: غُربة الإسلام وفسَاد النّاس في آخر الزّمَان / سما*ة الشيخ عبد الله بن زيد آل م*مود


11-10-2017, 11:41 PM
ال*مد لله الذي وفق من أراد هدايته للإسلام، فانقادت للعمل به الجوار* والأركان؛ فأقام الصلوات، وآتى الزكاة، وصام رمضان، و*ج بيت الله ال*رام. وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة من قال: ربي الله ثم استقام. وأشهد أن م*مدًا عبده ورسوله سيد الأنام. اللهم صل على نبيك ورسولك م*مد، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:

فإنه من الـمعلوم بمقتضى النصوص وبالواقع الـم*سوس، أن الناس يزدادون إسرافًا في الرذائل وفي ترك الفرائض والفضائل عامًا بعد عام، وأن للدين إقبالاً وإدبارًا، وقوة وضعفًا.
فمن إقبال الدين أن تتفقهه القبيلة بأسرها، وتتمسك بعزائم دينها، *تى لا يكون فيها إلا الفاسق أو الفاسقان، فهما مقهوران ذليلان إن تكلما قُمِعا.
وإن من إدبار الدين أن تجفوا القبيلة بأسرها، وتن*ل عن عزائم دينها، وتفسق عن أمر ربها، *تى لا يكون فيها إلا الفقيه أو الفقيهان، فهما مقهوران ذليلان.

وإن صفوة الأمة هم أص*اب النبي ﷺ الذين هم أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، قوم اختارهم الله لص*بة نبيه وإقامة دينه، ثم التابعون لهم بإ*سان الذين تلقوا العلم عنهم فهم من خير الناس بعدهم؛ لما في الص*ي*ين عن عمران بن *صين أن النبي ﷺ قال: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - لا أدري أذكرهم مرتين أو ثلاثة - ثم يجيء قوم يشهدون ولا يُستشهدون، ويخونون ولا يُؤتمنون، ينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن»؛ أي من أجل غرقهم في الترف وسائر الأكل الـمسمن للجسم. وفي رواية: «تَسْبِق شَهَادَة أَ*َدهمْ يَمِينه. وَيَمِينه شَهَادَته»[67] وهذا مما يدل على فساد الناس في آخر الزمان، كما يشهد به الواقع الـم*سوس.

ويدل له ما روى البخاري في ص*ي*ه أن النبي ﷺ قال: «يَذْهَبُ الصَّالِ*ُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، ثُمَّ تَبْقَى *ُفَالَةٌ» وفي رواية: «*ُثَالَةٌ كَ*ُثَالَةِ الشَّعِيرِ أَوِ التَّمْرِ، لاَ يُبَالِيهِمُ اللَّهُ بَالَةً»[68].
ومن الـمعلوم أنه متى ذهب الصال*ون الـمصل*ون الآمرون بالـمعروف والناهون عن الـمنكر؛ فإنه يخلو الجو للفاسدين الفاسقين، فيبيضون ويصفرون. ومن أشراط الساعة أن يذهب العلم ويفيض الجهل، كما في الص*ي*ين من *ديث عبد الله بن عمرو أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، *َتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا». ولهذا *ث النبي ﷺ على التمسك بسنته أي بدينه عند فساد أمته. وقال في *ديث العرباض بن سارية: «إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُ*ْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُ*ْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ». رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن *بان. وقال الترمذي: *سن ص*ي*. ويدل له ما رواه ابن عباس أن النبي ﷺ قال: «الـمتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر مائة شهيد». رواه البيهقي والطبراني.

وقد سماه النبي ﷺ بأيام الصبر وقال: ««إن من ورائكم أيام الصبر، القابض فيهن على دينه كالقابض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين منكم» قالوا: كيف يكون له أجر خمسين منا؟ قال: «إنكم تجدون على ال*ق أعوانًا، وهم لا يجدون»». رواه الترمذي عن أبي ثعلبة الخشني.
إن أكثر الناس في هذا الزمان يتسمون بالإسلام وهم منه بعداء، وينت*لون بأنهم من أهله وهم له أعداء، يعادون بنيه، ويقوضون مبانيه. لم يبق معهم منه سوى م*ض التسمي به، والانتساب إليه بدون عمل به ولا انقياد ل*كمه. فترى أكثرهم لا يصلون الصلوات الخمس الـمفروضة، ولا يؤدون الزكاة الواجبة، ولا يصومون رمضان، ويست*لون الربا وشرب الخمر، فهم في جانب والإسلام الص*ي* في جانب آخر، فهؤلاء أكثر الناس، والله تعالى يقول: ﴿وَمَآ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوۡ *َرَصۡتَ بِمُؤۡمِنِينَ ١*٣﴾ [يوسف: 103]. وقد قيل: الركب كثير، وال*اج قليل.

