فريق منتدى الدي في دي العربي
03-06-2016, 05:56 PM
مشكلات يعاني منها شاب ملتزم
أ. مروة يوسف عاشور
السؤال
♦ ملخص السؤال:
شاب ملتزم يشتكي من إعجابه بالفتيات، مع عدم قدرته على الزواج أو التقدُّم للخطبة، ويسأل عن الحُلول التي يمكن اتباعها للحد من هذه المشكلة.
♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نشكر شبكةَ الألوكة، ونشكر شخصكم في الإسهام في حلِّ جميع أنواع المشكلات، وأسأل الله سبحانه أن يجعلَ ذلك في موازين حسناتكم.
أنا شابٌّ مُلتزم كَتومٌ هادئ جدًّا، مُشكلتي تتمثل في:
• عندي مشكلة عاطفيةٌ، وهي أنني كلما رأيتُ فتاةً مُلتزِمة أُفتَن بها، ويَنتابنُي شعورٌ غريبٌ، فيه طابع مِن البهجَةِ، أو شيء مِن هذا القبيل، لكن سرعان ما أستغفر الله، وأغضُّ بصري، والمُشكلةُ أنني كلما حاولتُ ألا أنظر فشلتُ بسبب الاختلاط الذي نشكو منه في بلادِنا في كل مكان: الكليات - المواصلات - القطار!
• فأنا أقضي في القطار 3 ساعات كل يوم للذهاب إلى الكلية، وفي كثير مِن الأحيان يُوافِق ميعادي وقت خروج الأخوات اللاتي يَدرُسنَ في كلية العلوم الشرعيَّة، فأحاول تغيير العرَبة دائمًا، لكن يبقى الحالُ كما هو؛ إما بسبب الزِّحام الشديد، أو خوفًا مِن سوء فهم الشخص الذي يجلس بجانبي أو أمامي، أحاول شَغل وقتي بقراءة كتابٍ دِيني، والآن أسعى إلى شراء حاسوب لَوْحِيٍّ (آيباد) لأنشغلَ به.
المشكلة أنني لا أَشعُر بهذا الشيء إلا عندما أرى بنتًا مُلتزمةً ومُتديِّنةً بشكلٍ تامٍّ، مِن حيث حياؤُها، تَصرُّفاتها، لباسُها، أمَّا البنات الأُخرَيات فلا أنظر إليهنَّ إطلاقًا!
ومِن تحليلي لشخصيَّتي، وجدتُ أنه يُمكن أن يكونَ ذلك بسبب تَفكيري في الزواج والزَّوجة الصالِحة، وأيضًا لشَوقي إلى الحنان الذي فقدتُه في العائلة، أو شيء مِن هذا القَبيل، مع العِلم أني لا أستطيع الزَّواج إلا بعد 4 - 5 سنوات مِنَ الآن، بعد أن أكمل دِراستي، وأبحث عنْ عملٍ.
وفي الوقت نفسِه تدرس معي بنتٌ منذ السنة الماضية، وستظلُّ تَدرُس معي عامين آخَرين، وبصراحة أنا مُعجَب بها جدًّا، بحيائها وأخلاقها ودرجة التِزامها، حاولتُ تغيير الفصل لكنني لم أستطِع؛ لعدم توفُّر فصل آخَر في نفس التخصُّص، ومما زاد الأمر سوءًا أننا في الكلية عندنا مشروع يقوم به طالبان، واختيار الأشخاص يكون بصفة آليةٍ، ومِن حظِّي أن خرَج اسمي مع اسم هذه الأخت في نفس المشروع، حاولتُ الحَديث مع الأستاذة، لكنَّها رفضتْ، فأنا خائفٌ جدًّا وحائر، ولا أدري ماذا أفعل؟ فأنا لا أتحدَّث مع الفتيات ألبتة، إلا إذا ألقيتُ عليهنَّ السلام.
• المشكلة الثانية: تربَّيتُ في عائلةٍ شبْه مُلتزِمة؛ حيث كنتُ ممنوعًا من الخروج، مع مُراقَبة مُستمِرَّة منذ الصِّغَر، أعذر والدي وأمي في هذا الشيء؛ لأنهما كانا يَخافان عليَّ؛ لأننا نَسكُن في منطقةٍ ليس فيها شابٌّ واحدٌ مُلتزِم تقريبًا في عمري، مما سبَّب لي كثيرًا مِنَ المشاكل النفسية مِن قبيل الخجَل، والرَّهبة الاجتماعية، وعدم القدرة على التَّأقلُم مع الناس، مع أني كُنت أُدرِك الصَّحيح مِن الخَطأ، لكن ماذا نفعل؟!
