فريق منتدى الدي في دي العربي
02-27-2016, 10:49 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
(( الإجهاض وحكمه في الإسلام ))
تعريف الإجهاض:
الإجهاض: إلقاء حمل ناقص الخلق بغير تمام، سواء من المرأة أو من غيرها.
والإجهاض بهذا الإطلاق يشمل ما لو كان الإجهاض بفعل فاعل أو كان تلقائيا.
وهو بهذا المعني يوافق اصطلاح الفقهاء في تعريف الإجهاض ولا يخرج عنه. وكثيرا ما يعبر الفقهاء وغيرهم عن الإجهاض بكلمة إسقاط، أو كلمة طرح أو إلقاء.
حكم الإجهاض:
أجمع الفقهاء على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح، أما قبل نفخ الروح فى الجنين، فإن لهم تفصيلات واختلافات بين الإباحة والكراهة والتحريم.
الإجهاض بعد نفخ الروح:
لا خلاف بين الفقهاء في أن الإجهاض بعد نفخ الروح حرام، لما فيه من إزهاق نفس محرمه بغير وجه حق.
ونفخ الروح كان يعرف عند الفقهاء قديما "أي في زمنهم" بالإحساس بالحمل، حيث لم تتوفر عندهم وفى زمانهم تلك الآلات الحديثة الموجودة في الساحة العلمية حتي يحكموا بوجود حياة أو عدمها في وقت مبكر.
الإجهاض بعد نفخ الروح دون عذر:
أجمع الفقهاء على أن الإجهاض بعد نفخ الروح فى الجنين حرام، وقد قدر العلماء مدة نفخ الروح حسب ما توفر لديهم من أساليب بأربعة أشهر، وقبل ذلك ما كان يعرف عندهم أن للجنين حياة.
وقد رتب الفقهاء للجنين في ذلك الوقت حرمة كحرمة الإحياء تماما بتمام، ففي المذهب الحنفي في كتاب البحر الرائق "امرأة حامل اعترض الولد في بطنها ولا يمكن إلا بقطعة إربا ولو لم يفعل يخاف على أمه من الموت فإن كان الولد ميتا في بطن أمه فلا بأس به، وأن كان حيا لايجوز لأن إحياء نفس بقتل نفس أخرى لم يرد في الشرع".
وجاء في الدر المختار وحاشية ابن عابدين الحنفي ما يلي: "حامل ماتت وولدها حي شق بطنها ويخرج ولدها، ولو بالعكس وخيف على الأم قطع وأخرج لو ميتا، وإلا فلا" ويعلق ابن عابدين على كلمة "ولو بالعكس" فيقول: بأن مات ولدها في بطنها وهي حية، وعلق على كلمة "والا فلا" فقال: "أي ولو كان حيا لايجوز تقطيعه لأن موت الأم موهوم فلا يجوز قبل آدمي حي لأمر موهوم".
والظاهر أن الحنفية يريدون بهذه النصوص ما لو كان الولد حيا حياة يستطيع أن يعيش إذا خرج إلى الوجود، أي لو كان مثلا في الشهر السادس أو ما بعد ذلك حتي أنه لا يضحي به في سبيل حياة الأم، ولهذا علق ابن عابدين على ذلك بقوله: "موت الأم موهوم بجانب قبل آدمي حي غير موهوم".
وعلق البحر الرائق قبله بقوله: "لايجوز إحياء نفس بقتل نفس أخري" وعلى هذا فهذه الآثار التي وردت عنهم ليست نصا في الموضوع، وإنما النص في الموضوع ما ورد عنهم في قول الكمال بن الهمام "لا يباح الإسقاط بعد الحمل إذا تخلق"، والمراد بالتخلق أن يكون فيه حياة وقد تصورت أعضاؤه.
رأى المالكية:
قال المالكية: الإجهاض بعد نفخ الروح هو حرام بلا خلاف لأنه قتل نفس حية حياة كاملة.
قال ابن العربي: للولد أحوال.. وذكر أحواله إلى أن قال: "فإذا نفخ فيه الروح فهو قتل نفس بلا خلاف" وفى شرح الدردير على مختصر خليل "إذا نفخ فى الجنين الروح حرم الإجهاض إجماعا".
وعلى هذا فالمالكية يحرمون الإجهاض بعد نفخ الروح بالإجماع ويعتبرونه قتل نفس حية بغير حق.
رأى الشافعية:
قرر فقهاء الشافعية أن الإجهاض بعد نفخ الروح حرام بإجماع الآراء يقول الرملي: "أما إذا نفخ الروح فى الجنين إلى الوضع فلاشك فى التحريم.. ولو كانت النطفة من زني فلو تركت حتي نفخ فيها الروح فلاشك فى التحريم".
