فريق منتدى الدي في دي العربي
10-23-2017, 11:31 AM
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد..
فإن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم التي أكرمه الله بها كثرة الأسماء التي يُسمَّى بها، قال تعالى: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]. «وأسماؤه عليه الصلاة والسلام كلها نعوت ليست أعلامًا محضة لمجرد التعريف، بل أسماء مشتقة من صفات قائمة به توجب له المدح والكمال»[1].
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جبير ابن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ»[2].
قال السندي: «وكثرة الأسماء تدل على عِظَمِ المُسَمَّى، فلذا يقال عند التحقير: هذا شيء لا يُعرف له اسم.. ونحوه، وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم له أسماء أخر، فلعله خص هذه لشهرتها»[3].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح: «والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن لي خمسة أسماء أختص بها لم يُسم بها أحد قبلي، أو معظمة أو مشهورة في الأمم الماضية، لا أنه أراد الحصر فيها»[4].
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً، فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ»[5].
«قوله في الحديث: محمد، هو اسم مفعول من حمد، إذا كان كثير الخصال التي يُحمد عليها، وأما أحمد فهو أحمد الناس لربه، وأما قوله الماحي والحاشر والمقفي والعاقب، فقد فسرت في حديث جبير بن مطعم، فالماحي: هو الذي محا الله به الكفر، ولم يمح الكفر بأحد من الخلق ما محي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه بعث وأهل الأرض كلهم كفار إلا بقايا من أهل الكتاب، وهم ما بين عباد أوثان، ويهود مغضوب عليهم، ونصارى ضالين، وصابئة دهرية لا يعرفون ربًّا ولا معادًا، وبين عباد الكواكب، وعباد النار، وفلاسفة لا يعرفون شرائع الأنبياء، ولا يقرون بها، فمحا الله سبحانه برسوله ذلك حتى ظهر دين الله على كل دين، وبلغ دينه ما بلغ الليل والنهار، وسارت دعوته مسير الشمس في الأقطار، وأما الحاشر: فالحشر هو الضم والجمع، فهو الذي يحشر الناس على قدمه، فكأنه بُعث ليحشر الناس، والعاقب: الذي جاء عقب الأنبياء، فليس بعده نبي، فإن العاقب هو الآخر، فهو بمنزلة الخاتم، ولهذا سمي العاقب على الإطلاق، أي عقب الأنبياء، جاء بعقبهم.
وأما المقفي: فكذلك هو الذي قفَّى على آثار من تقدمه، فالمقفي الذي قفى من قبله من الرسل، فكان خاتمهم وآخرهم.
وأما اسمه المتوكل: ففي صحيح البخاري من حديث عطاء ابن يسار قال: لَقِيتُعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العاصِ رضي الله عنهما ، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّوْرَاةِ، قَالَ: أَجَلْ، واللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45] وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ فِيالأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيُفْتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا [6].
وأما نبي التوبة: فهو الذي فتح الله به باب التوبة على أهل الأرض، فتاب الله عليهم توبة لم يحصل مثلها لأهل الأرض قبله، وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس استغفارًا وتوبة، حتى كانوا يعدون له في المجلس الواحد مئة مرة: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَابُ الرَّحِيمُ» [7].
وكذلك توبة أمته أكمل من توبة سائر الأمم، وأسرع قبولًا، وأسهل تناولًا، وكانت توبة من قبلهم من أصعب الأشياء حتى كان من توبة بني إسرائيل من عبادة العجل *** أنفسهم، وأما هذه الأمة فلكرامتها على الله تعالى جعل توبتها الندم والإقلاع.
وأما نبي الملحمة: فهو الذي بعث لجهاد أعداء الله فلم يجاهد نبي وأمته قط ما جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته، والملاحم الكبار التي وقعت وتقع بين أمته وبين الكفار لم يعهد مثلها قط، فإن أمته ي***ون الكفار في أقطار الأرض على تعاقب الأعصار، وقد أوقعوا بهم من الملاحم ما لم تفعله أمة سواهم.