• أنا أشكو الآن مِن الوَحدة، حاولتُ الخُروج والبحث عن دروس تعليم التجويد، ودائمًا ما تكون الصداقات سطحيَّةً فقط، مما أدَّى إلى إدمان الحاسوب والعادة السريَّة، وأنا الآن أعمل على التغيير، وقد اخترْتُ اليوم الذي يُقابل يوم مولدي يومًا للثورة على نفسي!
عملتُ "بلوك نوت"، وأحاول ترتيب وقتي بين المُحافَظة على الصلاة في المسجد والرياضة، وعزمتُ على دراسة السيرة النبوية في رمضان، ومواصَلة حفظِ كتاب الله، لكنني أجد صُعوبةً في الانضِباط ببرنامجٍ، والخُروج مِن العُزلَة.
أرجو أن تشيروا عليَّ بخبرتكم كيف يمكنني تطوير نفسي وحل مشكلاتي؟
وجزاكم الله خيرًا
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مِنَ الأخطاء التي يقع فيها بعضُ الملتزمين: عدمُ التفريق بين مُجاهَدة النفس، وكَبْت النفس!
مَن قال لكَ: إن عليك أن تُحاربَ كلَّ فكرة تطرأ على عَقلِك؟ مَن أنبأك أنه غير مسموح لك أن تُعجَب بفتاة وقعتْ عليها عيناك عن غير قصْد؟ مَن أخبرَك أن المَيل الفِطريَّ والانجِذاب الطبيعي للجنس الآخَر جريمة لا تُغتفَر؟
هوِّن على نفسك يا أخي؛ فالله تعالى لا يُكلِّف نَفسًا إلا وُسْعها، واعلم أن الله - الذي هو أرحَم بك مِن والدتِك ووالدك والناس كافَّة - لم يَنْهَكَ عن شيء لا تَستطيعُه نفسُك؛ ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، فدعْ عنك فِكرة الثورات، واتركْ أمر الانتِقام مِن النفس وتَعذيبها باللوم والتقريع!
غير أن مَن لم يُعذِّبْك بفِكرة تطرأ على قلبك، وخاطِرة تَخطر على عقلك - قد حرَّم عليك النظرَ عن قصْدٍ، والتحدُّثَ بغير حاجة، والخَلوةَ، والتعامُلَ المُباشِر، والنظرُ سهمٌ من سهام الشيطان يَخرق به قلوب المؤمنين؛ فيُزعزِع إيمانهم، ويُحرِّك غرائزهم، ويَنزِع عنهم التُّقى، فلا يذرهم إلا وقد زال عنهم الحياء الذي هو شُعبة مِن شعبِ الإيمان وعُنوان الحياة القَويمة.
والآن إلى مُناقَشة ما تَشكو منه:
أولًا: مَيلُك القلبيُّ نحو الفتيات المُلتزِمات عمومًا، وزميلتك خصوصًا:
وضَع اللهُ الميل القَلبي بين الذَّكرِ والأنثى، وجعل الأمر خارِجًا عن إرادة البشر؛ لحِكمة قضاها - عزَّ وجل - ولا يَستطيع إنسانٌ أن يتغلَّب على تلك المَشاعِر أو يُسيطِر عليها ويُسيِّرها على حسب ما يُريد، ولو كان لبشرٍ هذه السلطة لارتاح العالَم مِن كثيرٍ مِن المُشكلات والمُنغِّصات، وكذلك الثروة الشِّعرية والحَصيلة الأدبيَّة كانت ستَتناقصُّ بلا شكٍّ!
