فريق منتدى الدي في دي العربي
11-16-2017, 06:43 AM
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ، فهذه مقتطفات من بحث كنت قد كتبته أثناء بزوغ نجم ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية ، في بيان أهم ما ينقض دعوى دولتهم بخلافة المسلمين وهو تخلف شرط التمكين ، وهو أصل ينهدم بفواته بنيان الدعوى من جذورها بحيث لم يعد يُحتاج بعده للنظر في صحة إمامة الخوارج أو في كون خلافتهم قامت بشورى أو تخلفت عنها أو غير ذلك من الأمور الفرعية التي استدل بها البعض على بطلان تلك الدعوى والتي ربما كان لها مجال معتبر فيما لو كان ثم حقيقة واقعية لتلك الدعوى لا أنها مجرد إعلان مفرغ من جوهره دعوى خالية عن وجود .
وبيان هذا الفراغ والخلو عن الوجود الواقعي يتمثل في بيان موضع التمكين وحده في الشرع المعتبر في تصحيح ذلك المفهوم الشرعي الشريف الذي بشر به نبينا صلى الله عليه وسلم ( مفهوم الخلافة )
واليوم وبعد أفول نجم هذا التنظيم وما حل بالمسلمين وديارهم جراء جهل القوم وظلمهم ، رأيت أن لا بأس بنشر مقتطفات من ذلك البحث في ذلك المنتدى الكريم إثراء للبحث بمشاركاتكم الكريمة ورجاء أن يحسم هذا الباب ولا يزعم بعد اليوم إلا بحقه والله المستعان .
هذا وقد اطلعت على أبحاث لبعض أهل العلم وطلبته تناولت هذا المحبث خاصة وقد استفدت من بعضها ، غير أني أحببت تناوله بشئ من التفصيل المتضمن للرد على كل ما أثير من شبهات حول عدم اشتراط التمكين الشرعي لهذا المفهوم الإسلامي الشريف ، راجيا بذلك أن أكون بذلك قد أزلت لبسا عن مفهوم عظيم من مفاهيم ديننا ، ونزهته عن تصور ساذج لا يليق أبدا بحكمة إسلامنا العظيم .
وسوف أورد إن شاء الله تلك المقتطفات في حلقات ، أذكر في كل حلقة وجهاً من أوجه بطلان إمامة من لا سلطان له على ديار المسلمين ، والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه ذابا للنار عن وجهي وأن يغفر سبحانه لي ما اعتراه من زلل في المضمون أو خلل في القصد ، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به هو حسبي ونعم الوكيل .
تمهيد هام للوقوف على حقيقة منصب الإمامة وأصل وضعه في الشرع الحكيم
إن الله عز وجل شرف نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بأن ختم به رسله وأنبياءه فجعله النبي الخاتم ونسخ بشرعه له صلى الله عليه وسلم الشرائع من قبله ، فانقطع الوحي بموته صلى الله عليه وسلم ، وصار الإسلام هو دين الله في الذي ستقوم عليه الساعة ، وصار شرعه هو خطاب الله لعبيده وسلطانه الشرعي فوقهم حتى قيام الساعة ، ولأجل تحقق هذا الأمر اقتضت حكمة الله شرع بعض الأحكام التي يحفظ الله بها دينه وديمومة سلطانه الشرعي في أرضه سبحانه ، ذلك السلطان الذي كانت فيه المحنة وحصل فيه الابتلاء من الله تعالى لعبيده ، فمن مؤمن بحمده بالغيب ومن أعمىً كافرٍ بحمده سبحانه جاحد لسلطانه الشرعي ، نسأل الله أن يجعلنا من عباده الحامدين له سبحانه العارفين بقدره الشاكرين لنعمه ..
