مشاهدة النسخة كاملة : أعاني من عقد نفسية


فريق منتدى الدي في دي العربي
03-06-2016, 10:00 PM
أعاني من عقد نفسية


أ. أسماء مصطفى


السؤال
عندما كنت صغيرًا كان إخوتي يأمرونني كأنَّني خادم، يضربونني وكأنهم ينتقمون مني، أصبحتُ عصبيًّا جدًّا؛ وذلك لأنَّ أبي كان عصبيًّا، وكان يضرب أخي الأكبر، وكان أخي الأكبر يضربني بشدة، أصبحتُ ضعيفَ الشخصية، أصبحتْ لدي عصبيَّة مُفرطة قد تَصِل إلى الجنون، لا أثق في نفسي، التخبُّط في اتِّخاذ القرارات؛ حيث إنني أُقرِّر الشيء وأتراجَع، شارد الذِّهن باستمرار، شخصيَّتي مَسْلوبة، وكأن الناس هم مَن يتحكَّمون فيها؛ أي: إنني لا أمْلِك أيَّ شخصيَّة.


الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أهلاً بك ومرحبًا في شبكة الألوكة.
إنَّ هذه الكلمات القليلة التي شَرَحت فيها مشكلتك، تدلُّ بوضوح على أنَّك بحمد الله مُدرك لطبيعة المشكلة، ومُدرك كذلك لأسبابها، فشعورك بأنَّ شخصيَّتك مسلوبة مردُّه إلى ما تعرَّضتَ له في طفولتك، ولا شكَّ أنَّ المعاملة القاسية من الآباء رُبَّما تترك بعض الآثار النفسيَّة على الأبناء، ولكننا يجب أن نتسامَح، ويجب أن نعرِفَ أننا مُلْزَمون بأنَّ نبرَّ آباءنا، وفي نفس الوقت يجب أن نتذكَّر دائمًا أن هذه القسوة التي قد تَصدر من بعض الآباء ليستْ مقصودة، وإنما هي قائمة على مفاهيم تربويَّة خاطئة، ونعرف أنَّ كثيرًا من الآباء الذين يتعاملون بصورة فَظَّة مع أبنائهم، يشعرون بعد ذلك بالندم، وإن كانوا لا يُعلنون ذلك، وهذا ناتج مِن أنَّ حبَّ الآباء والأمهات لأبنائهم هو حبٌّ فطري وغريزي؛ فأرْجو أن تطمئنَّ، وأرجو أن تجدَ لوالدك العذرَ.
إنَّ الحياة لا تقف عند موقفٍ معيَّن، ولكن نسير فيها وقد نتعرَّض إلى مواقف مؤلِمة كثيرة، ولكن لا بدَّ أن نعوِّد أنفسنا على تجاوزها، والانطلاق إلى ما هو في صالح ديننا ودنيانا، تذكَّر دائمًا أنه ما فات مات، ولا بدَّ للإنسان أن يَعيش حاضره ويتناسى ماضيه المؤلِم؛ لأن الحياة - كما قلتُ لك سابقًا - لا تقف عند موقف واحد، بل قد يَعتريها الكثير من التجارب المؤلمة، ولكن لا بدَّ من الانطلاق وعدم الضَّعف لموقف معيَّن، مَهْمَا كانتْ صعوبته، ومع هذا كله فأنت قادر - بإذن الله تعالى - على الخروج من كلِّ هذه المعاناة، فما هي إلا خُطوات سهلة.

