فضل العمل الصالح في العشر من ذي الحجة
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني: أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه، وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» (رواه البخاري).
أود الإشارة إلى ثلاث فوائد فقط، وإلا فإن الحديث عظيم وفوائده جمة، وهي:
?- قوله (ولا الجهاد في سبيل الله) المقصود به الجهاد في غير عشر ذي الحجة. قال الطيبي: « معناه ولا الجهاد في أيام أُخر أحب إلى الله من العمل في هذه الأيام ».
أي أن الجهاد في سبيل الله في هذه العشر هو عمل صالح يفضل سائر الأعمال في غير العشر، وأن الأعمال في هذه العشر تفضل الأعمال في غيرها، بل تفضل الجهاد في غيرها إلا هذا النوع من الجهاد. ومن هنا تحدث العلماء عن تأثير الأزمنة في تفضيل الأعمال على بعضها.
والمقصود أن البعض يظن من قراءته للحديث أن العمل الصالح في عشر ذي الحجة أفضل من الجهاد فيها، وبالتالي يكون أخرج الجهاد (وما هو نحوه كالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأعمال التي تصب في خدمة الدين) من العمل الصالح المندوب في عشر ذي الحجة، وهذا فهم خاطئ.
?- الحديث نص على تفضيل (العمل الصالح) وجعله بعمومه، فيدخل فيه جميع الأعمال الصالحة وجميع أصناف القربات، وهذا التعميم يفيد التيسير على الناس وتوسيع اختياراتهم في القربات بحسب ظروفهم ومقدرتهم وما يتيسر لهم، فمنهم من يفضل لنفسه الاستكثار من نوافل الصلاة في الأوقات المباحة كوقت الضحى وبعد الظهر وبين العشائين، ومنهم يفضل لنفسه الاستكثار من الذكر، ومنهم يفضل لنفسه الصيام، ومنهم من يفضل لنفسه الاستكثار من تلاوة القرآن، قل مثل ذلك في الصدقات والإحسان والبر والصلة.. إلى آخره.
والمقصود أن قصر الفضائل على الصيام فيه تعسف، وتضييق للواسع، بل في مسند أحمد من حديث ابن عمر قال عليه الصلاة والسلام: «فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» فهنا نص على تخصيص الذكر، وهو تخصيص مقصود به التنويه بأهمية وفضيلة الذكر في هذه العشر، وليس المقصود به قصر العمل عليه.
وكما أن العموم في الحديث فيه تيسير وتوسيع للاختيارات ففيه أيضاً تربية للمؤمن على الاجتهاد في هذه العشر، أي أن عليه أن يستثمرها في أي عمل صالح، وأنه يقع في دائرة الغبن حين تمر عليه هذه العشر دون أن يعمرها بالأعمال الصالحة.
?- وهي فائدة مبنية على ما سبقها، وهي أن العشر تربي المؤمن على العمل وليس الكسل، فهو يعمل صالحاً في أي باب من أبواب الخير، وأن الكسل في هذه الأيام الفاضلة يخالف مقصود الشارع.
وهذا يعني أن عشر ذي الحجة يفترض منها أن تكون محطة تدريبية على الجد والاجتهاد والعمل المثمر، ومحطة للتخلص من أدواء العجز والكسل والبطالة والتفاهة والضياع.
اللهم فقهنا في ديننا وفقنا جميعاً للعمل الصالح وتقبله منا يا رحمن يا رحيم.
والله أعلم.
منقول