أحكام النظر في الإسلام
الشيخ وحيد عبدالسلام بالي
أحكام النظر في الإسلام[1]
المقدمة:
اعلم أخي المسلم أنك موقوفٌ بين يدي الله تعالى، ومسؤول عما جنَتْه يداك، أو سمِعَتْه أُذُناك، أو نظَرَتْ إليه عيناك، أو نطَق به لسانُك؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، واعلَمْ أن البصر نافذةُ القلب؛ فعن طريقه ترتسمُ الصورة في القلب؛ ولذا أمر الله المؤمنين بغضِّ أبصارهم حتى لا تفسد الصور قلوبهم، وتتعلق بها أفئدتهم؛ فقال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور: 30 - 31].
ولكن كيف يغضُّ المسلمُ بصره عما حرَّم الله؟
لا يتسنَّى للمسلم أن يغضَّ بصره إلا إذا علِم أولًا ما الذي يحرُمُ عليه أن ينظرَ إليه، ولذلك جعلت عنوان هذه الخطبة: (أحكام النظر في الإسلام).
وسوف نتناول - بتوفيق الله تعالى - عدة مسائل؛ منها:
1 - حكم النظر إلى النساء الأجنبيات.
2 - حكمُ النظر إلى المرأة المحجبة.
3 - حكمُ النظر إلى صورة المرأة.
4 - حكمُ النظر إلى مَن يريد خطبتها.
5 - حكم استماع الرجل لزوجته وهي تصفُ له أخرى.
6 - حكمُ النظر إلى الصبية الصغيرة.
7 - حكمُ نظر الطبيب إلى بَدَن مَن يعالجها.
8 - حكم نظر الصبي إلى المرأة.
9 - المواضع التي يجوز للرجل أن يراها مِن محارمه.
10 - عورة الرجل على الرجل.
أولًا: حكم النظر للنساء الأجنبيات:
يحرمُ على الرجل تعمُّدُ النظر إلى المرأة الأجنبية، ولو بدون شهوةٍ؛ لقول الله تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30].
أما النظرُ إلى المرأة بشهوةٍ، فهو الزنا الأصغر، فإن لكل جارحة زنا؛ فمَن نظر إلى امرأة بشهوة فقد زنَتْ عيناه، ومَن صافح امرأةً بشهوة فقد زنت يداه، ومَن استمع إلى امرأة بشهوةٍ فقد زنتْ أذناه.
فقد روى مسلمٌ في صحيحه مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((كُتِب على ابن آدم نصيبَه من الزنا، مُدرِكٌ ذلك لا محالة؛ فالعينانِ زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجْل زناها الخُطى، والقلبُ يهوى ويتمنَّى، والفرج يصدقُ ذلك ويُكذِّبه))[2].
أما إذا وقع بصره على امرأة دون قصد، فليصرف بصره، ولا إثم عليه؛ لِمَا رواه مسلمٌ في صحيحه عن جَرير بن عبدالله، قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة، فأمرني أن أصرفَ بصري[3].
ثانيًا: حكمُ النظر إلى المرأة المحجبة:
لا ينبغي للرجل أن يتأمل قَوامَ المرأة ولو مُحجَّبة لا يظهر منها شيءٌ؛ لأن ذلك ذريعةٌ إلى الافتتان بها.
ولأن الشيطانَ يُزيِّنها حتى لو كانت مُحجَّبة؛ لما رواه الترمذي - بسند صحيح - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المرأة عورةٌ، إذا خرجت استشرفها الشيطان))[4].
وفي الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما تركتُ بعدي فتنةً أضرَّ على الرجال مِن النساء))[5]، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (ما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمعٌ)، اللهم قنا الفتن ما ظَهَر منها وما بَطَن.
ثالثًا: حكمُ النظر إلى صورة المرأة الأجنبية[6]:
يحرُمُ النظر إلى صورة المرأة الأجنبية، سواء أكانتْ صورةً فوتوغرافية، أو في مجلة، أو على شاشة التلفاز، أو نحو ذلك؛ لأنه سببٌ في الافتتان بها، وسببٌ أيضًا لانطباعِ تلك الصورة الآثمةِ في قلب الناظر، فيفسد القلب بذلك.