وكان من تلك الشرائع التي قضاها الله بحكمته لحفظ دينه أن وجه الخطاب في أوامره التي تحتاج لسلطان في إقامتها لعموم الأمة ، فخاطب بصيغ الجمع " اقطعوا " و" اجلدوا " و" قاتلوا " كلها بصيغ العموم ليبقى أمر التعبد في تلك الأمور قائما في حق مجموع العبيد كما هو شأنه في " أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " فتكون مسئولية إقامة شرع الله ودينه في الأرض هي عبادة في حق عموم الناس كما في الصلاة والصوم والزكاه ، ومعلوم أن القدرة مناط التكليف فمن لم يجد ماء تيمم ، ومن شق عليه الصلاة قائما جلس ، ومن عجز عن الصوم قضى أو فدى ... وهكذا في جميع أوامر الشرع ، منوطة بالقدرة والله لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وليس هذا مقتصرا فقط على الشعائر البدنية فحسب بل في كل أمور الدين ، ومن ذلك أمر الله تعالى بتلك الحدود ونحوها مما أمر الله به عباده بنفس خطابه سبحانه لهم بالصلاة والزكاة ، غير أن القدرة المرعية هنا لتحصيل تلك الأوامر من الله تعالى ، لا تكون فردية كما في الصلاة والزكاة والصيام والحج ونحوها ، وإنما القدرة المرعية هنا هي قدرة مجموع الأمة أو قدرة ما أمكن من مجموعهم للقيام بذلك الواجب الذي فرضه الله على عباده ، يتعبدهم به كما يتعبدهم بالصلاة والصوم ، ويكون حظهم من تلك العبودية في تنصيبهم ، ممثلا عن قدرتهم تلك المجموعة في رجل يسمعون له ويطيعون ، فيكونون مصدر قوته ويكون ممثل قدرتهم المنوط بحصولها تحقيق تلك الفرائض .
وفي ذلك يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحه الله : ( خاطب الله المؤمنين بالحدود والحقوق خطابا مطلقا كقوله " والسارق والسارقة فاقطعوا (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)" وقوله " الزانية والزاني فاجلدوا (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)" وقوله :" والذين (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
) يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)" وكذلك قوله " ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)" لكن قد علم أن المخاطب بالفعل لا بد أن يكون قادرا عليه والعاجزون لا يجب عليهم وقد علم أن هذا فرض على الكفاية وهو مثل الجهاد ; بل هو نوع من الجهاد . فقوله " كتب عليكم القتال (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
) "وقوله " وقاتلوا في سبيل الله (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)" وقوله " إلا تنفروا يعذبكم (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)" ونحو ذلك هو فرض على الكفاية من القادرين و " القدرة " هي السلطان ; فلهذا : وجب إقامة الحدود على ذي السلطان ونوابه . ) اه 34/175.
فأصل وضع الإمامة راجع إلى تحقيق سلطان الله الشرعي الذي خاطب به عموم الأمة والذي لا يحصل إلا بقدرةِ وسلطانِ جميعهم أو أغلبهم ، فالإمام ليس فقط فرع عن الأمة - المخاطبة بتكاليف سلطان الله الشرعي في أرضه – وإنما الإمام شخص يتمثل فيه قدرة الأمة على القيام بإنفاذ سلطان الله الشرعي في أرضه ، وكلما كانت الأمة أكثر قوة ووعيا كلما كان إنفاذها لسلطان الله الشرعي في أرضه – متمثلا في إمامها – أكثر نقاء ونصاعة ، والعكس بالعكس .
قال شيخ الاسلام رحمه الله مستكملا لكلامه السابق ( والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوابه فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة ، لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود ويستوفي الحقوق ، ولهذا قال العلماء إن أهل البغي ينفذ من أحكامهم ما ينفذ من أحكام أهل العدل ، وكذلك لو شاركوا الإمارة وصاروا أحزابا لوجب على كل حزب فعل ذلك في أهل طاعتهم فهذا عند تفرق الأمراء وتعددهم وكذلك لو لم يتفرقوا ، لكن طاعتهم للأمير الكبير ليست طاعة تامة ، فإن ذلك أيضا إذا أسقط عنه إلزامهم بذلك لم يسقط عنهم القيام بذلك ، بل عليهم أن يقيموا ذلك ، وكذلك لو فرض عجز بعض الأمراء عن إقامة الحدود والحقوق أو إضاعته لذلك ، لكان ذلك الفرض على القادر عليه .
وقول من قال : لا يقيم الحدود إلا السلطان ونوابه . إذا كانوا قادرين فاعلين بالعدل .
