فريق منتدى الدي في دي العربي
11-14-2017, 03:23 PM
السؤال
? الملخص:
شابٌّ له صديق يُريد قَطْع نَسْلِه، عن طريق عمليةٍ جراحيةٍ.
? التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل هناك كفَّارة مُحدَّدة لِمَن قَطَع نسلَه عن طريق عملية تعقيم الذكور؟
لي صديقٌ يرى أنَّ إخراج الولد إلى هذه الدنيا جِناية عليه، وظُلم له، وعدم رأفةٍ به، ولأنه شخص غير جميل، ونحيل الجسم، وفاشل في حياته، ولا يقوى على حماية أية امرأة، ولا يستطيع تلبية الرغبة الجنسية لأية زوجة - قرَّر قَطْعَ نسله؛ امتثالًا لقول أبي العلاء المعري:
هذا جَناه أبي عليْ
يَ وَمَا جَنَيْتُ على أَحَدْ!
فأرجو منكم المشورة بارك الله فيكم
الجواب
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
عجيبٌ شأن هذا الإنسان الذي يسعى في قَطْع نسلِه مُتمثلًا بشعر أبي العلاء إمام التشاؤُم، الذي هو سوء ظن بالله، ويترك ما رغب فيه دينُنا الحنيف على كثرة الإنجاب!
فأشعار أبي العلاء يَظْهَرُ فيها الخبثُ والزندقة والإلحاد، حتى أسقطته مِن أعيُن أهل العلم؛ فلا عقلَ له ولا دين! قال ابن الجوزي كما في المنتظم (16/ 24): "وقد رأيتُ للمعرِّي كتابًا سماه: الفصول والغايات، يُعارض به السور والآيات، وهو كلامٌ في نهاية الرِّكَّة والبُرودة، فسبحان مَن أعمى بصرَه وبصيرته!".
وقال في تلبيس إبليس (ص: 100): "وأما أبو العلاء المعري فأشعارُه ظاهرةُ الإلحاد، وكان يُبالغ في عداوة الأنبياء، ولم يزلْ متخبِّطًا في تعثيره، خائفًا مِن القتل إلى أن مات بخُسرانه".
فهل يجوز الاحتجاجُ أخي الكريم بشعر مَن تواردتْ أقوال أهل العلم على ذمِّه، ونسبته إلى الزندقة والتشهير، ولو تأملتَه لأدركتَ ذلك:
هذا جَناهُ أبي عَلِيْ
يَ وما جَنَيْتُ على أَحَدْ؟!
فإنَّ معناه: أنَّ أباه بتزوُّجه لأمِّه أوقعه في هذه الدار، حتى صار بسبب ذلك إلى ما إليه صار، وهو لم يجنِ على أحدٍ بهذه الجناية! وهذا كلُّه كفرٌ وإلحاد قبَّحه الله؛ كما قال الحافظُ ابن كثير في البداية والنهاية (12/ 94)، وقال أيضًا (15/ 745): "الشاعر المشهورُ بالزندقة اللغوي...، وقال بعد إيراد بعض شعره: وهذا مِن قلة عقله، وعمى بصيرته...، وقد كان ذكيًّا ولم يكن زكيًّا، وله مصنفاتٌ كثيرة، أكثرُها في الشعر، وفي بعض أشعاره ما يدلُّ على زندقته وانحلاله مِن الدين، ومِن الناس مَن يعتذر عنه ويقول: إنه إنما كان يقول ذلك مُجونًا ولعبًا، ويقول بلسانِه ما ليس في قلبه، وقد كان باطنُه مسلمًا، قال ابن عقيل لما بلَغه: وما الذي ألجأه أن يقولَ في دار الإسلام ما يُكفِّره به الناس؟! قال: والمنافقون مع قلة عقلهم وعمَلهم أجودُ سياسة منه؛ لأنهم حافظوا على قَبائحهم في الدنيا وستَروها، وهذا أظْهَرَ الكفر الذي تسلَّط عليه به الناس وزَنْدَقُوه، والله يعلم أنَّ ظاهرَه كباطنه!
ومِن أشدِّ ما قيل فيه قولُ شيخ الإسلام ابن القيم في كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص: 157) في مَعرِض كلامه عن أرباب المقالات الذين طاش عقلُهم، ولم يفهموا حكمةَ إيلام الحيوان وذبحه، فقال: "وممن كان على هذا المذهب أعمى البصر والبصيرة، كلب معرة النعمان، المكنَّى بأبي العلاء المعري؛ فإنه امتنع مِن أكل الحيوان - زعَم - لظُلْمِه بالإيلام والذبح".