وعلى هذا الغزالي من الشافعية والبجيرمي وفقهاء الشافعية.
رأى الحنابلة:
يقرر علماء الحنابلة حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح فيه... يقول أبن قدامه في المغني "من ضرب بطن امرأة فألقت جنينا وفي الحامل إذا شربت دواء فألقت جنينا، إن على كل واحد منهما كفارة وغرة".
وقول الحنابلة بوجوب الكفارة يستلزم حرمة الفعل وترتب الإثم عليه، ويقتضي هذا الكفارة للتوبة من هذا الإثم، والغرة التي هي الدية تعويضا عن الحي الذي فقد حياته، وقد قرر هذا المعني ابن عقيل في الإنصاف وفى الفروع ليدلل على أن نفخ الروح في الجنين يحرم الإسقاط والتعرض لهذا الجنين".
الإجهاض قبل نفخ الروح:
من المعروف أن الفقهاء كانوا لايعرفون نفخ الروح والاستدلال على حياة الجنين إلا بتحركه والإحساس به في بطن الأم فلم تكن عندهم مناظير وآلات رصد وتصوير حتي يستطيعوا بها معرفة الحياة المتقدمة.
ولهذا فقد بني بعضهم حرمة الإجهاض في المراحل الأولي المتقدمة للحمل على حرمة وكرامة البذرة الآدمية حتي قبل التخلق، أما البعض الآخر فقد قال بالحرمة عند التخلق ولو قبل نفخ الروح، وقال بعض آخر منهم بكراهة ذلك في النطفة بعد الاستقرار لأنها آيلة للتخلق المهيأ لنفخ الروح وبالحرمة عند التخلق.
وقال جماعة منهم بالإباحة لعذر والكراهة عند انعدام العذر، وقال بعض منهم بالإباحة مطلقا قبل نفخ الروح.
والذي يظهر من كلام الفقهاء ويدور عليه محور الحل والحرمة في هذه المرحلة، هو حرمة البذرة الآدمية أو عدم حرمتها قبل التخلق، أما بعد التخلق فتتجه الآراء إلى حرمته قبل نفخ الروح.
رأى الحنفية:
للحنفية رأيان في هذه المسألة:
الأول: إباحته قبل أن يستبين شيء من خلقه. يقول الكمال بن الهمام في كتابه فتح القدير "يباح الإسقاط بعد الحمل ما لم يتخلق شيء منه" ويقول ابن نجيم المصري في كتابه البحر الرائق "امرأة عالجت في إسقاط ولدها لا تأثم ما لم يستبن شيء من خلقه" وقد أيد هذا ابن عابدين في حاشيته.
الثاني: يحرم الإجهاض قبل نفخ الروح بغير عذر فقد نقل عن الخانية ذلك وقد علل ذلك بأنه بذرة محترمة، ثم قالوا إن المحرم لو كسر بيض الصيد ضمنه، لأنه أصل الصيد، فلما كان يؤاخذه بالجزاء فلا أقل من أن يلحقها أثم هنا إذا أسقطت جنينها بغير عذر.
وكان هناك جملة من فقهاء الحنفية يحرمون ذلك ولا يبيحونه، ومن هؤلاء الفقيه علي بن موسي إمام الحنفية في عصره، حيث يقول: أنه يكره الإسقاط، ويعلل ذلك فيقول: "فإن الماء بعد ما وقع في الرحم مآله الحياة فيكون له حكم الحياة كما في بيضة صيد الحرم".
وقد قررت مثل ذلك الظهيرية.
قال ابن وهبان فقيه دمشق وقاضي حماه الحنفي: الإسقاط للبذرة الأولي محمول على حالة العذر، ونفي الإثم فى هذه الحالة محمول على أنه لا تأثم إثم القتل.
رأى المالكية:
مال المالكية فى الإسقاط والإجهاض قبل نفخ الروح إلى التشدد، فمنعوا ذلك ولو قبل الأربعين يوما على ما هو المعتمد فى المذهب عندهم.
جاء في كتاب الشرح الكبير: "لايجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما" وعلق الدسوقي في حاشيته على ذلك فقال: هذا هو المعتمد. وهذا يفيد أن المقصود من قولهم هو الحرمة وعدم الجواز.
وفى حاشية الرهوني على شرح الزرقاني أن للولد أحوالا: حالة قبل الوجود ينقطع فيها بالعزل وهو جائز، وحالة بعد قبض الرحم على المني فلا يجوز لأحد التعرض له بالقطع من التولد كما يفعله السفلة من سقي الخدم عند استمساك الطمث بالأدوية التي ترخية فيسيل المني معه فتنقطع الولادة.