ولقد صدق القائل:
كل الحوادثِ مَبْداها مِن النظرِ
ومعظمُ النارِ مِن مُستصغرِ الشررِ
كم نظرةٍ فتكتْ في قلبِ صاحبِها
فَتْكَ السهامِ بلا قوسٍ ولا وترِ!
وسئل شيخُنا ابن باز رحمه الله عن حكم النظر إلى صور النساء في المجلات، فقال: يحرُمُ ذلك؛ لِما يترتب عليه مِن الفتنة، ولأن الآية عَمَّتْ كل النساء؛ مُصورات وحقيقيات؛ ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا ... ﴾ [النور: 30].
رابعًا: هل يجوز للطبيب أن ينظرَ إلى شيء مِن بدن المرأة، أو يمسَّه للعلاج؟
لا يجوز للطبيب أن ينظرَ إلى شيء مِن بدن المرأة ولا مسه، ولو بغرض العلاج إلا بشروط:
1 - ألا توجد طبيبةٌ تقوم بذلك، فإن وُجِدتْ حرُم عليه علاجُها، ووجب أن يدلَّهم عليها.
2 - ألا يخلوَ بها، بل يدخل مع المريضةِ زوجُها أو مَحْرَمُها؛ ففي الصحيحين عن ابن عباس مرفوعًا: ((لا يخلونَّ رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو مَحْرم))[7].
3 - ألا يرى مِن جسمها إلا مقدار الحاجة، فإن زاد عنها حَرُم.
4 - أن يُخشَى على المرأة الهلاك أو الضرر الذي لا يُحتمل.
5 - أن يأمَن الطبيبُ الافتتانَ بها عند مداواتها، فإن خشي الافتتان بها حَرُمَ عليه مداواتها؛ وذلك لأن دَرْء المفاسد مُقدَّمٌ على جَلْب المصالح.
خامسًا: حكمُ وصف المرأة امرأةً أُخرى لزوجها:
لا يجوز للمرأة أن تصفَ امرأةً أخرى لزوجها، فتقول مثلًا: زوجة فلانٍ شعرُها أملس، أو مجعدٌ، أو عيناها خضراوان، أو نحيفةٌ، أو بدينةٌ، أو طويلة، أو قصيرة، ونحو ذلك؛ لِمَا رواه البخاريُّ وغيرُه عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُباشِر المرأة المرأة فتنعَتها[8] لزوجِها كأنه ينظر إليها))[9]!
سادسًا: حكم نظر الخاطب إلى مَن يريد خطبتَها:
يجوزُ لمَن يُريد أن يخطبَ امرأةً أن ينظُر منها إلى الوجه والكفين؛ لِما رواه مسلمٌ عن أبي هريرة قال: كنتُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجلٌ، فأخبَرَه أنه تزوَّج امرأةً مِن الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنظرتَ إليها؟))، قال: لا، قال: ((فاذهَبْ، فانظر إليها؛ فإن في أعين الأنصار شيئًا))[10].
وروى أحمد والترمذي - وهو حسَنٌ بشواهده - عن المغيرة أنه خطب امرأة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انظُرْ إليها؛ فإنه أحرى أن يُؤْدَمَ بينكما))[11].
روى أحمد - بسند حسَن - عن جابر بن عبدالله قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا خطب أحدُكم المرأة، فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إليها؛ فليفعل))[12].
ماذا يرى منها؟
ذهب جمهورُ العلماء إلى أن الخاطب لا ينظرُ إلا إلى الوجه والكفَّينِ فقط؛ فبالوجه يستدلُّ على الجمال مِن عدمه، وبالكفين يستدل على خصوبة البدن مِن عدمه.
هل يجوز أن يُوكِّلَ امرأةً تنظر إليها ثم تصفها له؟
نعم، يجوز له ذلك بشرط أن تكونَ امرأةً أمينةً حتى لا تصفَها لغيره ممن لا يريد خطبتها، كمَن كان مسافرًا فكلَّف أخته ترى له امرأة بعينها وتصفها له.
سابعًا: حكم النظر للصبية الصغيرة:
(يجوز النظر للصبية الصغيرة حتى تبلغ تسع سنين، فإذا بلغتْ تسعًا جاز النظر إليها أيضًا ما لم تُشْتَهَ، فإذا اشتهاها حرم عليه أن ينظر إليها، فإذا بلغت حرُم النظر إليها ولو بغير شهوةٍ)[13].
