فريق منتدى الدي في دي العربي
03-06-2016, 10:00 PM
زوجي وشرب الخمر
أ. مروة يوسف عاشور
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
بدايةً أوَدُّ شُكر القائمين على الموقع الذي بثَّ فيّ رُوح الأمل، فقد قرأت استشارة لأختٍ تشتكي من شرب زوجها للخمر، ووجدتُ في الردِّ ما يُثلج الصدر، فالحمد لله أن هداني لهذا الموقع.
أنا مُطلقة فوق الأربعين، وليس لدَيَّ أطفال، تزوَّجت قريبًا من رجل فوق الخمسين، وهو مُطلق مرتين، وله أبناء يقيمون في بلدٍ آخرَ، وتقاعَد زوجي مُبكرًا من وظيفته المرموقة، بعدها ساءَت أحواله، وخَسِر كلَّ ثروته بسبب طيبته وثقته بالناس، فقد احتالَ عليه أعزُّ أصدقائه، وسرَق منه كلَّ تعب السنين، بعد ذلك ترَك بلده واستقرَّ في بلدٍ عربي آخرَ؛ هروبًا من مشكلات طليقته، ومن الهموم التي تُحاصره من كل مكان، مع العلم أنَّ أولاده غير بارِّين به، وبدَأ يبحث عن زوجة ترضى به، وحاوَل أن يتزوَّج أكثر من مرَّة، لكنَّ زواجه كان لا يستمرُّ طويلاً، كافَح وعَمِل، ولكن لَم يوفَّق في أي تجارة، بل كان يَخسر في كل مرة، والحمد لله أن بَقِي له راتبه التقاعدي.
ولقد قدَّر الله أن جمَع بيننا، وقد كانت مدة الخِطبة ستة أشهر، تعرَّفنا فيها على بعضنا، وكان بيننا انسجامٌ تام، وحبٌّ قوي جدًّا، وما زِلنا والحمد لله. زوجي رجل طيِّب جدًّا، ويُحافظ على الصلاة في المسجد، ولكنَّه عنيدٌ جدًّا مع مَن يُعانده، كانت صَدمتي عندما كشَفت أمره، وعرَفت أنه يشرب الخمر، وكان هذا بسبب أوَّل خلاف بيننا بعد أسبوعين من زواجنا، انْهَرتُ تمامًا، ولَم أستوعب مصيبتي؛ فأنا مُلتزمة، ولَم يمرَّ عليَّ في حياتي مثل هذا الأمر في محيطي، أعرف أنَّ زوجي مُحبَطٌ، ومرَّ بظروف قاسية جدًّا، ولكني مَرِضت وانْهَرت أكثر من مرة؛ لأني لَم أعرف كيف أتصرَّف، هل أُخبر أهلي؟ هل أطلب الطلاق؟ هل أصبِر؟ لجَأت لأخته وإحدى قريباته، وكانتا لي أكبرَ سندٍ، وقد خيِّرت؛ إمَّا أن أصبرَ وأحتسب الأجر لوجه الله، أو أنسحب من حياته، كان الأمر يحتاج إلى شجاعة وقرارٍ ليس بالهيِّن، فاستخرتُ الله، والحمد لله ثبَّتني الله، وألْهَمني الصبر.
الآن أنا أحتاج لبعض النصائح في عدة أمور:
الأول: كيف أتعامَل مع شُربه الخمرَ، وما يَتْبَع ذلك من مشكلات لا تُحصى، وهو سكران، ولا يَعي ما يقول؟ كثيرًا كنتُ أهدِّده أني لن أستمرَّ معه، وكان يَعِدني أنه سوف يتركها، ولكنَّ أصحاب السوء لا يتركونه.
الثاني: لا يُعطيني مالاً أبدًا، ولو طلبتُ، تحدث بيننا مشكلات، مثلاً إذا خرَج مع أصحابه من الخامسة عصرًا إلى الساعة الثانية ليلاً، يتركني دون أيِّ مالٍ، فإنه لو أعطاني نقودًا، فقد يَجعلني ذلك أغضُّ الطَّرْف عن تأخيره، وأذْهَب مع صديقاتي لأنسى همِّي قليلاً.