وحالة بعد تخلقه قبل إن ينفخ فيه الروح وهذا أمثل في التحريم لما فى الأثر الذي رواه ابن ماجه وأحمد عن على قال: "إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته".
ونقل الرهوني عن المعيار: المنصوص لأئمتنا المنع من استعمال ما يبرئ الرحم أو يستخرج ما فيه من مني وعليه المحصلون والنظار، وقال الجزولي: "لا يجوز لإنسان أن يشرب من الأدوية ما يقلل نسله ونحوه" وقال العز بن عبد السلام: "لايجوز للمرأة أن تستعمل ما يفسد القوة التي بها يتأتي الحمل".
وقال ابن رشد: "واختلفوا في الخلقة التي توجب الغرة" فقال مالك: "كل ما طرحته من مضغة أو علقة مما يعلم أنه ولد ففيه الغرة".
ومن هذا يعلم أن المعتمد عند المالكية حرمة الإسقاط في أي طور كان، بل حرمة إخراج المني بل حرمة تناول ما يمنع التخلق ويفسد القوة التي يحصل بها الحمل، وأوجبوا الغرة التي هي دية الجنين على من طرح ما في بطن الأنثى من مضغة أو علقة.
رأى الشافعية:
للشافعية في الإجهاض قبل الأربعين رأيان:
الأول: لا يثبت لها حق السقط
الثاني: التحريم
قال البجيرمي "اختلفوا في جواز التسبب إلى إلقاء النطفة بعد استقرارها في الرحم" فقال أبو إسحاق المروزي يجوز إلقاء النطفة والعلقة ونقل ذلك عن أبي حنيفة ونقل في الأحياء عن الغزالي في مبحث العزل ما يدل على التحريم وقال وهو الأوجه، لأن النطفة بعد الاستقرار آيلة إلى التخلق المهيأ لنفخ الروح.
وفى نهاية المحتاج اختلف أهل العلم في النطفة قبل تمام الأربعين يوما على قولين: قيل لا يثبت لها حكم السقط والوأد وقيل لها حرمة ولا يباح إفسادها ولا التسبب فى إخراجها بعد الاستقرار فى الرحم.
هذا وقد بلور الغزالي رأى الشافعية الأوجه كما قال البجيرمي وعلل له وبينه فقال: الإستجهاض والوأد جناية على موجود حاصل. فأول مراتب الوجود وقوع النطفة في الرحم فيختلط بماء المرأة فإفسادها جناية على موجود فإن صارت علقة أو مضغة فالجناية أفحش، فإن نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشا.
وعلى هذا يعلم أن الرأي الأوجه في مذهب الأمام الشافعي والذي يميل إليه البجيرمي ويقرره الغزالي ويقطع به هو الرحمة لإخراج النطفة قبل نفخ الروح فيها قبل الأربعين يوما، أما بعد الأربعين فلا خلاف في الحرمة وقد أوضح ذلك كتاب نهاية المحتاج.
رأى الحنابلة:
يميل الحنابلة إلى إباحة إلقاء النطفة قبل الأربعين يوما فجاء فى كتاب الفروع "يجوز شرب الدواء المباح لإلقاء نطفة" وفى كتاب الإنصاف "يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة" وفى غاية المنتهي "لرجل شرب دواء مباح ليمنع الجماع، ولأنثي شربه لإلقاء نطفة لا علقة".
ولكن ابن قدامة الحنبلي يرتب وجوب الكفارة على الإجهاض عموما مما يشير إلى أنه لا يبيحه ولو قبل الأربعين يوما فيقول في ذلك "من ضرب بطن امرأة فألقت جنينا، وفى الحامل إذا شربت دواء فألقت جنينا، أن على كل منهما كفارة وغرة" والحكم بوجوب الكفارة يقتضي الإثم الذي لا يرفع الإ بالكفارة والإثم لا يكون إلا من فعل شيء محظور شرعا أو من ترك واجب.
وعلى هذا يعلم أن عند الحنابلة رأيين في الإجهاض قبل الأربعين يوما، رأى بالإباحة ورأى آخر بعدم الإباحة، وهو الذي أخذ به ابن قدامة الحنبلي.
والخلاصة من كل ما سبق:
أن فقهاء المذاهب الأربعة قد تكلموا فى الإجهاض قبل نفخ الروح وبعده، وقبل الأربعين وبعد الأربعين. والذي يتحصل من كلامهم أن الإجهاض بعد الأربعين محرم أما قبل الأربعين فقد قالت المالكية رأىا واحدا في المسألة وهو الحرمة لأن النطفة حياة أو أصل حياة محترمة. فكل ما يضر بتلك النطفة حرام بل كل ما يمنع نموها أو تأديتها لمهمتها وهي إخراج الإنسان حرام وقد وضح ذلك في رأى فقائهم في منع شرب ما يسقط النطفة، أو يسقط الماء المتكون في الرحم.
