مشاهدة النسخة كاملة : من بلاغة القران الكريم موضوع رقم 20 ((فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقي


فريق منتدى الدي في دي العربي
02-26-2016, 05:42 PM
من بلاغة القران الكريم موضوع رقم (20) في((فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين))
قال تعالى:(( فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين)) (83-87) الواقعة

تتحدثُ هذه الايات عن لحظة النزاع وخروج الروح لإنسان يحتضر وحوله أهله وأحباؤه وأصحابه، وكلهُم لا يريد له الموت ،وأمنياتهم ان يعود للحياة، فيأتي الجواب من الله تعالى((ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون)) أي أن ملك الموت بأمر الله أقرب إليه منكم ولكنكم لا ترونه، ثم يأتي بيان أو جواب اخر ب((فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين)) أي كأنه يقول ((فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين)) فتحققوا رغبتكم في إنقاذ منْ يحتضر عندكم، فأنتم أولى بدفع الموت عن أنفسكم عندما تحتضرون إن كنتم صادقين.
ونلاحظ هنا أن الله تعالى قد حذف جواب(لولا) والتقدير ((فلولا إن كنتم غير مدينين فترحعونها إن كنتم صادقين)) حيث إن جواب لولا عادةً يكون مقروناً بالفاء أو اللام ، من مثل قوله تعالى :(( فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون)) الصافات (87) . ومن مثل((


] ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين )) القصص 135.
وقد جاء حذف جواب (لولا) في قمة البلاغة في الاية المقصودة، وذلك لوجود الشرط المانع من الجواب وهو((إن كنتم غير مدينين)) إذ الواقع المحسوس أن كلّ الأحياء مدينون لله تعالى بقبض أرواحهم، فحقُّ الدين انْ يُستوفى في حينه أي في موعده قال تعالى((فإذا جاء أجلُهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون)) فكيف تنقذون منْ يحتضر ولا تستطيعون إنقاذَ أنفسكم ساعة الاحتضار بمجيء الأجل؟
ولذلك فالجواب ممتنع لوجود الشرط المانع المؤكد، والذي لا يحتمل معنى المخالفة لأن معنى((إن كنتم غير مدينين)) هو أنكم مدينون حتماً فجاءت المخالفة تفسيراً للاية، ولذلك فهي غير موجودة أصلاً ،على خلاف ما في قوله تعالى((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم)) محمد 47، فإن احتمالية المخالفة واردة ((إن لا تنصروا الله لا ينصركم)). ومن مثل قوله تعالى:(( (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً) النساء( 3 ) فاحتمالية العدل واردة وبالتالي يكون التعدد وراداً، بمعنى أن مفهوم المخالفة وارد فجاء الجواب مقروناً بالفاء ، ومن مثل:(( وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنّ غَفُورٌ رَّحِيم )
{33}النور ،فإن المخالفة هنا معطلة لوجود حكم حرمة الزنا((ولا تقربوا الزنا إن كان فاحشةً وساء سبيلاً)) الإسراء، وهكذا نستنتج أن المخالفة تُعطَّلُ في حالتين: الأولى: في حال مخالفتها للواقع المحسوس، كما في اية((فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين))لأن الواقع أن كل حيّ مدين لله تعالى بقبض روحه إذا جاء الأجل.
أما الثانية :وجود حكم بنصٍ يعطل المخالفة كما في قوله ((ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردنَ تحصناً))
وكذلك فقد جاء جواب الشرط في الاية المقصودة غيرّ مجزوم في (ترجعونها) إذ التقدير (فترجعونها) ،من مثل:(( إنْ تنصروا الله ينصرْكم ويثبتْ أقدامكم))،ومن مثل قوله تعالى :(( إنهم إنْ يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذاً أبداً)) الكهف 20 ،وقد جاء تعطيل الجزم ليتوافق مع تعطيل جواب(لولا)
فالفعل المضارع إذا عُطِّلَ-في موضع حقُّه فيه الجزم-يدلُ على وجود أمر بلاغي يُستبطُ من النص ، فتعطيل الجزم يدل على تعطيل جواب الشرط غير ممكن التحقيق أصلا كما بينا سابقاً، والذي لا يحتمل مفهوم المخالفة ،كما أن جواب الشرط المعطل جاء بصيغة المضارع مع أن فعل الشرط (كنتم)جاء بصيغة الماضي، وذلك ليدل على الاستمرارية في حدوث هذا الأمر في كل زمان ومكان يبين فيه حال المحتضِر ومن حوله. والحمد لله رب العالمين
((الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)) هود (1)

بقلم الشاعر :داود العرامين

Adsense Management by Losha