إذًا أنصحك أخي العزيز بنصائح وإرشادات معيَّنة، قد تساعدك في تجاوز هذه المشكلة - بإذن الله تعالى - وهي:
1- ارْفَع من معنويَّاتك، وقَوِّ ثقتك بنفسك، وركِّز على القدرات والإمكانات، ولتَبحث عن مواطن القوة لَدَيك وتُنَمِّيها، وتَتجاهل كلَّ مَن يحاول تحطيمك وإيذاءَك، أنت لست بأقلَّ من الآخرين، فليس هناك ما يدعوك لاهتزاز ثقتك بنفسك، وانْهَض بنفسك، ارْفَع هِمَّتك، واعْمَل على تقوية الثقة بالنفس بأسلوب عملي، فمثلاً ضَعْ لنفسك أهدافًا قريبة ممكنة، ثم تسعى في تحقيقها، وليَكن سهلاً في البداية، فمِن ذلك مثلاً: حِفْظ صفحات وسور من كتاب الله تعالى خلال أسبوع، كأن تَحفظ صفحة أو صفحتَيْن في الأسبوع، ثم نَفِّذ ذلك واجْعَله منهاج حياة تسير عليه، فأنت ترسم الهدف ثم تُنَفِّذه، فبمثل هذا الأسلوب يُعَزَّز لَدَيك الشعور بالثقة في النفس.
٢-ردِّد أفكاراً مُحفِّزة وإيجابيَّة باستمرار؛ لطَرْد الأفكار السلبيَّة التي تَرِد إليك بين الحين والآخر؛ مثل قولك باستمرار: أنا واثق من نفسي، أنا غير مُستسلم، أنا شجاع، وهكذا.
٣- انظر إلى الماضي نظرة أكثر إيجابيَّة تُجاه نفسك، بأن تقول لنفسك: إنَّك كنت متعاونًا مع إخوتك، وتحضر لهم ما يريدون، وإنَّك لَدَيك صفات إيجابيَّة رائعة، لا توجد عند الكثير؛ منها: الصبر، والتحمُّل، والتعاون، وكَظْم الغيظ، وذَكِّر نفسك بها دائمًا، ولا تُفكِّر في الانتقام، ولا تستمرَّ في تحقير ذاتك ولومها، بل تسامَح وانطَلِق في حياتك، وتجاوَزْ كلَّ العَقَبات بقوَّة وثباتٍ.
يُجمِع علماء النفس على أنَّ أفضل وسائل تغيير المشاعر السالبة، هي أن يتأمَّل الإنسان ويُعيد تقييم نفسه بكلِّ إنصاف، أُريدك أن تنظرَ إلى الماضي بشيء من التفاؤل، وبشيء من الإيجابية والإشراق، الماضي مهما كان سيِّئًا ومَهْما كان سالبًا، فهو تجارب وليس أكثر مِن ذلك، ويجب أن نستفيدَ منه؛ لنبني مستقبلاً زاهرًا مليئًا بالرجاء والأمل.
بالنسبة لحاضرك فأنت لك إيجابيات كثيرة، فيكفي أنَّك في سنِّ النُّضج والعطاء، وفي هذه السنِّ التي يتمنَّاها الكثير من الناس، لا بد أن تضعَ أهدافًا لحياتك، عليك بالاطلاع، عليك بالقراءة، عليك أن تُدير وقتك بصورة صحيحة، قسِّم وقتك بين الترفيه بما هو مشروع؛ مثل: الراحة، والتواصُل مع الأرحام ومع الأصدقاء.
٤- أنت في حاجة إلى الشُّعور بالاطمئنان والراحة مع الآخرين؛ لكي تُصَحِّح فكرتك عن الناس، فأوَّل ما تبدأ به هو الحِرْص على مُخالطة الإخوة الصالحين، ولا سيَّما من تَميل نفسك إليهم، مع الحرص على المشاركة الجماعية في الأنشطة المُمكنة؛ سواء كانت دعويَّة، أم في العمل، بل من أنفع ذلك إقامة حلقة جماعيَّة لتجويد القرآن، فإن في هذا شَحْذًا لهِمَّتك، وتقوية لقدراتك الاجتماعية، وهذا سوف يُحببك في الناس أكثر.
٥- واجِه التخبُّط في اتخاذ القرارات بالحَزْم، فمثلاً عند وقوفك متردِّدًا في شراء ثوب أو حاجة تحتاجها، أعْطِ نفسك وقتًا محدودًا، فإذا اخْتَرت رأيًا، فامْضِ فيه، ولا تَلتفت إلى كثرة التفكير فيه، وهذا لا يَعني عدم التفكير وسرعة اتخاذ القرار، وإنما يَعني إعطاء الأمور قدْرَها اللائق بها من التفكير والرأي، فالأمرُ المهمُّ يحتاج إلى تفكيرٍ وإلى تَرَوٍّ طويلَيْن، والأمر السهل يحتاج إلى وقت يناسبه، فاعْرِف الفرق بين الأمرين.
