مسألة ميراث المطلقة
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع
قوله: (وإنْ أبانها في مرض موته المَخُوف مُتَّهماً بقصد حرمانها لم يرثها، وترثه هي في العِدة وبعدها ما لم تتزوَّج...) إلى آخره[1].
قال في "المقنع": "إذا طلَّقها في صحته، أو مرض غير مَخُوف، أو غير مرض الموت طلاقاً بائناً قطع التوارث بينهما، وإن كان رجعيّاً لم يقطعه ما دامت في العدَّة.
وإن طلقها في مرض الموت المَخُوف طلاقاً لا يُتهم فيه بأن سألته الطلاق، أو علق طلاقها على فعل لها منه بُد ففعلته، أو علقه في الصحة على شرط فوجد في المرض أو طلق من لا ترث، كالأمة والذمية فعتقت وأسلمت فهو كطلاق الصحيح في أصح الروايتين[2].
وإن كان مُتهماً بقصد حرمانها الميراث مثل إن طلقها ابتداءً أو علقه على فعل لا بد لها منه كالصلاة ونحوها ففعلته، أو قال للذمية أو الأمة: إذا أسلمتِ أو عُتِقتِ فأنت طالق، أو علم أن سيد الأمة قال لها: أنت حُرَّة غداً فطلقها اليوم ورثته ما دامت في العدة ولم يرثها.
وهل ترثه بعد العِدَّة، أو ترثه المطلقة قبل الدخول؟ على روايتين[3]، فإن تزوجت لم ترثه.
وإن أَكره الابن امرأةَ أبيه على ما يفسخ نكاحها لم يقطع ميراثها، إلا أن تكون له امرأةٌ سواها، وإن فعلت في مرض موتها ما يفسخ نكاحها لم يسقط ميراث زوجها.
وإن خلَّف زوجات، نكاح بعضهن فاسد أقرع بينهن، فمن أصابتها القرعة فلا ميراث لها، وإذا طلَّق أربع نسوة في مرضه فانقضت عدتهن وتزوَّج أربعاً سواهن، فالميراث للزوجات، وعنه[4]: أنه للثمان"[5].
قال في "الحاشية": "قوله: (وإذا طلَّق أربع نسوة...) إلى آخره، وجملة ذلك: أن المريض إذا طلَّق امرأته، ثم نكح أُخرى، ثم مات، لم يخل من حالين:
أحدهما: أن يموت في عِدَّة المطلَّقة فيرثاه جميعاً، وهذا المذهب[6]، وبه قال أبو حنيفة[7] وأهل العراق، وأحد قولي الشافعي[8].
والقول الآخر[9]: لا ترث المَبْتُوتَة فيكون الميراث كله[10] للثانية.
وقال مالك[11]: الميراث كله للمطلَّقة؛ لأن نكاح المريض عنده غير صحيح، فعلى الأول: لو تزوَّج ثلاثاً في مرضه فليس للمطلَّقة إلا ربع ميراث الزوجات، ولكل واحدةٍ من الزوجات ربعه.
الحال الثاني: أن يموت بعد انقضاء عِدَّة المطلَّقة، فيكون الميراث كله للزوجات في إحدى الروايتين[12]، وهو قول الشافعي[13] وأبي حنيفة وأصحابه[14].
والرواية الثانية[15]: الميراث للأربع، وهو الصَّحيح من المذهب، كما لو مات في عِدَّة المطلقة.
فإن كان له أربع نسوة فطلَّق إحداهنَّ ثلاثاً في مرضه، ثم نَكَحَ أُخرى في عِدَّة المطلقة، أو طلَّق امرأةً واحدةً ونَكَحَ أختها في عِدَّتها ومات في عِدَّتها، فالنكاح باطل والميراث بين المطلَّقة وباقي الزوجات الأوائل، وهذا قول مالك[16] وأبي حنيفة[17].
فإن مات بعد انقضاء عِدَّة المطلقة ففي ميراثها روايتان:
إحداهما[18]: لا ميراث لها فيكون الميراث لباقي الزوجات، وهو قول أبي حنيفة[19].
والثانية[20]: ترث معهنَّ ولا شيء للمنكوحة، فإن تزوَّج الخامسة بعد انقضاء عِدَّة المطلَّقة صحَّ نكاحها.
وهل ترث المطلَّقة؟
على روايتين:
إحداهما[21]: لا ترث، وهو ظاهر كلام أحمد، واختاره المصنف والشارح.
