مشاهدة النسخة كاملة : الدار تنقسم إلى دارين لا ثالث لهما، للشيخ أحمد بن حمود الخالدي


فريق منتدى الدي في دي العربي
10-05-2017, 09:21 AM
في كتاب (إنجاح حاجة السائل في أهم المسائل) للشيخ أحمد بن حمود الخالدي، الذي قدَّم له الشيخان حمود بن عقلاء الشعيبي وعلي الخضير، جاء ما يلي:


{فصل في بيان أقسام الدور وأحكام أهلها}


إذاً فالدار تنقسم إلى دارين لا ثالث لهما:
(أ)دار كفر: كحال مكة قبل البعثة وبعدها، قال تعالى {القرية الظالم أهلها} وقوله تعالى {سأريكم دار الفاسقين}.
(ب)ودار الإسلام: كالمدينة بعد الهجرة، فإن الهجرة كانت واجبة من مكة إلى المدينة قال تعالى {والذين تـبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم}، حتى فُتحت مكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا هجرة بعد الفتح" متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
فدار الإسلام هي التي تعلوها أحكام الإسلام، وإن كان جمهور أهلها كفاراً، كحال المدينة في أول الأمر قبل نبذ العهود وإجلاء اليهود، وكذا اليمن ونجران والبحرين والشام في زمن عمر رضي الله عنه.
ودار الكفر هي التي تعلوها أحكام الكفار وإن كان جمهور أهلها مسلمين كدار العبيديين الذين ملكوا مصر والشام والمغرب.
فمتى كانت الشوكة للكفار جرَت أحكامُهم وعَلَت، ومتى كانت الشوكة للمسلمين عَلَت أحكامهم لا محالة، فالحكم للغالب لا المغلوب، وأحوال البلاد كأحوال العباد، تارة مؤمنة وتارة كافرة، وذلك لأن صفتها عارضة ليست لازمة، والحكم يدور مع عِلَّته وجوداً وعدماً، وأما إذا طرأ على الولاة الكفرُ، وهم مع ذلك لا يُجْرُون أحكامَ الكفر في البلاد، ولا يَمنعون من إظهار شعائر الإسلام، ولأهل الدين حَوزة واجتماع على الحق، وهم في ذلك مُظهِرون لدينهم، ولا أحد يَمنعهم من ذلك، فالبلد حينئذٍ بلد إسلام لعدم إجراء أحكام الكفر عليها، ولكن يجب إزالة هذا الحاكم المرتد، وتنصيب غيره إن أمكن ذلك بلا مفسدة وفتنة.
وتنقسم دار الكفر إلى: كفار حربين أو كفار معاهدين:
فالحربيون: كأهل مكة قبل صلح الحديبية.
والمعاهدون: كأهل مكة بعد الصلح.
وأما أهل الذمة فدارهم دار إسلام، لأنهم تحت حكم المسلمين وبذمتهم آمنين، فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجزية من اليهود والنصارى لقوله تعالى {حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون}، وأخذها (من مجوس هجر) أخرجه البخاري من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.


{ فصل في وجوب الهجرة وبيان أحكامها}


فإن وُجدت الداران كانت الهجرة واجبة من دار الكفر إلى دار الإسلام، (والهجرة في اللغة الانتقال من أرض إلى أرض، وفي الشرع الانتقال من مواضع الشرك والمعاصي إلى بلد الإسلام والطاعة، فكل موضع لا يَقدر الإنسان فيه على إظهار دينه يجب عليه أن يهاجر إلى موضعٍ يَقدر فيه على إظهار دينه) قاله الشيخ سعد بن عتيق، قال الله تعالى "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم" إلى قوله تعالى "أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين" ولقوله تعالى {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً} ولقوله صلى الله عليه وسلم (أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين)، وفي حديث (لا تتراءى ناراهما)، وفي حديث آخر (من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله) وكلها في السنن فمن تركها -الهجرة- وهو قادر عليها، فهو مرتكبُ حراماً بالإجماع، ومتى تمكن المرء من إظهار دينه استُحبت له لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة الطويل (اؤمرهم أن يتحولوا من دارهم إلى دار المهاجرين، فإن أَبَوْا فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين) رواه مسلم.
وأما المستضعفون وهم الذين لا يتمكنون من إظهار دينهم لضعفهم وعدم المنَعَة، ولا يستطيعون الهجرة لعجزهم وعدم قدرتهم عليها، فقد استثناهم الله في قوله تعالى {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا}، وفي الآية الأخرى {ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرِجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصراً}، فهم لا يستطيعون النهوض والخروج، ولو استطاعوا لم يهتدوا إلى ذلك سبيلا، وهم مع ذلك يَدعون ربهم أن يُخرجهم من دار الكفر إلى دار الإسلام، وأن يؤيدهم بالأنصار والأولياء الذين يستنقذونهم من أيدي الكفار.
وإذا ظهرت البدع وانتشر الفسق في دار الإسلام شرعت الهجرة إلى دار السنة والإيمان، فإن عُدمَت دار الإسلام وجبت الهجرة إلى أخفِّ الضررَين من أجل إقامة الدين والقيام به، كأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى أرض الحبشة وهي دار النصارى في ذلك الوقت، وقال إن فيها ملكاً لا يُظلم عنده أحد، وقد قال تعالى {يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون}.

Adsense Management by Losha