كما يقول الفقهاء : الأمر إلى الحاكم إنما هو العادل القادر فإذا كان مضيعا لأموال اليتامى ، أو عاجزا عنها ، لم يجب تسليمها إليه مع إمكان حفظها بدونه وكذلك الأمير إذا كان مضيعا للحدود أو عاجزا عنها لم يجب تفويضها إليه مع إمكان إقامتها بدونه .
والأصل أن هذه الواجبات تقام على أحسن الوجوه . فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين ومتى لم يقم إلا بعدد ومن غير سلطان أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها فإنها من " باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " فإن كان في ذلك من فساد ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها لم يدفع فساد بأفسد منه . والله أعلم . ) اه
وعلى هذا الأساس كان وضع الإمامة في الشرع الحنيف ، فالله لم يترك عباده ليتوصل من قدر منهم على التوصل لهذه الحقيقة أو هذا الفهم ، بل دلهم عليه سبحانه وفرضه عليهم جل جلاله ، وشرع سبحانه لتلك الشعيرة – نصب الإمام – من الشروط والحقوق والواجبات ، في حق الإمام والأمة مايحقق القدرة الحقيقية لهذه الأمة متمثلة في الإمام في أبهى صورها .
فأوجب تنصيب الإمام بشورى ورضا الأمة ، وأوجب على الأمة السمع والطاعة لأئمتهم في المعروف ، وأوجب على أئمتهم حب رعيتهم والإحسان والترفق بهم ، وأوجب على الأمة الصبر على مايبدر من الأئمة من الأثرة والجور – مالم يصل لعكس مقصود نصبه عليهم - ، وأوجب على الأمة خلع إمام عاد وجوده على أصل ما أقيم له بالنقض والهدم ، وأوجب عليهم كذلك الدفاع عن إمامهم وقتال من أراد شق صفهم وفرقة كلمتهم وهم على كلمة رجل واحد يقوم فيهم بالعدل ، وشرع أحكاما للاختيار وأحكاما للضرورة ، وغير ذلك من شرائع الله التي شرعها الله تعالى في دينه – سواء نصا في بعض مسائل بعينها أو استفادة من عمومات الشريعة - مما يتعلق بخصوص تلك الشعيرة .
ومن يتأمل في التشريعات الإسلامية المتعلقة بتلك الشعيرة العظيمة ، وينعم النظر فيها لا يكاد يقف على مدى العظمة في حكمة الشريعة الإسلامية بخصوص تلك الشعيرة التي هي من أكبر شعائر ديننا الحنيف ، خلافا لما ألقى به الشيطان في قلوب البعض ، ما أفرز عنه تصور ساذج لتلك الشعيرة العظيمة ينزه عن ذلك التصور عظمة ديننا الحنيف وواسع حكمة ربنا جل جلاله .
ومن تلك التصورات الساذجة التي لا تتفق أبدا مع عظمة التشريع الإسلامي وحكمته ، مانحن بصدد نقده ونقضه من القول بأن شعيرة الإمامة مجرد إعلان قوم يملكون بعض العتاد والسلاح لرجل قرشي مسلم أنه إمام المسلمين ، فزعموا أنه بإعلانهم هذا له صار في شرع الله إمام المسلمين ، له عليهم جميع حقوقه ، ومن لم يره إماما عاش على فسق وخروج وإن مات ، مات على جاهلية ، بل ولو جاهد الكفار في بلده تحت غير رايته فموزور غير مأجور وجهاده فاقد لشرعيته !!
كل ذلك حتى ولو عجز عن أداء أي واجب عليه من حقوقهم !!
فهو إمام الشام والعراق ومصر والجزيرة وتونس والجزائر والهند والباكستان والصين والأفغان وكل بلاد المسلمين وإن لم يقم في بلد منها شرعا ولا يملك في أي منها صرفا ولا عدلا !! بل لا وجود لأي سلطان له على بلد من بلاد المسلمين !! بل ولا يستطيع دخول بلد من بلادهم إلا خائفا مختبئا ، هذا إن استطاع الدخول أصلا !!
مادام قد أعلنت تلك الطائفة ذلك الإعلان فهو الإمام وإن تخلف مقصود الإمامة ، فلا يؤثر في الحكم شئ من ذلك مادام قد حصل الإعلان !!
