مشاهدة النسخة كاملة : وصايا لقمان الحكيم لابنه .. علِّمها لابنك


فريق منتدى الدي في دي العربي
03-07-2016, 07:31 PM
بسم الله الرحمان الرحيم





السلام عليكم




عُرِف لقمان الحكيم بوصاياه ، إذ كان بعيد النظر ، عميق الفكر ، ذو حِكَمِِ جليلة ، و نصائح جميلة ، و مواعظ فريدة ، فأَنْعِم به من أبِِ واعظ ، و مربِِ نبيه ، و مرشد حكيم .

فهيَّا بنا نستعرض وصاياه الغالية ، علَّها تكون لأبنائنا سراجا يهتدون به في ظلمة الفتن و مغريات العصر .






الوصية الأولى





- قال الله تعالى : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) } (سورة لقمان 13)



تأمل معي أحسن الله إليك ، كيف بدأ لقمان الحكيم بإرشاد ابنه ، و انظر إلى أول وصية أوصاه بها " يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ" .


لقد حذره من الشرك ، و أوصاه ضمنيا بالتوحيد الخالص لربِّ العزة جلَّ في علاه .



إنه يعلمه عبادة الله وحده دون ما سواه ، يعلمه التوكل عليه سبحانه و حسن الظن به ، يعلمه الإلتجاء إليه و إخلاص النية و الإنقياد له وحده .



يعلمه أن الله تعالى هو الخالق و هو الرازق ، هو المنعم و هو المتفضل على خلقه ، هو المدبر لشؤونهم و المتصرف في أمورهم ، بيده مقاليد كل شيء ، و إليه يرجع الأمر كله ، لا رادَّ لفضله و لا ممسك لرحمته ، هو المعز و هو المذل ، هو الرافع و هو الخافض ، هو الهادي و هو المضل .



و ما بدأ لقمان الحكيم جملة وصاياه بهكذا وصية ، إلا لعلمه بأن ابنه و إن حقق التوحيد الخالص لربه جل و علا ، فإنه سيتوكل عليه في جميع حالاته ، و يستعين به ، و يدعوه رغبا و رهبا ، فيصون نفسه عن التذلل لمن لا يملك لنفسه ضرا و لا نفعا ، و لا موتا و لا حياة و لا نشورا .



و عندها سيعيش عزيزا كريما ، ذاكرا لربه ، خاشعا ، قانتا ، لاجئا إليه ، محتميا به ، إذا أصابته نائبة ، أو نزلت به نازلة ، فَزِعَ إلى الدعاء و التضرع لرب الأرض و السماء .



ثم أردف لقمان الحكيم كلامه " إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ".



فكيف يُعقل أن يُتَّخَذَ نِدٌّ لله ، و كيف يُعْبَدُ غيره ، و الأرض أرضه ، و السماء سماؤه ، و الخلق خلقه ، و كل شيء بيده ، ليس كمثله شيء و هو السميع البصير ، أوَّل بلا ابتداء ، و آخر بلا انتهاء ، لا شيء قبله و لا شيء بعده ، لا شيء فوقه و لا شيء دونه ، خالق كل شيء ، و ربُّ كل شيء ، و القادر على كل شيء ، لا يعجزه شيء و لا يخفى عليه شيء ، يدرك الأبصار و لا تدركه الأبصار، و هو الله الواحد القهار ، المتكبر الجبار ، لاتحويه الأقطار ، و لا يؤثر فيه تعاقب الليل و النهار .



فمن أشرك به شيئا ، فقد حكم على نفسه بالخلود الأبدي في النار ، و بئس القرار .



فكل الذنوب التي تعقبها توبة صادقة في الدنيا ، يغفرها الله تعالى ، لقوله : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) } (سورة الزمر 53) .



و المقصود بالآية السابقة ، الذنوب المُتاب منها لأنه أردفها تعالى بدعوة عباده إلى التوبة بقوله : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) } (سورة الزمر 54).



و اما الذنوب التي لم تعقبها توبة صادقة في الدنيا فهي معَلَّقة على المشيئة ، فإن شاء الله غفرها ، و إن لم يشأ لم يغفرها ، إلا الشرك فإنه لا يغفره إلا بتوبة صادقة منه ، ما لم تطلع الشمس من مغربها و ما لم يغرغر صاحب الشرك ( أي : لم يبلغ ساعة الإحتضار التي لا أمل في الحياة بعدها ) ، لقوله تعالى : { إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) } (سورة النساء 48) .



و ما تعلق بحقوق العباد فإن الله تعالى لا يغفره أيضا لأنه يستوجب القصاص ، و العملة حينها حسنات و سيئات ، فيا حسرة المفلسين يومها ، و يا سوء عاقبة المشركين عندها .



حقيقة الشرك :



قال الذهبي رحمه الله في الكبائر :" فأكبر الكبائر الشرك بالله تعالى ، و هو نوعان :



أحدهما : أن يجعل لله نِدّاً و يعبد غيره ، من حجر أو شجر أو شمس أو قمر أو نبي أو شيخ أو نجم أو ملك أو غير ذلك ، و هذا هو الشرك الأكبر الذي ذكره الله عز و جلَّ ، قال الله تعالى : { إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } (سورة النساء 48)" .


ثم يقول رحمه الله :



"فمن أشرك بالله ثم مات مشركا فهو من أصحاب النار قطعا ، كما أن من آمن و مات مؤمنا فهو من أصحاب الجنة و إن عُذِّب بالنار"




و النوع الثاني -الذي ذكره الذهبي- : الرياء بالأعمال ، كما قال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) } (سورة الكهف 110)

أي لا يرائي بأعماله أحدا " . - إنتهى كلامه رحمه الله -



قال الفضيل بن عياض : " ترك العمل لأجل الناس رياء ، و العمل لأجل الناس الشرك ، و الإخلاص أن يعافيك الله منهما " .







اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك شيئا و نحن نعلم و نستغفرك لما لا نعلم .

Adsense Management by Losha