11-10-2017, 11:41 PM
في دِّيباجة هذا المقال المختصر أُريد أن أشير إلى أن من الأساليب النبوية في التعليم والتنبيه والملا*ظة ، ما يُعرف بأسلوب الوسائط ، والمقصود بالوسائط استعمال معنى لطيف وسيط للوصول إلى نتيجة هادفة وغاية تربوية جادَّة .
وهنا سوف أتمثَّل بلعبة مريم العربية الشهيرة عند الشباب ، وأقارن بين مآلِها ومآل لعبة وعد بلفور ، التي أنتجت دولةً يُ*سب لها في العالم ألفُ *ساب ، وضرورة استخلاص الدُّروس والعِبر التي يمكن الإفادة منها في هذا الباب .
لعبة مريم لعبة إلكترونية شغلت الناس رجالهم ونسائهم ، ولم تُ*قِّق هدفاً ولا غاية مثمرة ، بل هي ساذجة أضاعت الأوقات والعقول و*يَّرت الشباب في ليلهم ونهارهم .
وبمناسبة ا*تفال بعض الدُّول الغربية بمرور مئة عام على وعد بلفور ، فقد كتبتُ هذا المقال ب*رقة وألم ، لأن هذه المواضيع ضعف تأصيلها شرعياً في قلوب الناس ، وإلى الله المشتكى .
فلعبة بلفور لُعبة خطيرة ا*تال فيها اليهود للوصول إلى ت*قيق *ُلمهم وتأسِّيس دولتهم التي كانت *براً على ورق .
استطاع اليهود بالمكر والكيد أن ي*صلوا على العِزَّة الدنيوية ويستغنوا عن العزَّة الدينية ، وقد كانت لهم مراسلات مع السُّلطان العثماني عبد ال*ميد الثاني (ت: 1336هـ)ر*مه الله تعالى ، لإغرائه بالمال والذهب وتسليمهم مفاتي* بيت المقدس ، لكنه أبى وأعرض عنهم ، وبال على رسائلهم ! .
اليهود قديماً و*ديثاً يصفون أنفسهم بأنهم أص*اب : ظنون ص*ي*ة ومخائِل نجي*ة ، وفراسة صائبة وقيافة صادقة .
لقد استطاع اليهود عبر ت*قيق وعد بلفور سنة 1367هجرية ، 1948ميلادية ، توليد دولتهم التي بدأت بلعبة ماكرة امتزجت بعقيدة ، واليوم بعد ن*و مئة سنة ت*قَّق لهم رسوخ كيان يهودي قويِّ، له قيمته المادية والمعنوية عند الدُّول العظمى .
كان بلفور يعتقد أن الله أغدق على اليهود وعداً بالعودة الى أرض الميعاد، وأن هذه العودة هي شرط مُسبق للعودة الثانية للمسي*. وأن هذه العودة الثانية ت*مل معها خلاص الانسانية من الشُّرور والمِ*ن ، ليعمّ السلام والرخاء مدة ألف عام تقوم بعدها القيامة وينتهي كل شيء كما بدأ ! .
اكتسب بلفور هذه الثقافة من عائلته، وخاصة من والدته التي تركت في شخصيته الدينية بصمات واض*ة من ايمانها بالعقيدة البروتستنتية المرتبطة أساساً بالعهد القديم وما فيه من نبوءات توراتية.
لقد كان بلفور عندما صاغ الوعد بمن* اليهود وطناً في فلسطين، يعتقد أنه بذلك ي*قِّق ارادة الله، وأنه يُوفِّر الشروط المسبقة للعودة الثانية للمسي* وبالتالي، فإنه من خلال مساعدة اليهود على العودة فإنه يؤدِّي وظيفة العامل على ت*قيق هدف إلهي.
قد يقول بعض الناس العوام وما ذنبنا ن*ن الضعفاء ؟
الجواب في قول الرسول صلى الله عليه وسلم ” وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلَّط الله عليهم عدواً من غيرهم ، فيأخذ بعض ما في أيديهم ” أخرجه ابن ماجة بإسنادٍ *سن .
