مشاهدة النسخة كاملة : الفقيه المصري: الليث بن سعد


فريق منتدى الدي في دي العربي
03-07-2016, 03:23 PM
الفقيه المصري: الليث بن سعد
الشيخ صلاح نجيب الدق





الحمد لله الذي له ملك السموات والأرض، يحيي ويميت، وهو على كل شيءٍ قديرٌ،هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيءٍ عليمٌ،والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:
فإن اللَّيْث بن سعد هو أحد فقهاء مِصرَ المشهورين؛ مِن أجل ذلك أحببتُ أن أذكر نفسي وإخواني القراء الكرام بشيء من سيرته المباركة، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
الاسم والنسب:
هو: اللَّيْث بن سعد بن عبدالرحمن الفهمي،الإمام، الحافظ، شيخ الإسلام، وعالم الديار المصرية.

كنيته: أبو الحارث؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ 7 صـ 517)، (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 136).

ميلاده:
وُلد اللَّيْث بن سعدٍ يوم الخميس، لأربع عشرة من شعبان، سنة أربعٍ وتسعين، بقلقشندة، بمصر؛ (التاريخ الكبير للبخاري جـ 7 صـ 246)، (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 14 صـ 524).

شيوخ اللَّيْث بن سعد:
عطاء بن أبي رباحٍ، وابن أبي مليكة، ونافع مولى عبدالله بن عمر، وسعيد بن أبي سعيدٍ المقبري، وابن شهابٍ الزهري، وأبو الزبير المكي، وعبدالرحمن بن القاسم، وعُقَيل بن خالدٍ، ويونس بن يزيد، وحكيم بن عبدالله بن قيسٍ، وعامر بن يحيى المعافري، وكثير بن فرقد، وهشام بن عروة، وأيوب بن موسى، والحارث بن يزيد الحضرمي، وخالد بن يزيد، وصفوان بن سليمٍ، وأبو الزناد، وقتادة بن دعامة، ويحيى بن سعيدٍ الأنصاري، وغيرهم كثيرٌ؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 138).

تلاميذ اللَّيْث بن سعد:
روى عنه خلقٌ كثيرٌ، منهم: ابن لهيعة، وهشيمٌ، وابن وهبٍ، وابن المبارك، وأشهب، والقَعْنبي، وسعيد بن أبي مريم، وآدم بن أبي إياسٍ، وأحمد بن يونس، وشعيب بن اللَّيْث - ولده - ويحيى بن بكيرٍ، وعبدالله بن عبدالحكم، ومنصور بن سلمة، ويونس بن محمدٍ، ويحيى بن يحيى اللَّيْثي، وقتيبة بن سعيدٍ، ومحمد بن رمحٍ، وعبدالله بن يوسف؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 138).

عقيدة اللَّيْث في صفات الله:
قال الوليد بن مسلمٍ: سألت مالكًا، والثوري، واللَّيْث، والأوزاعي عن الأخبار التي في الصفات، فقالوا: أمِرُّوها كما جاءت؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 162).

دفاع اللَّيْث عن عثمان بن عفان:
كان أهل مصر ينتقصون عثمان بن عفان، حتى نشأ فيهم اللَّيْث بن سعد، فحدَّثهم بفضائله، فكفُّوا،وكان أهل حمص ينتقصون عليًّا، حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياشٍ، فحدثهم بفضائل علي بن أبي طالب، فكفُّوا عن ذلك؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 14 صـ 524).

مجالس اللَّيْث اليومية:
قال أشهب بن عبدالعزيز: كان اللَّيْث بن سعدٍ له كل يومٍ أربعة مجالس يجلس فيها: أما أولها، فيجلس لنائبة السلطان في نوائبه وحوائجه، وكان اللَّيْث يغشاه السلطان، فإذا أنكر من القاضي أمرًا، أو من السلطان، كتب إلى أمير المؤمنين، فيأتيه العزل، ويجلس لأصحاب الحديث، وكان يقول: نجحوا أصحاب الحوانيت؛ فإن قلوبهم معلقةٌ بأسواقهم،ويجلس للمسائل، يغشاه الناس، فيسألونه، ويجلس لحوائج الناس، لا يسأله أحدٌ فيرده، كبُرت حاجته أو صغُرت،وكان يُطعم الناس في الشتاء الهرائس بعسل النحل وسمن البقر، وفي الصيف سويق اللوز في السكر؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 14 صـ 524).

