فريق منتدى الدي في دي العربي
02-17-2016, 06:02 PM
في الحث على بناء المساجد
الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
الحمد لله الذي مَنَّ على مَن شاء من عباده بالخيرات الكثيرة، ووفَّقَه للبذل منها في الطرق النافعة، ولم ينقصه ذلك بل زادَه خيرًا إلى خيره، مع ما ادَّخَره له في أخراه من جَزاء على ما أنفَقَه في دُنياه، أحمده - سبحانه - حمْد عبْد شكَر الله على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أجوَد الخلق وأسخاهم بما ملكتْ يداه، صلَّى لله عليه وعلى آله وصَحابته المُنفِقين فيما أحبَّ الله، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ: فيا عباد الله:
اتَّقوا الله - تعالى - واعلَمُوا أنَّ الدنيا مزرعةٌ للآخِرة؛ فحيث ما زرعتم حصدتم، فابذروا ممَّا تحبُّون تحصدوا ثمارَ محبوبكم.
ورد في حديثٍ متَّفق عليه: أنَّ أبا طلحة كان أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بَيْرُحاء وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخُلها ويشرب من ماءٍ فيها طيِّب، قال أنس: فلمَّا نزلت: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، قال أبو طلحة: يا رسول الله، إنَّ الله يقول: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرُحاء، وإنها صدقةٌ لله - تعالى - أرجو برَّها وذخرها عند الله - تعالى - فضَعْها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بخٍ، ذاك مالٌ رابح، ذاك مالٌ رابح)).
فيا عباد الله:
تأسَّوا بنبيِّكم، وتخلَّقوا بأخلاقه وأخلاق صَحابته، واعلَمُوا أنَّه ما نقَص مالٌ من صدقة، وما أنفقتم من شيءٍ فهو يُخلِفه، ومالكم هو ما قدَّمتم، ومال وارثكم ما أخَّرتم؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيُّكم مال وارثه أحبُّ إليه من ماله؟)) قالوا: يا رسول الله، ما منَّا أحدٌ إلا ماله أحب إليه قال: ((فإنَّ ماله ما قدَّم، ومال وارثه ما أخَّر))؛ رواه البخاري.
فانظُروا - رحمكم الله - ما هو النافع لكم من مالكم، واحرِصُوا على نَزاهته وصِيانته ممَّا يَشُوبه؛ فإنَّ الكثير يُتعِب نفسه، ويُعرِّضها للأخطار، ويُحاوِل الحصولَ على المال بأيِّ وسيلةٍ تكونُ، لا يهمُّه أين اكتَسَبه، من حِلالٍ أم من حرام، وكلَّما ازداد مالُه ازداد شرَهُه وشَقاؤه، وقلَّ إنفاقُه في طريق الخير والسبل النافعة له في دُنياه وأُخراه، وربَّما حمَلَه هذا الجشع إلى منْع الواجب؛ كالزكاة التي هي الرُّكن الثالث من أركان الإسلام، فخَسِر الدنيا والآخِرة، ذلك هو الخسران المبين، فكان شوكُه وشقاؤه عليه، وورقه وزهره لغيره، وربما استَعانَ به مَن بعده أو بعضهم على معاصي الله، فكان هذا المال شرًّا وشقاءً عليه في دُنياه وأُخراه، ووسيلةً لِمَن آلَ إليه إلى المعاصي والآثام، فلا صاحبه انتفع منه في دُنياه وادَّخر منه لأخراه، ولا سلم منه هو ولا مَن آلَ إليه، فكان شُؤمًا عليه وعلى مَن بعده؛ حيث لم يُؤخَذ من حلِّه ويُصرَف في محلِّه.
فانظروا - رحمكم الله - في الطُّرق المشروعة للحصول على الأموال، واحرِصُوا على الإنفاق منها في الطرق النافعة تُضاعَف لكم الحسنات، فإنَّ فضلَ الله واسع؛ يقول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].
فلا تخشوا الفقر؛ فإنَّ الله يُخلِف عليكم ما أنفقتم، ويُضاعِف لكُم الحسنات أضعافًا كثيرة، واعلَمُوا أنَّ من أفضَل وأنفَع ما يُنفَق فيه بناءَ المساجد؛ يقول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن بنى لله مسجدًا ولو كمِفحَص قَطاةٍ بنى الله له بيتًا في الجنَّة))[1].
فالمساجد بيوتٌ تُقامُ فيها الصلاة، ويُتلَى فيها كتابُ الله، ويُتدارَس العلم، ويُذكَر فيها الله، وتُصان من الأقذار، والقيل والقال، والبيع والشراء؛ ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [النور: 36-38].