ونقض العهود هو تضيِّيع الإيمان وازدراء الإسلام ، عياذاً بالله تعالى.
لقد استولى اليهود على خيرات فلسطين واستبا*وا *ُرماتها وتسلَّطوا على رقاب المسلمين ن*واً من سبعة عقود يعيثون فيها فساداً ، كما لا يخفى على كل متأمِّل ، كل ذلك لأسباب مادية ومعنوية.
وفي تقديري أن أهم ثلاثة أسباب لقيام دولة اليهود في العصر ال*اضر هي : تمييِّع العقيدة الإسلامية في قلوب كثير من المسلمين، وضعف العمل القيادي المنظَّم ، وضآلة القوة المادية المتا*ة .
كان اليهود يُخطِّطون لتكون منطقة العريش بمصر موطناً لهم ، ثم س*بوا هذا الإقترا* وخطَّطوا على أُوغندا ، ثم س*بوا هذا الإقترا* لعدم مناسبة المكان، ثم اتفقوا على أن تكون فلسطين موطناً دائما بسبب موقعه المهم ، ولموارده المائية وخيراته وجناته ، ولترسيخ الاعتقاد اليهودي في أذهان الناس أن فلسطين هي الموطن القديم للسُّلالة اليهودية .
إن اليهود هاجروا من فلسطين إلى مِصر عندما كان يوسف عليه السلام وزيراً فيها .وظل اليهود في مِصر بين نعيم واضطهادٍ – فترة من الزمن – من فرعون وقومه .
وقد دعاهم موسى وهارون عليهما السلام إلى تو*يد الله ، لكن كثيراً منهم عاند وكذَّب وفَجَر ، *تى عبدوا العجل و*رَّفوا التوراة وظلموا أنفسهم بكفرهم واستكبارهم .
واليهود هم قتلة الأنبياء كما وصفهم الله تعالى : ” ويقتلون النبيِّين بغير *قِّ ” ( البقرة : 61) ، فسعيهم لقتل وتدمير غيرهم أهون عندهم وأيسر .
ومن طالع الكتب اليهودية التي بأيدي اليهود اليوم يجد فيها من الكذب والت*ريف ما لا يقبله قلبُ العاقل .
ففي سِّفر التكوين / الإص*ا* 19 : وصف لابنتي لوط عليه السلام بالزِّنى ، وفي سِّفر الملوك الأول / الإص*ا* الأول : وصف لموسى عليه السلام بأنه كان زِّير نساء وأنه عبد آلهة غير الله تعالى ، إلى غير ذلك من الدسائس والأباطيل . نسأل الله العافية والسلامة .
نستفيد مما تقدَّم : وجوب ال*ذر من اليهود و*ِيلهم ومكرهم ومراوغاتهم في البلاد الإسلامية ، وأن العمل ت*ت قيادة مؤمنة بقلب وا*د له ثمرات عظيمة لا يمكن وصفها ، وقد كان هذا دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم في السِّلم وفي ال*رب ، فعن سعيد بن المسيِّب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الشيطان يهمُّ بالوا*د والاثنين ، فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم ” أخرجه البزار بإسنادٍ *سن .
وقد كان الناس قديماً في سفرهم إذا نزلوا منزلاً تفرَّقوا في الشِّعاب والأودية ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
” إن تفرُّقكم هذا من الشيطان ” ، فلم ينزلوا بعدُ منزلاً إلا أنضم بعضهم إلى بعض *تى قال : ( لو بسط عليهم ثوب لعمَّهم ) . أخرجه أبو داود بإسناد *سن .
الأخطاء التي وقع فيها المسلمون أو بعضهم ، وبها ت*قَّق وعد بلفور كثيرة ، منها أسباب إقليمية طويلة ، ومنها أسباب إقتصادية ، ومنها أسباب شرعية
فمن الأسباب الشرعية :
الأول : إهمال تدبُّر القرآن علما وعملاً ، واستبداله بتدبير العفن الرخيص : فلا شك أن النصر يبدأ بلزوم كتاب الله واتباعه .
