واجب الآباء نحو الأبناء
الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
واجب الآباء نحو الأبناء
إخواني الكرام، أولادكم وفلذات أكبادكم شباب اليوم ورجال المستقبل أمانةٌ في أعناقكم سوف تُسألون عنها أمام الله يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))؛ متفق عليه.
ألستُم تقونَهم بردَ الشتاء وحرَّ الصيف؟ فنار جهنم أشدُّ حرًّا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6]، وقد قمتُم بتغذية أجسامهم منذ الصغر بالطعام والشراب وستر عوراتهم باللباس، وإذا مرض أحدهم أسرعتم به إلى الطبيب المعالج، وبذلتم في سبيل ذلك أغلى ما تملكون محافظةً على صحَّتهم، وبذلك تستحقون الشكر والثناء والبر والدعاء، إلا أن هناك ما هو أهمُّ من ذلك كله وأعظم؛ وهو تغذية أرواحهم وإيمانهم، والعمل على إصلاح قلوبهم، التي بصلاحها صلاح الأجساد وبفسادها فساد الأجساد؛ كما قال الهادي البشير صلى الله عليه وسلم: ((ألَا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألَا وهي القلب))؛ رواه البخاري ومسلم.
لذا نلفت أنظاركم إلى ضرورة استعمال ما يلي في حقهم:
1- القدوة الحسنة في القول والعمل؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ مولود يُولَد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه))؛ رواه أبو يعلي في "مسنده"، والطبراني في "الكبير"، والبيهقي في "السنن"، وقال الشاعر:
وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانِ فِينَا
عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ
2- حملهم على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة في المساجد عمومًا، وخصوصًا صلاة العشاء وصلاة الفجر؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا))؛ متفق عليه، وقال -تعالى-: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه: 132]، فيجب علينا أن نَمتثل أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيهم حيث قال: ((مروا أولادكم بالصلاة لسبعٍ واضربوهم عليها لعشر))؛ رواه أحمد وأبو داود.
وغير خافٍ عليكم منزلة الصلاة من الدين الإسلامي وأهميتها وعظيم شأنها وما أعدَّ لِمَن حافَظ عليها من الثواب ولِمَن تهاون بها من العقاب، وإنها شعار المسلم وعماد الدين والفارقة بين المَجِيدُ الإسلام والكفر.
3- العناية بالقرآن الكريم: تلاوة وحفظًا وتفسيرًا وعملًا، وإن ممَّا يحزُّ في النفس ويُؤلِم القلب أن أكثر الطلبة لا يُحسِنون قراءة القرآن الكريم من المصحف نتيجة التساهل والإهمال من الآباء والمدرسين ومن الطلبة أنفسهم لهذا الكتاب العزيز، الذي تضمَّن السعادة والنور والهدى والشفاء لِمَن تمسَّك به، وقد تكفَّل الله لِمَن قرأ القرآن، وعمل بما فيه ألاَّ يضلَّ في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تعلموا عشر آيات من القرآن لم يتجاوزوها حتى يتعلموا معانيها ويعملوا بها.
لذا ننصح أبناءنا الطلبة أن يلتحقوا بالمدارس الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم الموجودة في كثيرٍ من المساجد بعد صلاة العصر وخصوصًا في الإجازة الصيفية؛ حيث تفتح هذه المدارس أبوابها للطلبة صباحًا ومساءً والتدريس فيها بالمجان، فليحفظوا أوقاتهم فيها حتى يكونوا من خير الناس؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((خيركم مَن تعلَّم القرآن وعلمه))؛ رواه البخاري.
وليتوِّجوا آباءهم بذلك؛ ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَن قرأ القرآن وعمل به أُلبِس والداه تاجًا يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا، فما ظنكم بالذي عمل بهذا))؛ رواه أبو داود.
4- حملهم على صحبة الأخيار الصالحين الذين عرفوا الحق واتَّبعوه، وتحذيرهم من صحبة الأشرار والمنحرفين في دينهم وأخلاقهم فالمرء مُعتَبر بقرينه، وسوف يكون على دين خليله فلينظر مَن يخالل، فكما يقلِّد الإنسان مَن حوله في أزيائهم يقلِّدهم في أعمالهم ويتخلَّق بأخلاقهم، قال حكيم: "نبِّئني من تصاحب أنبئك من أنت، وقال الشاعر:
وَاخْتَرْ مِنَ الأَصْحَابِ كُلَّ مُرْشِدِ
إِنَّ القَرِينَ بِالقَرِينِ يَقْتَدِي
5- حفظ الأوقات فيما ينفع في الدين والدنيا في مذاكرة الدروس وفي تلاوة القرآن الكريم وفي القراءة بالكتب النافعة، فإن الأوقات محدودة والأنفاس معدودة، وسوف يُسأَل الإنسان عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟ فالعلم شجرة لا بُدَّ لها من زكاة وثمرة، وزكاة العلم وثمرته العمل به وتعليمه مَن لا يعلمه.
أيها الآباء الكرام، اعتنوا بأولادكم وربوهم بتربية الإسلام الصحيحة على وفق ما جاء في الكتاب العزيز والسنة المطهرة والسيرة النبوية.
أيها الآباء الكرام، اعدلوا بين أولادكم في العطية، ولا تفضلوا بعضهم على بعض؛ فإن ذلك من أسباب الحقد والعقوق.
أيها الإخوة الكرام، إن مسؤوليتنا كبيرة أمام الله في أولادنا وأهلينا ذكورًا وإناثًا، لنغرس في قلوبهم محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وعباده الصالحين؛ فإن المرء مع مَن أحبَّ يوم القيامة، علِّموهم الصدق في القول والعمل والوفاء بالوعد وأداء الأمانة، وكونوا قدوة لهم في ذلك.
أيها الأبناء الكرام، انتهزوا فرصة الشباب والصحة والفراغ فيما يُسعِدكم في الدين والدنيا والآخرة، وذلك بالتمسُّك بتعاليم الإسلام الحنيف قولًا واعتقادًا وعملًا، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ قُل إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ العَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162- 163]، وليكن همُّكم طاعة الله ورسوله: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 71]، ثم طاعة الوالدين في غير معصية الله؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين))؛ رواه الترمذي وصحَّحه وابن حبان والحاكم.
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
الألوكة
...........