وراحوا يتعاملون مع كلام العلماء في هذا الباب ، كتنزيل رجل لكلامهم في الماء على البول !! يترك ماهية وجنس مايتكلمون فيه ويتمسك بكلامهم في أحكام ذلك الجنس – الماء – قلة وكثرة وطهارة وطهورية ، ليحتج بها على جنس مغاير تماما لماتكلموا عنه ! ولاحول ولا قوة إلا بالله ، ولما صرخ في وجوههم العقلاء أن حسبكم ... فالجنسان متغايران بل في الشريعة ضدين !!
لم يفتهم أن يتمسكوا ببعض الشبهات المتهافتة ليثبتوا أن كلا الجنسين المتغايرين متشابهان متماثلان ،بل صورتان لشئ واحد!!
وهذا حقا مثل من راح يجمع من هنا وهناك أي كلام لأهل العلم في هل يشترط معرفة شخص الإمام لكل الناس ؟ وهل يشترط إجماع كل أهل الحل والعقد ؟ وهل يشترط إبلاغ أهل الأمصار من قبل التولية ؟ وهل .. وهل .. وهل ؟؟
ثم يأتون بإجابات قيلت في حق أئمة قائمين على الأمة ذوي سلطان – وياليت مانقلوه هو اتفاق مجمع عليه بل انتقوا من المختلف عليه المفترق فيه فأقاموه مقام النص الشرعي !! - فينزلونها على من لم يحصل له من ذلك سوى الإعلان المزعوم من تلك الطائفة !!
فلما صُرخ بوجوههم أن حسبكم .. فكلامهم في إمام ذي سلطان ، وكلامكم عمن أممتموه بإعلان !!
قالوا وهل كان الحسن وقد عد خليفة ذا سلطان ؟؟ بل هل كان أبوه علي ذا سلطان ؟؟ أم كان الصديق يوم الردة ذا سلطان ؟
حتى زاد شطط عقولهم ، وسدروا في غيهم فقالوا كان النبي صلى الله عليه وسلم إماما ولا سلطان له ولا شوكة ، وأهل حله وعقده ( الذين عقدوا له الإمامة !!! )لم يكونوا من وجهاء الناس أصلا ... سبحانك هذا بهتان عظيم ، والله المستعان على مايصفون ، وفيما يلي بعون الله ومدده وفضله وتوفيقه بيان لحقيقة ذلك الأمر ومدى تهافت ما أوردوه من شبهات داحضه ، والله المستعان ،،
وبيان هذا الفراغ والخلو عن الوجود الواقعي يتمثل في بيان موضع التمكين وحده في الشرع المعتبر في تصحيح ذلك المفهوم الشرعي الشريف الذي بشر به نبينا صلى الله عليه وسلم ( مفهوم الخلافة )
واليوم وبعد أفول نجم هذا التنظيم وما حل بالمسلمين وديارهم جراء جهل القوم وظلمهم ، رأيت أن لا بأس بنشر مقتطفات من ذلك البحث في ذلك المنتدى الكريم إثراء للبحث بمشاركاتكم الكريمة ورجاء أن يحسم هذا الباب ولا يزعم بعد اليوم إلا بحقه والله المستعان .
هذا وقد اطلعت على أبحاث لبعض أهل العلم وطلبته تناولت هذا المحبث خاصة وقد استفدت من بعضها ، غير أني أحببت تناوله بشئ من التفصيل المتضمن للرد على كل ما أثير من شبهات حول عدم اشتراط التمكين الشرعي لهذا المفهوم الإسلامي الشريف ، راجيا بذلك أن أكون بذلك قد أزلت لبسا عن مفهوم عظيم من مفاهيم ديننا ، ونزهته عن تصور ساذج لا يليق أبدا بحكمة إسلامنا العظيم .
وسوف أورد إن شاء الله تلك المقتطفات في حلقات ، أذكر في كل حلقة وجهاً من أوجه بطلان إمامة من لا سلطان له على ديار المسلمين ، والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه ذابا للنار عن وجهي وأن يغفر سبحانه لي ما اعتراه من زلل في المضمون أو خلل في القصد ، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به هو حسبي ونعم الوكيل .