لقد بدأ وعد بلفور كما تقدَّم بعقيدة ، ون*ن عندنا عقيدة أص* وأعظم من عقيدة بلفور ، وهي العمل بكتاب ربنا تعالى .
فلا يجوز تضيِّيع أو تمييِّع هذه العقيدة الص*ي*ة أبدا ، فدِينُ الله منصور وم*فوظ وظاهر ولو كره الكارهون .
ولو تدبرنا كلام ربنا ل*قَّقنا قوة الإيمان في قلوبنا ، فتولَّد في صدورنا نور العلم وقوة اليقين بالله تعالى ، ولظهرت لنا من خِلاله مفاتي* النصر وطرائق كتم أنفاس اليهود .
قال ابن العربي (ت: 543هـ) ر*مه الله تعالى : ” اجتمع أص*ابنا بمدينة السلام فتتبعوا مسائل قول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قُمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) – المائدة : 6 – ، فوجدوا فيها ثلاثمائة مسألة ، ولم يقدروا على أن يبلغوا الألف ، وهذا التتبُّع إنما يليق بمن يريد معرفة طرق استخراج العلوم من خبايا الزوايا ” .
الثاني : كثرة الأ*زاب اليمينية واليسارية : فمنهم من يوادُّ اليهود جهاراً نهاراً ، ومنهم من يعمل معهم ت*ت الكواليس ، ومنهم من يمكِّن لهم لت*قيق نفوذهم في أرض المسلمين ، ومنهم من يناصر قضاياهم في الم*افل الدولية ، ومنهم من يلعب على ال*بلين ، وبهذا باتوا أض*وكة عند اليهود لتفرقهم وتشرذمهم كما وصف الله تعالى : ” ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب رِّي*كم ” ( الأنفال : 46 ) . وذهاب الري* هي الخيبة والخذلان .
الثالث : التقصير في الإعداد المعنوي والعسكري :
لقد خاض المصطفى صلى الله عليه وسلم وأص*ابه والأجيال المسلمة من بعده معارك شتى بدءاً من يوم الفرقان في بدر واستمراراً في خيبر وفت* مكة وتبوك ، وامتداداً إلى اليرموك والقادسية وفت* بيت المقدس ومصر وبلاد الأندلس ، إلى عين جالوت و*ِطِّين ونهاية بالعاشر من رمضان ، وكان انتصارهم في كل معركة يرجع إلى عنصرين رئيسيين : ت*قيق التقوى وتقوية الجندي المسلم عدداً وعدة ، ظاهراً وباطناً ، ولن ي*صل النصر إلا بت*صيل مراد الله تعالى .
وقد قال الله تعالى : ” ذلك بأن الله لم يكُ مغيراً نعمةً أنعمها على قومٍ *تى يُغيِّروا مابأنفسهم” ( الأنفال: 53 ) ، فلن يتغيَّر مكر اليهود إلا بتقوانا واعدادنا لأنفسنا ،لينقلبوا خائبين .
الرابع : تقديس اليهود وأنهم دولة لا تُهزم ولن تبيد . وهذا الخاطر وهذه الشبهة في قلوب كثير من المسلمين سببها الغفلة عن قوة الله تعالى وعظمته وعدم تقدير قَدره جل جلاله . وقد قال الله تعالى : ” وإن جُندنا لهم الغالبون ” ( الصافات: 173 )
وقد تذكرتُ هنا فائدة تصل* دليلاً على نقض فكرة تقديس دولة اليهود ، وهي قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على ال*ق لا يضرُّهم من خذلهم *تي يأتي أمر الله وهم كذلك ” أخرجه مسلم .
ففي ال*ديث بيان أن أهل ال*ق هم من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لا من غيرهم ، لأن دين م*مدٍ ناسخ ومهيمن على غيره ، وفيه بشارة لتلك الطائفة بظهورهم على غيرهم .
والشبهات لا تُدفع إلا بصلابة الإيمان ، وهناك وصية جميلة أَوصى بها ابن تيمية (ت: 728هـ)ر*مه الله تعالى تلميذه ابن القيم (ت: 751هـ)ر*مه الله تعالى لتجنب خطر الأفكار المؤذية *يث قال :
” لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشرَّبُها، فلا ينض* إلا بها، ولكن اجعله كالزُّجاجة المصمتة تمرُّ الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته ” .