على كل حال لا حيلة لك فيما تَشعُر به مِن ميلٍ فِطريٍّ تجاه الجِنس الآخَر، وفي عُمرِك وحالك الذي ذكرتَ قد تَزيد تلك المشاعر وتنمو هذه الأحاسيس، فلا داعي لكَبْتِها، ولا حاجة إلى وَأْدِها، وإنما عليكَ أن تتقبَّل نفسك، وألا تُعنِّفها، وألا تُحمِّلها فوق طاقتها، ألستَ تشغل نفسكَ عنهنَّ بالقراءة، وتسعى لشراء الحاسوب اللوحي (آيباد)؟ وفي الحقيقة فإني أُشجِّعك كثيرًا على هذه الفِكرة، وأؤيِّدها بكل قوة؛ فالذي أرى فيما حولي أن مَن يَعمل على الحاسوب المحمول - بصرف النظر عما يُعرَض أمامه - يُحلِّق بعيدًا عن كل ما حوله، ويَنعزِل كثيرًا عن كل ما يُحيط به، فأجدهم وكأنهم ذهلوا عن الواقع؛ فلا يُحسِنون الاستِجابة، ولا يُجِيدون الاستماع، ولا يَنظرون حولهم - إلا فيما ندر - ولا يَتجاوَبون مع مُحدِّثهم، إلا أن يَبتكِر أساليبَ قويةً وفعَّالة لنزعِهم مما انغمَسوا فيه، وظني أن هذا الخيار سيُحقِّق لك الكثير مِن النتائج الطيِّبة والمُثمِرة، على أن يكونَ انشغالُك بما ينفعك.
الأمر الذي أريد أن أطرحه عليك، وعلى كل شابٍّ ليس لديه الاستِعداد الكافي للزَّواج، ولا يجد في نفسه الصبر على تأخُّر الزواج: أن يبحثَ عنْ عائلة تقبَل أن يَعقِد على ابنتِهم، ويكون إرجاء الزفاف حتى يُكمِل استعداده، وإن كان هذا الأمر لا يُحقِّق للشباب الغرَض مِن الزواج، إلا أنه يُحقِّق مِن إشباع العاطِفة وريِّ المشاعر ما يُعِين الشابَّ على غضِّ بصره، واستِقرار حالته النفسيَّة بما يَكفيه للاستمرار في حياته العمليَّة، ولا أُنكِر أن غالب الأولياء لا يقبلون شابًّا أمامه عدة سنوات، لكنك لن تعدمهم، ولن يضرَّك البحث.
وهذه الزميلةُ إن لم تتمكَّن مِن استبدالِ شابٍّ بها مِن جنسِك، فلن تعجز أن تجعلَ التعامُل معها في أضيق الحُدود، مع غضِّ بصرك عنها، وتبادُلُ الكتب أو إعادة ما يَخصُّها ليس مما يُضطر إليه المرء، فقد تَترُك لها أغراضها مع أحد العمَّال، عِوَضًا عن تسليمها إياها بنفسك!
ثانيًا: الانعزال وصعوبة التأقْلُم مع واقعِك:
لا شكَّ أن للبيئة كبيرَ الأثر على سلوك الإنسان، وآرائه، ومُيوله، وحاله كلِّه، ولا حاجة للخَوض في أخطاء الأهل في المُبالَغة في الخوف على أبنائهم وعزلِهم عن المجتمع، بما يُسبِّب لهم العديد مِن المشكلات، لكن الاستِسلام لمثْلِ هذه الأفكار والعيش تحت شِعار ظُلمِ الأهل؛ لا يُجدي نَفعًا، ولا يُحقِّق نجاحًا الآن.
الخجَل في العادَة يَنشأ عن اعتِقادٍ خاطئ عن اهتمام الناس بِنا وملاحظتِهم إيَّانا، ولتعلمْ - وكل خَجول - أن الناس لا يَهتمُّون بأمرك على الصورة التي تَعتقِد، فلن يَنخرِطوا في نَوبة مِن الضَّحِك إن تعثَّرتَ أمامهم - كما تظنُّ - ولن يمرَّ ذلك الموقف بخاطِرهم ولو بعد دقيقة واحدة على الأغلب، ولعلَّك إن ذكَّرتَ نفسك بذلك وعَلِمتَه انخفض مُعدَّل الخَجَل لديك، واعتدَلتْ مَشاعرك، وتمكَّنتَ مِن مواجهة الكثير مِن المواقف التي كنتَ تخشى.