هذا؛ والشريعةُ الإسلامية قد حرَّمت القطعَ الدائم للنَّسْل، إلا في الحالات التي يُقرِّرها الطبيبُ الموثوقُ أنه يتعيَّن قطع النسل قطعًا مؤبَّدًا، وسيلةً إلى تلافي خطَرٍ داهم؛ فقد روى أبو داود والنسائي عن معقل بن يسارٍ رضي الله عنه، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني أصبتُ امرأةً ذات حسب وجمال وإنها لا تلد، أَفَأَتَزَوَّجه ا؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((لا))، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: ((تزوَّجوا الوَدود الوَلود، فإني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة))، إذًا فالولدُ مُرَغَّبٌ فيه شرعًا، ومحبَّب إلى النفوس طبعًا.
وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص يقول: ردَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتُّل، ولو أذن له لاختَصَيْنا.
وعلى هذا الشخص أن يَتَذَكَّر نِعَم الله عليه الكثيرة، التي مِن أعظمها نعمةُ الإنجاب، فكم من شخصٍ قد ابتلاه الله بالعقم يَتمنَّى أن يكونَ له ولدٌ، وما ذكرتَه من الأسباب ليستْ عذرًا لمنع الإنجاب، فلْيُحْسِن التوكُّل على الله، ويطرح عنه تلك الأفكار، وليَصْدُق مع الله، وسيحفظ الله ذريتَه، وليتأمَّلْ دائمًا الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((انظروا إلى مَن أسفل منكم، ولا تنظُروا إلى مَن هو فوقكم، فهو أجدرُ ألا تزدَرُوا نعمةَ الله)).
قال الإمامُ النوويُّ في شرح مسلم (18/ 97): "معنى أجدر: أحق، وتَزْدَرُوا: تحقروا، قال ابن جرير وغيره: هذا حديثٌ جامع لأنواعٍ مِن الخير؛ لأنَّ الإنسان إذا رأى مَن فُضِّل عليه في الدنيا طلبتْ نفسُه مثل ذلك، واستَصْغَر ما عنده مِن نعمة الله تعالى، وحرَص على الازدياد؛ ليلحقَ بذلك أو يُقاربه، هذا هو الموجودُ في غالب الناس، وأما إذا نَظَر في أمور الدنيا إلى مَن هو دونه فيها، ظَهَرَتْ له نعمةُ الله تعالى عليه؛ فشَكَرَها وتواضَع، وفَعَلَ فيه الخير".
أما مَن قطع نسله متعمِّدًا بغير ضرورة تُلجئه لذلك، فليس عليه كفارة محدَّدة، وإنما تجب عليه التوبةُ النصوح.
أسأل الله أن يُلهمنا رشدنا، وأن يُعيذَنا مِن شرور أنفسنا
رابط الموضوع: <h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
(<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)
? الملخص:
شابٌّ له صديق يُريد قَطْع نَسْلِه، عن طريق عمليةٍ جراحيةٍ.
? التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل هناك كفَّارة مُحدَّدة لِمَن قَطَع نسلَه عن طريق عملية تعقيم الذكور؟
لي صديقٌ يرى أنَّ إخراج الولد إلى هذه الدنيا جِناية عليه، وظُلم له، وعدم رأفةٍ به، ولأنه شخص غير جميل، ونحيل الجسم، وفاشل في حياته، ولا يقوى على حماية أية امرأة، ولا يستطيع تلبية الرغبة الجنسية لأية زوجة - قرَّر قَطْعَ نسله؛ امتثالًا لقول أبي العلاء المعري:
هذا جَناه أبي عليْ
يَ وَمَا جَنَيْتُ على أَحَدْ!
فأرجو منكم المشورة بارك الله فيكم
الجواب
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
عجيبٌ شأن هذا الإنسان الذي يسعى في قَطْع نسلِه مُتمثلًا بشعر أبي العلاء إمام التشاؤُم، الذي هو سوء ظن بالله، ويترك ما رغب فيه دينُنا الحنيف على كثرة الإنجاب!
فأشعار أبي العلاء يَظْهَرُ فيها الخبثُ والزندقة والإلحاد، حتى أسقطته مِن أعيُن أهل العلم؛ فلا عقلَ له ولا دين! قال ابن الجوزي كما في المنتظم (16/ 24): "وقد رأيتُ للمعرِّي كتابًا سماه: الفصول والغايات، يُعارض به السور والآيات، وهو كلامٌ في نهاية الرِّكَّة والبُرودة، فسبحان مَن أعمى بصرَه وبصيرته!".
وقال في تلبيس إبليس (ص: 100): "وأما أبو العلاء المعري فأشعارُه ظاهرةُ الإلحاد، وكان يُبالغ في عداوة الأنبياء، ولم يزلْ متخبِّطًا في تعثيره، خائفًا مِن القتل إلى أن مات بخُسرانه".
فهل يجوز الاحتجاجُ أخي الكريم بشعر مَن تواردتْ أقوال أهل العلم على ذمِّه، ونسبته إلى الزندقة والتشهير، ولو تأملتَه لأدركتَ ذلك:
هذا جَناهُ أبي عَلِيْ
يَ وما جَنَيْتُ على أَحَدْ؟!