وإذا أردْتَ أن تَصِل إلى القرار السليم، فقُمْ بجَمْع الأمور الإيجابيَّة فيه والأمور السلبية، ثم وازِنْ بينها، فإذا رجَح الجانب الإيجابي - وكان له فيه مصلحة - أقْبِل عليه، وإذا ترجَّح الجانب السلبي الذي يضرُّه، أحْجِمْ عنه.
6- بالنسبة للعصبيَّة، فأنت بذلك تقوم بتدمير مَن يتعامل معك، وقد يؤدِّي إلى التلفُّظ بكلمات السبِّ والشَّتم والضرب، وإذا لَم تعالج هذه المشكلة، فستزداد حِدَّتها، وتُصبح عبارة عن مرض نفسي عصبي، ولتتذكَّر أنك إذا مارَسْت العصبية فسوف تَفعل مثلما فعل فيك إخوتك ووالدُك، فهل ترضى ذلك لأبنائك؟ لا بدَّ أن تَبتعد عن الأخطاء التي حدَثت فيك، ولا تُكَرِّرها مرة أخرى مع أبنائك، سواء الآن أو في المستقبل - إن شاء الله.
أُذَكِّرك بوصيَّة الرسول محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - حينما قال: ((لا تَغضب))، وكَرَّرها ثلاثًا، فهذه الوصيَّة تدلُّ على أن الإنسان يستطيع أن يُسيطر على نفسه وعلى غضبه، ثم لنَضَع في الميزان أيهما أكثر إنتاجًا؛ الغضب والانفعال، أم الهدوء والتريُّث، والتحكُّم في الانفعالات لجَنْي النتائج دون خسائر؟ ودون شكٍّ سنجد أنَّ الرزانة والهدوء هما سِمة الأنبياء والصالحين، فيبدأ بالبُعد عن الانفعال والعصبيَّة غير المُبررة، ويكاد لا يخلو إنسان من عنصر من عناصر العصبيَّة، ولكن بشكل متفاوت يختلف حسب الوراثة والبيئة والتربية، وتهذيب المرء لنفسه، وتعويدها عدم الانفعال غير المبرر، فالأمر يحتاج إلى مراجعة النفس، وترويضها على عدم العصبيَّة، وأخْذ الأمور ببساطة، وأيضًا نُذَكِّرك بأنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما كان يَغضب إلاَّ إذا انْتُهِكت حُرُمات الله - عزَّ وجلَّ - فعلينا ألاَّ نغضب لأنفسنا؛ أُسوةً برسول الله - عليه الصلاة والسلام.
7- أمَّا بالنسبة لشرود الذهن وقلة التركيز، فأنصحك بأَخْذ قِسطك الكافي من النوم يوميًّا، ولا يكون أقل من ٨ ساعات، وأيضًا ممارسة التمارين للتركيز قد تُفيدك، فلتَبحث عنها في الإنترنت، وهذا الشرود سوف يختفي إذا عالَجت مشكلتك الأساسية - بإذن الله - لأنه يعود إلى العصبية والتوتُّر والقلق الذي تعانيه، فأنْصَحك باستشارة طبيب، وقد تكون بحاجة إلى أدوية تُهَدِّئ من نسبة القلق لَدَيك.
8-احْرِص على تقوية علاقتك بالله، وعلى قوَّة اعتماد قلبك عليه، وستَجد السكينة والطمأنينة تغشاك؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
وحاوِل المواظبة على صلاة الجماعة في المسجد في الصفوف الأولى.
9- ممارسة الرياضة المُحبَّبة للنفس، ويُفَضَّل لو كانت جماعيَّة بشكلٍ مُنتظم؛ للترويح عن النفس، وطَرْد القلق وشحنات التوتُّر، وبَعْث السرور إلى النفس.
10- جلسات الاسترخاء والتأمُّل قد تكون مفيدة في مثل هذه الحالات، ويجب الاطِّلاع في ذلك؛ وذلك بقصْد تهيئة وتَصْفية الذِّهن.
11- كثرة الاستغفار والاستعاذة من الشيطان عند ورود الأفكار السلبيَّة كبديل إيجابيٍّ لها، ويجب ألاَّ نَنسى الدعاء، فعليك أن تدعوَ لنفسك بأن يرفَعَ الله عنك.
وبعد أن تشعرَ بتحسُّن في حالتك المزاجيَّة وشخصيَّتك، أنصحك إذا لَم تكن متزوِّجًا بالبحث عن فتاة طيِّبة؛ علَّها تعوِّضُك عما سبق في طفولتك.
وإذا استمرَّت حالتك، فلا بد من الذهاب إلى طبيبٍ نفسي؛ كي تتابعَ معه في جلسات تَصِل بعدها إلى حلٍّ لهذه المشكلة، ولكن أقول قبل ذلك: طبِّق البرنامج الذي ذَكَرتُه لك بحرصٍ واهتمام وبجِدِّيَّة؛ كي تجدَ الفائدة بعد توفيق الله والاستعانة فيه، والله يرعاك.

Adsense Management by Losha