هذه البيوت التي بهذه المثابة هي التي ينبَغِي أنْ يُعتَنى بها وتُنفَق الأموال في عمارتها؛ لما لها من رسالةٍ وفوائد عظيمة للإسلام والمسلمين، وإقامة شَعائر الله، بها يجتمع المسلمون؛ يتفقَّد بعضهم بعضًا، يُعرفُ مُسافرهم فيُدعَى له، ومريضُهم فيُزار ويُدعى له وتُخفَّف آلامه، وميتهم فيُصلَّى عليه ويترحَّم له، فهي مجمَعُ خير وبركة، يُقام فيها ركنٌ من أركان الإسلام، بقعة خصبة تبذر فيها البذور فيتضاعَف الإنتاج، ومنبع عذب لذيذ شَرابه، ومصدر إشعاع ونور للبشريَّة تستَضِيء بضيائه، فحريٌّ بالأمَّة ألاَّ تَنسَى فضلَ المساجد ورسالتها، وأنْ تبذل الكثير من أموالها في إقامتها وصِيانتها، وأنْ تتنافَس في ذلك، وأنْ يقصد مَن قام بهذا العمل الخيري وجه الله والدار الآخِرة، وأنْ يتأسَّى البعض بالبعض الآخَر، وعلى مَن شحت نفسه وثبطته عن البذل في هذا السبيل الخيري، أنْ يذكرها مآلها ومصير المال من بعدها، وأنَّ ماله ما قدَّم ومال وارثِه ما أخَّر، وانظُروا إلى هذا المسجد الواسع المقام على هذا التصميم القوي، وما بُذِلَ فيه من أموال كثيرة، قام بعمارته أحدُ المحسنين بطيب نفس ممَّا رزَقَه الله من مال، فقد أنعَمَ الله عليه بالمال، ووفَّقه للبذل منه في طريق الخير النافع للإسلام والمسلمين، فكم من مريدٍ لمثل هذا العمل لا يستطيع لقلَّة ماله، وكم من قادرٍ بماله على مثل هذا العمل لم يُوفَّق للبذل فيه، ولم يقوَ على نفسه؛ ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].
﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21].
فجزى الله مَن قامَ بعمارة هذا المسجد أحسنَ الجزاء، وأمدَّ في عمره، وأحسن عمله، وأجزل له الأجر والثواب، وبنى الله له به بيتًا في الجنَّة، وأكثر من أمثاله، ووفَّق أربابَ الأموال إلى مثل هذه الأعمال، إنَّه سميع مجيب.
بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم، إنَّه هو التوَّاب الرحيم.
أقول هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
[1] رواه الإمام أحمد في مسنده: (1/241).
الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
الحمد لله الذي مَنَّ على مَن شاء من عباده بالخيرات الكثيرة، ووفَّقَه للبذل منها في الطرق النافعة، ولم ينقصه ذلك بل زادَه خيرًا إلى خيره، مع ما ادَّخَره له في أخراه من جَزاء على ما أنفَقَه في دُنياه، أحمده - سبحانه - حمْد عبْد شكَر الله على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أجوَد الخلق وأسخاهم بما ملكتْ يداه، صلَّى لله عليه وعلى آله وصَحابته المُنفِقين فيما أحبَّ الله، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ: فيا عباد الله:
اتَّقوا الله - تعالى - واعلَمُوا أنَّ الدنيا مزرعةٌ للآخِرة؛ فحيث ما زرعتم حصدتم، فابذروا ممَّا تحبُّون تحصدوا ثمارَ محبوبكم.
ورد في حديثٍ متَّفق عليه: أنَّ أبا طلحة كان أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بَيْرُحاء وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخُلها ويشرب من ماءٍ فيها طيِّب، قال أنس: فلمَّا نزلت: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، قال أبو طلحة: يا رسول الله، إنَّ الله يقول: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرُحاء، وإنها صدقةٌ لله - تعالى - أرجو برَّها وذخرها عند الله - تعالى - فضَعْها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بخٍ، ذاك مالٌ رابح، ذاك مالٌ رابح)).
فيا عباد الله:
تأسَّوا بنبيِّكم، وتخلَّقوا بأخلاقه وأخلاق صَحابته، واعلَمُوا أنَّه ما نقَص مالٌ من صدقة، وما أنفقتم من شيءٍ فهو يُخلِفه، ومالكم هو ما قدَّمتم، ومال وارثكم ما أخَّرتم؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيُّكم مال وارثه أحبُّ إليه من ماله؟)) قالوا: يا رسول الله، ما منَّا أحدٌ إلا ماله أحب إليه قال: ((فإنَّ ماله ما قدَّم، ومال وارثه ما أخَّر))؛ رواه البخاري.