الثالث: كيف أتصرَّف بحِكمة مع عناده وهو في هذا العمر؟ فهو إن أصرَّ على شيء، فلا يُمكن أن يتنازَل بسهولة، ودائمًا هو الأصح وأنا الخطأ، وهو مُراوغ من الدرجة الأولى، وذكي جدًّا، وأنا قوية الشخصيَّة، وأخاف أن أخسره بتصرُّف خاطئ مني، مع العلم أنه يُحبني بجنون، ولكنه يُكابر ويحاول ألاَّ يُظهر لي هذا الحبَّ؛ حتى لا أُصاب بالغرور، وهذا ما أسرَّه لأخته، وإن حدَثَت بيننا مشكلة، يُهينني ويُقنعني بأنه غير مرتاح معي مطلقًا، وهذا جعلني مُذبذبة، واهتزَّت ثقتي بنفسي.
قد أكون أطلتُ رسالتي، وقد يكون هذا البوح - بإذن الله - فيه الفرج، فأنا لا أريد أن أخسرَ بيتي وزوجي، تحيَّاتي.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكِ وبكلِّ سائل يَحطُّ رِحاله عندنا في شبكتكم المُحِبة لكم، والحريصة دائمًا على تقديم كل نافع (شبكة الألوكة).
وجدتُ تشابهًا كبيرًا بين مشكلتكِ والمشكلة السابقة للسائلة التي كانت تشكو حالَ زوجها مع الخمر، فهو محافظ على الصلاة كزوجكِ، وفي عُمرٍ يقارب عمره، وقد مرَّ بظروف وضغوطٍ نفسيَّة كثيرة مثله.
وقد سَعِدتُ كثيرًا أن قد وجدتِ في الردِّ ما يُثلج صدركِ، ويُجيب على بعض ما لدَيكِ من أسئلة، فالحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه.
قبل الإجابة على ما طرحتِ من أسئلة، أوَدُّ إلقاء الضوء على أبعاد تلك المصيبة التي ابْتُلِيتْ بها الأُمُّة، وعادت لتبثَّ سمومَها بين شيبها وشبانها بمسمَّيات جديدة وأنواع عديدة، وفي هؤلاء قال رسول الله - صلَّى الله علي وسلَّم -: ((يشرب أُناس من أُمَّتي الخمر، يسمُّونها بغير اسمها))؛ رواه النسائي، وابن حِبَّان، وأحمد، وصحَّحه الألباني.
الخمر أساس كلِّ شرٍّ، وأصل كل مصيبة، كم فرَّقَت بين المَرء وزوجه! وكم دفعَت الأبناء لعقوق الآباء! وكم أوْقَعَت من عداوات بين قلوب أفراد الأسرة الواحدة! وكم حرَّضَت على قَتْل النفس، وجرَّأتْ على تجاوز حدود الله! تلك التي قال الله فيها: ﴿ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91].
فأنْصَحكِ أن تعتمدي بعد الله على أمرين رئيسين في رحلة قد تطول وقد تقصر، الهدف منها: "هداية زوجكِ"، والأمران هما:
1- العمل على إنشاء حوار يومي بينكِ وبينه؛ فالحوار الزوجي اليومي الناجح من أفضل وأحسن الوسائل التي تُقرِّب الزوجين نفسيًّا، وتَمنع إعراض أحدهما عن الآخر، وقد أثبَت الحوار الناجح فاعليته في حلِّ الكثير من المشكلات، ويَسَّر عرضَ وجهات النظر، وأعانَ على تقبُّلها.
بيِّني لزوجكِ - متى ما رأيتِ القَبول - خطورة شُرب الخمر وأثرها السيِّئ، خاصة على صحة رجل في عُمره، فمِن آثارها السيئة: تليُّف الكبد، والْتهابات شديدة وتقرُّحات بالمعدة والجهاز الهضمي، والإمساك، والعقم، والتهاب الأعصاب، وضَعف الرؤية، وصعوبة التركيز، والإحباط، والقلق النفسي المستمر، وغيرها من العِلل الجسميَّة والنفسيَّة التي يُعانيها شاربو الخمر.
وليكن هذا الحوار بعيدًا عن الانفعالات، متجنِّبًا الاتهامات، مُتحلِّيًا بالأخلاقيَّات، ومتى ما استشعرتِ بوادر الخلافات، فاكْتَفي بما فات، وتوقَّفي عمَّا هو آت.