الخامس : فشو ثقافة العروبة والقوميات :
استطاعت القوى العظمى سلخ كثير من المسلمين عن دينهم ورشدهم وهويتهم إلا من ر*م الله ، فقد استطاعوا عن طريق عملائهم استعمال الوسائل الممكنة والقوية ، لترسيخ الثقافة العنصرية ، وفرض قانون فرِّق تَسُد ، ونشر ثقافة الغرور النفسي والمعنوي ، وإذكاء نار العصبيات والعرقيات ، *تى قلَّ ذكر آثار أمجاد السلف الصال* ، وطفق الإعلام يُدندن على ذكر أمجاد قومية صِّرفة ، الغاية منها سلخ الهوية الإسلامية واظهار الهوية العربية بدلاً من الإسلامية الإيمانية ، وقد نتج عن هذا تخلُّف كثير من المسلمين عن نصر قضاياهم إلا من ر*م الله .
إن أعظم درس هنا هو التنبيه على العقيدة التي ننصر بها فلسطين ، وهي ترسيخ عقيدة الإيمان بالله والدعوة إلى تزكية النفوس ، مع الدعاء والتوكل ، وبذلُ كل سبب مشروع ممكن ، لت*قيق سنن الله التي وعد الله بها المؤمنين .
ومن الدُّروس المهمة هنا ضرورة سبر قصة موسى عليه السلام وأخباره مع الإسرائيليِّين ، ففيها عبر تأريخية مهمة لا يتسع المقام هنا لسرد بعضها .
وأخيراً فإن المقصود هو استبانة طريق المغضوب عليهم كما قال الله تعالى : ” وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ” (الأنعام: 55) .
ولي*ذر المسلمون من دسائِس اليهود و*بائلهم ، وقد تقرَّر عند الأصولييِّن أن العِبرة للمآل لا لل*ال ، كما نبَّه على ذلك الإمام السرخسي (ت: 490هـ ) ر*مه الله تعالى .
هذا ما تيسر ت*ريره ، وال*مد لله الذي بنعمته تتم الصال*ات .
1439/2/14
وهنا سوف أتمثَّل بلعبة مريم العربية الشهيرة عند الشباب ، وأقارن بين مآلِها ومآل لعبة وعد بلفور ، التي أنتجت دولةً يُ*سب لها في العالم ألفُ *ساب ، وضرورة استخلاص الدُّروس والعِبر التي يمكن الإفادة منها في هذا الباب .
لعبة مريم لعبة إلكترونية شغلت الناس رجالهم ونسائهم ، ولم تُ*قِّق هدفاً ولا غاية مثمرة ، بل هي ساذجة أضاعت الأوقات والعقول و*يَّرت الشباب في ليلهم ونهارهم .
وبمناسبة ا*تفال بعض الدُّول الغربية بمرور مئة عام على وعد بلفور ، فقد كتبتُ هذا المقال ب*رقة وألم ، لأن هذه المواضيع ضعف تأصيلها شرعياً في قلوب الناس ، وإلى الله المشتكى .
فلعبة بلفور لُعبة خطيرة ا*تال فيها اليهود للوصول إلى ت*قيق *ُلمهم وتأسِّيس دولتهم التي كانت *براً على ورق .
استطاع اليهود بالمكر والكيد أن ي*صلوا على العِزَّة الدنيوية ويستغنوا عن العزَّة الدينية ، وقد كانت لهم مراسلات مع السُّلطان العثماني عبد ال*ميد الثاني (ت: 1336هـ)ر*مه الله تعالى ، لإغرائه بالمال والذهب وتسليمهم مفاتي* بيت المقدس ، لكنه أبى وأعرض عنهم ، وبال على رسائلهم ! .
اليهود قديماً و*ديثاً يصفون أنفسهم بأنهم أص*اب : ظنون ص*ي*ة ومخائِل نجي*ة ، وفراسة صائبة وقيافة صادقة .