وأما نبي الرحمة: فهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين، فرحم به أهل الأرض كلهم مؤمنهم وكافرهم، أما المؤمنون فنالوا النصيب الأوفر من الرحمة، وأما الكفار، فأهل الكتاب منهم عاشوا في ظله، وتحت حبله وعهده، وأما من ***ه منهم هو وأمته فإنهم عجلوا به إلى النار، وأراحوه من الحياة الطويلة التي لا يزداد بها إلا شدة العذاب في الآخرة.
وأما الفاتح: فهو الذي فتح الله به باب الهدى بعد أن كان مرتجًا، وفتح به الأعين العمي، والآذان الصم، والقلوب الغلف، وفتح الله به أمصار الكفار، وفتح به أبواب الجنة، وفتح به طرق العلم النافع والعمل الصالح، ففتح به الدنيا والآخرة، والقلوب، والأسماع، والأبصار، والأمصار.
وأما الأمين: فهو أحق العالمين بهذا الاسم، فهو أمين الله على وحيه ودينه، وهو أمين من في السماء، وأمين من في الأرض، ولهذا كانوا يسمونه قبل النبوة الأمين.
وأما الضحوك القتال: فاسمان مزدوجان لا يفرد أحدهما عن الآخر، فإنه ضحوك في وجوه المؤمنين غير عابس، ولا مقطب، ولا غضوب، ولا فظ، قتَّال لأعداء الله لا تأخذه فيهم لومة لائم.
وأما البشير: فهو المبشر لمن أطاعه بالثواب، والنذير المنذر لمن عصاه بالعقاب، وقد سماه الله، عبده في مواضع من كتابه، منها قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ ﴾ [الجن: 19]، وقوله: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ﴾ [الفرقان: 1]، وقوله: ﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [النجم: 10]، وقوله: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا ﴾ [البقرة: 23]. وثبت عنه في الصحيح أنه قال: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِوَلَا فَخْرَ»[8].
وسماه الله سراجًا منيرًا، وسمى الشمس سراجًا وهاجًا، والمنير هو الذي ينير من غير إحراق، بخلاف الوهاج: فإن فيه نوع إحراق وتوهج[9].
وقد اختلف العلماء في أسماء كثيرة، هل تصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو لا؟ فأدى ذلك إلى اختلافهم في تعداد هذه الأسماء.
وقد كان من أهم أسباب الخلاف، أن بعض العلماء رأى كل وصف وصف به النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم من أسمائه، فعد من أسمائه مثلًا: الشاهد، المبشر، النذير، الداعي، السراج المنير، وذلك لقوله تعالى: ﴿ اأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45، 46].
كما تقدم في كلام ابن القيم رحمه الله: «في حين قال آخرون من أهل العلم: إن هذه أوصاف وليست أسماء أعلام».
قال النووي رحمه الله: «بعض هذه المذكورات صفات، فإطلاقهم الأسماء عليها مجاز»[10]. اهـ
وقال السيوطي رحمه الله: «وأكثرها صفات»[11].
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله بعدما ذكر خلاف العلماء في عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم: «وفي هذه الأعداد كثير من المبالغات، والصحيح أن أسماءه صلى الله عليه وسلم أقل من ذلك بكثير، ولا يجوز اعتبار كل وصف ثبت له في الكتاب والسنة من أسمائه الأعلام، فضلًا عن أن أسماءه توقيفية، لا يجوز الزيادة عليها بما لم يرد في الكتاب والسنة الصحيحة.
والذي له أصل في النصوص: إما اسم وهو القليل، أو وصف وهو أكثر، وما سوى ذلك فلا أصل له، فلا يطلق على النبي صلى الله عليه وسلم حماية من الإفراط والغلو، ويشتد النهي إذا كانت هذه الأسماء والصفات التي لا أصل لها فيها غلو وإطراء»[12].