ثامنًا: حكمُ نظر الصبي إلى المرأة:
يجوز للصبي المُميِّز أن ينظرَ إلى المرأة إلى أن يبلغ عشر سنين، فإذا بلغ عشرًا لا تُبْدي له إلا الوجه والكفين، وتغطي ما دون ذلك، فإذا بلغ اثنَي عشرًا عامًا - أي: قارب البلوغ - تحجَّبتْ عنه تمامًا؛ لأن حكمه كالبالغ حينئذٍ[14].
تاسعًا: المواضع التي يجوزُ للرجل أن يراها من محارمه:
لا يجوز أن يرى الرجلُ مِن محارمه كابنته، وأخته، وأمه، وعمته، وخالته، ونحوهن - إلا الوجه، والرأس، والعنق، والذراعين، ونصف الساقين؛ لأنها مواضع الزينة مِن المرأة، وهي المقصودة بقوله تعالى: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ﴾ [النور: 31].
ولذلك لا ينبغي للمرأة أن تُظهر ثديها، وترضع ولدها أمام محارمها؛ كأخيها وأبيها ونحوهما.
عاشرًا: عورة الرجل على الرجل:
يجوز أن ينظر الرجل إلى الرجل ما عدا من السرة إلى الركبة؛ لحديث: ((الفَخِذُ عورة))[15]، فبعض من يلعب الكرة يُظهِر فخذه، وهذا لا ينبغي، وبعض العمال والفلاحين يظهرون أفخاذهم أثناء العمل، وهذا لا ينبغي.
الدعاء...
[1] (فقه النظر)؛ مصطفى أبو الغيط.
[2] أخرجه البخاري (6243) مختصرًا، ومسلم (2657) واللفظ له، وأبو داود (2152، 2153، 2154)، وأحمد في (المسند) (2/ 372، 536)، وابن حبان في صحيحه (4423)، والبيهقي في (السُّنن الكبرى) (7/ 89).
[3] أخرجه مسلم (2159)، وأبو داود (2148)، والترمذي (2776)، وأحمد في (المسند) (4/ 358)، وابن حبان في صحيحه (5571)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 89، 90).
[4] صحيح: أخرجه الترمذي (1173) بسند صحيح، ولذلك صححه الألباني في (الإرواء) (273).
[5] أخرجه البخاري (5096)، ومسلم (2740).
[6] المرأة الأجنبية: هي التي يحلُّ لك أن تتزوَّج بها.
[7] أخرجه البخاري (3006)، ومسلم (1341).
[8] فتنعتها: تصفها.
[9] أخرجه البخاري (5240)، والترمذي (2792)، وأبو داود (2150).
[10] رواه مسلم (1424)، والنسائي (3247)، وأحمد في (المسند) (2/ 299)، والحميدي (1172).
[11] حسن: رواه الترمذي (1093)، وقال: هذا حديث حسن، والنسائي (3335)، وأحمد (1837) من طريق بكر بن عبدالله المُزَني عن المغيرة بن شعبة به، وهذا سند صحيح، ورجاله ثقات رجال الشيخين، وإن كان يحيى بن معين قد نفى سماع بكر المُزَني من المغيرة، لكن الدارقطني أثبت سماعه منه؛ كما في (العلل) (7/ 139).
[12] حسن: أخرجه أحمد (14586)، (14869)، بإسناد حسن.
[13] (شرح منتهى الإرادات) (2/ 625)، و(المغني) (9/ 501).
[14] (روضة الطالبين) (4/ 367)، و(المغني) (9/ 496).
[15] حسن لغيره: أخرجه أبو داود (4014)، والترمذي (2795)، وأحمد (15926 - 15933)، والطبراني في (الكبير) (2143)، وله طُرُق كثيرة لا يخلو طريقٌ منها مِن مقالٍ، لكنها تشهد بأنَّ للحديث أصلًا؛ ولذلك حسنه الترمذي، وأشار إلى صحته الطحاوي في (شرح المعاني) (1/ 274)، وصححه الحاكم والذهبي، وعلقه البخاري في صحيحه، وصحَّحه البيهقي، وقال الألباني في (الإرواء) (269): الضعف مُحْتَمِل، والقلب يطمئن لصحة الحديث.
الألوكة
.................