لقد استطاع اليهود عبر ت*قيق وعد بلفور سنة 1367هجرية ، 1948ميلادية ، توليد دولتهم التي بدأت بلعبة ماكرة امتزجت بعقيدة ، واليوم بعد ن*و مئة سنة ت*قَّق لهم رسوخ كيان يهودي قويِّ، له قيمته المادية والمعنوية عند الدُّول العظمى .
كان بلفور يعتقد أن الله أغدق على اليهود وعداً بالعودة الى أرض الميعاد، وأن هذه العودة هي شرط مُسبق للعودة الثانية للمسي*. وأن هذه العودة الثانية ت*مل معها خلاص الانسانية من الشُّرور والمِ*ن ، ليعمّ السلام والرخاء مدة ألف عام تقوم بعدها القيامة وينتهي كل شيء كما بدأ ! .
اكتسب بلفور هذه الثقافة من عائلته، وخاصة من والدته التي تركت في شخصيته الدينية بصمات واض*ة من ايمانها بالعقيدة البروتستنتية المرتبطة أساساً بالعهد القديم وما فيه من نبوءات توراتية.
لقد كان بلفور عندما صاغ الوعد بمن* اليهود وطناً في فلسطين، يعتقد أنه بذلك ي*قِّق ارادة الله، وأنه يُوفِّر الشروط المسبقة للعودة الثانية للمسي* وبالتالي، فإنه من خلال مساعدة اليهود على العودة فإنه يؤدِّي وظيفة العامل على ت*قيق هدف إلهي.
قد يقول بعض الناس العوام وما ذنبنا ن*ن الضعفاء ؟
الجواب في قول الرسول صلى الله عليه وسلم ” وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلَّط الله عليهم عدواً من غيرهم ، فيأخذ بعض ما في أيديهم ” أخرجه ابن ماجة بإسنادٍ *سن .
ونقض العهود هو تضيِّيع الإيمان وازدراء الإسلام ، عياذاً بالله تعالى.
لقد استولى اليهود على خيرات فلسطين واستبا*وا *ُرماتها وتسلَّطوا على رقاب المسلمين ن*واً من سبعة عقود يعيثون فيها فساداً ، كما لا يخفى على كل متأمِّل ، كل ذلك لأسباب مادية ومعنوية.
وفي تقديري أن أهم ثلاثة أسباب لقيام دولة اليهود في العصر ال*اضر هي : تمييِّع العقيدة الإسلامية في قلوب كثير من المسلمين، وضعف العمل القيادي المنظَّم ، وضآلة القوة المادية المتا*ة .
كان اليهود يُخطِّطون لتكون منطقة العريش بمصر موطناً لهم ، ثم س*بوا هذا الإقترا* وخطَّطوا على أُوغندا ، ثم س*بوا هذا الإقترا* لعدم مناسبة المكان، ثم اتفقوا على أن تكون فلسطين موطناً دائما بسبب موقعه المهم ، ولموارده المائية وخيراته وجناته ، ولترسيخ الاعتقاد اليهودي في أذهان الناس أن فلسطين هي الموطن القديم للسُّلالة اليهودية .
إن اليهود هاجروا من فلسطين إلى مِصر عندما كان يوسف عليه السلام وزيراً فيها .وظل اليهود في مِصر بين نعيم واضطهادٍ – فترة من الزمن – من فرعون وقومه .
وقد دعاهم موسى وهارون عليهما السلام إلى تو*يد الله ، لكن كثيراً منهم عاند وكذَّب وفَجَر ، *تى عبدوا العجل و*رَّفوا التوراة وظلموا أنفسهم بكفرهم واستكبارهم .
واليهود هم قتلة الأنبياء كما وصفهم الله تعالى : ” ويقتلون النبيِّين بغير *قِّ ” ( البقرة : 61) ، فسعيهم لقتل وتدمير غيرهم أهون عندهم وأيسر .
ومن طالع الكتب اليهودية التي بأيدي اليهود اليوم يجد فيها من الكذب والت*ريف ما لا يقبله قلبُ العاقل .