وقال العلامة اللغوي ابن الطيب الفاسي: «وصف النبي صلى الله عليه وسلم بما وصفه الله تعالى به في القرآن العظيم من كونه خاتم النبيين، سيرًا على جادة الأدب؛ لأن وصفه بما وصفه الله به، مع ما فيه من المتابعة التي لا يرضى صلى الله عليه وسلم بسواها، فيه اعتراف بالعجز عن ابتداع وصف من الواصف، يبلغ به حقيقة مدحه عليه الصلاة والسلام؛ ولذا نجد الأكابر يقتصرون في ذكره عليه السلام على ما وردت به الشريعة الطاهرة كتابًا وسنة، دون اختراع عبادات من عندهم في الغالب»[13]اهـ.
«أسماؤه صلى الله عليه وسلم نوعان:
أحدهما خاص: لا يشاركه فيه غيره من الرسل، كمحمد، وأحمد، والعاقب، والحاشر، والمُقَفِّي، ونبي الملحمة.
والثاني: ما يشاركه في معناه غيره من الرسل: ولكن له منه كماله، فهو مختص بكماله دون أصله، كرسول الله، ونبيه، وعبده، والشاهد، والمبشر، والنذير، ونبي الرحمة، ونبي التوبة»[14].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] زاد المعاد لابن القيم (1/ 84 - 85).
[2] صحيح البخاري برقم 3532، وصحيح مسلم برقم 2354 دون قوله: (لي خمسة).
[3] شرح السندي للمسند (9/ 490).
[4] فتح الباري (6/ 556).
[5] برقم 2355.
[6] برقم 2125.
[7] سنن أبي داود برقم 1516، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (1/ 283) برقم 1342.
[8] صحيح مسلم برقم 2278 ، وفي رواية أحمد: ولا فخر (19/ 451) برقم 12469.
[9] زاد المعاد لابن القيم رحمه الله (1/ 91 - 94) باختصار وتصرف.
[10] تهذيب الأسماء واللغات (1/ 22).
[11] تنوير الحوالك (2/ 263).
[12] معجم المناهي اللفظية (362 - 363) بتصرف.
[13] شرح كفاية المتحفظ لابن الأجدابي ص51.
[14] زاد المعاد لابن القيم (1/ 86).
د. أمين بن عبدالله الشقاوي
فإن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم التي أكرمه الله بها كثرة الأسماء التي يُسمَّى بها، قال تعالى: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]. «وأسماؤه عليه الصلاة والسلام كلها نعوت ليست أعلامًا محضة لمجرد التعريف، بل أسماء مشتقة من صفات قائمة به توجب له المدح والكمال»[1].
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جبير ابن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ»[2].
قال السندي: «وكثرة الأسماء تدل على عِظَمِ المُسَمَّى، فلذا يقال عند التحقير: هذا شيء لا يُعرف له اسم.. ونحوه، وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم له أسماء أخر، فلعله خص هذه لشهرتها»[3].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح: «والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن لي خمسة أسماء أختص بها لم يُسم بها أحد قبلي، أو معظمة أو مشهورة في الأمم الماضية، لا أنه أراد الحصر فيها»[4].
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً، فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ»[5].
«قوله في الحديث: محمد، هو اسم مفعول من حمد، إذا كان كثير الخصال التي يُحمد عليها، وأما أحمد فهو أحمد الناس لربه، وأما قوله الماحي والحاشر والمقفي والعاقب، فقد فسرت في حديث جبير بن مطعم، فالماحي: هو الذي محا الله به الكفر، ولم يمح الكفر بأحد من الخلق ما محي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه بعث وأهل الأرض كلهم كفار إلا بقايا من أهل الكتاب، وهم ما بين عباد أوثان، ويهود مغضوب عليهم، ونصارى ضالين، وصابئة دهرية لا يعرفون ربًّا ولا معادًا، وبين عباد الكواكب، وعباد النار، وفلاسفة لا يعرفون شرائع الأنبياء، ولا يقرون بها، فمحا الله سبحانه برسوله ذلك حتى ظهر دين الله على كل دين، وبلغ دينه ما بلغ الليل والنهار، وسارت دعوته مسير الشمس في الأقطار، وأما الحاشر: فالحشر هو الضم والجمع، فهو الذي يحشر الناس على قدمه، فكأنه بُعث ليحشر الناس، والعاقب: الذي جاء عقب الأنبياء، فليس بعده نبي، فإن العاقب هو الآخر، فهو بمنزلة الخاتم، ولهذا سمي العاقب على الإطلاق، أي عقب الأنبياء، جاء بعقبهم.