والثانية[22]: ترث المطلَّقة، وهو المذهب، فيخرج فيه وجهان:
أحدهما[23]: يكون الميراث بين الخمس على السواء، وهو المذهب.
والثاني[24]: يكون الميراث للمطلَّقة والمنكوحات الأوائل دون الجديدة.
قال المصنف: وكلا الوجهين بعيد.
ولو طلَّق أربعاً في مرضه، وانقضت عدتهن، ونكح أربعاً سواهنَّ ثم مات من مرضه - وهي مسألة المصنف - فالميراث للزوجات على ما اختاره المصنف والشارح.
وعنه[25]: أنه للثمان، وهو المذهب.
وقال مالك[26]: المال كله للمطلَّقات، واختاره المجد وصاحب الفائق وجزم به في "الوجيز" وصحَّحه في "النظم"[27].
وقال في "الاختيارات": "ومن طلَّق امرأته في مرض موته يَقصِد حِرمانها من الميراث، ورثته إذا كان الطلاق رَجْعيّاً إجماعاً[28]، وكذا إن كان بائناً عند جمهور أئمة الإسلام، وقضى به عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يعرف أحد من الصحابة ذَكَرَ خِلافاً، وإنما ظهر الخلاف في خلافة ابن الزبير رضي الله عنه.
وعلى قول الجمهور فهل تعتد عدَّة طلاق أو وفاة أو أطولهما؟
فيها أقوال[29]: أظهرها: الثالث.
وهل يكمل لها المهر؟
فيه قولان[30]: أظهرهما: أنه يكمل...
إلى أن قال: ونكاح المريض في مرض الموت صحيح، وترث المرأة في قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين، ولا تستحق إلا مهر المثل لا الزيادة عليه بالاتفاق[31]"[32].
[1] الروض المربع ص373.
[2] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 18/ 301.
[3] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 18/ 306.
[4] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 18/ 317.
[5] المقنع 2/ 451و 455.
[6] شرح منتهى الإرادات 4/ 649، وكشاف القناع 10/ 501.
[7] فتح القدير 3/ 150، وحاشية ابن عابدين 3/ 407.
[8] تحفة المحتاج 8/ 46 - 47، ونهاية المحتاج 6/ 454.
[9] المهذب 2/ 32.
[10] في الأصل: "عنده" والمثبت من الشرح الكبير.
[11] الشرح الصغير 1/ 445، وحاشية الدسوقي 2/ 353.
[12] شرح منتهى الإرادات 4/ 650، وكشاف القناع 10/ 500.
[13] المهذب 2/ 32، وتحفة المحتاج 8/ 46 - 47، ونهاية المحتاج 6/ 454.
[14] فتح القدير 3/ 150، وحاشية ابن عابدين 3/ 407.
[15] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 18/ 317.
[16] الشرح الصغير 1/ 445، وحاشية الدسوقي 2/ 353.
[17] فتح القدير 3/ 150، وحاشية ابن عابدين 3/ 407.
[18] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 18/ 307.
[19] فتح القدير 3/ 150، وحاشية ابن عابدين 3/ 407.
[20] شرح منتهى الإرادات 4/ 650، وكشاف القناع 10/ 500.
[21] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 18/ 319.
[22] شرح منتهى الإرادات 4/ 651، وكشاف القناع 10/ 500.
[23] شرح منتهى الإرادات 4/ 651، وكشاف القناع 10/ 500.
[24] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 18/ 319.
[25] شرح منتهى الإرادات 4/ 650، وكشاف القناع 10/ 500.
[26] الشرح الصغير 1/ 445، وحاشية الدسوقي 2/ 353.
[27] حاشية المقنع 2/ 455بتصرف، وانظر: الشرح الكبير 18/ 317 - 320.
[28] فتح القدير 3/ 158، وحاشية ابن عابدين 3/ 407. والشرح الصغير 1/ 476 - 477، وحاشية الدسوقي 2/ 353. وتحفة المحتاج 8/ 46 - 47، ونهاية المحتاج 6/ 454. وشرح منتهى الإرادات 4/ 644، وكشاف القناع 10/ 492.
[29] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 24/ 32، وشرح منتهى الإرادات 5/ 592، وكشاف القناع 13/ 18.
[30] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 18/ 310.
[31] فتح القدير 3/ 218، وحاشية ابن عابدين 5/ 645. والشرح الصغير 1/ 418، وحاشية الدسوقي 2/ 316. والأم 4/ 109. وشرح منتهى الإرادات 4/ 437، وكشاف القناع 10/ 181.
[32] الاختيارات الفقهية ص197 - 198.