فإنَّ معناه: أنَّ أباه بتزوُّجه لأمِّه أوقعه في هذه الدار، حتى صار بسبب ذلك إلى ما إليه صار، وهو لم يجنِ على أحدٍ بهذه الجناية! وهذا كلُّه كفرٌ وإلحاد قبَّحه الله؛ كما قال الحافظُ ابن كثير في البداية والنهاية (12/ 94)، وقال أيضًا (15/ 745): "الشاعر المشهورُ بالزندقة اللغوي...، وقال بعد إيراد بعض شعره: وهذا مِن قلة عقله، وعمى بصيرته...، وقد كان ذكيًّا ولم يكن زكيًّا، وله مصنفاتٌ كثيرة، أكثرُها في الشعر، وفي بعض أشعاره ما يدلُّ على زندقته وانحلاله مِن الدين، ومِن الناس مَن يعتذر عنه ويقول: إنه إنما كان يقول ذلك مُجونًا ولعبًا، ويقول بلسانِه ما ليس في قلبه، وقد كان باطنُه مسلمًا، قال ابن عقيل لما بلَغه: وما الذي ألجأه أن يقولَ في دار الإسلام ما يُكفِّره به الناس؟! قال: والمنافقون مع قلة عقلهم وعمَلهم أجودُ سياسة منه؛ لأنهم حافظوا على قَبائحهم في الدنيا وستَروها، وهذا أظْهَرَ الكفر الذي تسلَّط عليه به الناس وزَنْدَقُوه، والله يعلم أنَّ ظاهرَه كباطنه!
ومِن أشدِّ ما قيل فيه قولُ شيخ الإسلام ابن القيم في كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص: 157) في مَعرِض كلامه عن أرباب المقالات الذين طاش عقلُهم، ولم يفهموا حكمةَ إيلام الحيوان وذبحه، فقال: "وممن كان على هذا المذهب أعمى البصر والبصيرة، كلب معرة النعمان، المكنَّى بأبي العلاء المعري؛ فإنه امتنع مِن أكل الحيوان - زعَم - لظُلْمِه بالإيلام والذبح".
هذا؛ والشريعةُ الإسلامية قد حرَّمت القطعَ الدائم للنَّسْل، إلا في الحالات التي يُقرِّرها الطبيبُ الموثوقُ أنه يتعيَّن قطع النسل قطعًا مؤبَّدًا، وسيلةً إلى تلافي خطَرٍ داهم؛ فقد روى أبو داود والنسائي عن معقل بن يسارٍ رضي الله عنه، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني أصبتُ امرأةً ذات حسب وجمال وإنها لا تلد، أَفَأَتَزَوَّجه ا؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((لا))، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: ((تزوَّجوا الوَدود الوَلود، فإني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة))، إذًا فالولدُ مُرَغَّبٌ فيه شرعًا، ومحبَّب إلى النفوس طبعًا.
وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص يقول: ردَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتُّل، ولو أذن له لاختَصَيْنا.
وعلى هذا الشخص أن يَتَذَكَّر نِعَم الله عليه الكثيرة، التي مِن أعظمها نعمةُ الإنجاب، فكم من شخصٍ قد ابتلاه الله بالعقم يَتمنَّى أن يكونَ له ولدٌ، وما ذكرتَه من الأسباب ليستْ عذرًا لمنع الإنجاب، فلْيُحْسِن التوكُّل على الله، ويطرح عنه تلك الأفكار، وليَصْدُق مع الله، وسيحفظ الله ذريتَه، وليتأمَّلْ دائمًا الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((انظروا إلى مَن أسفل منكم، ولا تنظُروا إلى مَن هو فوقكم، فهو أجدرُ ألا تزدَرُوا نعمةَ الله)).
قال الإمامُ النوويُّ في شرح مسلم (18/ 97): "معنى أجدر: أحق، وتَزْدَرُوا: تحقروا، قال ابن جرير وغيره: هذا حديثٌ جامع لأنواعٍ مِن الخير؛ لأنَّ الإنسان إذا رأى مَن فُضِّل عليه في الدنيا طلبتْ نفسُه مثل ذلك، واستَصْغَر ما عنده مِن نعمة الله تعالى، وحرَص على الازدياد؛ ليلحقَ بذلك أو يُقاربه، هذا هو الموجودُ في غالب الناس، وأما إذا نَظَر في أمور الدنيا إلى مَن هو دونه فيها، ظَهَرَتْ له نعمةُ الله تعالى عليه؛ فشَكَرَها وتواضَع، وفَعَلَ فيه الخير".
أما مَن قطع نسله متعمِّدًا بغير ضرورة تُلجئه لذلك، فليس عليه كفارة محدَّدة، وإنما تجب عليه التوبةُ النصوح.
أسأل الله أن يُلهمنا رشدنا، وأن يُعيذَنا مِن شرور أنفسنا
رابط الموضوع: <h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
(<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)