ما أكثر الناس لا بل ما أقلهم
والله يعلم أني لم أقل فندا
إني لأفت* عيني *ين أفت*ها
على كثير ولكن لا أرى أ*دا
يقول بعض الناس: إن الدين إذا فسد العمل به صار آلة ضعف وان*طاط، ون*ن نقول: إنه متى فسد العمل بالدين فلا دين، كما أنها متى فسدت الصلاة فلا صلاة. ومتى فسد الصيام فلا صيام، لكون الدين عند الإطلاق ينصرف إلى الدين الص*ي*.
إن الصنيعة لا تعد صنيعة
*تى يصاب بها طريق الـمصنع

فمتى أفسد الناس الدين بترك أوامره، وارتكاب نواهيه، فقد خرجوا عن *ده، واستبدلوا ضده، وكانوا بهذا الانقلاب جديرين بالضعف والان*طاط؛ لأن ذنوب الجيش جند عليه، ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ *َتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ﴾ [الرعد: 11].
فكل ضعف *صل بالـمسلمين فبسبب ما ضيعوا من تعاليم الدين *تى التنازع والاختلاف والقتال بين *كام الـمسلمين، فكلها ذنوب تورث الضعف والذل و*لول الفشل.
ولضعف الدين عوامل عديدة تساعد على ضعف الناس منها: قول عمر بن الخطاب: إنه يفسد الإسلام ثلاثة أشياء: الأئمة الـمضلون، وزلة العالـم، وجدال الـمنافق بالقرآن[69]. وروى مسلم عن ثوبان أن النبي ﷺ قال: «إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِى الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ».

والخطر الـمخوف من زلة العالـم هو الاغترار به فيها ومتابعته عليها؛ إذ لولا التقليد والاتباع لما خيف على الإسلام وأهله من زلته، وكان ابن عباس يقول: ويل للأتباع من عثرات العالـم[70]. وقد شبهوا زلته بغرق السفينة يغرق بغرقها الخلق الكثير. كما أن الأئمة الـمضلين هم أمراء الناس الذين تنكبوا الطريق الـمستقيم، وتركوا شريعة القرآن ال*كيم وسنة رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم، واستبدلوا بها شريعة القوانين فتبعهم الناس على ضلالهم، ووافقوهم على فسادهم واستبدادهم. والناس غالبًا على طرائق ملوكهم في الخير والشر، ومتى فسد الراعي فسدت الرعية.
ومنها دنيا تقطع أعناق الناس، *تى تجعلهم كالـميتين عن مصال*هم الدينية، وعما يوجب قوتهم واستقامتهم، والاستعداد للجهاد في سبيل الله؛ لأن شغفهم بلذاتهم الـمادية قد شغلهم عن الأمور الدينية فلأجل *بها صارت هي الجيش الغازي بلاد الإسلام في هذا العصر، وكأنها الكافلة لأعداء الإسلام بالفت* والنصر بغير جموع ولا جنود، وبغير دفاع ولا امتناع، طبق ما روى الإمام أ*مد في مسنده، وأبو داود في سننه، عن ثوبان أن النبي ﷺ قال: ««يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأُكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا ». قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ «أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ». قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهَنُ قَالَ «*ُبُّ الْ*َيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ»». وكل ما كان أصلاً للفساد فإنه يكون سببًا لدخول الضعف منه على العباد.
وكل كسـر فإن الدين يجبره
وما لكسـر قناة الدين جبران ج

فهذا الضعف ال*اصل بالـمسلمين ليس من الدين وإنما *صل بسبب ما ضيعوه من تعاليم الدين.
ثم إن الضعف والغربة في الدين لا يلزم أن تدوم، بل قد تقع ثم تزول، إذ هي وصف عارض، كالأمراض الطبيعية. وربما ص*ت الأبدان بالعلل.
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت
ويبتلى الله بعض القوم بالنعم

فقد يعود الإسلام إلى قوته ويفيء من غربته، كما اشتد ضعفه وغربته زمن وفاة النبي ﷺ *تى ارتدت العرب عنه، ولم يبق مسجد يصلى فيه إلا مسجد مكة، ومسجد الـمدينة، ومسجد عبد القيس بجواثى أي الأ*ساء، ولهذا يقول شاعرهم:
والـمسجد الثالث الشـرقي كان لنا
والـمنبران وفصل القول والخطب
أيام لا منبر للناس نعرفه
إلا بطيبة والـم*جوج ذي ال*جب

