أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: "استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ائذنوا له، بئس أخو العشيرة، أو ابن العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام))، قلت: يا رسول الله، قلت الذي قلت، ثم ألَنْتَ له الكلام، قال: ((أي عائشةُ، إن شر الناس من تركه الناس - أو وَدَعَه الناس - اتقاء فحشه))".
وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول: "ألأم شيء في المؤمن الفحش"؛ (روضة العقلاء: ص57).
فعلينا جميعًا أن نهجر هذا الخُلق الذميم، الذي يكرهه رب العالمين، وحذرنا منه الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء في حديث أخرجه الإمام أحمد عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "جاء أعرابي (علوي) جريء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أخبِرْنا عن الهجرة إليك أينما كنت، أو لقوم خاصة، أم إلى أرض معلومة، أم إذا مت انقطعت؟ قال: فسكت عنه يسيرًا، ثم قال: ((أين السائل؟)) قال: ها هو ذا يا رسول الله، قال: ((الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، ثم أنت مهاجر وإن مت بالحضر...))؛ الحديث (قال أحمد شاكر رحمه الله تعالى: إسناده صحيح 12/ 4645).
وأخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تَهَجَّروا[1]، ولا تدابروا، ولا تحسسوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا)).
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة؛ فقد كان أحسن الناس خلقًا، وأبعدهم عن الفحش والتفحش؛ فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا[2]، ولا متفحشًا[3])).
وفي صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه قال: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابًا، ولا فحاشًا، ولا لعانًا، وكان يقول عند المعتبة: ((ما له تَرِبَ جبينه))".
وكان أنس رضي الله عنه يقول أيضًا - كما عند البخاري ومسلم -: "ولقد خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلتُه: لم فعلتَه؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلتَ كذا".
وأخرج الترمذي في "سننه" وفي "الشمائل" عن أبي عبدالله الجدلي قال: "سألت عائشة عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا، ولا صخابًا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح".
وثبت في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين، قال: ((إني لم أُبعَثْ لعانًا، وإنما بعثت رحمة))".
هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة الحسنة؛ كما قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21].
وكان الرعيل الأول - رحمة الله عليهم - لا يتكلمون إلا بطيب الكلام؛ عملًا بوصية رب العالمين؛ حيث قال في كتابه الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
فكانوا يمتثلون أمره سبحانه وتعالى؛ طمعًا فيما وعد به من صلاح الأعمال، وغفران الذنوب، والفوز العظيم يوم الدين.
فها هو تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى، كان في حضرة أبيه - وأبوه هو علي بن عبدالكافي تقي الدين السبكي - يقول تاج الدين: "فمر علينا كلب، فقلت: مُرَّ يا كلب يا بن الكلب، قال: فأنكر عليَّ أبي، فقلت: أليس هو كلب ابن كلب، فقال أبوه: روينا، ثم ساق حديثًا إلى عيسى عليه السلام أنه مر به كلب، فقال له عيسى عليه السلام: مُرَّ بسلام، فسئل عن ذلك، فقال: إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء".
وجاء في رواية الإمام مالك في "موطئه" عن يحيى بن سعيد قال: "إن عيسي ابن مريم - عليهما السلام - لقي خنزيرًا على الطريق، فقال له: انفذ بسلام، فقيل له: أتقول هذا للخنزير؟! فقال: إني أكره أن أعود لساني النطق بالسوء".
قال العلاء بن هارون: "كان عمر بن عبدالعزيز يتحفظ في منطقه، فخرج تحت إبطه خراج، فأتيناه نسأله لنرى ما يقول، فقال: من أين خرج؟ فقال: من باطن اليد"؛ (الإحياء: ص131).
قال أحدهم:
انطِقْ مصيبًا بخيرٍ لا تكُنْ هذرًا
عيَّابةً ناطقًا بالفحش والرِّيَبِ
وكن رزينًا طويل الصمت ذا فكر
فإن نطقت فلا تكثر من الخُطَب
ولا تُجِبْ سائلًا من غير تروية
وبالذي لم تُسَلْ عنه فلا تُجِبِ
(حسن السمت في الصمت: ص47).
وانظر إلى الربيع بن خثيم رحمه الله تعالى يوم قتل الحسين بن علي رضي الله عنه، قال رجل: "إن لم أستخرج اليوم سيئة من الربيع، لم أستخرجها أبدًا، قال: قلت: يا أبا يزيد، قتل ابن فاطمة - عليهما السلام، قال: فاسترجع، ثم تلا هذه الآية: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [الزمر: 46]، قال: قلت: ما تقول؟ قال: ما أقول؟ إلى الله إيابهم، وعلى الله حسابهم"؛ (حلية الأولياء: 2/ 111).