2- تجنُّب التحدُّث عن مشكلة زوجكِ ومعصيته أمام أهلكِ، أو صديقاتكِ أو أهله، ولو كانت أُخته أو والدته، ولو كانت تعلم حقيقة أمْره، مُطَّلعة على عظيم ذنبه، فلن تَجني من الحديث معها أكثرَ مما جَنيتِ، وقد أفتَت بما عندها: إمَّا الصبر، أو الفراق.
فلا فائدة من إعادة الحديث حول ذنبه ومناقشة جُرمه.
بخصوص استفساراتكِ:
أولاً: تعلمين أنه حين يتعاطى الخمر، لا يتصرَّف بعقلٍ أو حِكمة، بل لا يكون لدَيه دراية كافية بما يجري حوله، فلا يعي ما يقول، أو يعلم ما يفعل، وهذا حال مَن يَشربها، وقد ذهبَت طائفة من أهل العلم أنَّ طلاقه لا يقع؛ لِما يكون عليه من سوء حال، وقلة عقلٍ لا يُؤاخَذ بها، فعليكِ بتذكُّر ذلك حين يتلفَّظ بما لا يُرضيكِ، أو يتصرَّف بما لا يليق، وعليكِ بتجنُّبه تمامًا حتى يُفيق، واعتزاله حتى يعود إلى رشده، ويرجع إلى عقله.
لكن هل تكتفين بذلك؟
بالطبع لا، أنصحكِ بتسجيل موقف من مواقفه السيِّئة معكِ بالصوت أو بالكتابة - إن كنتِ تُجيدين الأسلوب - ثم تعرضينه عليه فيما بعد، وقتَ صفائه ورشده، ثم تواجِهينه بما يفعله به الخمر، وتُحدِّثينه فيما قد يؤدي إليه من عواقب قد تُودِي بحياتكما الزوجيَّة.
ثم بيِّني له - بلُطفٍ - أنَّ العبد قد يُحرَم الرزق بالذنب يُصيبه، فعقوق الأبناء والخسارة في العمل، والإخفاق في الحياة الزوجيَّة، وما يلاقي من همٍّ وغَمٍّ وكدرٍ في حياته وهو في هذا العمر، كل ذلك بسبب الذنوب والمعاصي؛ ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، فاستغلِّي وقتَ اعترافه بذنبه في عَرْض كلِّ ذلك عليه، مع مَدِّ يد العون له، والوقوف بجانبه في تلك المحنة العصيبة.
ألَم يَعدكِ أنه سيتركها؟ استغلِّي لحظات القوَّة منه باتِّخاذ بعض الخُطوات العمليَّة، واجهيه بالحقيقة: أليس من أشدِّ ما يُعينه ويَدفعه إليها أصدقاء السوء؟ فلتَكن الخُطوة الأولى هي التخلُّص منهم، ولو بشكلٍ تدريجي، وبما أنَّ التخلص منهم لن يكون بالأمر اليسير، فلا بدَّ إذًا من استبدالهم بما يحلُّ محلَّهم، أو يقوم مقامهم.
حسنًا، ماذا يستفيد من أصدقائه؟ بعض المرح والترويح عن النفس، الاهتمامات المشتركة، نسيان بعض مشكلاته وهمومه، لِمَ لا تحاولين أنتِ القيام بهذا الدور؟!
سأكتفي بهذا القدر؛ حتى نناقِش المشكلة الثانية:
لا يُعطيكِ نقودًا، ويترككِ في البيت من الثالثة عصرًا وحتى الثانية بعد منتصف الليل، أنتِ هنا تُفكِّرين في حلِّ مشكلتكِ دون التفكير في حل مشكلته هو، فلو أعطاكِ ما يَلزمكِ من المال، وذهبتِ أنتِ أيضًا إلى صديقاتكِ، فلن يجد مَن يُعينه على التخلُّص من أصدقاء السوء، بل سيَسعد بأنَّكِ قد رضيتِ بحالكِ، وتخلَّصتِ مما كان يؤرِّقكِ، وهرَبتِ إلى عالَمك؛ لتبتعدي عنه شيئًا فشيئًا.
