بقلم/جمعة ونيس
يمثل الإبداع الدم الذي يحمل الحياة ويجري في شرايين أي مؤسسة أو شركة أو هيئة، فهو يمثل عاملاً دافعاً باتجاه شحن نموها بالوقود اللازم، وتوسيع دائرة أعمالها، وإعادة إحياء عملياتها الإنتاجية. غير إن الإبداع لا يمكن أن يحدث من فراغ. وتفيد الأبحاث الحديثة أن الربط بين خصائص بيئة العمل، والنوعية الخلاقة لحل المشكلات، مفتاح لتحقيق درجات متفوقة على سلم عملية التقدم. وبغض النظر عما إذا كنت تقود فريق مشروع ما، أو قوة عمل كاملة، فإنك أمام احتمالين أولهما تعزيز الإبداع لدى أفراد الفريق الذين يعملون معك، أو قتل ملكة الإبداع فيهم.
فما الذي يمكنك عمله لتوفير بيئة عمل يتم فيها توليد واحتضان أفكار التجديد، وتنميتها لتصبح إبداعات فعلية على أرض الواقع، بحيث تضيف باستمرار المزيد من القيمة إلى أعمال الشركة؟. وهنالك الكثير مما يقوله الباحثون إزاء التطوير المستمر للنشاطات، وإضفاء صفة الإبداع عليها. ولعل أول شيء ينبغي أن يتذكره قائد النشاط العملي هو أن الإبداع لا يقتصر على المنتجات والخدمات. ويرى أستاذ الإدارة في كلية لندن للنشاطات العملية، جاري هامل، أن إنتاج المنتجات والخدمات ما هو إلا وسيلة واحدة تظهر فيها الشركة بعض جوانبها الإبداعية، وأداءها المتفوق. وهنالك عدة أمثلة من الإبداع تتجسد في توفير حلول للمشكلات العملية المستعصية، وإيجاد عمليات إنتاجية جديدة تزيد من وتيرة الإنتاج، وتعمل في الوقت ذاته على تقليص التكاليف. وهنالك في هذا الصدد وسائل جديدة لدعم البحث والتطوير، وتوسيع آفاق التسويق، واجتذاب المواهب.
ولا بد من التركيز على بعض الأمور الأساسية إذا أراد المسؤول عن فريق عمل ما تعزيز التوجهات الإبداعية لدى أعضاء ذلك الفريق. ولعل أول تلك الأمور تحديد أهداف واضحة مع ترك مساحات كافية من الحرية لأعضاء الفريق للعمل على تحقيقها، حيث إن القدرات الإبداعية للأفراد تقوى بوجود عناصر للاهتمام والإثارة في تنفيذ مهام العمل المطلوبة.
ولا بد كذلك من الحرص على مراقبة الإنجازات من على بعدٍ مناسب. وإذا كان لا بد من المراقبة المستمرة لكل مراحل الإنجاز، فإنه لا بد كذلك من ترك مساحات من الحرية للتصرف الذاتي المبدع. ويرى فريد سن، المؤلف المشارك لكتاب:”عصر البرتقالة: كيف تحول الإبداع إلى ميزة عملية قوية” إن الناس يحبون أن ينقادوا، ولكن لا بد من السماح ببعض الأخطاء، وتوفير مساحة للتفكير، وتمكين أعضاء الفريق من عرض نتائج عملهم، وإعادة الفضل إليهم فيما أنجزوه.
ومن الأمور التي لا بد لقائد فريق العمل من مراعاتها والانتباه إليها، تقديم التسهيلات اللازمة لضمان نجاح أعضاء الفريق في إنجاز مهامهم بروح مملوءة بالإيجابية والثقة بالنفس. ومن الأمور التي تساعد على ضمان نجاح ذلك جمع المعلومات والبيانات اللازمة لإنجاز العمل في الوقت المناسب، والمواصفات المطلوبة. وينبغي كذلك إزالة كل العقبات التي تتعرض سبيل الإنجاز. ولا تقتصر المعلومات والبيانات المطلوبة للتسهيل على المصادر الداخلية، وإنما يصل الأمر إلى الدوائر الخارجية الأبعد.
ومن الأمور المساعدة في توجيه رئيس فريق العمل لأعضاء الفريق، توفير جو عمل يساعد على إبداع الأفكار الجديدة، واقتراح وسائل جعلها إنجازات عملية على أرض الواقع. ويرى الأستاذ جيرارد بوشيو، مدير المركز الدولي لدراسات الإبداع في جامعة نيويورك، أن مساعدة رئيس الفريق الأعضاء في العمل ضمن جو خلاق ومبدع يمكن أن يؤدي إلى نتائج مفيدة على المدى الطويل. وهو يضرب أمثلة على ذلك من حيث توسيع إمكانات الاختيار، حيث يقول إن بإمكانك أن تختار وجبة تتناولها من بين قائمة من عشر وجبات، بطريقة أفضل مما لو اقتصرت القائمة على ثلاث وجبات. وهو يشير هنا إلى الأهمية الكمية للأفكار التي يمكن طرحها في جلسات العصف الذهني. ويرى أن عملية اختيار المناسب من تلك الأفكار في مرحلة لاحقة من شأنها أن توفر للشركة، أو للمنظمة العملية المعنية، نوعية مختارة من الأفكار. وعلى قائد الفريق أن يتساءل بينه وبين نفسه من حين إلى آخر حول ما إذا كان يشجع بالفعل توليد وتبادل الأفكار بين أعضاء فريقه. وهنالك العديد من الدراسات القائمة على التغذية الراجعة لأفراد من عدة فرق عمل حول آرائهم في دور قائد الفريق في إتاحة الفرصة الكافية أمام طرح وتبادل الأفكار.