وأما المقفي: فكذلك هو الذي قفَّى على آثار من تقدمه، فالمقفي الذي قفى من قبله من الرسل، فكان خاتمهم وآخرهم.
وأما اسمه المتوكل: ففي صحيح البخاري من حديث عطاء ابن يسار قال: لَقِيتُعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العاصِ رضي الله عنهما ، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّوْرَاةِ، قَالَ: أَجَلْ، واللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45] وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ فِيالأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيُفْتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا [6].
وأما نبي التوبة: فهو الذي فتح الله به باب التوبة على أهل الأرض، فتاب الله عليهم توبة لم يحصل مثلها لأهل الأرض قبله، وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس استغفارًا وتوبة، حتى كانوا يعدون له في المجلس الواحد مئة مرة: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَابُ الرَّحِيمُ» [7].
وكذلك توبة أمته أكمل من توبة سائر الأمم، وأسرع قبولًا، وأسهل تناولًا، وكانت توبة من قبلهم من أصعب الأشياء حتى كان من توبة بني إسرائيل من عبادة العجل *** أنفسهم، وأما هذه الأمة فلكرامتها على الله تعالى جعل توبتها الندم والإقلاع.
وأما نبي الملحمة: فهو الذي بعث لجهاد أعداء الله فلم يجاهد نبي وأمته قط ما جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته، والملاحم الكبار التي وقعت وتقع بين أمته وبين الكفار لم يعهد مثلها قط، فإن أمته ي***ون الكفار في أقطار الأرض على تعاقب الأعصار، وقد أوقعوا بهم من الملاحم ما لم تفعله أمة سواهم.
وأما نبي الرحمة: فهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين، فرحم به أهل الأرض كلهم مؤمنهم وكافرهم، أما المؤمنون فنالوا النصيب الأوفر من الرحمة، وأما الكفار، فأهل الكتاب منهم عاشوا في ظله، وتحت حبله وعهده، وأما من ***ه منهم هو وأمته فإنهم عجلوا به إلى النار، وأراحوه من الحياة الطويلة التي لا يزداد بها إلا شدة العذاب في الآخرة.
وأما الفاتح: فهو الذي فتح الله به باب الهدى بعد أن كان مرتجًا، وفتح به الأعين العمي، والآذان الصم، والقلوب الغلف، وفتح الله به أمصار الكفار، وفتح به أبواب الجنة، وفتح به طرق العلم النافع والعمل الصالح، ففتح به الدنيا والآخرة، والقلوب، والأسماع، والأبصار، والأمصار.
وأما الأمين: فهو أحق العالمين بهذا الاسم، فهو أمين الله على وحيه ودينه، وهو أمين من في السماء، وأمين من في الأرض، ولهذا كانوا يسمونه قبل النبوة الأمين.
وأما الضحوك القتال: فاسمان مزدوجان لا يفرد أحدهما عن الآخر، فإنه ضحوك في وجوه المؤمنين غير عابس، ولا مقطب، ولا غضوب، ولا فظ، قتَّال لأعداء الله لا تأخذه فيهم لومة لائم.
وأما البشير: فهو المبشر لمن أطاعه بالثواب، والنذير المنذر لمن عصاه بالعقاب، وقد سماه الله، عبده في مواضع من كتابه، منها قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ ﴾ [الجن: 19]، وقوله: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ﴾ [الفرقان: 1]، وقوله: ﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [النجم: 10]، وقوله: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا ﴾ [البقرة: 23]. وثبت عنه في الصحيح أنه قال: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِوَلَا فَخْرَ»[8].
وسماه الله سراجًا منيرًا، وسمى الشمس سراجًا وهاجًا، والمنير هو الذي ينير من غير إحراق، بخلاف الوهاج: فإن فيه نوع إحراق وتوهج[9].