لا نريد أن نُصلح أمرًا على حساب ما هو أهمُّ منه، فلا داعي لطلب المال منه في وقت تأخُّره عن البيت، بل يجب أن يكون هو غرضكِ وهدفكِ وليس المال، فلو تَطلبين منه عدم التأخُّر عن الساعة الحادية عشرة مساءً مثلاً، ثم تُجهزين له سهرة سعيدة، تملأ قلبه سرورًا، ونفْسه بهجة، وتُنسينه ما يجد عند أصدقائه من الراحة والهناء - لكان أوْلَى من طلب المال منه، والذي لَم يَستجب له - كما قلتِ - فلنَجعل الهدف أعمَّ وأشملَ، وبما أنَّكِ لَم توضِّحي إن كان البخل داءً فيه، أم أنه يضنُّ بالمال فقط حال خروجه وتَرْككِ في البيت، فلا حاجة لبَسْط الحديث حوله، وأكتفي بهذا القدر.
ثالثًا: التصرُّف بحِكمة مع عناده في هذا العمر:
عناد الزوج أمرٌ شائع، وتشكوه الكثير من النساء، ولكن قلَّ مَن تُحسن التصرُّف معه؛ إذ تُقابله المرأة بمثله أحيانًا؛ مما يؤدي إلى تفاقُم الوضع وتشاحُن النفوس، ومَن يعاني مثل هذه المشكلات، فليس له خيار إلاَّ التصبُّر والتبصُّر، فالتصبُّر يكون بتذكُّر محاسن الزوج، وأنَّ زوجه لا تَستغني عنه، وتَذكُّر حقوقه عليها وفضْله، وتذكُّر حالها لو آثرَت الفراق وفضَّلت الطلاق، والتبصُّر يكون بالتفكُّر في أقصى ما تَخسره المرأة بسبب هذا العناد، وإلاَّ فلا حاجة لها في مجادلته فيما تعلم يقينًا أنه لن يقتنعَ به، وما الداعي للخوض فيما تجزم أنه لن يتنازلَ عنه؟!
فالسكوت خيرٌ من الخوض في أمور لا تَجلب إلاَّ المزيد من المشكلات، والشخصية المعاندة لا يُجدي معها النقاش الصريح، ولا يَصلح لها عَرْضُ الأدلة والتذكير بالحقوق والواجبات، بل يُفضَّل أن يكون الأسلوب غيرَ مباشر، وأن يُستخدَم التلميح عوضًا عن التصريح؛ فضَرْب الأمثلة على مواقفَ سابقة في غير وقت حدوث الفعل، والتحدُّث عن مزايا ما تحاولين إقناعه به دون فرض الرأي عليه، وجَعْله يشعر أنَّ الفكرة فكرته هو بالثناء عليه وطَرْح الأفكار، وكأنَّكِ غير متمسكة بها، ولا تتمسكي بما يرفُضه؛ حتى لا يتمسَّك برفضه.
ولتعلمي أنَّ العناد في هذا العمر دليلٌ على ما يُعانيه زوجكِ من آلام نفسيَّة وهموم ومشكلات، وتداعٍ للذكريات، فالرجل بعد رحلة العمر يقف لينظر إلى الوراء، ويتأمَّل إنجازاته، وما حقَّق في حياته، ومهما وجَد من نجاح، فإنه يَعتريه بعض الحزن والإحباط، فكيف بِمَن طلَّق مرتين، وربَّى من الأطفال خمسة، فلم يجدْ منهم مَن يبرُّه، أو يُحسن إليه، ويذكر فضْلَه، وأخْفَق في عمله، وخَسِر أمواله كلَّها؟! كيف سيشعر في هذا العمر؟!
أنتِ بحاجة للاستبصار بوضْع زوجكِ، واستشعار حاله، والدعاء له في جوف الليل، وفي سجودكِ أن يهديَه الله، ويُصلحَ بالَه، ويَصرِف عنه وعنكِ السوء.
ومتى ما أَشْكل عليكِ أمرٌ، فثقي أننا سنكون سُعداءَ بالتواصل معكِ؛ فلا تتردَّدي في مراسلتنا متى شِئْتِ، مع خالص تمنياتي القلبيَّة لكِ بالسعادة والنجاح في الدنيا والآخرة.