كذلك الرهاب الاجتماعي لن يختلفَ أمره كثيرًا عن الخجل أو الانعزال، والمواقع النفسيَّة مليئة بالتحدُّث عن أمورٍ مِن شأنها أن تُخفِّف مِن حدة الرهاب وخطوات تُعزِّز الثِّقة بالنفس بصورة مُعتدِلة، فلا حاجة لنا إلى تَكرارها وعرْضِها لملء الاستشارة بالحديث عنها، بَيْدَ أني أُذكِّرك - وكل مرتكب لمعصية؛ سواء كانت العادة الخبيثة، أو غيرها من المعاصي - أن الله تعالى قد يَبتلِي العاصي بما يُنغِّص عليه عيشه، ويُسلِّط عليه مِن الأمراض الروحيَّة أو البدنية ما يَجعل حياته سِلسلَةً مِن الهموم والأكدار؛ قال ابن القيِّم - رحمه الله -: "العزُّ كل العِز في طاعة الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [فاطر: 10]؛ أي: فليطلبها بطاعة الله؛ فإنه لا يَجدها إلا في طاعته، وكان مِن دعاء بعض السلَف: "اللهم أَعزَّني بطاعتك ولا تُذلَّني بمعصيتك"، قال الحسن البصري: إنَّهم وإن طقطَقتْ بهم البِغال، وهَملَجتْ بهم البَراذين؛ فإنَّ ذُلَّ المعصية لا يُفارق قلوبهم"؛ ا.هـ "الجواب الكافي".
ثالثًا: الثورة على المعصية والخروج منَ العُزلة:
• لا أُشجِّع أمرَ الثورات، وربط التوبة بزمانٍ أو مكان، وإنما عليك التوبة والإقلاع عن الذنب على الفور؛ ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].
فلستَ بحاجةٍ لربط توبتِك بزمن تَحسب صَلاحه لمثل ذلك؛ حيث قد تَعودُ في لحظات ضعف أو في لحظات بُعدِك عن الله، وتَرتكِب الذنب من جديد، وهنا قد يَحصُل لك مِن الإحباط وخيبة الأمل ما لا يُعِينك على تجديد التوبة وتَكرار الاستغفار؛ وربط التوبة بزمن مُستقبَليٍّ مع الاستمرار في مُقارَفة الذنب من الإصرار على المعصية، وإن كنتَ تخشى العودة إلى ذنبِك وتؤخِّره لهذا السبب، فاسمع إلى قول أبي هريرة رضي الله عنه: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: ((أذنبَ عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهم اغفرْ لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنَب عبدي ذنبًا، فعلِم أن له ربًّا يَغفِر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي ربِّ، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعَلِم أن له ربًّا يَغفِر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي ربِّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلِم أن له ربًّا يَغفِر الذنب ويأخذ بالذنب، واعمل ما شئتَ فقد غفرتُ لك))؛ فعليك التعجيل بالتوبة وتجديدها كلما مسَّك طائفٌ من الشيطان؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201].
الانضِباط أو السير على جدول مُحدَّد وبرنامج مُعيَّن لن يسهلَ في البداية عليك بلا شكٍّ، بل سيحتاج الأمر إلى إعادة برمَجةِ ما عزمتَ عليه، وتغيير الخُطَط على حسب ما يتبيَّن لك، وعلى حسب إمكاناتك وقدراتك الفعلية؛ فليس الخبر كالمُعايَنة، وليس الواقع كالخيال، وعليك فقط أن تبدأ يومك بكتابة ما تَعزِم على فعله، وفي نهاية اليوم تَنظُر أين مكامِن الخلل، وما الذي تمَّ تنفيذه، وما عجزتَ عنه، وبعد أن تفهم نفسك جيِّدًا وتتعرَّف على مَواطن قوتك وضعفِك، سيكون جدول الغد أفضل، ونتائجه أجمل، على أن تُكرِّر ذلك كل يوم دونَ ملل.
• من أكثر ما يُعِينك على التحرُّر مِن عُزلتك المحافظةُ على صلاة الجماعة، فروح التآخي في اجتماع المصلين في المسجد يُقرِّب النفوس، ويَنشُر المحبَّة بين القلوب، وإن لم تتعدَّ العَلاقات في البداية الخطَّ السطحي، فلن يلبث الأمر أن يتحسَّن بشكل ملحوظ، والتقارُبُ النفسيُّ والروحيُّ بينك وبين إخوانك في المسجد سيعمل على كسْرِ ذلك الحاجز الذي وضعتْه نشأتُك، ورسمتْه بيئتُك.