تمهيد هام للوقوف على حقيقة منصب الإمامة وأصل وضعه في الشرع الحكيم
إن الله عز وجل شرف نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بأن ختم به رسله وأنبياءه فجعله النبي الخاتم ونسخ بشرعه له صلى الله عليه وسلم الشرائع من قبله ، فانقطع الوحي بموته صلى الله عليه وسلم ، وصار الإسلام هو دين الله في الذي ستقوم عليه الساعة ، وصار شرعه هو خطاب الله لعبيده وسلطانه الشرعي فوقهم حتى قيام الساعة ، ولأجل تحقق هذا الأمر اقتضت حكمة الله شرع بعض الأحكام التي يحفظ الله بها دينه وديمومة سلطانه الشرعي في أرضه سبحانه ، ذلك السلطان الذي كانت فيه المحنة وحصل فيه الابتلاء من الله تعالى لعبيده ، فمن مؤمن بحمده بالغيب ومن أعمىً كافرٍ بحمده سبحانه جاحد لسلطانه الشرعي ، نسأل الله أن يجعلنا من عباده الحامدين له سبحانه العارفين بقدره الشاكرين لنعمه ..
وكان من تلك الشرائع التي قضاها الله بحكمته لحفظ دينه أن وجه الخطاب في أوامره التي تحتاج لسلطان في إقامتها لعموم الأمة ، فخاطب بصيغ الجمع " اقطعوا " و" اجلدوا " و" قاتلوا " كلها بصيغ العموم ليبقى أمر التعبد في تلك الأمور قائما في حق مجموع العبيد كما هو شأنه في " أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " فتكون مسئولية إقامة شرع الله ودينه في الأرض هي عبادة في حق عموم الناس كما في الصلاة والصوم والزكاه ، ومعلوم أن القدرة مناط التكليف فمن لم يجد ماء تيمم ، ومن شق عليه الصلاة قائما جلس ، ومن عجز عن الصوم قضى أو فدى ... وهكذا في جميع أوامر الشرع ، منوطة بالقدرة والله لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وليس هذا مقتصرا فقط على الشعائر البدنية فحسب بل في كل أمور الدين ، ومن ذلك أمر الله تعالى بتلك الحدود ونحوها مما أمر الله به عباده بنفس خطابه سبحانه لهم بالصلاة والزكاة ، غير أن القدرة المرعية هنا لتحصيل تلك الأوامر من الله تعالى ، لا تكون فردية كما في الصلاة والزكاة والصيام والحج ونحوها ، وإنما القدرة المرعية هنا هي قدرة مجموع الأمة أو قدرة ما أمكن من مجموعهم للقيام بذلك الواجب الذي فرضه الله على عباده ، يتعبدهم به كما يتعبدهم بالصلاة والصوم ، ويكون حظهم من تلك العبودية في تنصيبهم ، ممثلا عن قدرتهم تلك المجموعة في رجل يسمعون له ويطيعون ، فيكونون مصدر قوته ويكون ممثل قدرتهم المنوط بحصولها تحقيق تلك الفرائض .
وفي ذلك يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحه الله : ( خاطب الله المؤمنين بالحدود والحقوق خطابا مطلقا كقوله " والسارق والسارقة فاقطعوا (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)" وقوله " الزانية والزاني فاجلدوا (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)" وقوله :" والذين (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
) يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)" وكذلك قوله " ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)" لكن قد علم أن المخاطب بالفعل لا بد أن يكون قادرا عليه والعاجزون لا يجب عليهم وقد علم أن هذا فرض على الكفاية وهو مثل الجهاد ; بل هو نوع من الجهاد . فقوله " كتب عليكم القتال (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
) "وقوله " وقاتلوا في سبيل الله (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)" وقوله " إلا تنفروا يعذبكم (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)" ونحو ذلك هو فرض على الكفاية من القادرين و " القدرة " هي السلطان ; فلهذا : وجب إقامة الحدود على ذي السلطان ونوابه . ) اه 34/175.