أ. مروة يوسف عاشور
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
بدايةً أوَدُّ شُكر القائمين على الموقع الذي بثَّ فيّ رُوح الأمل، فقد قرأت استشارة لأختٍ تشتكي من شرب زوجها للخمر، ووجدتُ في الردِّ ما يُثلج الصدر، فالحمد لله أن هداني لهذا الموقع.
أنا مُطلقة فوق الأربعين، وليس لدَيَّ أطفال، تزوَّجت قريبًا من رجل فوق الخمسين، وهو مُطلق مرتين، وله أبناء يقيمون في بلدٍ آخرَ، وتقاعَد زوجي مُبكرًا من وظيفته المرموقة، بعدها ساءَت أحواله، وخَسِر كلَّ ثروته بسبب طيبته وثقته بالناس، فقد احتالَ عليه أعزُّ أصدقائه، وسرَق منه كلَّ تعب السنين، بعد ذلك ترَك بلده واستقرَّ في بلدٍ عربي آخرَ؛ هروبًا من مشكلات طليقته، ومن الهموم التي تُحاصره من كل مكان، مع العلم أنَّ أولاده غير بارِّين به، وبدَأ يبحث عن زوجة ترضى به، وحاوَل أن يتزوَّج أكثر من مرَّة، لكنَّ زواجه كان لا يستمرُّ طويلاً، كافَح وعَمِل، ولكن لَم يوفَّق في أي تجارة، بل كان يَخسر في كل مرة، والحمد لله أن بَقِي له راتبه التقاعدي.
ولقد قدَّر الله أن جمَع بيننا، وقد كانت مدة الخِطبة ستة أشهر، تعرَّفنا فيها على بعضنا، وكان بيننا انسجامٌ تام، وحبٌّ قوي جدًّا، وما زِلنا والحمد لله. زوجي رجل طيِّب جدًّا، ويُحافظ على الصلاة في المسجد، ولكنَّه عنيدٌ جدًّا مع مَن يُعانده، كانت صَدمتي عندما كشَفت أمره، وعرَفت أنه يشرب الخمر، وكان هذا بسبب أوَّل خلاف بيننا بعد أسبوعين من زواجنا، انْهَرتُ تمامًا، ولَم أستوعب مصيبتي؛ فأنا مُلتزمة، ولَم يمرَّ عليَّ في حياتي مثل هذا الأمر في محيطي، أعرف أنَّ زوجي مُحبَطٌ، ومرَّ بظروف قاسية جدًّا، ولكني مَرِضت وانْهَرت أكثر من مرة؛ لأني لَم أعرف كيف أتصرَّف، هل أُخبر أهلي؟ هل أطلب الطلاق؟ هل أصبِر؟ لجَأت لأخته وإحدى قريباته، وكانتا لي أكبرَ سندٍ، وقد خيِّرت؛ إمَّا أن أصبرَ وأحتسب الأجر لوجه الله، أو أنسحب من حياته، كان الأمر يحتاج إلى شجاعة وقرارٍ ليس بالهيِّن، فاستخرتُ الله، والحمد لله ثبَّتني الله، وألْهَمني الصبر.
الآن أنا أحتاج لبعض النصائح في عدة أمور:
الأول: كيف أتعامَل مع شُربه الخمرَ، وما يَتْبَع ذلك من مشكلات لا تُحصى، وهو سكران، ولا يَعي ما يقول؟ كثيرًا كنتُ أهدِّده أني لن أستمرَّ معه، وكان يَعِدني أنه سوف يتركها، ولكنَّ أصحاب السوء لا يتركونه.
الثاني: لا يُعطيني مالاً أبدًا، ولو طلبتُ، تحدث بيننا مشكلات، مثلاً إذا خرَج مع أصحابه من الخامسة عصرًا إلى الساعة الثانية ليلاً، يتركني دون أيِّ مالٍ، فإنه لو أعطاني نقودًا، فقد يَجعلني ذلك أغضُّ الطَّرْف عن تأخيره، وأذْهَب مع صديقاتي لأنسى همِّي قليلاً.