وفَّقك الله، ويسَّر أمرك، وشرَح صدرك، والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل
أ. مروة يوسف عاشور
السؤال
♦ ملخص السؤال:
شاب ملتزم يشتكي من إعجابه بالفتيات، مع عدم قدرته على الزواج أو التقدُّم للخطبة، ويسأل عن الحُلول التي يمكن اتباعها للحد من هذه المشكلة.
♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نشكر شبكةَ الألوكة، ونشكر شخصكم في الإسهام في حلِّ جميع أنواع المشكلات، وأسأل الله سبحانه أن يجعلَ ذلك في موازين حسناتكم.
أنا شابٌّ مُلتزم كَتومٌ هادئ جدًّا، مُشكلتي تتمثل في:
• عندي مشكلة عاطفيةٌ، وهي أنني كلما رأيتُ فتاةً مُلتزِمة أُفتَن بها، ويَنتابنُي شعورٌ غريبٌ، فيه طابع مِن البهجَةِ، أو شيء مِن هذا القبيل، لكن سرعان ما أستغفر الله، وأغضُّ بصري، والمُشكلةُ أنني كلما حاولتُ ألا أنظر فشلتُ بسبب الاختلاط الذي نشكو منه في بلادِنا في كل مكان: الكليات - المواصلات - القطار!
• فأنا أقضي في القطار 3 ساعات كل يوم للذهاب إلى الكلية، وفي كثير مِن الأحيان يُوافِق ميعادي وقت خروج الأخوات اللاتي يَدرُسنَ في كلية العلوم الشرعيَّة، فأحاول تغيير العرَبة دائمًا، لكن يبقى الحالُ كما هو؛ إما بسبب الزِّحام الشديد، أو خوفًا مِن سوء فهم الشخص الذي يجلس بجانبي أو أمامي، أحاول شَغل وقتي بقراءة كتابٍ دِيني، والآن أسعى إلى شراء حاسوب لَوْحِيٍّ (آيباد) لأنشغلَ به.
المشكلة أنني لا أَشعُر بهذا الشيء إلا عندما أرى بنتًا مُلتزمةً ومُتديِّنةً بشكلٍ تامٍّ، مِن حيث حياؤُها، تَصرُّفاتها، لباسُها، أمَّا البنات الأُخرَيات فلا أنظر إليهنَّ إطلاقًا!
ومِن تحليلي لشخصيَّتي، وجدتُ أنه يُمكن أن يكونَ ذلك بسبب تَفكيري في الزواج والزَّوجة الصالِحة، وأيضًا لشَوقي إلى الحنان الذي فقدتُه في العائلة، أو شيء مِن هذا القَبيل، مع العِلم أني لا أستطيع الزَّواج إلا بعد 4 - 5 سنوات مِنَ الآن، بعد أن أكمل دِراستي، وأبحث عنْ عملٍ.
وفي الوقت نفسِه تدرس معي بنتٌ منذ السنة الماضية، وستظلُّ تَدرُس معي عامين آخَرين، وبصراحة أنا مُعجَب بها جدًّا، بحيائها وأخلاقها ودرجة التِزامها، حاولتُ تغيير الفصل لكنني لم أستطِع؛ لعدم توفُّر فصل آخَر في نفس التخصُّص، ومما زاد الأمر سوءًا أننا في الكلية عندنا مشروع يقوم به طالبان، واختيار الأشخاص يكون بصفة آليةٍ، ومِن حظِّي أن خرَج اسمي مع اسم هذه الأخت في نفس المشروع، حاولتُ الحَديث مع الأستاذة، لكنَّها رفضتْ، فأنا خائفٌ جدًّا وحائر، ولا أدري ماذا أفعل؟ فأنا لا أتحدَّث مع الفتيات ألبتة، إلا إذا ألقيتُ عليهنَّ السلام.
• المشكلة الثانية: تربَّيتُ في عائلةٍ شبْه مُلتزِمة؛ حيث كنتُ ممنوعًا من الخروج، مع مُراقَبة مُستمِرَّة منذ الصِّغَر، أعذر والدي وأمي في هذا الشيء؛ لأنهما كانا يَخافان عليَّ؛ لأننا نَسكُن في منطقةٍ ليس فيها شابٌّ واحدٌ مُلتزِم تقريبًا في عمري، مما سبَّب لي كثيرًا مِنَ المشاكل النفسية مِن قبيل الخجَل، والرَّهبة الاجتماعية، وعدم القدرة على التَّأقلُم مع الناس، مع أني كُنت أُدرِك الصَّحيح مِن الخَطأ، لكن ماذا نفعل؟!
