شرح حديث: فيما سقت الأنهار والغيم العشور
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شرح حديث: فِيما سَقَتِ الأَنْهَارُ والْغَيْمُ الْعُشُورُ
عن جَابِرِ بْنِ عَبْد اللهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ قَالَ: «فِيما سَقَتِ الأَنْهَارُ والْغَيْمُ الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ»، وأما البخاري فرواه من حديث ابن عمر.
شرح ألفاظ الحديث:
((فِيما سَقَتِ الأَنْهَارُ والْغَيْمُ)): المقصود بما سقت الغيم هو المطر وجاء في لفظ البخاري (فيما سقت السماء والعيون أوكان عثريًّا)، والعثري هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي كأنه عثر على الماء عثرًا بلا كلفة وعمل من صاحبه.
((الْعُشُورُ)): بضم العين جمع عُشر، والعُشر هو مقدار المُخرج من زكاة الحبوب والثمار إذا بلغ النصاب وهو خمسة أوسق، والعشر إنما يجب فيما سقي بلا عناء ولا مشقة.
((بِالسَّانِيَةِ)): وجاء عند البخاري (بالنضح)، وكلاهما بمعنى واحد، والسانية: هي الدابة من البقر أو الإبل أو الحمير تحمل الماء من البئر إلى الزرع، فتخرج الماء من البئر بأدوات معروفة، والسواني كانت معروفة قديمًا وأما اليوم فاستبدل الناس بها الآلات الحديثة.
((نِصْفُ الْعُشْرِ)): هذا هو مقدار المُخرج من زكاة الحبوب والثمار إذا بلغ النصاب، وهو خمسة أوسق ونصف العشر إنما يجب فيما سقي بعناء وكلفة.
من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: في الحديث دلالة على مقدار الواجب إخراجه في زكاة الحبوب والثمار وأنه يختلف باختلاف مشقة وكلفة السقي فهو قسمان:
الأول: أن يُسقى من غير كلفة ومؤنة كأن تسقيه الأنهار أو السماء أو العيون أو يكون عثريًّا فهذا فيه العشر.
الثاني: أن يُسقى بكلفة ومؤنة كأن يُسقى بالسواني - وهذا قديمًا - ويقوم مقامه اليوم الآلات الحديثة المعروفة، وهي تحتاج إلى مؤنة في قيمتها، وما تحتاجه بعد شرائها كالصيانة والكهرباء والزيوت والأدوات ونحوها، فما سُقي كذلك ففيه نصف العشر.
وهذا المقدار إنما يُخرج إذا بلغت الحبوب أو الثمار نصابها، والنصاب كما سبق خمسة أوسق وبهذا يُجمع بين الحديثين.
وأما إذا كان بعض السنة تسقيه الأمطار وبعضها يُسقى بمؤنة وكلفة، فإن العبرة بالأكثر فإذا كان يسقيها ثمانية أشهر بمؤنة، وأربعة أشهر تسقيها الأمطار، ففيها نصف العشر وإذا كان العكس ففيها العشر، وإذا كان ستة أشهر بمؤنة وستة أشهر تسقيها السماء، فاختار شيخنا ابن عثيمين أن فيها ثلاثة أرباع العشر جمعًا بين المقدارين؛ [انظر فتاوى اللجنة الدائمة (9/ 234) برقم (962)].
الفائدة الثانية: في الحديث دلالة على مراعاة ما بذله الناس لزروعهم بأن خفف الشارع على من تكلَّف في سقي زرعه، فجعله على النصف ممن لم يجد عناء ومشقة في سقياه، وهذا من رحمة الله تعالى.
الألوكة
.................