تركي السعوديه
03-08-2016, 12:43 AM
عبدالعزيز النحاس
على عكس الشائع فى المجتمعات غير الديمقراطية، تعلو الأحزاب السياسية وتسمو فى الضمير الوطنى بموجب ما تقدمه من إسهام مهم فى تقدم المجتمع، وفى الحياة السياسية خاصة، بها تتحقق كافة مبادئ الحكم الرشيد المنوط به تحقيق رفاهية الشعوب.
من هنا يبدو طبيعيًا أن نجد منطلقًا للأحزاب من ممارسات شتى وثيقة الصلة بالسياق المجتمعى. فمن الثورات الشعبية تتدفق الأحزاب معبرة عن تيارات سياسية جديدة، تملك من الرؤى ما يمكن أن يجسد الطموحات الشعبية الثورية. وعلى هذا النحو نبعت أحزاب شتى، وفى حزب الوفد نموذجنا الوطنى إذ نبع من ثورة ????. بينما تولد بعض الأحزاب من امتداد نقابى، لعل نموذجها الأعلى حزب العمال البريطانى. إلى جانب نماذج حزبية خرجت إلى الحياة السياسية من رحم منظمات شبابية ومنتديات فكرية متباينة.
ولعل فى ذلك دلالة واضحة على قدرة الأحزاب السياسية على التعبير عن اتجاهات الرأى العام وتفضيلاته، وتجسيد طموحاته وتطلعاته، وتبنى مهام تحقيقها، وتلبية احتياجات الشعب المتواصلة نحو تنمية مجتمعية شاملة وحقيقية.
بل إن من الأحزاب ما قد ينشأ كحل وحيد لأزمات التنمية السياسية، فنجد أن الأحزاب تنهض بمسئولية واضحة تجاه حتمية الاندماج بين القوى السياسية، أو التعبير عن زخم المشاركة الشعبية فى الحكم بما توفره من قنوات شعبية مشروعة، فضلًا عن تحقيق شرعية السلطة من خلال ما توفره الأحزاب من قواعد شعبية للأنظمة الحاكمة.
كل ذلك يشير إلى ما تملكه الأحزاب من قدرة على تحقيق نهضة مجتمعية شاملة. غير أن ملمحًا فريدًا يميز الأحزاب كمنتهى ما وصلت إليه المجتمعات فى سبيل بناء نظام سياسى فعال يقود إلى دولة حديثة، إذ نبعت الأحزاب، كفكرة أولية، بالأساس من داخل البرلمان، حيث نجحت فى تشكيل كتل متجانسة ومتوافقة على مبادئها وأهدافها.
على هذا النحو تبدو الأحزاب حائزة لشرعيتها، دالة على حقيقة موقع المجتمع على طريق التنمية، بمفهومها الشامل، ومحتواها القيمى على الأصعدة كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فيما يؤكد التصاق مفهوم الأحزاب بالإرادة الشعبية الحرة.
على خلفية ما سبق، يمكن رصد التجربة الحزبية الوطنية، فى سياقها الثورى. فمنذ ثورة يناير المجيدة دخل مفهوم الأحزاب اختبارًا وطنيًا صعبًا، عبر من خلاله عن مضمون حياتنا السياسية بدقة، إلى حد أفسح المجال إلى بحث مختلف قضايانا المجتمعية من خلال رصد التجربة الحزبية المعاصرة. من ذلك أن انفجارًا سياسيًا، تُطلقه دائمًا الثورات الشعبية، عبر عنه النموذج المصرى بوفرة ما أنتجته الثورة من كيانات حزبية تخطى عددها المائة، الأمر الذى أثار تدافعًا صوب التهوين من أمر الأحزاب وشأن القائمين عليها، فى حين أن إصلاحها مسئولية وطنية، إذ لا سبيل دونها نحو بناء الدولة الحديثة، فليست الدولة الحديثة إلا كيان قانونى ديمقراطي، ومن ثم فعمادها الأحزاب.
غير أن موضوعية واجبة بالقطع تشى أن الأمر يحمل امتداداته الطبيعية لما أسفرت عنه تجارب دولية مماثلة، ثارت ففجرت رغبات مكبوتة صوب مشاركة سياسية واسعة، بعضها جاد وحقيقى، وبعضها الآخر يأتى فى إطار ما يوفره مصطلح «السياسة» من مشروعية وحتمية فكرة «المصلحة»، ليبقى الرهان منعقدًا حول وضعية «سيادة القانون» فى المجتمع، إذ تبدو «المصلحة» فى غياب القانون مؤشرًا على فساد يمتد لتعمق جذوره ثقافة مجتمعية تلحق ثمارها بالعمل السياسى كله، بل وبكل أوجه الحياة. بينما الحال فى المجتمعات الديمقراطية أن سيادة القانون تدفع بمفهوم «المصلحة» إلى داخل حدود قانونية مشروعة، فمحاضرات «بيل كلينتون» بمئات الآلاف من الدولارات، وهكذا استحقت محاضرات ومذكرات «جورباتشوف» حول العالم، مقابل «مصالح» أدت بأصحابها من القادة العرب إلى خلف القضبان نتيجة نهب مقدرات شعوبهم!.