وها هو عبدالله بن عون بن أرطبان عالم البصرة، القدوة، الإمام، يقول عنه بكار بن محمد السيريني: "ما رأيت ابن عون يماري أحدًا ولا يمازحه، وما رأيت أملك للسانه منه، وكان إذا جاءه إخوانه كأن على رؤوسهم الطير، لهم خشوع وخضوع، وما رأيته مازح أحدًا، ولا ينشد شعرًا، كان مشغولًا بنفسه، وكان له ناقة يغزو عليها ويحج، وكان بها معجبًا، فأمر غلامًا له يستقي عليها، فجاء بها وقد ضربها على وجهها، فسالت عينها على خدها، فقلنا: إن كان من ابن عون شيء، فاليوم، قال: فلم يلبث أن نزل، فلما نظر إلى الناقة، قال: "سبحان الله! أفلا غير الوجه؟! بارك الله فيك، اخرج عني، اشهدوا أنه حر"؛ (السير: 6/ 371).
وانظر إلى القرآن وأسلوبه الراقي المهذب الجميل؛ فالله تعالى حينما أراد أن يعبر عن الجماع، كنى عنه بألفاظ في غاية الأدب والرقي؛ كقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ﴾ [الأعراف: 189]، وقال تعالى أيضًا - يكني عن الجماع -: ﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾ [المائدة: 6].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إن الله حيي كريم، يعفو ويكني، كنى باللمس عن الجماع".
وقال تعالى محذرًا الرجال من جماع النساء في المساجد حال الاعتكاف: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: 187].
وعبر القرآن عن قول امرأة العزيز لما راودت يوسف عن نفسه: ﴿ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ... ﴾ [يوسف: 23].
وعندما أراد التعبير عن قضاء الحاجة، عبر عنه بالمكان الذي تقضى فيه الحاجة، وهو ما يعرف بالغائط، وهو المكان المطمئن، تقضى فيه الحاجة؛ قال تعالى: ﴿ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ ﴾ [المائدة: 6].
حتى إن العلماء والفقهاء حين ألفوا وصنفوا كتب الفقه، كانوا حريصين جدًّا على اختيار الألفاظ، مثل قولهم في نواقض الوضوء: خروج شيء من أحد السبيلين، بدلًا من قولهم: التبول والتبرز.
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه...))؛ (والحديث رواه البخاري ومسلم).
ونقل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "الفتح" (9/ 294) عن ابن أبي جمرة أنه قال: "والظاهر أن الفراش كناية عن الجماع، ويقويه قوله صلى الله عليه وسلم: ((الولد للفراش))؛ أي: لمن يطأ في الفراش، والكناية عن الأشياء التي يستحى منها كثيرة في القرآن والسنة"؛ اهـ.
وأيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة: الرجل يفضي[4] إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها))؛ (رواه مسلم).
والخلاصة: أنه يجب على المؤمن أن يكون عفيف اللسان، يختار العبارات اللائقة اللبقة، والكنايات اللطيفة، ويختار أرقَّ الألفاظ، وأعذب الكلمات؛ لأن المؤمن - كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم -: ((ليس بالطعَّان، ولا باللعَّان، ولا بالفاحش، ولا بالبذيء))؛ (البخاري).
::صفحات صديقة :: معهد ترايدنت :: منتدى برامج نت
:: برامج المشاغب - ملتقى العلماء وطلبة العلم - الريان تيوب - جريدة الديار -عمال مصر- قهوة الصحفيين - جريده اخبار بتروجت
:: للإعلان ::
واتس
00201558343070
بريد إلكتروني
[email protected]
أو يمكن التواصل معنا مباشرة عبر نموذج الاتصال بنا علي الرابط الآتي
https://dvd4araab.com/vb/sendmessage.php
للتواصل عبر الواتس
https://chat.whatsapp.com/Bekbfqlef3ZInj31Jhk99j
تنبيه للاعضاء تود إدارة
المنتدى ان تؤكد لكافة الاخوة الاعضاء بانه يمنع نشر أي مادة إعلامية تسيء للاديان
أو تدعو للفرقة المذهبية او للتطرف ، كما يحظر نشر الاخبار المتعلقة بانشطة الارهاب
بكافة اشكاله اوالدعوة لمساندته ودعمه، حيث ان ذلك يعتبر خروج صريح عن سياسة
المنتدى ، كما قد يعرض المشارك الى المساءلة النظامية من الجهات الرسمية ذات
العلاقة، شاكرين ومقدرين للجميع حسن التزامهم باهداف ومبادىء المنتدى.