الثالث: كيف أتصرَّف بحِكمة مع عناده وهو في هذا العمر؟ فهو إن أصرَّ على شيء، فلا يُمكن أن يتنازَل بسهولة، ودائمًا هو الأصح وأنا الخطأ، وهو مُراوغ من الدرجة الأولى، وذكي جدًّا، وأنا قوية الشخصيَّة، وأخاف أن أخسره بتصرُّف خاطئ مني، مع العلم أنه يُحبني بجنون، ولكنه يُكابر ويحاول ألاَّ يُظهر لي هذا الحبَّ؛ حتى لا أُصاب بالغرور، وهذا ما أسرَّه لأخته، وإن حدَثَت بيننا مشكلة، يُهينني ويُقنعني بأنه غير مرتاح معي مطلقًا، وهذا جعلني مُذبذبة، واهتزَّت ثقتي بنفسي.
قد أكون أطلتُ رسالتي، وقد يكون هذا البوح - بإذن الله - فيه الفرج، فأنا لا أريد أن أخسرَ بيتي وزوجي، تحيَّاتي.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكِ وبكلِّ سائل يَحطُّ رِحاله عندنا في شبكتكم المُحِبة لكم، والحريصة دائمًا على تقديم كل نافع (شبكة الألوكة).
وجدتُ تشابهًا كبيرًا بين مشكلتكِ والمشكلة السابقة للسائلة التي كانت تشكو حالَ زوجها مع الخمر، فهو محافظ على الصلاة كزوجكِ، وفي عُمرٍ يقارب عمره، وقد مرَّ بظروف وضغوطٍ نفسيَّة كثيرة مثله.
وقد سَعِدتُ كثيرًا أن قد وجدتِ في الردِّ ما يُثلج صدركِ، ويُجيب على بعض ما لدَيكِ من أسئلة، فالحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه.
قبل الإجابة على ما طرحتِ من أسئلة، أوَدُّ إلقاء الضوء على أبعاد تلك المصيبة التي ابْتُلِيتْ بها الأُمُّة، وعادت لتبثَّ سمومَها بين شيبها وشبانها بمسمَّيات جديدة وأنواع عديدة، وفي هؤلاء قال رسول الله - صلَّى الله علي وسلَّم -: ((يشرب أُناس من أُمَّتي الخمر، يسمُّونها بغير اسمها))؛ رواه النسائي، وابن حِبَّان، وأحمد، وصحَّحه الألباني.
الخمر أساس كلِّ شرٍّ، وأصل كل مصيبة، كم فرَّقَت بين المَرء وزوجه! وكم دفعَت الأبناء لعقوق الآباء! وكم أوْقَعَت من عداوات بين قلوب أفراد الأسرة الواحدة! وكم حرَّضَت على قَتْل النفس، وجرَّأتْ على تجاوز حدود الله! تلك التي قال الله فيها: ﴿ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91].
فأنْصَحكِ أن تعتمدي بعد الله على أمرين رئيسين في رحلة قد تطول وقد تقصر، الهدف منها: "هداية زوجكِ"، والأمران هما:
1- العمل على إنشاء حوار يومي بينكِ وبينه؛ فالحوار الزوجي اليومي الناجح من أفضل وأحسن الوسائل التي تُقرِّب الزوجين نفسيًّا، وتَمنع إعراض أحدهما عن الآخر، وقد أثبَت الحوار الناجح فاعليته في حلِّ الكثير من المشكلات، ويَسَّر عرضَ وجهات النظر، وأعانَ على تقبُّلها.
بيِّني لزوجكِ - متى ما رأيتِ القَبول - خطورة شُرب الخمر وأثرها السيِّئ، خاصة على صحة رجل في عُمره، فمِن آثارها السيئة: تليُّف الكبد، والْتهابات شديدة وتقرُّحات بالمعدة والجهاز الهضمي، والإمساك، والعقم، والتهاب الأعصاب، وضَعف الرؤية، وصعوبة التركيز، والإحباط، والقلق النفسي المستمر، وغيرها من العِلل الجسميَّة والنفسيَّة التي يُعانيها شاربو الخمر.
وليكن هذا الحوار بعيدًا عن الانفعالات، متجنِّبًا الاتهامات، مُتحلِّيًا بالأخلاقيَّات، ومتى ما استشعرتِ بوادر الخلافات، فاكْتَفي بما فات، وتوقَّفي عمَّا هو آت.