ومن ثم نفسر ما أسفرت عنه الثورات العربية، دون أدنى استثناء، من كشف لفساد أنظمتها السياسية التى هبت الشعوب لتسقطها. يواكب ذلك وجود كيانات حزبية ضعيفة وهشة تكاد إذن تعدم وجودها فى الشارع السياسى، وإن لم تفقد وسائلها الرديئة نحو إشاعة مفهوم «المصلحة» غير القانونية. فيما يؤكد الدور القبيح للأحزاب إذا ما استخدمته الأنظمة الفاسدة فى ترسيخ قواعدها فى الحكم بموجب ما تضفيه عليها من شرعية زائفة.
وبالتالى تأتى حركة الوطن، بعد الفوران الحزبى نتيجة الثورة، باتجاه إعادة صياغة الحياة الحزبية على أسس سليمة تجسد تباينات الاتجاهات السياسية الرئيسية، وهو أمر يخضع بالطبع لما تسفر عنه المعارك الانتخابية، والسياسية عمومًا، من تشكيلات سياسية تحظى بالحد الأدنى من مقومات البقاء. يأتى ذلك شاء البعض أم أبى، لكن دون التخلص تمامًا من زوائد سياسية، تزيد وتنقص وفق عمق التجربة، وقدرة الأحزاب الحقيقية على تطوير ذاتها لتتمكن من ضم وجذب واستيعاب رؤى جديدة تتفق مع مرتكزاتها الأساسية. وإلى أن تصل تجربتنا الحزبية إلى ذلك، ليس لنا أن نقلق على مسيرتنا الوطنية، إذا ما لحق بها بقايا من الماضى، أو تعلق بها وفرة من «الثوريين» الباحثين عن «المصلحة» البعيدة عن المظلة القانونية. غير أن هدمًا لقيمة الأحزاب السياسية فى أوساط الرأى العام، يُعد أخطر ما يمكن أن تسفر عنه تجربتنا الوطنية، فعلى أنقاض الأحزاب السياسية ليس هناك سعى إلى بناء دولة حديثة، وإنما تقدم إلى الخلف، وهو يفيد بالقطع أعداء الوطن، وبعضهم للأسف يمتطى جواد الأحزاب، وهم آفتها الموجعة! لتبقى الأحزاب قيمة ديمقراطية عليا، لا يحط من شأنها صغار وإن كبروا.
<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
على عكس الشائع فى المجتمعات غير الديمقراطية، تعلو الأحزاب السياسية وتسمو فى الضمير الوطنى بموجب ما تقدمه من إسهام مهم فى تقدم المجتمع، وفى الحياة السياسية خاصة، بها تتحقق كافة مبادئ الحكم الرشيد المنوط به تحقيق رفاهية الشعوب.
من هنا يبدو طبيعيًا أن نجد منطلقًا للأحزاب من ممارسات شتى وثيقة الصلة بالسياق المجتمعى. فمن الثورات الشعبية تتدفق الأحزاب معبرة عن تيارات سياسية جديدة، تملك من الرؤى ما يمكن أن يجسد الطموحات الشعبية الثورية. وعلى هذا النحو نبعت أحزاب شتى، وفى حزب الوفد نموذجنا الوطنى إذ نبع من ثورة ????. بينما تولد بعض الأحزاب من امتداد نقابى، لعل نموذجها الأعلى حزب العمال البريطانى. إلى جانب نماذج حزبية خرجت إلى الحياة السياسية من رحم منظمات شبابية ومنتديات فكرية متباينة.
ولعل فى ذلك دلالة واضحة على قدرة الأحزاب السياسية على التعبير عن اتجاهات الرأى العام وتفضيلاته، وتجسيد طموحاته وتطلعاته، وتبنى مهام تحقيقها، وتلبية احتياجات الشعب المتواصلة نحو تنمية مجتمعية شاملة وحقيقية.
بل إن من الأحزاب ما قد ينشأ كحل وحيد لأزمات التنمية السياسية، فنجد أن الأحزاب تنهض بمسئولية واضحة تجاه حتمية الاندماج بين القوى السياسية، أو التعبير عن زخم المشاركة الشعبية فى الحكم بما توفره من قنوات شعبية مشروعة، فضلًا عن تحقيق شرعية السلطة من خلال ما توفره الأحزاب من قواعد شعبية للأنظمة الحاكمة.
كل ذلك يشير إلى ما تملكه الأحزاب من قدرة على تحقيق نهضة مجتمعية شاملة. غير أن ملمحًا فريدًا يميز الأحزاب كمنتهى ما وصلت إليه المجتمعات فى سبيل بناء نظام سياسى فعال يقود إلى دولة حديثة، إذ نبعت الأحزاب، كفكرة أولية، بالأساس من داخل البرلمان، حيث نجحت فى تشكيل كتل متجانسة ومتوافقة على مبادئها وأهدافها.
