مشاهدة النسخة كاملة : التحذير من المسكر


فريق منتدى الدي في دي العربي
03-07-2016, 03:23 PM
التحذير من المسكر


الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم





الحمد لله الذي أخرج الإنسان من بطن أمه لا يعلم شيئًا، فجعل له السمعَ والبصر والفؤاد، أحمده سبحانه وأشكره على نِعَم ليس لها تَعداد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي خلق الإنسان من عَلَق، وعلَّمه ما لم يكن يعلم.



وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضل الشاكرين لنِعَم ربه، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أهل العقل والعرفان.



أما بعد:

فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واتقوا يومًا تجتمعون فيه لا ريب في اجتماعكم، ثم تَفرُّقكم، فريق في الجنة وفريق في السعير، فأهل الجنة أولو الألباب الذين صار لهم حظٌّ من بشارة القرآن، فعمِلوا بما بُشِّروا به، وفَطَنوا لإنذاره، فاجتنبوا ما نهاهم عنه ﴿ هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [إبراهيم: 52].



أي: أهل العقول السليمة، فالعقل نعمة من الله على عبده يَزِن به جميعَ أموره، فيعرف به الضارَّ من النافع، ويُفارِق به سائر الجمادات، وفُضِّل به على سائر المخلوقات.



ألا وإن مما حُذِّر منه وأُنذِر عنه كل مزيل لهذه النعمة؛ نعمة العقل والتفكير، فالمحافظة على سلامة هذا العقل ضرورية للإنسانية وللمسلم خاصة، وإن مما يُفسِد هذه النعمة، ويُخِل بها، ويخلط عليها: تعاطيَه المُسكِر من أي شيء كان؛ من خمر أو كحول، أو أي مادة معصورة أو غير معصورة.



قال صلى الله عليه وسلم: ((كل مُسكِر خمر، وكل خمر حرام))، وكما يَحرُم الكثير يحرم القليل؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ما أَسكَر كثيرُه، فقليله حرام))، فحُرْمة المسكر رتَّب الله تعالى عليها عقوبات دنيوية وأخروية، ففي الدنيا ثمانون جلدة، إن كان يقيم في مجتمع إسلامي يقيم ولاتُه الحدود، هذا مع ما يُتوقَّع من المفاسد بسبب سُكْره، وزوال عقله، فقد يَقتُل وقد يُقتَل، وقد يُسلَب ماله، أو يُتلِفه وهو لا يشعر ويقع في أمه وأخته أو من ذوات محارمه، أو من سائر المحرَّمات عليه، فلهذا يصبح بين مجتمعه مرهوبًا مخوفًا من شرِّه، فزوجته غير آمنة، وولده خائف، وجاره فَزِع لا يتوقَّع منه إلا السوء.



وأما في الآخرة، فعليه من الوعيد الشديد ما الله تعالى به عليم، فهو مُتوعِّده بعدم دخول الجنة، وأن يُسْقى من الحميم، ولا يأكل إلا من الزقوم؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة: مُدمِن خمرٍ، ومُصدِّق بالسحر، وقاطع رَحِم)).



أيها المسلمون:

يكفي العاقلَ رادعًا وزاجرًا ما ذكر الله تعالى في الخمر من الصفات السيئة، والمفاسد الضارة، والنتائج الوخيمة؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90]، فهذا النداء للمؤمنين إشعار لهم بما يَحمِلهم على المبادرة بالامتثال؛ ولهذا قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا سَمِعوا قول الله تعالى: ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91]: انتهينا، انتهينا. فهذا ما يقتضيه الإيمان، والعبودية الصادقة المعرفة بعِظَم سيدها، الآمر الناهي لها، ومعنىرِجْس أي: نجس، ومعلوم أن العاقل يَجتنِب النجس الخبيث، كما هو مُشاهَد فيما لو شمَّ الناس في أنابيب الماء (ماء الشرب) رائحةً كريهة، لفَزِعوا إلى المسؤولين بتنقيتها، ومِثْله الأطعمة الفاسدة، فالحذرُ من النجس المُفسِد للعقول أَوْلى بالمسلم وأجدر به مما يُفسِد الأجسام؛ فصحة الأجسام مُرتَّبة على صحة العقول، وهاتان الصحتان هما النافعتان في الدنيا والآخرة، إذا استُعمِلا في طاعة مُسديها، والشيطان عدو الإنسان، ومعلوم أن العدو تُحذَر أعماله، ورتَّب الله تعالى الفلاحَ والنجاحَ على اجتنابها، الذي فيه امتثال أمر الله عز وجل.



ومما يترتَّب على الخمر والميسر: وقوع العداوة والبغضاء بين الناس، والصد عن ذِكْر الله تعالى، وأحرص ما يَحرِص عليه الشيطان إيجادُ هذه الأمور بين المسلمين، فالخمر ما خامَر العقل؛ أي: غطَّاه، والمَيْسِر هي: المغالبات التي فيها عِوَض من الجانبين كالمراهنة، إلا ما كان فيه عون على تَوصُّل إلى عِلْم شرعي، أو جهاد في سبيل الله تعالى عند بعض العلماء، والأنصاب هي: ما يُنصَب لعبادة غير الله تعالى من وثنٍ أو صنم أو تمثال ونحوها، أو ما يُعكَف عنده مما يَصُدُّ عن ذِكْر الله تعالى، والأزلام هي: التي يَقتسِمون بها عندما يريدون حاجة من الحوائج كسفر ونحوه فتُمضيهم أو تَرُدهم.



أيها المسلمون، كلُّ مُسكِر من خمر أو غيره ملعون بعينه، وأي فائدة فيمن طُرِد عن رحمة الله عز وجل، وكَرِهه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؟!



ولعن مع الخمر عدة أشخاص ذكرهم رسولُ الهدى صلى الله عليه وسلم: لعنت الخمر بعينها، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصِرها، ومُعتصِرها، وحامِلها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها.



فأي فائدة تعود على الإنسان إذا تسبَّب بطرده وإبعاده عن رحمة الله تعالى خالقه ومُربِّيه؟ وأي فائدة يستفيدها إذا عرَّض نفسَه للهلاك؟



فاحذروا أيها المسلمون تناولَ المُسكِرات من خمرٍ وخلافها، فكلُّ ما أسكر فهو خمر، وكل خمر حرام، جنَّبنا الله تعالى كلَّ مكروه، وهدانا إلى سواء السبيل.



أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [المائدة: 90 - 92].




بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

Adsense Management by Losha