وعلى أثر هذا الضعف، وهذه الغرب جاهد الص*ابة في الله *ق جهاده *تى استعادوا قوة الدين ونشاطه.
فقول النبي ﷺ: «بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كما بدأ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»، رواه مسلم من *ديث أبي هريرة، ورواه الإمام أ*مد، وابن ماجه من *ديث ابن مسعود، وفيه: قالوا: «يا رسول الله مَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: «النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ»». وفي رواية قال: «الَّذِينَ يُصْلِ*ُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ». وفي رواية قال: «هم الَّذِينَ يُصْلِ*ُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي».
وقد اتخذ الناس هذا ال*ديث بمثابة التخدير للهمم، والتخذيل للأمم، ب*يث يتخذونه بمثابة العذر لهم عن القيام بما أوجب الله عليهم من الجهاد في سبيله، والأمر بالـمعروف والنهـي عن الـمنكر، والنصي*ة لله ولأئمة الـمسلمين وعامتهم، *تى كأن الرسول - بزعمهم - قصد بهذا ال*ديث الاستسلام لهذا الضعف الـمفاجئ للمسلمين ولهذه الغربة في الدين.

وإن هذه الغربة تقع في مكان دون مكان، وفي زمان دون زمان. فمثل الرسول ﷺ في الإخبار بها كمثل خريت الأسفار، يخبر قومه بمفاوز الأقطار، ومواضع الأخطار، ليتأهبوا بال*زم، وفعل أولي العزم من وسائل التعويق، وي*ترسوا بالدفاع لقطاع الطريق، كما في ص*ي* مسلم من *ديث ابن عمر قال: «كنا مع النبي ﷺ في سفر فنزلنا منزلاً، فمنا من يصل* خباءه، ومنا من يصل* جشره، ومنا من ينتضل، إذ نادى منادي رسول الله: الصلاة جامعة. قال: فاجتمعنا، فقال النبي ﷺ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ *َقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِى أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِىءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا»». يعني الآخرة شر من الأولى.

فالعاقل لا يستو*ش طرق الهدى من قلة السالكين، ولا يغتر بكثرة الهالكين التاركين للدين، فإن الله تعالى يقول: ﴿وَمَآ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوۡ *َرَصۡتَ بِمُؤۡمِنِينَ ١*٣﴾ [يوسف: 103]. وقد ثبت في الص*ي* أنه: «لا تزال طائفة من هذه الأمة على ال*ق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم *تى تقوم الساعة»[71]. وإن الله سب*انه «لا يزال يغرس لهذا الدين غرسًا يستعملهم في طاعته[72]، ينفون عن الدين ت*ريف الغالين، وانت*ال الـمبطلين، وتأويل الجاهلين»[73]. و: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»[74].
ومنها ما روى الترمذي عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: «مَثَلُ أُمَّتِى مَثَلُ الْمَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ».

فكل هذه الآثار تدل دلالة واض*ة على تقلب الأ*وال، وأن الدين م*فوظ عن الزوال، لا يزال باقيًا دائمًا *تى تقوم الساعة، فمن ظن أن الله يديل الباطل على ال*ق إدالة مستمرة فقد ظن بالله السوء، ولكن الـمصارعة لا تزال قائمة بين ال*ق والباطل، والعاقبة للمتقين.
والدين منصور وممت*ن فلا
تعجب فهذي سنة الر*من

﴿ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبلُوَاْ بَعضَكُم بِبَعضٖۗ ﴾ [م*مد: 4]. ﴿وَلَنَبلُوَنَ كُمۡ *َتَّىٰ نَعلَمَ ٱلمُجَٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَنَبلُوَاْ أَخبَارَكُمۡ ٣١﴾ [م*مد: 31]. وسب*ان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على الـمرسلين، وال*مد لله رب العالـمين.
هذا المقال مستل من كتابه ال*كم الجامعة الجزء الاول
* * ****************************** **
[67] متفق عليه من *ديث عبد الله بن مسعود.
[68] رواه البخاري من *ديث مرداس الأسلمي. وأ*مد في مسنده.
[69] أخرجه ابن بطة في الإبانة عن عمر بن الخطاب.
[70] أخرجه البيهقي في الـمدخل عن ابن عباس.
[71] متفق عليه من *ديث معاوية.
[72] رواه الإمام أ*مد في مسنده، وابن ماجه وابن *بان في ص*ي*ه، جميعًا من *ديث أبي عنبة الخولاني.
[73] رواه أبو داود من *ديث أبي هريرة، وال*اكم في الـمستدرك.
[74] أخرجه أبو داود من *ديث أبي هريرة.

Adsense Management by Losha