ففي سِّفر التكوين / الإص*ا* 19 : وصف لابنتي لوط عليه السلام بالزِّنى ، وفي سِّفر الملوك الأول / الإص*ا* الأول : وصف لموسى عليه السلام بأنه كان زِّير نساء وأنه عبد آلهة غير الله تعالى ، إلى غير ذلك من الدسائس والأباطيل . نسأل الله العافية والسلامة .
نستفيد مما تقدَّم : وجوب ال*ذر من اليهود و*ِيلهم ومكرهم ومراوغاتهم في البلاد الإسلامية ، وأن العمل ت*ت قيادة مؤمنة بقلب وا*د له ثمرات عظيمة لا يمكن وصفها ، وقد كان هذا دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم في السِّلم وفي ال*رب ، فعن سعيد بن المسيِّب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الشيطان يهمُّ بالوا*د والاثنين ، فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم ” أخرجه البزار بإسنادٍ *سن .
وقد كان الناس قديماً في سفرهم إذا نزلوا منزلاً تفرَّقوا في الشِّعاب والأودية ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
” إن تفرُّقكم هذا من الشيطان ” ، فلم ينزلوا بعدُ منزلاً إلا أنضم بعضهم إلى بعض *تى قال : ( لو بسط عليهم ثوب لعمَّهم ) . أخرجه أبو داود بإسناد *سن .
الأخطاء التي وقع فيها المسلمون أو بعضهم ، وبها ت*قَّق وعد بلفور كثيرة ، منها أسباب إقليمية طويلة ، ومنها أسباب إقتصادية ، ومنها أسباب شرعية
فمن الأسباب الشرعية :
الأول : إهمال تدبُّر القرآن علما وعملاً ، واستبداله بتدبير العفن الرخيص : فلا شك أن النصر يبدأ بلزوم كتاب الله واتباعه .
لقد بدأ وعد بلفور كما تقدَّم بعقيدة ، ون*ن عندنا عقيدة أص* وأعظم من عقيدة بلفور ، وهي العمل بكتاب ربنا تعالى .
فلا يجوز تضيِّيع أو تمييِّع هذه العقيدة الص*ي*ة أبدا ، فدِينُ الله منصور وم*فوظ وظاهر ولو كره الكارهون .
ولو تدبرنا كلام ربنا ل*قَّقنا قوة الإيمان في قلوبنا ، فتولَّد في صدورنا نور العلم وقوة اليقين بالله تعالى ، ولظهرت لنا من خِلاله مفاتي* النصر وطرائق كتم أنفاس اليهود .
قال ابن العربي (ت: 543هـ) ر*مه الله تعالى : ” اجتمع أص*ابنا بمدينة السلام فتتبعوا مسائل قول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قُمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) – المائدة : 6 – ، فوجدوا فيها ثلاثمائة مسألة ، ولم يقدروا على أن يبلغوا الألف ، وهذا التتبُّع إنما يليق بمن يريد معرفة طرق استخراج العلوم من خبايا الزوايا ” .
الثاني : كثرة الأ*زاب اليمينية واليسارية : فمنهم من يوادُّ اليهود جهاراً نهاراً ، ومنهم من يعمل معهم ت*ت الكواليس ، ومنهم من يمكِّن لهم لت*قيق نفوذهم في أرض المسلمين ، ومنهم من يناصر قضاياهم في الم*افل الدولية ، ومنهم من يلعب على ال*بلين ، وبهذا باتوا أض*وكة عند اليهود لتفرقهم وتشرذمهم كما وصف الله تعالى : ” ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب رِّي*كم ” ( الأنفال : 46 ) . وذهاب الري* هي الخيبة والخذلان .
الثالث : التقصير في الإعداد المعنوي والعسكري :
لقد خاض المصطفى صلى الله عليه وسلم وأص*ابه والأجيال المسلمة من بعده معارك شتى بدءاً من يوم الفرقان في بدر واستمراراً في خيبر وفت* مكة وتبوك ، وامتداداً إلى اليرموك والقادسية وفت* بيت المقدس ومصر وبلاد الأندلس ، إلى عين جالوت و*ِطِّين ونهاية بالعاشر من رمضان ، وكان انتصارهم في كل معركة يرجع إلى عنصرين رئيسيين : ت*قيق التقوى وتقوية الجندي المسلم عدداً وعدة ، ظاهراً وباطناً ، ولن ي*صل النصر إلا بت*صيل مراد الله تعالى .