اللَّيْث يرفض إمارة مصر:
قال اللَّيْث بن سعدٍ: قال لي الخليفةُ أبو جعفر المنصور: تَلِي لي مصر؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين؛ إني أضعف عن ذلك، إني رجلٌ من الموالي (أي: أصله من غير العرب)، فقال: ما بك ضعفٌ معي، ولكن ضعف نيتك عن العمل في ذلك لي، أتريد قوةً أقوى مني ومن عملي! فأما إذ أبيت، فدُلني على رجلٍ أقلده أمر مصر؟ قلت: عثمان بن الحكم الجذامي، رجل صلاحٍ وله عشيرة،فبلغه ذلك، فعاهد عثمانُ اللهَ عز وجل ألا يكلمَ اللَّيْث بن سعدٍ؛ (المعرفة والتاريخ ـ ليعقوب بن سفيان الفسوي ـ جـ 1 صـ 123).

منزلة اللَّيْث عند الخلفاء:
(1) روى أبو نعيم عن عبدالله بن صالحٍ، قال: سمعت اللَّيْث بن سعدٍ، يقول: "لما قدمت على هارون الرشيد، قال لي: يا ليث، ما صلاح بلدكم؟ قلت: "يا أمير المؤمنين، صلاح بلدنا بإجراء النيل، وإصلاح أميرها، ومن رأس العين يأتي الكدر، فإذا صفا رأس العين صفت السواقي"، فقال: صدقت يا أبا الحارث"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 7 صـ 322).

(2) قال يعقوب بن داود وزير الخليفة المهدي: قال لي أمير المؤمنين المهدي لما قدم اللَّيْث العراق: الزم هذا الشيخ؛ فقد ثبت عندي أنه لم يبقَ أحدٌ أعلم بما حمل منه؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 14 صـ 524).

(3) قال اللَّيْث بن سعدٍ: لما ودعت الخليفة أبا جعفر المنصور ببيت المقدس، قال: أعجبني ما رأيت من شدة عقلك، والحمد لله الذي جعل في رعيتي مثلك؛ (المعرفة والتاريخ ـ ليعقوب بن سفيان الفسوي ـ جـ 1 صـ 167).

ثقة المصريين في اللَّيْث بن سعد:
قال بكر بن مضر: قدم علينا كتاب الخليفة مروان بن محمدٍ إلى حوثرة بن سهيل والي مصر: إني قد بعثت إليكم أعرابيًّا بدويًّا فصيحًا، من حاله ومن حاله، فاجمعوا له رجلًا يسدده في القضاء، ويصوبه في المنطق،فأجمع رأي الناس على اللَّيْث بن سعدٍ، وفي الناس معلِّماه: يزيد بن أبي حبيبٍ، وعمرو بن الحارث؛ (تاريخ الإسلام للذهبي جـ 4 صـ: 710).

قال الإمام الذهبي: كان اللَّيْث بن سعدٍ (رحمه الله) فقيه مصر، ومحدثها، ومحتشمها، ورئيسها، ومن يفتخر بوجوده الإقليم، بحيث إن متولي مصر، وقاضيها، وناظرها من تحت أوامره، ويرجعون إلى رأيه ومشورته، ولقد أراده المنصور على أن ينوب له على الإقليم، فاستعفى من ذلك؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 143).

حرص اللَّيْث على مساعدة طلبة العلم:
(1) قال حرملة بن يحيى: كان اللَّيْث بن سعدٍ يصل مالك بن أنس بمائة دينارٍ في السنة، فكتب مالكٌ إليه: عليَّ دينٌ،فبعث اللَّيْث بن سعدٍ إليه بخمسمائة دينارٍ؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 148).

(2) روى أبو نعيم عن يحيى بن بكيرٍ، قال: "وصَل (أي أهدى) اللَّيْث بن سعدٍ ثلاثة أنفسٍ بثلاثة آلاف دينارٍ، احترقت دار ابن لهيعة؛ فبعث إليه بألف دينارٍ، وحج فأهدى إليه مالك بن أنسٍ رطبًا على طبقٍ، فرد إليه على الطبق ألف دينارٍ، ووصل منصور بن عمارٍ القاضي بألف دينارٍ، وقال: لا تسمع بهذا ابني فتهون عليه، فبلغ ذلك شعيب بن اللَّيْث، فوصله بألف دينارٍ إلا دينارًا، وقال: إنما نقصتك هذا الدينار؛ لئلا أساوي الشيخ في عطيته"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 7 صـ 322).

(3) قال ابن وهب: كان اللَّيْث بن سعد يصل مالك بن أنس بمائة دينار في كل سنة، فكتب إليه: إن عليَّ دَينًا، فبعث إليه بخمسمائة دينار؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 50 صـ 371).

(4) قال منصور بن عمار: لما مرض عبدالله بن لهيعة مرضه الذي مات فيه، دخل عليه اللَّيْث بن سعد، فقال له: ما تشتكي؟ قال: الدَّينَ،قال كم دَينُك؟ قال: ألف دينار، فأتى فأعطاه إياه؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 50 صـ 374).

(5) روى أبو نعيم عن عبدالملك بن شعيب بن اللَّيْث بن سعدٍ، قال: سمعت أسد بن موسى، يقول: " كان عبدالله بن علي يطلب بني أمية فيقتلهم، فلما دخلتُ مِصرَ دخلتُها في هيئةٍ رثةٍ، فدخلت على اللَّيْث بن سعدٍ، فلما فرغت من مجلسه خرجت، فتبعني خادمٌ له في دهليزه، فقال: اجلس حتى أخرج إليك، فجلست، فلما خرج إليَّ وأنا وحدي دفع إليَّ صرةً فيها مائة دينارٍ، فقال: يقول لك مولاي: أصلح بهذه النفقة بعض أمرك، ولُمَّ مِن شعثك، وكان في حوزتي هميان فيه ألف دينارٍ، فأخرجت الهميان، فقلت: أنا عنها في غنًى، استأذن لي على الشيخ، فاستأذن لي، فدخلتُ فأخبرته بنسبي، واعتذرتُ إليه من ردها، وأخبرته بما مضى، فقال: هذه صلةٌ وليست بصدقةٍ، فقلت: أكره أن أعوِّدَ نفسي عادةً وأنا في غنًى، فقال: ادفعها إلى بعض أصحاب الحديث ممن تراه مستحقًّا لها، فلم يزل بي حتى أخذتها ففرقتها على جماعةٍ"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 7 صـ 321).

اعتراف الإمام مالك بالفضل لليث:
روى أبو نعيم عن علان بن المغيرة، قال: سمعت أبا صالحٍ يقول: "كنا على باب مالك بن أنسٍ، فامتنع علينا، فقلنا: ليس يشبِهُ صاحبَنا، قال: فسمع مالكٌ كلامنا، فأدخَلَنا عليه، فقال لنا: مَن صاحبكم؟ قلنا: اللَّيْث بن سعدٍ، فقال: تشبِّهوني برجلٍ كتبنا إليه في قليل عصفرٍ نصبغ به ثياب صبياننا، فأنفَذ إلينا ما صبغنا به ثيابنا، وثياب صبياننا، وثياب جيراننا، وبِعْنا الفضلة بألف دينارٍ؟!"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 7 صـ 319).

نصيحة مالك بن أنس إلى اللَّيْث بن سعد:
قال عبدالله بن صالح: قال مالك بن أنسٍ: بسم الله الرحمن الرحيم.

من مالك بن أنس إلى اللَّيْث بن سعد، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، عصمنا الله وإياك بطاعته في السر والعلانية، وعافانا وإياك من كل مكروه، كتبتُ إليك وأنا ومَن قِبلي من الولدان والأهل على ما تحب، والله محمود، أتانا كتابك تذكر من حالك ونعمة الله عليك الذي أنا به مسرور، أسأل الله أن يتم عليَّ وعليك صالح ما أنعم علينا وعليك، وأن يجعلنا له شاكرين، وفهمتُ ما ذكرت في كتب بعثت بها لأعرضها لك، وأبعث بها إليك، وقد فعلت ذلك، وغيَّرت منها ما غيرت، حتى صح أمرها على ما يجب، وختمت على كل صحيفة منها بخاتمي، ونقشُه: حسبي الله ونعم الوكيل، وكان حبيبًا إليَّ حفظُك، وقضاء حاجتك، وأنت لذلك أهلٌ، وصبرت لك نفسي في ساعة لم أكن أعرض فيها لأن أنجح ذلك، فتأتيك مع الذي جاءني بها، حتى دفعتها إليه، وبلغت من ذلك الذي رأيت أنه يلزمني لك في حقك وحرمتك وقد نشطني ما استطلعت مما قبلي من ذلك في ابتدائك بالنصيحة لك، ورجوت أن يكون لها عندك موضع، ولم يكن منعني من ذلك قبل اليوم إلا أن يكون رأيي لم يزل فيك جميلًا، إلا أنك لم تذاكرني شيئًا من هذا الأمر، ولا تكتب فيه إليَّ، واعلم رحمك الله أنه بلغني أنك تفتي بأشياء مخالفة لِما عليه جماعة الناس عندنا، وببلدنا الذي نحن به، وأنت في إمامتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك، وحاجة من قبلك إليك، واعتمادهم على ما جاء منك حقيقٌ بأن تخاف على نفسك، وتتبع ما ترجو النجاة باتباعه؛ فإن الله عز وجل يقول في كتابه: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18]، فإنما الناس تبعٌ لأهل المدينة، إليها كانت الهجرة، وبها نزل القرآن، وأحل الحلال، وحرم الحرام؛ إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، يحضرون الوحي والتنزيل، ويأمرهم فيتبعونه، ويسُن لهم فيتبعونه، حتى توفاه الله واختار له ما عنده صلى الله عليه وسلم، ثم قام مِن بعده أتبعُ الناس له من أمته، ممن ولي الأمر من بعده، فما نزل بهم مما علموا أنفَذوه، وما لم يكن عندهم علم فيه، سألوا عنه، ثم أخذوا بأقوى ما وجدوا في ذلك في اجتهادهم وحداثة عهدهم، فإن خالفهم مخالف أو قال امرؤٌ: غيرُه أقوى منه وأولى، ترك قوله وعمل بغيره، ثم كان التابعون من بعدهم يسلكون تلك السبيل، ويتبعون تلك السنن، فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهرًا معمولًا به لم أَرَ خلافه؛ للذي في أيديهم من تلك الوراثة التي لا يجوز لأحدٍ انتحالها ولا ادعاؤها، ولو ذهب أهل الأمصار يقولون: هذا العمل ببلدنا، وهذا الذي مضى عليه مَن مضى منا، لم يكونوا من ذلك على ثقة، ولم يجُزْ لهم من ذلك مِثلُ الذي جاز لهم، فانظر - رحمك الله - فيما كتبت إليك فيه لنفسك، واعلم أني لأرجو ألا يكون دعائي إلى ما كتبت إليك إلا النصيحة لله، والنظر إليك، والضن بك، فأنزل كتابي منك منزله؛ فإنك إن تفعل تعلم أني لم آلك نصحًا، وفقنا الله وإياك بطاعته وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أمر، وعلى كل حال، والسلام عليكم ورحمة الله؛ (تاريخ ابن معين ـ ليحيى بن معين جـ 4 صـ 501: 498 رقم: 5412).

كرم اللَّيْث بن سعد:
(1) روى أبو نعيم عن سليمان بن منصور بن عمارٍ، قال: سمعت أبي يقول: "كنت عند اللَّيْث بن سعدٍ يومًا جالسًا، فأتته امرأةٌ ومعها قدحٌ، فقالت: يا أبا الحارث، إن زوجي يشتكي، وقد نعت له العسل، فقال: اذهبي إلى أبي قسيمة فقولي له يعطيك مطرًا من عسلٍ، فذهبت، فلم ألبث أن جاء أبو قسيمة، فسارَّه بشيءٍ، لا أدري ما قال له، فرفع رأسه إليه فقال: اذهب فأعطها مطرًا، إنها سألت بقدرها، وأعطيناها بقدرنا، والمطر: الفَرَق، والفَرَق عشرون ومائة رطلٍ"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 7 صـ 319).

(2) قال الحارث بن مسكينٍ: اشترى قومٌ من اللَّيْث ثمرةً، فاستغلَوْها، فاستقالوه (أي: سألوه أن يرجعوا في بيعهم)، فأقالهم، ثم دعا بخريطةٍ فيها أكياسٌ، فأمر لهم بخمسين دينارًا، فقال له ابنه الحارث في ذلك، فقال: اللهم غَفْرًا، إنهم قد كانوا أملوا فيها أملًا، فأحببت أن أعوضهم من أملهم بهذا؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 50 صـ 376).

(3) قال قتيبة بن سعيد: رجعنا مع اللَّيْث بن سعدٍ من الإسكندرية، ومعه ثلاث سفنٍ، سفينةٌ فيها مطبخه، وسفينةٌ فيها عياله، وسفينةٌ فيها أضيافه؛ (تاريخ الإسلام للذهبي جـ 4 صـ: 710).

(4) قال قتيبة بن سعيد: كان اللَّيْث بن سعدٍ يركب في جميع الصلوات إلى الجامع، ويتصدق كل يومٍ على ثلاثمائة مسكينٍ؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 50 صـ 374).

اللَّيْث بن سعد: العالم الفقيه:
روى أبو نعيم عن الحسن بن مليحٍ، بمصر، قال: حدثنا لؤلؤ الخادم (خادم الخليفة هارون الرشيد) قال: "جرى بين هارون الرشيد وبين ابنة عمه زبيدة (زوجته) مناظرةٌ وملاحاةٌ في شيءٍ من الأشياء، فقال هارون لها في عرض كلامه: "أنت طالقٌ إن لم أكن من أهل الجنة"، ثم ندم واغتمَّا جميعًا بهذه اليمين، ونزلت بهما مصيبةٌ؛ لموضع ابنة عمه منه، فجمع الفقهاء وسألهم عن هذه اليمين، فلم يجد منها مخرجًا، ثم كتب إلى سائر البلدان من عمَّاله أن يحمل إليه الفقهاء من بلدانهم، فلما اجتمعوا، جلس لهم وأدخلوا عليه، وكنت واقفًا بين يديه لأمرٍ إن حدث يأمرني بما شاء فيه، فسألهم عن يمينه، وكنت المعبر عنه، وهل له منها مخلصٌ، فأجابه الفقهاء بأجوبةٍ مختلفةٍ، وكان إذ ذاك فيهم اللَّيْث بن سعدٍ فيمن أشخص من مصر، وهو جالسٌ في آخر المجلس، لم يتكلم بشيءٍ، وهارون يراعي الفقهاء واحدًا واحدًا، فقال: بقي ذلك الشيخ في آخر المجلس لم يتكلم بشيءٍ، فقلت له: إن أمير المؤمنين يقول لك: ما لك لا تتكلم كما تكلم أصحابك؟ فقال: قد سمع أمير المؤمنين قول الفقهاء، وفيه مقنعٌ، فقال: قل له: إن أمير المؤمنين يقول: لو أردنا ذلك سمعنا من فقهائنا ولم نشخصكم من بلدانكم، ولما أحضرت هذا المجلس، فقال: يخلي أمير المؤمنين مجلسه إن أراد أن يسمع كلامي في ذلك، فانصرف مَن كان بمجلس أمير المؤمنين من الفقهاء والناس، ثم قال: تكلم، فقال: يدنيني أمير المؤمنين؟ فقال: ليس بالحضرة إلا هذا الغلام، وليس عليك منه عينٌ، فقال: يا أمير المؤمنين، أتكلَّم على الأمان، وعلى طرح التعمُّل والهيبة والطاعة لي من أمير المؤمنين في جميع ما آمُرُ به؟ قال: لك ذلك، قال: يدعو أمير المؤمنين بمصحفٍ جامعٍ، فأمر به فأحضر، فقال: يأخذه أمير المؤمنين فيتصفحه حتى يصل إلى سورة الرحمن، فأخذه وتصفحه حتى وصل إلى سورة الرحمن، فقال: يقرأ أمير المؤمنين، فقرأ، فلما بلغ: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: 46]، قال: قِفْ يا أمير المؤمنين ها هنا، فوقف، فقال: يقول أمير المؤمنين: واللهِ، فاشتد على الرشيد وعليَّ ذلك، فقال له هارون: ما هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين على هذا وقع الشرط، فنكس أمير المؤمنين رأسه - وكانت زبيدة في بيتٍ مسبلٍ عليه سترٌ، قريبٍ من المجلس، تسمع الخطاب - ثم رفع هارون رأسه إليه فقال: والله، قال: الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، إلى أن بلغ آخر اليمين، ثم قال: إنك يا أمير المؤمنين تخاف مقام الله؟ قال هارون: إني أخاف مقام الله، فقال: يا أمير المؤمنين، فهي جنتان وليست بجنةٍ واحدةٍ؛ كما ذكر الله تعالى في كتابه، فسمعتُ التصفيق والفرح من خلف الستر، وقال هارون: أحسنت والله، بارك الله فيك، ثم أمر بالجوائز والخلع لليث بن سعدٍ، ثم قال هارون: يا شيخ، اختَرْ ما شئت، وسل ما شئت تُجَبْ فيه، فقال: يا أمير المؤمنين، وهذا الخادم الواقف على رأسك؟ فقال: وهذا الخادم، فقال: يا أمير المؤمنين، والضِّياع التي لك بمصر ولابنة عمك أكون عليها، وتسلم إليَّ لأنظر في أمورها؟ قال: بل نقطعك إقطاعًا، فقال: يا أمير المؤمنين، ما أريد من هذا شيئًا، بل تكون في يدي لأمير المؤمنين، فلا يجري عليَّ حيف العمال، وأعز بذلك، فقال: لك ذلك، وأمر أن يكتب له ويسجل بما قال، وخرج من بين يدي أمير المؤمنين بجميع الجوائز والخِلَع والخادم، وأمرت زبيدة له بضِعف ما أمر به الرشيد، فحمل إليه، واستأذن في الرجوع إلى مصر، فحُمِل مكرمًا؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 7 صـ 323).

أقوال السلف في اللَّيْث بن سعد:
(1) روى أبو نعيم عن حرملة بن يحيى، قال: سمعت الشافعي يقول: اللَّيْث بن سعدٍ أتبع للأثر من مالك بن أنسٍ؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 7 صـ 319).

(2) قال أحمد بن حنبل: اللَّيْث بن سعدٍ كثير العلم، صحيح الحديث؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 14 صـ 524).

(3) قال أحمد بن سعدٍ الزهري: سمعت أحمد بن حنبلٍ يقول: اللَّيْث ثقةٌ، ثبتٌ؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 14 صـ 524).

(4) قال علي بن المديني (شيخ البخاري): اللَّيْث بن سعدٍ ثبتٌ؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 50 صـ 364).

(5) قال يحيى بن معينٍ (إمام الجرح والتعديل): اللَّيْث بن سعدٍ ثقةٌ؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 50 صـ 364).

(6) قال أحمد بن صالحٍ: اللَّيْث بن سعدٍ إمامٌ، قد أوجب الله علينا حقه؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 14 صـ 524).

(7) قال العلاء بن كثيرٍ: اللَّيْث بن سعدٍ سيدنا، وإمامنا، وعالمنا؛ (تاريخ الإسلام للذهبي جـ 4 صـ: 710).

(8) قال شرحبيل بن جميلٍ: أدركت الناس أيام الخليفة هشام بن عبدالملك، وكان اللَّيْث بن سعدٍ حدث السن، وكان بمصر عبيدالله بن أبي جعفرٍ، وجعفر بن ربيعة، والحارث بن يزيد، ويزيد بن أبي حبيبٍ، وابن هبيرة، وإنهم يعرفون لليث فضله وورعه وحسن إسلامه عن حداثة سنه؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 146).

(9) قال يحيى بن بكيرٍ: ما رأيت أحدًا أكمل من اللَّيْث؛ (تاريخ الإسلام للذهبي جـ 4 صـ: 710).

(10) قال أحمد بن شعيب النسائي: أبو الحارث اللَّيْث بن سعدٍ مصري ثقةٌ؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 14 صـ 524).

وفاة اللَّيْث بن سعد:
توفي اللَّيْث بن سعدٍ (رحمه الله) بمصر، يوم الجمعة، في النصف من شعبان، سنة خمسٍ وسبعين ومائةٍ،وكان عمره إحدى وثمانين سنة؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 14 صـ 524).

قال خالد بن عبدالسلام الصدفي: شهدت جنازة اللَّيْث بن سعدٍ مع والدي، فما رأيت جنازةً قط أعظم منها، رأيت الناس كلهم عليهم الحزن، وهم يعزي بعضهم بعضًا، ويبكون، فقلت: يا أبت، كأن كل واحدٍ من الناس صاحب هذه الجنازة،فقال: يا بني، لا ترى مثله أبدًا؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 50 صـ 377).

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

Adsense Management by Losha