• أنا أشكو الآن مِن الوَحدة، حاولتُ الخُروج والبحث عن دروس تعليم التجويد، ودائمًا ما تكون الصداقات سطحيَّةً فقط، مما أدَّى إلى إدمان الحاسوب والعادة السريَّة، وأنا الآن أعمل على التغيير، وقد اخترْتُ اليوم الذي يُقابل يوم مولدي يومًا للثورة على نفسي!
عملتُ "بلوك نوت"، وأحاول ترتيب وقتي بين المُحافَظة على الصلاة في المسجد والرياضة، وعزمتُ على دراسة السيرة النبوية في رمضان، ومواصَلة حفظِ كتاب الله، لكنني أجد صُعوبةً في الانضِباط ببرنامجٍ، والخُروج مِن العُزلَة.
أرجو أن تشيروا عليَّ بخبرتكم كيف يمكنني تطوير نفسي وحل مشكلاتي؟
وجزاكم الله خيرًا
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مِنَ الأخطاء التي يقع فيها بعضُ الملتزمين: عدمُ التفريق بين مُجاهَدة النفس، وكَبْت النفس!
مَن قال لكَ: إن عليك أن تُحاربَ كلَّ فكرة تطرأ على عَقلِك؟ مَن أنبأك أنه غير مسموح لك أن تُعجَب بفتاة وقعتْ عليها عيناك عن غير قصْد؟ مَن أخبرَك أن المَيل الفِطريَّ والانجِذاب الطبيعي للجنس الآخَر جريمة لا تُغتفَر؟
هوِّن على نفسك يا أخي؛ فالله تعالى لا يُكلِّف نَفسًا إلا وُسْعها، واعلم أن الله - الذي هو أرحَم بك مِن والدتِك ووالدك والناس كافَّة - لم يَنْهَكَ عن شيء لا تَستطيعُه نفسُك؛ ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، فدعْ عنك فِكرة الثورات، واتركْ أمر الانتِقام مِن النفس وتَعذيبها باللوم والتقريع!
غير أن مَن لم يُعذِّبْك بفِكرة تطرأ على قلبك، وخاطِرة تَخطر على عقلك - قد حرَّم عليك النظرَ عن قصْدٍ، والتحدُّثَ بغير حاجة، والخَلوةَ، والتعامُلَ المُباشِر، والنظرُ سهمٌ من سهام الشيطان يَخرق به قلوب المؤمنين؛ فيُزعزِع إيمانهم، ويُحرِّك غرائزهم، ويَنزِع عنهم التُّقى، فلا يذرهم إلا وقد زال عنهم الحياء الذي هو شُعبة مِن شعبِ الإيمان وعُنوان الحياة القَويمة.
والآن إلى مُناقَشة ما تَشكو منه:
أولًا: مَيلُك القلبيُّ نحو الفتيات المُلتزِمات عمومًا، وزميلتك خصوصًا:
وضَع اللهُ الميل القَلبي بين الذَّكرِ والأنثى، وجعل الأمر خارِجًا عن إرادة البشر؛ لحِكمة قضاها - عزَّ وجل - ولا يَستطيع إنسانٌ أن يتغلَّب على تلك المَشاعِر أو يُسيطِر عليها ويُسيِّرها على حسب ما يُريد، ولو كان لبشرٍ هذه السلطة لارتاح العالَم مِن كثيرٍ مِن المُشكلات والمُنغِّصات، وكذلك الثروة الشِّعرية والحَصيلة الأدبيَّة كانت ستَتناقصُّ بلا شكٍّ!