2- تجنُّب التحدُّث عن مشكلة زوجكِ ومعصيته أمام أهلكِ، أو صديقاتكِ أو أهله، ولو كانت أُخته أو والدته، ولو كانت تعلم حقيقة أمْره، مُطَّلعة على عظيم ذنبه، فلن تَجني من الحديث معها أكثرَ مما جَنيتِ، وقد أفتَت بما عندها: إمَّا الصبر، أو الفراق.
فلا فائدة من إعادة الحديث حول ذنبه ومناقشة جُرمه.
بخصوص استفساراتكِ:
أولاً: تعلمين أنه حين يتعاطى الخمر، لا يتصرَّف بعقلٍ أو حِكمة، بل لا يكون لدَيه دراية كافية بما يجري حوله، فلا يعي ما يقول، أو يعلم ما يفعل، وهذا حال مَن يَشربها، وقد ذهبَت طائفة من أهل العلم أنَّ طلاقه لا يقع؛ لِما يكون عليه من سوء حال، وقلة عقلٍ لا يُؤاخَذ بها، فعليكِ بتذكُّر ذلك حين يتلفَّظ بما لا يُرضيكِ، أو يتصرَّف بما لا يليق، وعليكِ بتجنُّبه تمامًا حتى يُفيق، واعتزاله حتى يعود إلى رشده، ويرجع إلى عقله.
لكن هل تكتفين بذلك؟
بالطبع لا، أنصحكِ بتسجيل موقف من مواقفه السيِّئة معكِ بالصوت أو بالكتابة - إن كنتِ تُجيدين الأسلوب - ثم تعرضينه عليه فيما بعد، وقتَ صفائه ورشده، ثم تواجِهينه بما يفعله به الخمر، وتُحدِّثينه فيما قد يؤدي إليه من عواقب قد تُودِي بحياتكما الزوجيَّة.
ثم بيِّني له - بلُطفٍ - أنَّ العبد قد يُحرَم الرزق بالذنب يُصيبه، فعقوق الأبناء والخسارة في العمل، والإخفاق في الحياة الزوجيَّة، وما يلاقي من همٍّ وغَمٍّ وكدرٍ في حياته وهو في هذا العمر، كل ذلك بسبب الذنوب والمعاصي؛ ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، فاستغلِّي وقتَ اعترافه بذنبه في عَرْض كلِّ ذلك عليه، مع مَدِّ يد العون له، والوقوف بجانبه في تلك المحنة العصيبة.
ألَم يَعدكِ أنه سيتركها؟ استغلِّي لحظات القوَّة منه باتِّخاذ بعض الخُطوات العمليَّة، واجهيه بالحقيقة: أليس من أشدِّ ما يُعينه ويَدفعه إليها أصدقاء السوء؟ فلتَكن الخُطوة الأولى هي التخلُّص منهم، ولو بشكلٍ تدريجي، وبما أنَّ التخلص منهم لن يكون بالأمر اليسير، فلا بدَّ إذًا من استبدالهم بما يحلُّ محلَّهم، أو يقوم مقامهم.
حسنًا، ماذا يستفيد من أصدقائه؟ بعض المرح والترويح عن النفس، الاهتمامات المشتركة، نسيان بعض مشكلاته وهمومه، لِمَ لا تحاولين أنتِ القيام بهذا الدور؟!
سأكتفي بهذا القدر؛ حتى نناقِش المشكلة الثانية:
لا يُعطيكِ نقودًا، ويترككِ في البيت من الثالثة عصرًا وحتى الثانية بعد منتصف الليل، أنتِ هنا تُفكِّرين في حلِّ مشكلتكِ دون التفكير في حل مشكلته هو، فلو أعطاكِ ما يَلزمكِ من المال، وذهبتِ أنتِ أيضًا إلى صديقاتكِ، فلن يجد مَن يُعينه على التخلُّص من أصدقاء السوء، بل سيَسعد بأنَّكِ قد رضيتِ بحالكِ، وتخلَّصتِ مما كان يؤرِّقكِ، وهرَبتِ إلى عالَمك؛ لتبتعدي عنه شيئًا فشيئًا.