على هذا النحو تبدو الأحزاب حائزة لشرعيتها، دالة على حقيقة موقع المجتمع على طريق التنمية، بمفهومها الشامل، ومحتواها القيمى على الأصعدة كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فيما يؤكد التصاق مفهوم الأحزاب بالإرادة الشعبية الحرة.
على خلفية ما سبق، يمكن رصد التجربة الحزبية الوطنية، فى سياقها الثورى. فمنذ ثورة يناير المجيدة دخل مفهوم الأحزاب اختبارًا وطنيًا صعبًا، عبر من خلاله عن مضمون حياتنا السياسية بدقة، إلى حد أفسح المجال إلى بحث مختلف قضايانا المجتمعية من خلال رصد التجربة الحزبية المعاصرة. من ذلك أن انفجارًا سياسيًا، تُطلقه دائمًا الثورات الشعبية، عبر عنه النموذج المصرى بوفرة ما أنتجته الثورة من كيانات حزبية تخطى عددها المائة، الأمر الذى أثار تدافعًا صوب التهوين من أمر الأحزاب وشأن القائمين عليها، فى حين أن إصلاحها مسئولية وطنية، إذ لا سبيل دونها نحو بناء الدولة الحديثة، فليست الدولة الحديثة إلا كيان قانونى ديمقراطي، ومن ثم فعمادها الأحزاب.
غير أن موضوعية واجبة بالقطع تشى أن الأمر يحمل امتداداته الطبيعية لما أسفرت عنه تجارب دولية مماثلة، ثارت ففجرت رغبات مكبوتة صوب مشاركة سياسية واسعة، بعضها جاد وحقيقى، وبعضها الآخر يأتى فى إطار ما يوفره مصطلح «السياسة» من مشروعية وحتمية فكرة «المصلحة»، ليبقى الرهان منعقدًا حول وضعية «سيادة القانون» فى المجتمع، إذ تبدو «المصلحة» فى غياب القانون مؤشرًا على فساد يمتد لتعمق جذوره ثقافة مجتمعية تلحق ثمارها بالعمل السياسى كله، بل وبكل أوجه الحياة. بينما الحال فى المجتمعات الديمقراطية أن سيادة القانون تدفع بمفهوم «المصلحة» إلى داخل حدود قانونية مشروعة، فمحاضرات «بيل كلينتون» بمئات الآلاف من الدولارات، وهكذا استحقت محاضرات ومذكرات «جورباتشوف» حول العالم، مقابل «مصالح» أدت بأصحابها من القادة العرب إلى خلف القضبان نتيجة نهب مقدرات شعوبهم!.
ومن ثم نفسر ما أسفرت عنه الثورات العربية، دون أدنى استثناء، من كشف لفساد أنظمتها السياسية التى هبت الشعوب لتسقطها. يواكب ذلك وجود كيانات حزبية ضعيفة وهشة تكاد إذن تعدم وجودها فى الشارع السياسى، وإن لم تفقد وسائلها الرديئة نحو إشاعة مفهوم «المصلحة» غير القانونية. فيما يؤكد الدور القبيح للأحزاب إذا ما استخدمته الأنظمة الفاسدة فى ترسيخ قواعدها فى الحكم بموجب ما تضفيه عليها من شرعية زائفة.
وبالتالى تأتى حركة الوطن، بعد الفوران الحزبى نتيجة الثورة، باتجاه إعادة صياغة الحياة الحزبية على أسس سليمة تجسد تباينات الاتجاهات السياسية الرئيسية، وهو أمر يخضع بالطبع لما تسفر عنه المعارك الانتخابية، والسياسية عمومًا، من تشكيلات سياسية تحظى بالحد الأدنى من مقومات البقاء. يأتى ذلك شاء البعض أم أبى، لكن دون التخلص تمامًا من زوائد سياسية، تزيد وتنقص وفق عمق التجربة، وقدرة الأحزاب الحقيقية على تطوير ذاتها لتتمكن من ضم وجذب واستيعاب رؤى جديدة تتفق مع مرتكزاتها الأساسية. وإلى أن تصل تجربتنا الحزبية إلى ذلك، ليس لنا أن نقلق على مسيرتنا الوطنية، إذا ما لحق بها بقايا من الماضى، أو تعلق بها وفرة من «الثوريين» الباحثين عن «المصلحة» البعيدة عن المظلة القانونية. غير أن هدمًا لقيمة الأحزاب السياسية فى أوساط الرأى العام، يُعد أخطر ما يمكن أن تسفر عنه تجربتنا الوطنية، فعلى أنقاض الأحزاب السياسية ليس هناك سعى إلى بناء دولة حديثة، وإنما تقدم إلى الخلف، وهو يفيد بالقطع أعداء الوطن، وبعضهم للأسف يمتطى جواد الأحزاب، وهم آفتها الموجعة! لتبقى الأحزاب قيمة ديمقراطية عليا، لا يحط من شأنها صغار وإن كبروا.
<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>