
افتقار الضمير في المجتمع المصري أصبح ظاهرة متزايدة في الآونة الأخيرة، مما ساهم بشكل مباشر في تفاقم مجموعة من المشكلات التي تؤثر على حياة المواطنين، ومن أبرز هذه الأزمات، الارتفاع الكبير وغير المسبوق في أسعار السلع الأساسية مثل الخضروات والدواجن، إلى جانب انتشار ممارسات خطيرة كاستخدام مواد غير صالحة للإنتاج، بما في ذلك معالجة الدواجن النافقة واستخدام الزيوت الفاسدة أو المستعملة.
ومع استمرار غياب الضمير لدى بعض التجار وضعف الوعي لدى المستهلك، تتعقد الأزمة يومًا بعد يوم، وهو ما يثير تساؤلات حول دور الجهات المعنية، كالهيئة القومية لسلامة الغذاء والجهات الرقابية الأخرى، التي يُفترض أن تضطلع بمسؤولية التصدي لهذه التجاوزات وحماية صحة الأفراد.
وفي هذا السياق، أشار الخبير الاقتصادي طارق محمود، في تصريحاته لـ”الجارديان مصر”، إلى أن الوضع المتعلق باستخدام مواد غير صحية في إنتاج الغذاء قد أصبح مقلقًا للغاية وشغل اهتمام الجميع مؤخرًا، نتيجة انتشار هذه المخالفات على نطاق واسع وبعيد عن معايير السلامة.
وأوضح أن بعض المنتجين يلجؤون إلى استخدام مكسبات الطعم والرائحة لإخفاء تدني جودة منتجاتهم، ومع ظهور مقاطع الفيديو التي تفضح هذه الممارسات، يؤكد الحاجة الماسة إلى رفع الوعي المجتمعي وتفعيل إجراءات صارمة ورادعة، المشكلة تتلخص في محورين أساسيين: غياب المسؤولية عند التجار وتجاهل المستهلك للمخاطر الكامنة وراء هذه المنتجات.
وأضاف أن قضية الأطعمة الشعبية المنتشرة في الشوارع، مثل الشاورما، البرجر، واللحوم المُصنعة، تحمل مخاطر صحية كبيرة رغم شعبيتها، فمع استمرار ظهور الأمراض المرتبطة بغذاء غير آمن، وغياب الحلول الجذرية لهذه الظاهرة، تصبح المسألة أكثر تعقيدًا وغير مقبولة بأي شكل، لذلك، تقع المسؤولية على مختلف الأطراف: التجار المطالبون بالالتزام بالقواعد الأخلاقية والمهنية، والمستهلكون الذين يجب أن يرفضوا المنتجات المشكوك في صلاحيتها.
أما بشأن استخدام الدواجن النافقة وتجهيزها لإعادة بيعها، فقد وصف ذلك بالكوارث الأخلاقية والاجتماعية التي تتطلب مواجهة حاسمة، والتساؤل الأبرز هنا يتعلق بدور المجتمع في الإبلاغ عن هذه الجرائم ومقاومتها؛ فمن غير المقبول أن يظل البعض صامتًا أمام انتهاكات تمس صحة الجميع، لا بد أن يكون الحل جماعيًا ومسندًا إلى جهود الأفراد والمؤسسات لتحقيق هدف توفير غذاء آمن للجميع.
وتطرق إلى التفاوت العشوائي في الأسعار داخل الأسواق، معتبرًا أن هذه الظاهرة تعكس غياب التنظيم والرقابة الفاعلة، فالاختلافات الواضحة بين المناطق في أسعار السلع تُظهر الحاجة إلى وضع آليات صارمة لمراقبة السوق وتطبيق تسعيرات موحدة تضمن العدالة للجميع.
وعن أزمة ارتفاع أسعار الأعلاف وتأثيرها المباشر على أسعار الدواجن، أوضح أن الاحتكار والجشع هما عاملان رئيسيان وراء هذه الأزمة، ورغم أن توقف استيراد الأعلاف فاقم المشكلة، إلا أن هناك حلولًا بديلة مثل إعادة تدوير بقايا الطعام بطرق مبتكرة للحد من التصعيد الحالي، ومع ذلك، تستمر بعض الأطراف في استغلال الظروف لتحقيق أرباح مبالغ فيها دون مراعاة للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المستهلكون.
في المجمل، يشير المشهد الراهن إلى غياب الدور الفاعل والحازم للدولة على الصعيدين التشريعي والتنفيذي، فضلًا عن ضعف الرقاببة، وإذا ما استمر الوضع على هذا النحو دون إصلاحات جذرية تشمل تشريعات صارمة وضبط دقيق للسوق، فقد تواجه البلاد تحديات أعظم تؤثر بالسلب على جودة حياة المواطنين، الحل يكمن في إصلاح شامل يتطلب تضافر الجهود المجتمعية والسياسية لتعزيز العدالة بين المستهلكين والتجار وضمان بيئة اقتصادية مستدامة للجميع.