وللمذهب في إلقاء ما في الرحم قبل الأربعين يوما رأيا كما قدمنا.
وقد مال أغلبهم إلى حرمة ذلك. ومن قال بالجواز بني رأية على أنه ليس في الجنين حياة، أما إذا ثبت أن في الجنين حياة قبل الأربعين فلا أظن أن هناك رأيا واحدا يقول بغير الحرمة، لأن الحياة محترمة عند الجميع وعليها مدار الحل والحرمة كما قدمنا.
الإجهاض لعذر:
أجاز بعض الفقهاء الإجهاض لعذر فإذا كان قبل نفخ الروح فالميل إليه أقوي وأرجح، ومن الأعذار التي تبيح الإجهاض الخوف على حياة الأم، أو كون النطفة من زني على رأى بعضهم ويكون من الأعذار كذلك إذا تأكد أن الجنين سيخرج مشوها مثلا لمرض الأم أو أي سبب آخر من ذلك قول الرملي في نهاية المحتاج: "لو كانت النطفة من زني فقد يتخيل الجواز" أي ـ الإجهاض ـ فلو تركت حتي نفخ فيها الروح فلاشك في التحريم".
أما إذا كان الإجهاض بعد نفخ الروح لعذر مثلا كالخوف على حياة الأم فإن الحنفية لا تبيح ذلك فقد نقل ابن عابدين في حاشيته قوله: "لو كان الجنين حيا ويخشي على حياة الأم من بقائه فأنه لايجوز تقطيعه لأن موت الأم موهوم فلا يجوز قتل آدمي لأمر موهوم".
والظاهر أن الحنفية يريدون بذلك دفع قتل الأجنة لمجرد الظن بأن الأم ستتضرر من ذلك أو يخشي على حياتها. ولكن إذا كان الأمر مؤكدا فظاهر كلامهم لا يمنع إخراج الجنين إذا تأكد موت الأم.
هذا وقد صرح الفقهاء بالإجهاض المبكر لإنقاذ حياة الأم أو حياة الجنين إذا ماتت الأم وفى بطنها جنين حي. من ذلك ما جاء في المجموع للنووي "إن ماتت امرأة وفى جوفها جنين حي شق جوفها وأخرج مطلقا على ما صرح به ابن سريج" وقال بعض الأصحاب بل يعرض على القوابل فإن قلن إن هذا الولد إذا خرج يرجي حياته وهو أن يكون له ستة أشهر فصاعدا شق جوفها وأخرج، وان قلن لا يرجى بأن يكون له دون ستة أشهر لم يشق لأنه لايعني لانتهاك حرمتها فيما لا فائدة فيه قال الماوردي: وقول ابن سريج هو قول أبي حنيفة وأكثر الفقهاء، وقد استنكر النووي صاحب المجموع قتل حي معصوم وان كان ميئوسا من حياته فعلي هذا يري النووي إخراجه وإن كان ميئوسا من حياته لعله ترجي فيه الحياة.
وعلى هذا لايجوز إخراج أو إجهاض الجنين بعد نفخ الروح فيه بأي حال من الأحوال إلا إذا تأكد أن في بقائه موت الأم المحقق أما ما دون ذلك من الأعذار فلم يقل به فقيه أو محقق.
الخلاصة:
ويستخلص مما سبق من آراء الققهاء السابقين أن الإجهاض بعد نفخ الروح حرام بالإجماع بدون عذر، فإن كان هناك عذر قاهر كتحقق بموت الأم إذا بقي الجنين في بطنها فقد أجاز العلماء ذلك.
وأما في الإجهاض قبل نفخ الروح فمنهم من حرم ذلك بإطلاق أو كرهه، ومنهم من حرمه بعد الأربعين يوما وهو رأى أقوي، ومنهم من أجازه قبل الأربعين. وقد أجاز بعض العلماء إسقاط الجنين قبل الأربعين وقبل التخلق لبعض الأعذار منها: الخوف على حياة الأم ومنها كون النطفة من زني، ومنها التأكد من تشويه الجنين.
وروح الفقه الإسلامي وما يستخلص من كلام الأمة يوحي بأن الجنين حي من بداية الحمل أن حياته محترمة في كافة أدوارها خاصة بعد نفخ الروح، وأنه لا يجوز الاعتداء عليه بالإسقاط إلا لضرورة قصوى ظهرت من كلام الفقهاء في ذلك والله ولي التوفيق،،،،،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين .
منقول.
******
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
(( الإجهاض وحكمه في الإسلام ))
تعريف الإجهاض:
الإجهاض: إلقاء حمل ناقص الخلق بغير تمام، سواء من المرأة أو من غيرها.
والإجهاض بهذا الإطلاق يشمل ما لو كان الإجهاض بفعل فاعل أو كان تلقائيا.
وهو بهذا المعني يوافق اصطلاح الفقهاء في تعريف الإجهاض ولا يخرج عنه. وكثيرا ما يعبر الفقهاء وغيرهم عن الإجهاض بكلمة إسقاط، أو كلمة طرح أو إلقاء.
حكم الإجهاض:
أجمع الفقهاء على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح، أما قبل نفخ الروح فى الجنين، فإن لهم تفصيلات واختلافات بين الإباحة والكراهة والتحريم.
الإجهاض بعد نفخ الروح:
لا خلاف بين الفقهاء في أن الإجهاض بعد نفخ الروح حرام، لما فيه من إزهاق نفس محرمه بغير وجه حق.
ونفخ الروح كان يعرف عند الفقهاء قديما "أي في زمنهم" بالإحساس بالحمل، حيث لم تتوفر عندهم وفى زمانهم تلك الآلات الحديثة الموجودة في الساحة العلمية حتي يحكموا بوجود حياة أو عدمها في وقت مبكر.
الإجهاض بعد نفخ الروح دون عذر:
أجمع الفقهاء على أن الإجهاض بعد نفخ الروح فى الجنين حرام، وقد قدر العلماء مدة نفخ الروح حسب ما توفر لديهم من أساليب بأربعة أشهر، وقبل ذلك ما كان يعرف عندهم أن للجنين حياة.
وقد رتب الفقهاء للجنين في ذلك الوقت حرمة كحرمة الإحياء تماما بتمام، ففي المذهب الحنفي في كتاب البحر الرائق "امرأة حامل اعترض الولد في بطنها ولا يمكن إلا بقطعة إربا ولو لم يفعل يخاف على أمه من الموت فإن كان الولد ميتا في بطن أمه فلا بأس به، وأن كان حيا لايجوز لأن إحياء نفس بقتل نفس أخرى لم يرد في الشرع".
وجاء في الدر المختار وحاشية ابن عابدين الحنفي ما يلي: "حامل ماتت وولدها حي شق بطنها ويخرج ولدها، ولو بالعكس وخيف على الأم قطع وأخرج لو ميتا، وإلا فلا" ويعلق ابن عابدين على كلمة "ولو بالعكس" فيقول: بأن مات ولدها في بطنها وهي حية، وعلق على كلمة "والا فلا" فقال: "أي ولو كان حيا لايجوز تقطيعه لأن موت الأم موهوم فلا يجوز قبل آدمي حي لأمر موهوم".
والظاهر أن الحنفية يريدون بهذه النصوص ما لو كان الولد حيا حياة يستطيع أن يعيش إذا خرج إلى الوجود، أي لو كان مثلا في الشهر السادس أو ما بعد ذلك حتي أنه لا يضحي به في سبيل حياة الأم، ولهذا علق ابن عابدين على ذلك بقوله: "موت الأم موهوم بجانب قبل آدمي حي غير موهوم".
وعلق البحر الرائق قبله بقوله: "لايجوز إحياء نفس بقتل نفس أخري" وعلى هذا فهذه الآثار التي وردت عنهم ليست نصا في الموضوع، وإنما النص في الموضوع ما ورد عنهم في قول الكمال بن الهمام "لا يباح الإسقاط بعد الحمل إذا تخلق"، والمراد بالتخلق أن يكون فيه حياة وقد تصورت أعضاؤه.
رأى المالكية:
قال المالكية: الإجهاض بعد نفخ الروح هو حرام بلا خلاف لأنه قتل نفس حية حياة كاملة.
قال ابن العربي: للولد أحوال.. وذكر أحواله إلى أن قال: "فإذا نفخ فيه الروح فهو قتل نفس بلا خلاف" وفى شرح الدردير على مختصر خليل "إذا نفخ فى الجنين الروح حرم الإجهاض إجماعا".
وعلى هذا فالمالكية يحرمون الإجهاض بعد نفخ الروح بالإجماع ويعتبرونه قتل نفس حية بغير حق.
رأى الشافعية:
قرر فقهاء الشافعية أن الإجهاض بعد نفخ الروح حرام بإجماع الآراء يقول الرملي: "أما إذا نفخ الروح فى الجنين إلى الوضع فلاشك فى التحريم.. ولو كانت النطفة من زني فلو تركت حتي نفخ فيها الروح فلاشك فى التحريم".