فأصل وضع الإمامة راجع إلى تحقيق سلطان الله الشرعي الذي خاطب به عموم الأمة والذي لا يحصل إلا بقدرةِ وسلطانِ جميعهم أو أغلبهم ، فالإمام ليس فقط فرع عن الأمة - المخاطبة بتكاليف سلطان الله الشرعي في أرضه – وإنما الإمام شخص يتمثل فيه قدرة الأمة على القيام بإنفاذ سلطان الله الشرعي في أرضه ، وكلما كانت الأمة أكثر قوة ووعيا كلما كان إنفاذها لسلطان الله الشرعي في أرضه – متمثلا في إمامها – أكثر نقاء ونصاعة ، والعكس بالعكس .
قال شيخ الاسلام رحمه الله مستكملا لكلامه السابق ( والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوابه فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة ، لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود ويستوفي الحقوق ، ولهذا قال العلماء إن أهل البغي ينفذ من أحكامهم ما ينفذ من أحكام أهل العدل ، وكذلك لو شاركوا الإمارة وصاروا أحزابا لوجب على كل حزب فعل ذلك في أهل طاعتهم فهذا عند تفرق الأمراء وتعددهم وكذلك لو لم يتفرقوا ، لكن طاعتهم للأمير الكبير ليست طاعة تامة ، فإن ذلك أيضا إذا أسقط عنه إلزامهم بذلك لم يسقط عنهم القيام بذلك ، بل عليهم أن يقيموا ذلك ، وكذلك لو فرض عجز بعض الأمراء عن إقامة الحدود والحقوق أو إضاعته لذلك ، لكان ذلك الفرض على القادر عليه .
وقول من قال : لا يقيم الحدود إلا السلطان ونوابه . إذا كانوا قادرين فاعلين بالعدل .
كما يقول الفقهاء : الأمر إلى الحاكم إنما هو العادل القادر فإذا كان مضيعا لأموال اليتامى ، أو عاجزا عنها ، لم يجب تسليمها إليه مع إمكان حفظها بدونه وكذلك الأمير إذا كان مضيعا للحدود أو عاجزا عنها لم يجب تفويضها إليه مع إمكان إقامتها بدونه .
والأصل أن هذه الواجبات تقام على أحسن الوجوه . فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين ومتى لم يقم إلا بعدد ومن غير سلطان أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها فإنها من " باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " فإن كان في ذلك من فساد ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها لم يدفع فساد بأفسد منه . والله أعلم . ) اه
وعلى هذا الأساس كان وضع الإمامة في الشرع الحنيف ، فالله لم يترك عباده ليتوصل من قدر منهم على التوصل لهذه الحقيقة أو هذا الفهم ، بل دلهم عليه سبحانه وفرضه عليهم جل جلاله ، وشرع سبحانه لتلك الشعيرة – نصب الإمام – من الشروط والحقوق والواجبات ، في حق الإمام والأمة مايحقق القدرة الحقيقية لهذه الأمة متمثلة في الإمام في أبهى صورها .
فأوجب تنصيب الإمام بشورى ورضا الأمة ، وأوجب على الأمة السمع والطاعة لأئمتهم في المعروف ، وأوجب على أئمتهم حب رعيتهم والإحسان والترفق بهم ، وأوجب على الأمة الصبر على مايبدر من الأئمة من الأثرة والجور – مالم يصل لعكس مقصود نصبه عليهم - ، وأوجب على الأمة خلع إمام عاد وجوده على أصل ما أقيم له بالنقض والهدم ، وأوجب عليهم كذلك الدفاع عن إمامهم وقتال من أراد شق صفهم وفرقة كلمتهم وهم على كلمة رجل واحد يقوم فيهم بالعدل ، وشرع أحكاما للاختيار وأحكاما للضرورة ، وغير ذلك من شرائع الله التي شرعها الله تعالى في دينه – سواء نصا في بعض مسائل بعينها أو استفادة من عمومات الشريعة - مما يتعلق بخصوص تلك الشعيرة .
ومن يتأمل في التشريعات الإسلامية المتعلقة بتلك الشعيرة العظيمة ، وينعم النظر فيها لا يكاد يقف على مدى العظمة في حكمة الشريعة الإسلامية بخصوص تلك الشعيرة التي هي من أكبر شعائر ديننا الحنيف ، خلافا لما ألقى به الشيطان في قلوب البعض ، ما أفرز عنه تصور ساذج لتلك الشعيرة العظيمة ينزه عن ذلك التصور عظمة ديننا الحنيف وواسع حكمة ربنا جل جلاله .
