ينهاكم أنْ تحلفوا بآبائكم، فمَن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت))[1]؛ متفق عليه.
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنَّه سمع رجلاً يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا تحلف بغير الله؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن حلف بغير الله فقد كفَر أو أشرَك))[2]؛ رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
وعن بريدة أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن حلَف بالأمانة فليس منَّا))[3]؛ حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح.
فاتَّقوا الله يا عباد الله، احذَرُوا من الوُقوع في الكفر والشرك بالله؛ فقد يقع البعض في ذلك وهو لا يشعُر؛ بسبب التساهُل، واعتياد هذه الألفاظ التي درَجتْ على ألسُن الكثير، فالأمر عظيمٌ، والخطر جسيمٌ، وإذا دخَل العقيدة ما يشوبُها زلَّت الأقدام، ولا عمل ينفع من الشرك، فعلى العبد أنْ يعتمد على الله في جميع أموره، ويُخلِص أعماله لله وحدَه، فلا يدعو إلا الله، ولا يحلف إلا بالله، فإنَّ الله - سبحانه وتعالى - هو النافع الضار، والمخلوقات لا تنفع ولا تضرُّ؛ سواء كان هذا المخلوق حيًّا أو ميتًا أو جمادًا، وما يحصل من نفْع على يد بعض الأحياء، فإنَّه من الله - سبحانه وتعالى - يجعَل الله هذا الحيَّ سببًا في إيصال هذا النفع إلى هذا المخلوق، فقد يَرزُق الله شخصًا على يد شخصٍ آخَر، وهذا الرزق من الله وحدَه، فلا حاجةَ للعبد إلى الالتفات إلى غير الله، ولا إلى تعظيم غيره - جلَّ وعلا - فمَن اعتمد على الله كَفاه، وما قُدِّرَ للعبد لا بُدَّ أنْ يأتيه، وهو مع هذا مأمورٌ بفعل الأسباب؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((اعمَلوا فكلٌّ مُيسَّر لما خُلِقَ له))[4].
والمهمُّ أنْ يحافظ العبد على سَلامة عقيدته؛ لأنَّها الأصل، ولا بُدَّ من التعاون على البرِّ والتقوى، والتناهي عن المنكر، والمؤمن مرآة أخيه؛ فمَن رأى أحدًا على منكر فعليه أنْ ينكر هذا المنكر بقدر استطاعته؛ حتى يسلم الجميع، وعلى مَن جهل شيئًا من أمور دِينه أنْ يَسأَل عن ذلك؛ حتى يكون على بصيرةٍ من أمر دِينه ودُنياه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
قال الله العظيم: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108].
بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم، إنَّه هو التوَّاب الرحيم.
أقول هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.
[1] البخاري: (6108) - الفتح: 10/532، ومسلم [3 - (1646)].
[2] الترمذي: (1535).
[3] أبو داود: (3253).
[4] البخاري: (6596) - الفتح: 11/499، ومسلم: (2647) بنحوه.