وقد اختلف العلماء في أسماء كثيرة، هل تصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو لا؟ فأدى ذلك إلى اختلافهم في تعداد هذه الأسماء.
وقد كان من أهم أسباب الخلاف، أن بعض العلماء رأى كل وصف وصف به النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم من أسمائه، فعد من أسمائه مثلًا: الشاهد، المبشر، النذير، الداعي، السراج المنير، وذلك لقوله تعالى: ﴿ اأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45، 46].
كما تقدم في كلام ابن القيم رحمه الله: «في حين قال آخرون من أهل العلم: إن هذه أوصاف وليست أسماء أعلام».
قال النووي رحمه الله: «بعض هذه المذكورات صفات، فإطلاقهم الأسماء عليها مجاز»[10]. اهـ
وقال السيوطي رحمه الله: «وأكثرها صفات»[11].
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله بعدما ذكر خلاف العلماء في عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم: «وفي هذه الأعداد كثير من المبالغات، والصحيح أن أسماءه صلى الله عليه وسلم أقل من ذلك بكثير، ولا يجوز اعتبار كل وصف ثبت له في الكتاب والسنة من أسمائه الأعلام، فضلًا عن أن أسماءه توقيفية، لا يجوز الزيادة عليها بما لم يرد في الكتاب والسنة الصحيحة.
والذي له أصل في النصوص: إما اسم وهو القليل، أو وصف وهو أكثر، وما سوى ذلك فلا أصل له، فلا يطلق على النبي صلى الله عليه وسلم حماية من الإفراط والغلو، ويشتد النهي إذا كانت هذه الأسماء والصفات التي لا أصل لها فيها غلو وإطراء»[12].
وقال العلامة اللغوي ابن الطيب الفاسي: «وصف النبي صلى الله عليه وسلم بما وصفه الله تعالى به في القرآن العظيم من كونه خاتم النبيين، سيرًا على جادة الأدب؛ لأن وصفه بما وصفه الله به، مع ما فيه من المتابعة التي لا يرضى صلى الله عليه وسلم بسواها، فيه اعتراف بالعجز عن ابتداع وصف من الواصف، يبلغ به حقيقة مدحه عليه الصلاة والسلام؛ ولذا نجد الأكابر يقتصرون في ذكره عليه السلام على ما وردت به الشريعة الطاهرة كتابًا وسنة، دون اختراع عبادات من عندهم في الغالب»[13]اهـ.
«أسماؤه صلى الله عليه وسلم نوعان:
أحدهما خاص: لا يشاركه فيه غيره من الرسل، كمحمد، وأحمد، والعاقب، والحاشر، والمُقَفِّي، ونبي الملحمة.
والثاني: ما يشاركه في معناه غيره من الرسل: ولكن له منه كماله، فهو مختص بكماله دون أصله، كرسول الله، ونبيه، وعبده، والشاهد، والمبشر، والنذير، ونبي الرحمة، ونبي التوبة»[14].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] زاد المعاد لابن القيم (1/ 84 - 85).
[2] صحيح البخاري برقم 3532، وصحيح مسلم برقم 2354 دون قوله: (لي خمسة).
[3] شرح السندي للمسند (9/ 490).
[4] فتح الباري (6/ 556).
[5] برقم 2355.
[6] برقم 2125.
[7] سنن أبي داود برقم 1516، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (1/ 283) برقم 1342.
[8] صحيح مسلم برقم 2278 ، وفي رواية أحمد: ولا فخر (19/ 451) برقم 12469.
[9] زاد المعاد لابن القيم رحمه الله (1/ 91 - 94) باختصار وتصرف.
[10] تهذيب الأسماء واللغات (1/ 22).
[11] تنوير الحوالك (2/ 263).
[12] معجم المناهي اللفظية (362 - 363) بتصرف.
[13] شرح كفاية المتحفظ لابن الأجدابي ص51.
[14] زاد المعاد لابن القيم (1/ 86).
د. أمين بن عبدالله الشقاوي