ومن تلك التصورات الساذجة التي لا تتفق أبدا مع عظمة التشريع الإسلامي وحكمته ، مانحن بصدد نقده ونقضه من القول بأن شعيرة الإمامة مجرد إعلان قوم يملكون بعض العتاد والسلاح لرجل قرشي مسلم أنه إمام المسلمين ، فزعموا أنه بإعلانهم هذا له صار في شرع الله إمام المسلمين ، له عليهم جميع حقوقه ، ومن لم يره إماما عاش على فسق وخروج وإن مات ، مات على جاهلية ، بل ولو جاهد الكفار في بلده تحت غير رايته فموزور غير مأجور وجهاده فاقد لشرعيته !!
كل ذلك حتى ولو عجز عن أداء أي واجب عليه من حقوقهم !!
فهو إمام الشام والعراق ومصر والجزيرة وتونس والجزائر والهند والباكستان والصين والأفغان وكل بلاد المسلمين وإن لم يقم في بلد منها شرعا ولا يملك في أي منها صرفا ولا عدلا !! بل لا وجود لأي سلطان له على بلد من بلاد المسلمين !! بل ولا يستطيع دخول بلد من بلادهم إلا خائفا مختبئا ، هذا إن استطاع الدخول أصلا !!
مادام قد أعلنت تلك الطائفة ذلك الإعلان فهو الإمام وإن تخلف مقصود الإمامة ، فلا يؤثر في الحكم شئ من ذلك مادام قد حصل الإعلان !!
وراحوا يتعاملون مع كلام العلماء في هذا الباب ، كتنزيل رجل لكلامهم في الماء على البول !! يترك ماهية وجنس مايتكلمون فيه ويتمسك بكلامهم في أحكام ذلك الجنس – الماء – قلة وكثرة وطهارة وطهورية ، ليحتج بها على جنس مغاير تماما لماتكلموا عنه ! ولاحول ولا قوة إلا بالله ، ولما صرخ في وجوههم العقلاء أن حسبكم ... فالجنسان متغايران بل في الشريعة ضدين !!
لم يفتهم أن يتمسكوا ببعض الشبهات المتهافتة ليثبتوا أن كلا الجنسين المتغايرين متشابهان متماثلان ،بل صورتان لشئ واحد!!
وهذا حقا مثل من راح يجمع من هنا وهناك أي كلام لأهل العلم في هل يشترط معرفة شخص الإمام لكل الناس ؟ وهل يشترط إجماع كل أهل الحل والعقد ؟ وهل يشترط إبلاغ أهل الأمصار من قبل التولية ؟ وهل .. وهل .. وهل ؟؟
ثم يأتون بإجابات قيلت في حق أئمة قائمين على الأمة ذوي سلطان – وياليت مانقلوه هو اتفاق مجمع عليه بل انتقوا من المختلف عليه المفترق فيه فأقاموه مقام النص الشرعي !! - فينزلونها على من لم يحصل له من ذلك سوى الإعلان المزعوم من تلك الطائفة !!
فلما صُرخ بوجوههم أن حسبكم .. فكلامهم في إمام ذي سلطان ، وكلامكم عمن أممتموه بإعلان !!
قالوا وهل كان الحسن وقد عد خليفة ذا سلطان ؟؟ بل هل كان أبوه علي ذا سلطان ؟؟ أم كان الصديق يوم الردة ذا سلطان ؟
حتى زاد شطط عقولهم ، وسدروا في غيهم فقالوا كان النبي صلى الله عليه وسلم إماما ولا سلطان له ولا شوكة ، وأهل حله وعقده ( الذين عقدوا له الإمامة !!! )لم يكونوا من وجهاء الناس أصلا ... سبحانك هذا بهتان عظيم ، والله المستعان على مايصفون ، وفيما يلي بعون الله ومدده وفضله وتوفيقه بيان لحقيقة ذلك الأمر ومدى تهافت ما أوردوه من شبهات داحضه ، والله المستعان ،،