على كل حال لا حيلة لك فيما تَشعُر به مِن ميلٍ فِطريٍّ تجاه الجِنس الآخَر، وفي عُمرِك وحالك الذي ذكرتَ قد تَزيد تلك المشاعر وتنمو هذه الأحاسيس، فلا داعي لكَبْتِها، ولا حاجة إلى وَأْدِها، وإنما عليكَ أن تتقبَّل نفسك، وألا تُعنِّفها، وألا تُحمِّلها فوق طاقتها، ألستَ تشغل نفسكَ عنهنَّ بالقراءة، وتسعى لشراء الحاسوب اللوحي (آيباد)؟ وفي الحقيقة فإني أُشجِّعك كثيرًا على هذه الفِكرة، وأؤيِّدها بكل قوة؛ فالذي أرى فيما حولي أن مَن يَعمل على الحاسوب المحمول - بصرف النظر عما يُعرَض أمامه - يُحلِّق بعيدًا عن كل ما حوله، ويَنعزِل كثيرًا عن كل ما يُحيط به، فأجدهم وكأنهم ذهلوا عن الواقع؛ فلا يُحسِنون الاستِجابة، ولا يُجِيدون الاستماع، ولا يَنظرون حولهم - إلا فيما ندر - ولا يَتجاوَبون مع مُحدِّثهم، إلا أن يَبتكِر أساليبَ قويةً وفعَّالة لنزعِهم مما انغمَسوا فيه، وظني أن هذا الخيار سيُحقِّق لك الكثير مِن النتائج الطيِّبة والمُثمِرة، على أن يكونَ انشغالُك بما ينفعك.
الأمر الذي أريد أن أطرحه عليك، وعلى كل شابٍّ ليس لديه الاستِعداد الكافي للزَّواج، ولا يجد في نفسه الصبر على تأخُّر الزواج: أن يبحثَ عنْ عائلة تقبَل أن يَعقِد على ابنتِهم، ويكون إرجاء الزفاف حتى يُكمِل استعداده، وإن كان هذا الأمر لا يُحقِّق للشباب الغرَض مِن الزواج، إلا أنه يُحقِّق مِن إشباع العاطِفة وريِّ المشاعر ما يُعِين الشابَّ على غضِّ بصره، واستِقرار حالته النفسيَّة بما يَكفيه للاستمرار في حياته العمليَّة، ولا أُنكِر أن غالب الأولياء لا يقبلون شابًّا أمامه عدة سنوات، لكنك لن تعدمهم، ولن يضرَّك البحث.
وهذه الزميلةُ إن لم تتمكَّن مِن استبدالِ شابٍّ بها مِن جنسِك، فلن تعجز أن تجعلَ التعامُل معها في أضيق الحُدود، مع غضِّ بصرك عنها، وتبادُلُ الكتب أو إعادة ما يَخصُّها ليس مما يُضطر إليه المرء، فقد تَترُك لها أغراضها مع أحد العمَّال، عِوَضًا عن تسليمها إياها بنفسك!
ثانيًا: الانعزال وصعوبة التأقْلُم مع واقعِك:
لا شكَّ أن للبيئة كبيرَ الأثر على سلوك الإنسان، وآرائه، ومُيوله، وحاله كلِّه، ولا حاجة للخَوض في أخطاء الأهل في المُبالَغة في الخوف على أبنائهم وعزلِهم عن المجتمع، بما يُسبِّب لهم العديد مِن المشكلات، لكن الاستِسلام لمثْلِ هذه الأفكار والعيش تحت شِعار ظُلمِ الأهل؛ لا يُجدي نَفعًا، ولا يُحقِّق نجاحًا الآن.
الخجَل في العادَة يَنشأ عن اعتِقادٍ خاطئ عن اهتمام الناس بِنا وملاحظتِهم إيَّانا، ولتعلمْ - وكل خَجول - أن الناس لا يَهتمُّون بأمرك على الصورة التي تَعتقِد، فلن يَنخرِطوا في نَوبة مِن الضَّحِك إن تعثَّرتَ أمامهم - كما تظنُّ - ولن يمرَّ ذلك الموقف بخاطِرهم ولو بعد دقيقة واحدة على الأغلب، ولعلَّك إن ذكَّرتَ نفسك بذلك وعَلِمتَه انخفض مُعدَّل الخَجَل لديك، واعتدَلتْ مَشاعرك، وتمكَّنتَ مِن مواجهة الكثير مِن المواقف التي كنتَ تخشى.