وقد قال الله تعالى : ” ذلك بأن الله لم يكُ مغيراً نعمةً أنعمها على قومٍ *تى يُغيِّروا مابأنفسهم” ( الأنفال: 53 ) ، فلن يتغيَّر مكر اليهود إلا بتقوانا واعدادنا لأنفسنا ،لينقلبوا خائبين .
الرابع : تقديس اليهود وأنهم دولة لا تُهزم ولن تبيد . وهذا الخاطر وهذه الشبهة في قلوب كثير من المسلمين سببها الغفلة عن قوة الله تعالى وعظمته وعدم تقدير قَدره جل جلاله . وقد قال الله تعالى : ” وإن جُندنا لهم الغالبون ” ( الصافات: 173 )
وقد تذكرتُ هنا فائدة تصل* دليلاً على نقض فكرة تقديس دولة اليهود ، وهي قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على ال*ق لا يضرُّهم من خذلهم *تي يأتي أمر الله وهم كذلك ” أخرجه مسلم .
ففي ال*ديث بيان أن أهل ال*ق هم من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لا من غيرهم ، لأن دين م*مدٍ ناسخ ومهيمن على غيره ، وفيه بشارة لتلك الطائفة بظهورهم على غيرهم .
والشبهات لا تُدفع إلا بصلابة الإيمان ، وهناك وصية جميلة أَوصى بها ابن تيمية (ت: 728هـ)ر*مه الله تعالى تلميذه ابن القيم (ت: 751هـ)ر*مه الله تعالى لتجنب خطر الأفكار المؤذية *يث قال :
” لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشرَّبُها، فلا ينض* إلا بها، ولكن اجعله كالزُّجاجة المصمتة تمرُّ الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته ” .
الخامس : فشو ثقافة العروبة والقوميات :
استطاعت القوى العظمى سلخ كثير من المسلمين عن دينهم ورشدهم وهويتهم إلا من ر*م الله ، فقد استطاعوا عن طريق عملائهم استعمال الوسائل الممكنة والقوية ، لترسيخ الثقافة العنصرية ، وفرض قانون فرِّق تَسُد ، ونشر ثقافة الغرور النفسي والمعنوي ، وإذكاء نار العصبيات والعرقيات ، *تى قلَّ ذكر آثار أمجاد السلف الصال* ، وطفق الإعلام يُدندن على ذكر أمجاد قومية صِّرفة ، الغاية منها سلخ الهوية الإسلامية واظهار الهوية العربية بدلاً من الإسلامية الإيمانية ، وقد نتج عن هذا تخلُّف كثير من المسلمين عن نصر قضاياهم إلا من ر*م الله .
إن أعظم درس هنا هو التنبيه على العقيدة التي ننصر بها فلسطين ، وهي ترسيخ عقيدة الإيمان بالله والدعوة إلى تزكية النفوس ، مع الدعاء والتوكل ، وبذلُ كل سبب مشروع ممكن ، لت*قيق سنن الله التي وعد الله بها المؤمنين .
ومن الدُّروس المهمة هنا ضرورة سبر قصة موسى عليه السلام وأخباره مع الإسرائيليِّين ، ففيها عبر تأريخية مهمة لا يتسع المقام هنا لسرد بعضها .
وأخيراً فإن المقصود هو استبانة طريق المغضوب عليهم كما قال الله تعالى : ” وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ” (الأنعام: 55) .
ولي*ذر المسلمون من دسائِس اليهود و*بائلهم ، وقد تقرَّر عند الأصولييِّن أن العِبرة للمآل لا لل*ال ، كما نبَّه على ذلك الإمام السرخسي (ت: 490هـ ) ر*مه الله تعالى .
هذا ما تيسر ت*ريره ، وال*مد لله الذي بنعمته تتم الصال*ات .
1439/2/14