وعلى هذا الغزالي من الشافعية والبجيرمي وفقهاء الشافعية.
رأى الحنابلة:
يقرر علماء الحنابلة حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح فيه... يقول أبن قدامه في المغني "من ضرب بطن امرأة فألقت جنينا وفي الحامل إذا شربت دواء فألقت جنينا، إن على كل واحد منهما كفارة وغرة".
وقول الحنابلة بوجوب الكفارة يستلزم حرمة الفعل وترتب الإثم عليه، ويقتضي هذا الكفارة للتوبة من هذا الإثم، والغرة التي هي الدية تعويضا عن الحي الذي فقد حياته، وقد قرر هذا المعني ابن عقيل في الإنصاف وفى الفروع ليدلل على أن نفخ الروح في الجنين يحرم الإسقاط والتعرض لهذا الجنين".
الإجهاض قبل نفخ الروح:
من المعروف أن الفقهاء كانوا لايعرفون نفخ الروح والاستدلال على حياة الجنين إلا بتحركه والإحساس به في بطن الأم فلم تكن عندهم مناظير وآلات رصد وتصوير حتي يستطيعوا بها معرفة الحياة المتقدمة.
ولهذا فقد بني بعضهم حرمة الإجهاض في المراحل الأولي المتقدمة للحمل على حرمة وكرامة البذرة الآدمية حتي قبل التخلق، أما البعض الآخر فقد قال بالحرمة عند التخلق ولو قبل نفخ الروح، وقال بعض آخر منهم بكراهة ذلك في النطفة بعد الاستقرار لأنها آيلة للتخلق المهيأ لنفخ الروح وبالحرمة عند التخلق.
وقال جماعة منهم بالإباحة لعذر والكراهة عند انعدام العذر، وقال بعض منهم بالإباحة مطلقا قبل نفخ الروح.
والذي يظهر من كلام الفقهاء ويدور عليه محور الحل والحرمة في هذه المرحلة، هو حرمة البذرة الآدمية أو عدم حرمتها قبل التخلق، أما بعد التخلق فتتجه الآراء إلى حرمته قبل نفخ الروح.
رأى الحنفية:
للحنفية رأيان في هذه المسألة:
الأول: إباحته قبل أن يستبين شيء من خلقه. يقول الكمال بن الهمام في كتابه فتح القدير "يباح الإسقاط بعد الحمل ما لم يتخلق شيء منه" ويقول ابن نجيم المصري في كتابه البحر الرائق "امرأة عالجت في إسقاط ولدها لا تأثم ما لم يستبن شيء من خلقه" وقد أيد هذا ابن عابدين في حاشيته.
الثاني: يحرم الإجهاض قبل نفخ الروح بغير عذر فقد نقل عن الخانية ذلك وقد علل ذلك بأنه بذرة محترمة، ثم قالوا إن المحرم لو كسر بيض الصيد ضمنه، لأنه أصل الصيد، فلما كان يؤاخذه بالجزاء فلا أقل من أن يلحقها أثم هنا إذا أسقطت جنينها بغير عذر.
وكان هناك جملة من فقهاء الحنفية يحرمون ذلك ولا يبيحونه، ومن هؤلاء الفقيه علي بن موسي إمام الحنفية في عصره، حيث يقول: أنه يكره الإسقاط، ويعلل ذلك فيقول: "فإن الماء بعد ما وقع في الرحم مآله الحياة فيكون له حكم الحياة كما في بيضة صيد الحرم".
وقد قررت مثل ذلك الظهيرية.
قال ابن وهبان فقيه دمشق وقاضي حماه الحنفي: الإسقاط للبذرة الأولي محمول على حالة العذر، ونفي الإثم فى هذه الحالة محمول على أنه لا تأثم إثم القتل.
رأى المالكية:
مال المالكية فى الإسقاط والإجهاض قبل نفخ الروح إلى التشدد، فمنعوا ذلك ولو قبل الأربعين يوما على ما هو المعتمد فى المذهب عندهم.
جاء في كتاب الشرح الكبير: "لايجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما" وعلق الدسوقي في حاشيته على ذلك فقال: هذا هو المعتمد. وهذا يفيد أن المقصود من قولهم هو الحرمة وعدم الجواز.
وفى حاشية الرهوني على شرح الزرقاني أن للولد أحوالا: حالة قبل الوجود ينقطع فيها بالعزل وهو جائز، وحالة بعد قبض الرحم على المني فلا يجوز لأحد التعرض له بالقطع من التولد كما يفعله السفلة من سقي الخدم عند استمساك الطمث بالأدوية التي ترخية فيسيل المني معه فتنقطع الولادة.
وحالة بعد تخلقه قبل إن ينفخ فيه الروح وهذا أمثل في التحريم لما فى الأثر الذي رواه ابن ماجه وأحمد عن على قال: "إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته".
ونقل الرهوني عن المعيار: المنصوص لأئمتنا المنع من استعمال ما يبرئ الرحم أو يستخرج ما فيه من مني وعليه المحصلون والنظار، وقال الجزولي: "لا يجوز لإنسان أن يشرب من الأدوية ما يقلل نسله ونحوه" وقال العز بن عبد السلام: "لايجوز للمرأة أن تستعمل ما يفسد القوة التي بها يتأتي الحمل".
وقال ابن رشد: "واختلفوا في الخلقة التي توجب الغرة" فقال مالك: "كل ما طرحته من مضغة أو علقة مما يعلم أنه ولد ففيه الغرة".
ومن هذا يعلم أن المعتمد عند المالكية حرمة الإسقاط في أي طور كان، بل حرمة إخراج المني بل حرمة تناول ما يمنع التخلق ويفسد القوة التي يحصل بها الحمل، وأوجبوا الغرة التي هي دية الجنين على من طرح ما في بطن الأنثى من مضغة أو علقة.
رأى الشافعية:
للشافعية في الإجهاض قبل الأربعين رأيان:
الأول: لا يثبت لها حق السقط
الثاني: التحريم
قال البجيرمي "اختلفوا في جواز التسبب إلى إلقاء النطفة بعد استقرارها في الرحم" فقال أبو إسحاق المروزي يجوز إلقاء النطفة والعلقة ونقل ذلك عن أبي حنيفة ونقل في الأحياء عن الغزالي في مبحث العزل ما يدل على التحريم وقال وهو الأوجه، لأن النطفة بعد الاستقرار آيلة إلى التخلق المهيأ لنفخ الروح.
وفى نهاية المحتاج اختلف أهل العلم في النطفة قبل تمام الأربعين يوما على قولين: قيل لا يثبت لها حكم السقط والوأد وقيل لها حرمة ولا يباح إفسادها ولا التسبب فى إخراجها بعد الاستقرار فى الرحم.
هذا وقد بلور الغزالي رأى الشافعية الأوجه كما قال البجيرمي وعلل له وبينه فقال: الإستجهاض والوأد جناية على موجود حاصل. فأول مراتب الوجود وقوع النطفة في الرحم فيختلط بماء المرأة فإفسادها جناية على موجود فإن صارت علقة أو مضغة فالجناية أفحش، فإن نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشا.
وعلى هذا يعلم أن الرأي الأوجه في مذهب الأمام الشافعي والذي يميل إليه البجيرمي ويقرره الغزالي ويقطع به هو الرحمة لإخراج النطفة قبل نفخ الروح فيها قبل الأربعين يوما، أما بعد الأربعين فلا خلاف في الحرمة وقد أوضح ذلك كتاب نهاية المحتاج.
رأى الحنابلة:
يميل الحنابلة إلى إباحة إلقاء النطفة قبل الأربعين يوما فجاء فى كتاب الفروع "يجوز شرب الدواء المباح لإلقاء نطفة" وفى كتاب الإنصاف "يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة" وفى غاية المنتهي "لرجل شرب دواء مباح ليمنع الجماع، ولأنثي شربه لإلقاء نطفة لا علقة".
ولكن ابن قدامة الحنبلي يرتب وجوب الكفارة على الإجهاض عموما مما يشير إلى أنه لا يبيحه ولو قبل الأربعين يوما فيقول في ذلك "من ضرب بطن امرأة فألقت جنينا، وفى الحامل إذا شربت دواء فألقت جنينا، أن على كل منهما كفارة وغرة" والحكم بوجوب الكفارة يقتضي الإثم الذي لا يرفع الإ بالكفارة والإثم لا يكون إلا من فعل شيء محظور شرعا أو من ترك واجب.
وعلى هذا يعلم أن عند الحنابلة رأيين في الإجهاض قبل الأربعين يوما، رأى بالإباحة ورأى آخر بعدم الإباحة، وهو الذي أخذ به ابن قدامة الحنبلي.
والخلاصة من كل ما سبق:
أن فقهاء المذاهب الأربعة قد تكلموا فى الإجهاض قبل نفخ الروح وبعده، وقبل الأربعين وبعد الأربعين. والذي يتحصل من كلامهم أن الإجهاض بعد الأربعين محرم أما قبل الأربعين فقد قالت المالكية رأىا واحدا في المسألة وهو الحرمة لأن النطفة حياة أو أصل حياة محترمة. فكل ما يضر بتلك النطفة حرام بل كل ما يمنع نموها أو تأديتها لمهمتها وهي إخراج الإنسان حرام وقد وضح ذلك في رأى فقائهم في منع شرب ما يسقط النطفة، أو يسقط الماء المتكون في الرحم.
وللمذهب في إلقاء ما في الرحم قبل الأربعين يوما رأيا كما قدمنا.
وقد مال أغلبهم إلى حرمة ذلك. ومن قال بالجواز بني رأية على أنه ليس في الجنين حياة، أما إذا ثبت أن في الجنين حياة قبل الأربعين فلا أظن أن هناك رأيا واحدا يقول بغير الحرمة، لأن الحياة محترمة عند الجميع وعليها مدار الحل والحرمة كما قدمنا.
الإجهاض لعذر:
أجاز بعض الفقهاء الإجهاض لعذر فإذا كان قبل نفخ الروح فالميل إليه أقوي وأرجح، ومن الأعذار التي تبيح الإجهاض الخوف على حياة الأم، أو كون النطفة من زني على رأى بعضهم ويكون من الأعذار كذلك إذا تأكد أن الجنين سيخرج مشوها مثلا لمرض الأم أو أي سبب آخر من ذلك قول الرملي في نهاية المحتاج: "لو كانت النطفة من زني فقد يتخيل الجواز" أي ـ الإجهاض ـ فلو تركت حتي نفخ فيها الروح فلاشك في التحريم".
أما إذا كان الإجهاض بعد نفخ الروح لعذر مثلا كالخوف على حياة الأم فإن الحنفية لا تبيح ذلك فقد نقل ابن عابدين في حاشيته قوله: "لو كان الجنين حيا ويخشي على حياة الأم من بقائه فأنه لايجوز تقطيعه لأن موت الأم موهوم فلا يجوز قتل آدمي لأمر موهوم".
والظاهر أن الحنفية يريدون بذلك دفع قتل الأجنة لمجرد الظن بأن الأم ستتضرر من ذلك أو يخشي على حياتها. ولكن إذا كان الأمر مؤكدا فظاهر كلامهم لا يمنع إخراج الجنين إذا تأكد موت الأم.
هذا وقد صرح الفقهاء بالإجهاض المبكر لإنقاذ حياة الأم أو حياة الجنين إذا ماتت الأم وفى بطنها جنين حي. من ذلك ما جاء في المجموع للنووي "إن ماتت امرأة وفى جوفها جنين حي شق جوفها وأخرج مطلقا على ما صرح به ابن سريج" وقال بعض الأصحاب بل يعرض على القوابل فإن قلن إن هذا الولد إذا خرج يرجي حياته وهو أن يكون له ستة أشهر فصاعدا شق جوفها وأخرج، وان قلن لا يرجى بأن يكون له دون ستة أشهر لم يشق لأنه لايعني لانتهاك حرمتها فيما لا فائدة فيه قال الماوردي: وقول ابن سريج هو قول أبي حنيفة وأكثر الفقهاء، وقد استنكر النووي صاحب المجموع قتل حي معصوم وان كان ميئوسا من حياته فعلي هذا يري النووي إخراجه وإن كان ميئوسا من حياته لعله ترجي فيه الحياة.
وعلى هذا لايجوز إخراج أو إجهاض الجنين بعد نفخ الروح فيه بأي حال من الأحوال إلا إذا تأكد أن في بقائه موت الأم المحقق أما ما دون ذلك من الأعذار فلم يقل به فقيه أو محقق.
الخلاصة:
ويستخلص مما سبق من آراء الققهاء السابقين أن الإجهاض بعد نفخ الروح حرام بالإجماع بدون عذر، فإن كان هناك عذر قاهر كتحقق بموت الأم إذا بقي الجنين في بطنها فقد أجاز العلماء ذلك.
وأما في الإجهاض قبل نفخ الروح فمنهم من حرم ذلك بإطلاق أو كرهه، ومنهم من حرمه بعد الأربعين يوما وهو رأى أقوي، ومنهم من أجازه قبل الأربعين. وقد أجاز بعض العلماء إسقاط الجنين قبل الأربعين وقبل التخلق لبعض الأعذار منها: الخوف على حياة الأم ومنها كون النطفة من زني، ومنها التأكد من تشويه الجنين.
وروح الفقه الإسلامي وما يستخلص من كلام الأمة يوحي بأن الجنين حي من بداية الحمل أن حياته محترمة في كافة أدوارها خاصة بعد نفخ الروح، وأنه لا يجوز الاعتداء عليه بالإسقاط إلا لضرورة قصوى ظهرت من كلام الفقهاء في ذلك والله ولي التوفيق،،،،،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين .
منقول.
******