مشاهدة النسخة كاملة : وراء كل رجل عظيم امرأة


فريق منتدى الدي في دي العربي
09-16-2017, 06:29 PM
وهذا الشعار، شعار واقعي حقيقي، فالمرأة دائماً وراء الرجل إما إلى النجاح، وإما - لا قدر الله - إلى الهاوية أو الفشل..
ويهمنا في هذا الموقف أن نذكر مجال النجاح فهو الذي يدخل في صميم موضوعنا، فالمرأة وراء زوجها وابنها وأحيانا وراء أخيها أو أبيها:
أما الزوج: فتقوم المرأة بتهيئة كل أسباب النجاح له، فإذا كانت عاقلة حاذقة ذكية تتحرى سبل الراحة وأسبابها في بيته وكانت ذات رأي صائب حينما يستشيرها فتسدي إليه النصيحة العاقلة، نصيحة الصديق من الصديق الناصح، ذي الرأي العاقل الراجح السديد، بل إن الزوجة أقرب إلى زوجها فهي ستر على زوجها وهي سكن ومودة ورحمة، يقول تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ [الأعراف: 189].
وقال تعالى: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

وهي أيضا ستر له، وهو ستر لها، يقول تعالى: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187]، أصل اللباس في الثياب ثم سمى كل احد من الزوجين بصاحبه لباسًا، لانضمام الجسد وامتزاجهما وتلازمهما تشبيهًا بالثوب، وقال بعضهم: يقال لما ستر الشيء وداراه لباس أي هن سكن لكم، أو ستر لكم عن الحرم، ومانع عن الوقوع فيه. وقيل هن فراش لكم وأنتم لحاف لهن. وقيل: أي سكن لكم، أي يسكن بعضكم إلى بعض[1].

لذا، فإذا وجدت المرأة في زوجها اتجاها يخالف طريق الدين القويم ذكّرته بذلك ووجّهته إلى الله تعالى وما يبعده عن طريق الغواية والشيطان، يقول تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴾ [الأعلى: 9 - 11].
ويقول تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55].

هذا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لجميع المسلمين في هذا الشأن، فكان دائما ما يستشير أزواجه (أمهات المؤمنين) في مهام أمور الدين والحياة - إذا كان للشوري فيها مكان - فكانت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وزير صدق، وهي التي كانت وراء النبي صلى الله عليه وسلم تشجعه ليتعبد في غار حراء حتى نزل عليه الوحي بآيات الله البينات، فلما هرع إليها خائفا من أن يمسه مكروه ثبتته وشجعته، وذكرت له محاسن أخلاقه، وأن الله لن يخزيه وهو على هذا الخلق الرفيع والصفات الطيبة. ثم وقفت وراءه في دعوته الصادقة فصدقته، وشجعته وأنفقت كل مالها وصحتها حتى توفِّيت وقد ناهزت الستين من عمرها وهي تجاهد معه حتى آخر رمق لها رضي الله عنها وأرضاها.

كذلك كان أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسح لهن النبي صلى الله عليه وسلم مكانة في نفسه وفي أمور دولته، فكان يستشيرهن في أمور كثيرة خاصة وعامة، حتى أنه استشار أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في أمر جلل من أمور دولته، وذلك بعد صلح الحديبية الذي تم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين من جهة، وبين قريش من جهة أخرى، حينما رفضت قريش أن يؤدي المسلمين مع نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم العمرة على أن يعودوا في العام التالي لأدائها، وكان ذلك عام 6 من الهجرة.

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتحللوا من إحرامهم وي***وا هديهم، إلا أن المسلمين غضبوا لعدم تمكنهم من أداء العمرة، بينما كانوا على خطوات قليلة من بيت الله الحرام وهم قد أصبحوا على قوة ومنعة فكيف لا يؤدون العمرة وينتظرون العام التالي لأدائها؟
فلما استشار النبي صلى الله عليه وسلم زوجته أم سلمة رضي الله عنها أشارت عليه أن ي*** الهدي ويقصّر ويتحلل حتى يفعل المسلمون مثلما فعل. فسار النبي صلى الله عليه وسلم على رأيها و*** وقصّر وتحلل ففعل المسلمون مثله، وكان لرأيها هذا صدى كبير في تهدئه الأمور.

لذلك كان للمرأة دورها المهم وبصماتها الواضحة في حياة زوجها فإن كان دورها رائدا وصائبا أهله ذلك للترقي وتحري الطريق السوي والنجاح في كل ما يصبو إليه، حتى إذا نال من الحياة أسباب النجاح والتفوق كان وراءه امرأة هي سر هذا النجاح والتفوق.
أما في حالة الفشل والتقهقر - والعياذ بالله - فإن للمرأة أيضا دورها في هذا الفشل بما تقوم به من تثبيطه، أو إقامة العقبات أمامه بعدم تهيئة الظروف التي تؤدي إلى نجاحه في عمله بما تشغله به من مشاكل بيته، أو بما يثقل كاهله، أو يعرقل مسيرته. أو عدم تدبيرها أمور منزلها أو إسرافها إلى الحد الذي لا يأمنون فيه أخطار الغد، أو إقامة أي مشروع صغير يعتمدون عليه هما وأسرتهما في مستقبل حياتهم، كما قد تكلف المرأة زوجها بما لا طاقة له به، وقد يؤدي ذلك - لمن له نفس ضعيفة - إلى أن ينحرف عن جادة الطريق.

كذلك الابن، فإن تربية الأم لابنها التربية السليمة والصحيحة على الالتزام بسلوكيات الإسلام الحنيف والخوف من الله أولا وأخيرا، وأداء المناسك والعبادات كما أراد الله تعالى للمؤمنين، ومعاملاته مع والديه وإخوته وأقاربه وأهله وأقرانه المعاملة الصحيحة التي أرادها الله تعالى للمسلم الحق حتى يصبح قرآنا يمشي على الأرض تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم الاتجاه بكل قوة ورغبة لأن ينهل من مناهل العلم ما يتوق إليه حتى يحصل على أعلى الدرجات ليصبح نافعاً في الحياة ويقوم بتكوين أسرة جديدة يكون رائدها، قوامها الخوف من الله تعالى وأداء فروض الإسلام والتعايش في ظل المودة والرحمة والحب بأعلى سماته ومعانيه... فهذا هو النجاح بعينه.. وتكون المرأة بذلك قد حققت في فلذة كبدها ما تصبو إليه وتتمناه.

كذلك تربيتها لابنتها التربية السليمة الناجحة لتنال في النهاية جائزة التفوق في تربية أجيال نافعة صالحة من أمهات المستقبل وآباء، هم ثمرة حصادها بعد عناء وجهاد في تربيتهم تربية يلتزمون فيها طريق النجاح. وتقوم ابنتها بدورها الرائد وراء الرجل فتكون كما يذكر (وراء كل عظيم امرأة) حيث تعيد دور الأم مع زوجها وأبنائها وأسرتها، وتستمر مسيرة الحياة الناجحة إلى ما شاء الله لها، فتجني الثمرة بجهدها معهم وصبرها، وحلمها وكفاحها، وتكون قدوة ورائدة لأجيال تالية بعدها ومن ورائها.

[1] انظر: تفسير السيوطي عند هذه الآية (البقرة 187)، وأيضا الجامع لأحكام القرآن للقرطبي عند الآية (187) من سورة البقرة، مج 1 ج 2 ص 210 - 212.

د. سامية منيسي

Adsense Management by Losha