كذلك الرهاب الاجتماعي لن يختلفَ أمره كثيرًا عن الخجل أو الانعزال، والمواقع النفسيَّة مليئة بالتحدُّث عن أمورٍ مِن شأنها أن تُخفِّف مِن حدة الرهاب وخطوات تُعزِّز الثِّقة بالنفس بصورة مُعتدِلة، فلا حاجة لنا إلى تَكرارها وعرْضِها لملء الاستشارة بالحديث عنها، بَيْدَ أني أُذكِّرك - وكل مرتكب لمعصية؛ سواء كانت العادة الخبيثة، أو غيرها من المعاصي - أن الله تعالى قد يَبتلِي العاصي بما يُنغِّص عليه عيشه، ويُسلِّط عليه مِن الأمراض الروحيَّة أو البدنية ما يَجعل حياته سِلسلَةً مِن الهموم والأكدار؛ قال ابن القيِّم - رحمه الله -: "العزُّ كل العِز في طاعة الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [فاطر: 10]؛ أي: فليطلبها بطاعة الله؛ فإنه لا يَجدها إلا في طاعته، وكان مِن دعاء بعض السلَف: "اللهم أَعزَّني بطاعتك ولا تُذلَّني بمعصيتك"، قال الحسن البصري: إنَّهم وإن طقطَقتْ بهم البِغال، وهَملَجتْ بهم البَراذين؛ فإنَّ ذُلَّ المعصية لا يُفارق قلوبهم"؛ ا.هـ "الجواب الكافي".
ثالثًا: الثورة على المعصية والخروج منَ العُزلة:
• لا أُشجِّع أمرَ الثورات، وربط التوبة بزمانٍ أو مكان، وإنما عليك التوبة والإقلاع عن الذنب على الفور؛ ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].
فلستَ بحاجةٍ لربط توبتِك بزمن تَحسب صَلاحه لمثل ذلك؛ حيث قد تَعودُ في لحظات ضعف أو في لحظات بُعدِك عن الله، وتَرتكِب الذنب من جديد، وهنا قد يَحصُل لك مِن الإحباط وخيبة الأمل ما لا يُعِينك على تجديد التوبة وتَكرار الاستغفار؛ وربط التوبة بزمن مُستقبَليٍّ مع الاستمرار في مُقارَفة الذنب من الإصرار على المعصية، وإن كنتَ تخشى العودة إلى ذنبِك وتؤخِّره لهذا السبب، فاسمع إلى قول أبي هريرة رضي الله عنه: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: ((أذنبَ عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهم اغفرْ لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنَب عبدي ذنبًا، فعلِم أن له ربًّا يَغفِر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي ربِّ، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعَلِم أن له ربًّا يَغفِر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي ربِّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلِم أن له ربًّا يَغفِر الذنب ويأخذ بالذنب، واعمل ما شئتَ فقد غفرتُ لك))؛ فعليك التعجيل بالتوبة وتجديدها كلما مسَّك طائفٌ من الشيطان؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201].
الانضِباط أو السير على جدول مُحدَّد وبرنامج مُعيَّن لن يسهلَ في البداية عليك بلا شكٍّ، بل سيحتاج الأمر إلى إعادة برمَجةِ ما عزمتَ عليه، وتغيير الخُطَط على حسب ما يتبيَّن لك، وعلى حسب إمكاناتك وقدراتك الفعلية؛ فليس الخبر كالمُعايَنة، وليس الواقع كالخيال، وعليك فقط أن تبدأ يومك بكتابة ما تَعزِم على فعله، وفي نهاية اليوم تَنظُر أين مكامِن الخلل، وما الذي تمَّ تنفيذه، وما عجزتَ عنه، وبعد أن تفهم نفسك جيِّدًا وتتعرَّف على مَواطن قوتك وضعفِك، سيكون جدول الغد أفضل، ونتائجه أجمل، على أن تُكرِّر ذلك كل يوم دونَ ملل.
• من أكثر ما يُعِينك على التحرُّر مِن عُزلتك المحافظةُ على صلاة الجماعة، فروح التآخي في اجتماع المصلين في المسجد يُقرِّب النفوس، ويَنشُر المحبَّة بين القلوب، وإن لم تتعدَّ العَلاقات في البداية الخطَّ السطحي، فلن يلبث الأمر أن يتحسَّن بشكل ملحوظ، والتقارُبُ النفسيُّ والروحيُّ بينك وبين إخوانك في المسجد سيعمل على كسْرِ ذلك الحاجز الذي وضعتْه نشأتُك، ورسمتْه بيئتُك.
وفَّقك الله، ويسَّر أمرك، وشرَح صدرك، والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل