مشاهدة النسخة كاملة : السر الأعظم أو سر الأسرار – الجزء الحادي والأربعون


تركي السعوديه
03-07-2016, 03:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آلهِ وأصحابهِ أجمعين

نُتابع الشرح والتفسير بصدد خواتيم سورة الرحمن والتي نحن بصددها الآن، ونواصل شرح وإيضاح السر الأعظم أو سر الأسرار، لعلنا بذلك ننال نعمة ربنا بأن نكون من المٌصطفين الأخيار ومن السابقين المقربين في جنَّات النعيم، الذي قال عنهُم سُبحانهُ في سورة الواقعة: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14)، جعلنا الله وإياكُم من القليل الآخرين الذين جاء ذكرهُم في هذهِ الآية، نحن وإياكم أجمعين إن شاء الله الرحمن الرحيم.
بعد كشفنا للسر الأعظم ولسر الأسرار، وقلنا السر الأعظم في الوجود هو الإنسان، جوبهنا بما كان متوقعاً من نكران وإظهار لخيبة الأمل في ذلك السر، فجُل الناس كانوا يتوقعون شيء ما كالمصباح السحري أو خاتم سليمان، بحيث ينفردون بامتلاكه ويسودون باستخدامه، فتخضع البشرية كلها لإرادتهِم ويتحقق لهُم ما يُريدون دون رقيب أو حسيب، فيفعلون ما يشاؤون وهم الأسياد وهذا لمجرد امتلاكهم ذلك الشيء الذي لا يمتلكهُ غيرهُم.
وقد يفاجأ المرء عندما يعلم بأن هذهِ الآمال والأحلام إنما هي أمال الشيطان اللعين بعينه عندما خاصم الرحمن، فلا زال إبليس اللعين يأمل بأن يحدث شيء ما أو أن يمتلك شيء فريد كالمصباح السحري أو خاتم سليمان بحيث يستطيع من خلاله تغيير الأقدار أو أن يعود بالزمان إلى ما كان، لعلهُ بذلك يسترجع رضى الرحمن فيُغير مصيره من أن يكون من سكنة جهنَّم ومخلداً في العذاب إلى سكنة الجِنان وفي نعيم الرحمن.
إذاً حقيقة مسعى الإنسان إلى ذلك الشيء الذي يُغير الأقدار ويتحدى بهِ الجبَّار الخالق العزيز القهَّار، إنما هو مسعى إبليس اللعين ومن والاه من الكُفَّار الملعونين والذين مأواهُم النار.
فالإنسان المؤمن يا أحبتي إنما يمتلك ما هو أقوى وأعظم من خاتم سليمان أو من المصباح السحري، الإنسان يمتلك السر الأعظم أو سر الأسرار، وهو ذلك السر الذي وإن تمكن منهُ سوف يكون باستطاعته أن يُحقق ما يعجز عنهُ خاتم سليمان أو المصباح السحري أو أيٍ كان.
هل كان بإمكان المصباح السحري أن يهزم جيوش الفرس والرومان؟
هل كان بإمكان المصباح السحري أن يُخضع الشعوب والبلدان على مر الزمان ليكون ولائهُم الأول والأخير للعرب الذين حملوا راية الإسلام؟
هل كان بإمكان المصباح السحري أن يُسلم البلدان والأوطان إلى قِلَّة من البشر لا يتميزون عن غيرهِم سوى بعبادتهِم الخالصة للرحمن؟
هل كان لخاتِم سليمان أن يجعل قصور وأملاك ونساء وأزلام قياصرة الرومان وملوك الفرس والعجم تحت أقدام أهل الصحراء من المسلمين؟
هُناك الكثير الكثير من العجائب التي تحققت للإنسان المسلم والمؤمن عندما أدرك طريق الوصول إلى مٌفتاح سرهِ الأعظم لكونهُ إنسان. وإننا لنجد الكثير الكثير من الأديان التي ابتدعها الإنسان، والكثير الكثير من الفلسفات والأفكار الوضعية التي تحاول أن ترقى بالإنسان، ولكن على مر تاريخ الإنسان لا يوجد أي فكر أو دين استطاع أن يحِل لغز السر الأعظم في الإنسان غير دين الإسلام.
ولمن يُشككون بوجود السر الأعظم أو سر الأسرار في الإنسان عليهِم أولاً أن يُفسِروا نبوغ وتفرد العديد من الأشخاص في القدرات والإمكانيات سواء العلمية او الفكرية وكذلك العضلية والخلقية، ولا يكتفوا بالقول بأنَّها حالات فردية بالإنسان وكأنَّ باقي البشر هُم مستوى أقل من نظرائهم الذي يُشاركوهُم بصفات الإنسان.
ما نسعى إليهِ هُنا هو تصحيح مسيرة فهِم الإنسان لمحيطه على مر القرون والأزمان.
قد يقول قائل بأنَّ الإنسان الغربي قد حقق الكثير من المُعجزات للبشر من دون أن يكون لهُ دراية بدين الإسلام أو بعلم الأسماء والبيان، ونحن نقول هُنا غير هذا الكلام.
عندما نُقارن الإمكانيات الذي وفَّرها الخالق الرحمن للإنسان في هذا الزمان مع تلك التي كانت في غابر الأزمان من منظور علم الأسماء وعلم البيان، نجد بأنَّ الإنسان الحالي هو الأكثر تخلفاً وغباءً وجهلاً عن أسلافهِ من البشر فيما مضى من الأزمان، وهذا الأمر لا يختلف عليهِ اثنان عندما يُخلصوا ويكونوا صادقين في تقيمهِم للإنسان، وهو الأمر ذاتهُ الذي يدفعنا إلى كشف حقيقة السر الأعظم في الإنسان.
هُناك فرق كبير يا أحبتي عندما تمتلك كل شيء وتفعل القليل، وأو لا تمتلك أي شيء وتفعل الكثير.
كُلنا يعلم فشل حملات الغرب العسكرية في تطويع الإنسان، لقد هزم البريطانيون والفرنسيون والإيطاليون واليابانيون والأمريكيون وغيرهِم جيوش مُنافسيهِم من البشر بفضل علومهِم وتقدمهِم التقني في الصناعة العسكرية وغيرها من الصناعات ولا زالوا مُتقدمين كما يُقال، ولكن هل هزموا الإنسان، هل استطاعوا أن يحافظوا على مُكتسباتهِم العسكرية بأن يبقوا في تلك البُلدان، أو بأن يُحافظوا على وجودهِم أو وجود أسماء لهُم يحفظها الناس كتلك الأسماء التي لا زال يحفظها الناس والخاصة بصحابة الرسول العظيم من الكِرام.
ولا يسعني في هذا المقام سوى أن أقتبس من مقالة قد كتبتها ونشرتها وهي تتحدث عن الصحابة الكرام، وكانت بعنوان حقيقة السلف الصالح في القرآن، حيث جاء فيها:
تعريف السلف في اللغة العربية هو ما قضى أو انقضاء عدد محدد من الناس الذين كانوا ينتمون إلى شعب ما أو مجموعة ما أو أمَّة ما، فالقوم السُلاف هُم المتقدمون من القوم الذين ماتوا منذ زمن ولكن ذكراهُم وأفعالهُم ومآثِرهُم مازالت باقية يتناقلها الناس ويستذكروها بكل فخر واعتزاز لِما كان لِهؤلاء القوم السُلاف من ذكرى طيبة وسيرةٍ حسنة.
وتختلف الشعوب والأُمم في ولائها ومحبتها لأسلافِها من البشر، وذلك يتوقف على مجال التأثير الذي أحدثوه في ذلك المُجتمع أو تلك الأمَّة.
ولقد اكتسب سلف أمَّة الإسلام بالذات خصوصية وتميُّز عن أسلاف الأمم الغير إسلامية بسبب التزكية القرآنية أولاً والوصية النبوية ثانياً وما كان منهُم من حُسن سيرة وسلوك ومآثر حميدة ثالثاً.
فبخصوص التزكية القرآنية نقرأها في قولهِ تعالى في سورة التوبة: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)).
أما بخصوص التوصية النبوية فإننا نقرأها في قوله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.
تبقى مسألة حُسن السيرة والسلوك والمآثر الحميدة للصحابة والتابعين والتي مازال جميع المسلمون دون استثناء لأحد يستذكروها ويرددونها ويتناقلونها جيل بعد جيل ، وذلك بالرغم من اتساع رقعة الأرض التي يشغلها المسلمون الآن بل وابتعادها عن مركز الإسلام المتمثل بمكة المكرمة والمدينة المنورة ، فأي مسلم سواء كان في الشرق أم الغرب أو الشمال أو في الجنوب من الكرة الأرضية لا بُد أن تجد عنده أو في ذاكرتهِ بعض من آيات الله وبعض من أحاديث المصطفى عليهِ الصلاة والسلام متبوعة بقصص ومآثر صحابة الرسول الكريم ثم تلاميذ هؤلاء جيل بعد جيل وإلى يومنا هذا .
مما سبق توضيحه نفهم أنَّ من ركائز الإسلام ومن أسباب بقائه واستمراره في الوجود إنما كان من هؤلاء السلف وهذا من فضل الله على المسلمين أولاً وبفضل تعاليم المصطفى الأمين ثانياً.
لذلك نجد الدارسين والمتابعين المسلمين إنما يجتهدون في تقفي آثار الصحابة وتابعيهِم ويحرصون كل الحرص على تتبع سيرتهم ومعرفة قصصهُم والأخذ بمآثرهِم بكل دقَّة وحذر، فنجدهُم يتفاخرون بتقليدهِم حرفياً بالقول أو الفعل، بل ويستنكرون من يحاول إضافة أي مفهوم أو فِكر جديد لم يكن بزمانهِم أو ينتقدون أي تصرف أو عمل مُستحدث لم يمارسه الصحابة بأنفُسهِم وفي وقتهِم.
وبغض النظر عن الإيجابيات أو السلبيات الخاصة بهذا المنهج عند المسلمين بشكل عام، فلا أحد يستطيع ان ينكر نجاح الدين الإسلامي واستمراره في التوسع والانتشار على مستوى العالم أجمع، وحرص المسلمين على هذا النجاح ورغبتهِم الأكيدة في نشر دينهِم تجعلهُم يتمسكون بتلك الحِقبة من الزمن والتي شهِد فيها الإسلام كدين وعقيدة قبولاً واسعاً ومنقطع النظير لدى شعوب الأرض قاطبة دون استثناء وفي فترة زمنية قياسية لازالت تُحيِّر الدارسين والمتخصصين بهذا المجال.
فصحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام ما أن يدخلوا أرضاً غريبة وبغض النظر عن طبيعة هذا الدخول نجدهُم قد دخلوا قلوب الناس قبل أن يدخلوا عقولهُم أو أرضهِم، وحتى تلك المناطق التي كانت تضمِر للعرب كشعب أحقاد وكراهية متأصلة كشعب فارس على سبيل المثال لا الحصر نجدهُم وبمُجرد احتكاكهم بالصحابة الكرام آنذاك قد انقلبوا على مشاعرهِم فأصبحوا من محبي دين الإسلام الذي أتى به العرب وبالتالي قد نسوا كل أحقادِهِم وكراهيتهِم للعرب.
إضافةً إلى ذلك، تلك المآثر الخالدة للصحابة الكرام والتي مازالت قائمة إلى يومنا هذا والتي نجدها جليَّة في اعتزاز وافتخار الشعوب الغير عربية بمرور صحابي في أرضها أو لمجرد وجود رفاتهِ وقبره هناك، إضافة إلى التأثير الملحوظ للصحابة العرب في انتشار اللغة العربية أو الأسماء العربية ناهيك عن اللباس وطريقة التعامل ونوعية الطعام العربي في تلك الأوطان والتي يُلاحظها الغريب قبل القريب .
وهذهِ الأمثلة على كثرتها قد لا نجدها في التابعين أي تلامذة الصحابة رضوان الله عليهِم أجمعين ، على الرغم من حرصهِم على تكرارها في أنفسهِم ، وهي بالتالي من الأسباب التي دفعت بالكثير من التابعين إلى تدوين وتوثيق ما يملكون من معلومات وأقوال ومآثر لهؤلاء الصحابة الكِرام والتي تناقلوها بعد ذلك من جيل إلى جيل حتى يومنا هذا ، والتي أسهمت بدورها في نشر مفاهيم الدين الإسلامي الحنيف وذلك بفضل ما تتناقلهُ الأجيال من قصص وروايات عن أولئك الصحابة الكرام فيما يخص تطبيقهِم وممارستهُم المثالية لتعاليم القرآن الكريم وتعاليم المصطفى المُختار عليه الصلاة والسلام .
أما سبب محدودية تكرار حالة الصحابة في تابعيهِم وبالتالي محدودية تكرار ذلك التأثير المثالي والقوي في الشعوب من حولهِم سواء كانت عربية أم غير عربية ، إنما يعود إلى رغبة التابعين في التمسك بمنهاج الصحابة الكرام وعدم الذود عنهُم حفاظاً على المكتسبات والإنجازات الخاصة بهؤلاء الصحابة ، وبشأن مصطلح صحابة رسول الله وتابعيهِم والذي تمَّ حصره بمصطلح السلف الصالح عند أهل العلم نود أن نُبدي تحفظنا على هذا المصطلح ، فهو يعطي انطباع وكأنَّ ما دونهُم هم سلفُ غير صالح وهذا بالطبع غير صحيح ، فهؤلاء الصحابة ومن تبعَهُم إنما كانوا يُمثلون أُمَّة قد صَلٌح حالها بدين الإسلام ، بمعنى أنَّ الصحابة الكرام وتابعيهِم كانوا مُجرد بشر ولم يكونوا أنبياء أو رُسل ، وكانوا سفراء لدين ولأمّة وشعب ولم يكونوا يُمثلوا أنفُسهِم ، فصلاحهُم كان من صلاح قومهِم وأمَّتهِم وشعبَهُم ، ولم يكن لينجحوا في دعوتهِم لو لم يكن هُناك من يدعمهُم ويشد من أزرهِم .
أما حقيقة تضاؤل انتشار الدين الإسلامي بين شعوب الأرض وانحساره بعد زمن الصحابة الكرام وذلك مقارنةً عمّا كان عليهِ في بداية الدعوة، فذلك يعود إلى حدوث تغيير جذري في نفسية المسلمين وفي طريقة تعاملهُم مع المتغيرات على مدى الزمان.
ففي عهد الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام تمَّ تأسيس الدين وتثبيت قواعده وتجهيز أمَّة العرب ككل من دون أن يُستثنى أي عربي أو أي قوم أو قبيلة عربية، فكانت هذهِ الأمَّة العربية بعد التجهيز المثالي من الرسول الكريم خير أُمَّة لنشر الدين.
ثُمَّ جاء دور الصحابَّة الكِرام وهم تلامذة المُصطفى الأمين، فنفذوا وصية الرسول العظيم بنشر الدين في بِقاع الأرض، فانتشر الدين وشع نوره في أرجاء المعمورة وبالصورة المثالية التي استقطبت شعوب الأرض آنذاك مع اختلاف منابعها وأصولها، وحدث ذلك في فترة زمنية قصيرة ولم تنتهي إنجازات الصحابة في هذه المرحلة إلا بانتهاء وموت آخر صحابي جليل.
وبعد تلك الفترة جاء دور تابعيهِم، فمنهُم من واصل الجهاد في نشر الدين ومنُهُم من حرص على توثيق وتدوين مآثر وسيرة وأحداث المعاصرين لفترة انتشار ونجاح الدين الإسلامي بكل صدق وأمانة، ولقد نجحوا في أهدافهِم تلك دون شك.
ثُم جاء دور التابعين لتابعيهِم، وهُنا شهِد الدين الإسلامي تراجعاً ملموساً في الانتشار بسبب حرص هؤلاء التابعين على التدوين والكتابة والتأليف وغير ذلك، فانتشر في هذهِ الفترة المُنشغلون بالكُتب والمعارف والفلسفات ولم يعد ما يشغل الناس حينها إلا هذا القول أو ذاك، وهذهِ الفلسفة أو تلك، ومن الطبيعي تحت هذهِ الظروف أن تبدأ الفِتن بالانتشار، فالمسلمين ومنهُم التابعين حينها قد بدئوا يتقاعسون عن نشر الدين في البلدان الكافرة وأكتفوا بالرد على هذا وذاك عن طريق المؤلفات والكُتب والمناظرات وغيرها.
ومنذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا ولا زالت الأمَّة الإسلامية برموزها وعلمائها ومفكريها منشغلة عن نشر الدين بالرد عل هذهِ الفرقة أو تلك أو محاربة هذهِ المجموعة أو تلك، ولا ننسى أن نُلفت الانتباه هُنا بأنَّ المسلمون وبمجرد ما أن بدئوا بهذا المسار أي بالمسار الفلسفي والنظري حتى بدأت الأمم المحيطة بهِم تتهافت عليهِم وتنتقص من إنجازاتهِم بدءاً بحروب التتار مروراً بالحروب الصليبية ونهايةً بحروب اليهود الأشرار ولا زالت الأمَّة على هذا المنوال.
ما ذكرناه هُنا قد جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، فبعد الصحابة وتابعيهِم وتابعي تابعيهِم بدأت بقعة الدين في الانحسار، وبدأت الأمَّة الإسلامية في الانشغال عن أمور نشر الدين كما كان يفعل السلف المقربون للرسول الكريم إلى أمور داخلية ما أن يبدأ بها الناس فلن تنتهي أبداً.
خُلاصة القول بأن الرسول الكريم والصحابة الكِرام وتابعيهم والتابعين من بعدهِم كانت أفعالهُم تسبق أقوالهُم، وبعد هؤلاء أصبح المسلمون يحرصون على الأقوال دون الأفعال.
وبالتالي فلن يتغيَّر حال المسلمون إلى الأحسن والأفضل مالم يكفوا عن الكلام ويبدؤوا بالأفعال.
اللهم إني بلَّغت، اللهُم فشهد.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد ابن عبد الله ..............انتهى الاقتباس.
مما سبق نفهم حقيقة إنجازات الناس المؤمنون بالله واليوم الآخر والمستعينون بالكتاب والسُنَّة لكشف ما فيهِم من طاقات وإمكانيات فاقت إنجازات كل البشر من غير الأنبياء والرُسل، ولا يوجد تفسير لإنجازاتهم الفريدة تلك سوى أنَّهُم عرفوا السر الأعظم في نفوسهِم واستعانوا بالقرآن الكريم وبسنة نبيهِم المصطفى الأمين لكي يُظهروا ما بداخلهِم من سرٍ عظيم، فتحولوا في ليلةً وضحاها إلى بشراً عظام، وتحدوا بعظمتهِم تلك علوم ومفاهيم وإنجازات الإنس والجان في أي زمان ومكان، فتناقلت صفاتهِم ومآثرهِم أجيال الإنس والجان جيل بعد جيل دون ملل أو تذمر من الإعادة والتكرار.
في عودتنا إلى آيات وسور سورة الرحمان، نتوقف عند قولهِ تعالى: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73).
في هذهِ الآية العظيمة نجد فيها ذِكر بعض نساء الجنَّة ووصف لبعضٍ من أفعالهِم ووظيفتهِم وجهودهُم في جعل الجنَّتان وغيرهِم من الجِنان أعظم مكان وأجمل زمان يقضي فيه الإنسان حياتهُ الأبدية ويعيش في سعادة وأمان وسلام تحت ظل ورعاية الرحمان.
فالحور إنما هو وصف لبعض من النساء الذين يتَّصفون بصفاة خاصة تجعلهُم في مركز المؤهِّل والمُستقبل لبني الإنسان الذين نالوا رِضى الرحمن فكانت تلك الجنَّتان من نصيبهِم وغيرها من الجِنان، هؤلاء الحور قد جاء ذِكرهُم في هذهِ الآية بكونهُنَّ (مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) فوصف مقصورات إنما جاء ليوحي إلى وظيفتهُن بكونهُنَّ مقصورات أي ملتزمات في التواجد أو البقاء عند الحاجة في تلك الخيام، والخيام هُنا قد جاءت بمعنى ذلك المسكن المُتنقل الذي ينشده الإنسان عندما يرغب في التنقل دون البقاء في مكان واحد أو أي مكان فيهِ جدران، ومُجمل الآية الكريمة تُشير إلى صفة تنقل الإنسان بين الجِنان من مكان إلى مكان في كل حرية وأمان، ليجد من يرافقه من مضيفات الجنَّة في خيَّام مُتنقلة ذات جمال واتقان، وهُؤلاء المُضيفات هُم الحوريات والذين سوف يسعين جاهدات إلى توفير كل وسائل الراحة والامتنان لذلك الإنسان.
فيعود الرحمن ويسأل بعد هذا الوصف للجنتان: فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73)، وكيف يكون رد الإنسان بعد رد الجان سوى أن يقول: نعوذ بك ربّنا من أن نُكذب أو ننكر بأي من آلاءك وفضائلك يا ربَنا يا رحمن.

وما زالت هُناك أسرار في سورة الرحمن، تابعونا يرحمكم الله.

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المُرسلين محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.

محمد "محمد سليم" الكاظمي

Adsense Management by Losha