لا نريد أن نُصلح أمرًا على حساب ما هو أهمُّ منه، فلا داعي لطلب المال منه في وقت تأخُّره عن البيت، بل يجب أن يكون هو غرضكِ وهدفكِ وليس المال، فلو تَطلبين منه عدم التأخُّر عن الساعة الحادية عشرة مساءً مثلاً، ثم تُجهزين له سهرة سعيدة، تملأ قلبه سرورًا، ونفْسه بهجة، وتُنسينه ما يجد عند أصدقائه من الراحة والهناء - لكان أوْلَى من طلب المال منه، والذي لَم يَستجب له - كما قلتِ - فلنَجعل الهدف أعمَّ وأشملَ، وبما أنَّكِ لَم توضِّحي إن كان البخل داءً فيه، أم أنه يضنُّ بالمال فقط حال خروجه وتَرْككِ في البيت، فلا حاجة لبَسْط الحديث حوله، وأكتفي بهذا القدر.
ثالثًا: التصرُّف بحِكمة مع عناده في هذا العمر:
عناد الزوج أمرٌ شائع، وتشكوه الكثير من النساء، ولكن قلَّ مَن تُحسن التصرُّف معه؛ إذ تُقابله المرأة بمثله أحيانًا؛ مما يؤدي إلى تفاقُم الوضع وتشاحُن النفوس، ومَن يعاني مثل هذه المشكلات، فليس له خيار إلاَّ التصبُّر والتبصُّر، فالتصبُّر يكون بتذكُّر محاسن الزوج، وأنَّ زوجه لا تَستغني عنه، وتَذكُّر حقوقه عليها وفضْله، وتذكُّر حالها لو آثرَت الفراق وفضَّلت الطلاق، والتبصُّر يكون بالتفكُّر في أقصى ما تَخسره المرأة بسبب هذا العناد، وإلاَّ فلا حاجة لها في مجادلته فيما تعلم يقينًا أنه لن يقتنعَ به، وما الداعي للخوض فيما تجزم أنه لن يتنازلَ عنه؟!
فالسكوت خيرٌ من الخوض في أمور لا تَجلب إلاَّ المزيد من المشكلات، والشخصية المعاندة لا يُجدي معها النقاش الصريح، ولا يَصلح لها عَرْضُ الأدلة والتذكير بالحقوق والواجبات، بل يُفضَّل أن يكون الأسلوب غيرَ مباشر، وأن يُستخدَم التلميح عوضًا عن التصريح؛ فضَرْب الأمثلة على مواقفَ سابقة في غير وقت حدوث الفعل، والتحدُّث عن مزايا ما تحاولين إقناعه به دون فرض الرأي عليه، وجَعْله يشعر أنَّ الفكرة فكرته هو بالثناء عليه وطَرْح الأفكار، وكأنَّكِ غير متمسكة بها، ولا تتمسكي بما يرفُضه؛ حتى لا يتمسَّك برفضه.
ولتعلمي أنَّ العناد في هذا العمر دليلٌ على ما يُعانيه زوجكِ من آلام نفسيَّة وهموم ومشكلات، وتداعٍ للذكريات، فالرجل بعد رحلة العمر يقف لينظر إلى الوراء، ويتأمَّل إنجازاته، وما حقَّق في حياته، ومهما وجَد من نجاح، فإنه يَعتريه بعض الحزن والإحباط، فكيف بِمَن طلَّق مرتين، وربَّى من الأطفال خمسة، فلم يجدْ منهم مَن يبرُّه، أو يُحسن إليه، ويذكر فضْلَه، وأخْفَق في عمله، وخَسِر أمواله كلَّها؟! كيف سيشعر في هذا العمر؟!
أنتِ بحاجة للاستبصار بوضْع زوجكِ، واستشعار حاله، والدعاء له في جوف الليل، وفي سجودكِ أن يهديَه الله، ويُصلحَ بالَه، ويَصرِف عنه وعنكِ السوء.
ومتى ما أَشْكل عليكِ أمرٌ، فثقي أننا سنكون سُعداءَ بالتواصل معكِ؛ فلا تتردَّدي في مراسلتنا متى شِئْتِ، مع خالص تمنياتي القلبيَّة لكِ بالسعادة والنجاح في الدنيا والآخرة.