فانظُروا - رحمكم الله - ما هو النافع لكم من مالكم، واحرِصُوا على نَزاهته وصِيانته ممَّا يَشُوبه؛ فإنَّ الكثير يُتعِب نفسه، ويُعرِّضها للأخطار، ويُحاوِل الحصولَ على المال بأيِّ وسيلةٍ تكونُ، لا يهمُّه أين اكتَسَبه، من حِلالٍ أم من حرام، وكلَّما ازداد مالُه ازداد شرَهُه وشَقاؤه، وقلَّ إنفاقُه في طريق الخير والسبل النافعة له في دُنياه وأُخراه، وربَّما حمَلَه هذا الجشع إلى منْع الواجب؛ كالزكاة التي هي الرُّكن الثالث من أركان الإسلام، فخَسِر الدنيا والآخِرة، ذلك هو الخسران المبين، فكان شوكُه وشقاؤه عليه، وورقه وزهره لغيره، وربما استَعانَ به مَن بعده أو بعضهم على معاصي الله، فكان هذا المال شرًّا وشقاءً عليه في دُنياه وأُخراه، ووسيلةً لِمَن آلَ إليه إلى المعاصي والآثام، فلا صاحبه انتفع منه في دُنياه وادَّخر منه لأخراه، ولا سلم منه هو ولا مَن آلَ إليه، فكان شُؤمًا عليه وعلى مَن بعده؛ حيث لم يُؤخَذ من حلِّه ويُصرَف في محلِّه.
فانظروا - رحمكم الله - في الطُّرق المشروعة للحصول على الأموال، واحرِصُوا على الإنفاق منها في الطرق النافعة تُضاعَف لكم الحسنات، فإنَّ فضلَ الله واسع؛ يقول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].
فلا تخشوا الفقر؛ فإنَّ الله يُخلِف عليكم ما أنفقتم، ويُضاعِف لكُم الحسنات أضعافًا كثيرة، واعلَمُوا أنَّ من أفضَل وأنفَع ما يُنفَق فيه بناءَ المساجد؛ يقول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن بنى لله مسجدًا ولو كمِفحَص قَطاةٍ بنى الله له بيتًا في الجنَّة))[1].
فالمساجد بيوتٌ تُقامُ فيها الصلاة، ويُتلَى فيها كتابُ الله، ويُتدارَس العلم، ويُذكَر فيها الله، وتُصان من الأقذار، والقيل والقال، والبيع والشراء؛ ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [النور: 36-38].
هذه البيوت التي بهذه المثابة هي التي ينبَغِي أنْ يُعتَنى بها وتُنفَق الأموال في عمارتها؛ لما لها من رسالةٍ وفوائد عظيمة للإسلام والمسلمين، وإقامة شَعائر الله، بها يجتمع المسلمون؛ يتفقَّد بعضهم بعضًا، يُعرفُ مُسافرهم فيُدعَى له، ومريضُهم فيُزار ويُدعى له وتُخفَّف آلامه، وميتهم فيُصلَّى عليه ويترحَّم له، فهي مجمَعُ خير وبركة، يُقام فيها ركنٌ من أركان الإسلام، بقعة خصبة تبذر فيها البذور فيتضاعَف الإنتاج، ومنبع عذب لذيذ شَرابه، ومصدر إشعاع ونور للبشريَّة تستَضِيء بضيائه، فحريٌّ بالأمَّة ألاَّ تَنسَى فضلَ المساجد ورسالتها، وأنْ تبذل الكثير من أموالها في إقامتها وصِيانتها، وأنْ تتنافَس في ذلك، وأنْ يقصد مَن قام بهذا العمل الخيري وجه الله والدار الآخِرة، وأنْ يتأسَّى البعض بالبعض الآخَر، وعلى مَن شحت نفسه وثبطته عن البذل في هذا السبيل الخيري، أنْ يذكرها مآلها ومصير المال من بعدها، وأنَّ ماله ما قدَّم ومال وارثِه ما أخَّر، وانظُروا إلى هذا المسجد الواسع المقام على هذا التصميم القوي، وما بُذِلَ فيه من أموال كثيرة، قام بعمارته أحدُ المحسنين بطيب نفس ممَّا رزَقَه الله من مال، فقد أنعَمَ الله عليه بالمال، ووفَّقه للبذل منه في طريق الخير النافع للإسلام والمسلمين، فكم من مريدٍ لمثل هذا العمل لا يستطيع لقلَّة ماله، وكم من قادرٍ بماله على مثل هذا العمل لم يُوفَّق للبذل فيه، ولم يقوَ على نفسه؛ ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].
﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21].
فجزى الله مَن قامَ بعمارة هذا المسجد أحسنَ الجزاء، وأمدَّ في عمره، وأحسن عمله، وأجزل له الأجر والثواب، وبنى الله له به بيتًا في الجنَّة، وأكثر من أمثاله، ووفَّق أربابَ الأموال إلى مثل هذه الأعمال، إنَّه سميع مجيب.
بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم، إنَّه هو التوَّاب الرحيم.
أقول هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
[1] رواه الإمام أحمد في مسنده: (1/241).