تركي السعوديه
03-09-2016, 02:29 AM
د.رفعت السعيد
وتكاد بداية دراسة اللبوانى أن توحى لنا بأنه ضد التعليم على النمط الغربى بل هو يقول إنه جزء من مؤامرة معادية. لكن التواصل مع الدراسة يوصلنا إلى فهم مختلف. وعلى أي حال فقد بدأ اللبوانى دراسته قائلًا «لم تكن صدفة أن تأخذ الحملات الاستعمارية الأولى شكل بعثات تعليمية. فسياسة التعليم لم تكن تقصد تحسين خبرات المنتجين بل كانت بعيدة عن الإنتاج، وتستهدف إيجاد متعلمين يشغلون المراتب الوظيفية المهمة، واندفع عدد كبير من الفقراء نحو التعلم الذى أصبح وسيلتهم لتغيير طبقتهم، وبعد الاستقلال استمر توسيع الطبقة الجديدة المتعلمة التى تلبى حاجات تحديث الدولة بهدف الإسراع فى التحول الرأسمالي»، ثم يواصل اللبوانى فكرته المثيرة للدهشة وللرفض معًا قائلًا «ولما كانت الطبقات التى تقود هذا التحول تريد تقليد البرجوازيات الأوروبية، فقد سارعت إلى تبنى «ثقافتها الغربية، فأصبح العلم وسيلة للاغتراب الثقافى ولتقمص الثقافة الأجنبية إلى أن أصبحت الطبقة المتعلمة من القوة والتنظيم بحيث بدأت تفرض ذاتها على التحالف الإقطاعى البرجوازى الذى ورث البلاد عن جيوش الاحتلال» (ص???)، ويمضى اللبوانى فى صراحة مثيرة للغضب والحيرة قائلا «وباحتكار الطبقة البرجوازية الصغيرة المثقفة للسلطة سعت لتعزيز وجودها وتوسيع طبقتها وتدعيم نظامها بنشر التعليم على نطاق واسع، فأصبحت الثورة التعليمية وسيلة لفصل أعداد متزايدة من الشبان عن الإنتاج وحشرهم فى المناصب الكثيرة»، هذا التحليل الأعمى والمثير للدهشة يكاد يصرخ معترضًا على نشر التعليم، ويأتى ذلك فى ظلال زعم أنه يشارك بها فى مواجهة الإرهاب والعنف، لكنه وياللدهشة يستخدم من ذلك ما يوحى بأنه تفسير لانتشار الإرهاب فيقول «إن البناء البيروقراطى الطفيلى الضخم على كبره لم يستطع أن يستوعب كل المبعدين عن الإنتاج بفعل سياسة التعليم ولا كل حملة الشهادات بالطريقة التى ترضى أحلامهم التى زرعت فيهم أثناء سنوات الدراسة، فوجد عدد متزايد منهم أنفسهم مرميين خارج طموحاتهم فأصيبوا بالإحباط وانصب حقدهم على النظام الذى خذلهم والسلطة التى اكتشفوا انحطاطها وممارستها الطفيلية» وتحول هؤلاء المحشورون فى هامش الانتظار إلى سخط وصراع. ثم يفسر اللبوانى الأمر «انكفأت جماعات كبيرة من طلاب الوظائف إلى معارضة أسلافها وزملائها الذين خانوها وقطعوا عليها الطريق دون أن تخفى احتقارها للجماهير الشعبية التى لم تساندها فى معارضتها، فتحولت شرائح واسعة منها إلى الانكفاء نحو الشعارات المثالية الدينية اليمينية فى صراعها مع السلطة» (ص???) ثم «انكبت مجموعات الشباب على التفقه ومطالعة الكتب الدينية، وأصبحت دراسة الفكر الدينى وسيلة جديدة أمام هذه الفئات لتجديد أحلامها وإعادة اعتبارها الاجتماعى وإثبات تميزها. وتحول طلاب العمل الدنيوى إلى طلاب للعلوم الدينية، واستخدموا طريقتهم ذاتها فى تحصيل العلوم، ونتج عن استخدام هذا الأسلوب الجديد عقل جديد وفهم جديد للدين ليس له مثيل فى التاريخ ولا فى التراث» ثم قام الإقطاع القديم المهزوم باحتضانهم «وطبع الكثير من الكتب القديمة وأعيد طبعها بطبعات فاخرة مرارًا. وانكب الشباب على دراستها بهدف تحصيل مرتبة رفيعة عن طريق الحفظ والتطبيق الحرفى لما يعتقدون أنه أصول الدين الأصيلة القويمة التى لا يرقى إليها الشك»، ويواصل اللبوانى «وبمقدار ازدياد عدد المرميين خارج امتيازات الدولة الحديثة بقدر ما ازداد عدد الأصوليين الجدد، حتى أن خريجى المعاهد والكليات العلمية كانوا الأكثر أصولية لأنهم الأقل استيعابًا للعلم فى دولة بعيدة عن العلم»، وهكذا فإن الشبان والشابات الذين رفضوا أيضا الثقافة الانحلالية الطاغية تحولوا إلى ثقافة مضادة تحول هزيمتهم الاجتماعية إلى نصر وحصانة، فالشباب فى مثل هذه السن لا يقبلون الاعتراف بالهزيمة» (???) ثم يواصل اللبوانى تفسيره المبتكر والمثير للدهشة، «فالجماهير الشعبية بقيت عمليًا حدًا خارج الصراع على الرغم من تذمرها من تصرفات السلطة، وبقايا الفكر الإقطاعى لم يمعنوا فى دعم هؤلاء الشبان المتطرفين لأنه لا يهدف إلى إيصالهم للسلطة بقدر ما كان يستخدمهم لتعزيز مواقعه هو، فتخلى عنهم فى منتصف الطريق وتركهم ليقعوا تحت ماكينة القمع دون أن ينسى دومًا التباكى عليهم.. بينما يحاول هو ابتزاز السلطة وانتزاع مكتسبات لنفسه» (ص???).
وهكذا فإن محمد كمال اللبوانى ومن باب مهاجمة نشر التعليم ومنح شهادات دراسية لشرائح اجتماعية فقيرة وتتطلع إلى نصيب من كعكة الفساد المترامية أطرافه، ثم تحول هؤلاء الشباب إلى عناصر «مرمية» خارج إطار المجتمع الفاعل، يصل بنا إلى تفسير لهذا الجيش المتوحش المكون من شباب يحتقر العلم والدراسة ويتوج نفسه كحراس لما يعتقدون أنه إسلام، ولكنه فى حقيقته تأسلم.
ويبقى أن نسأل لماذا لم يقبل اللبوانى التعليم ويجد مخرجًا ثوريًا آخر للشباب المرميين خارج إطار الفعل المربح والمريح فى ظلال الفساد السائد؟
ولعلى أردت بالتحديد أن أوضح أن دخول المثقف المعاصر إلى ساحة تجديد الفكر الدينى قد يتخذ تفانين لا تخطر على بالنا بل وقد يؤدى إلى مسالك شائكة وغير مفيدة.
<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
وتكاد بداية دراسة اللبوانى أن توحى لنا بأنه ضد التعليم على النمط الغربى بل هو يقول إنه جزء من مؤامرة معادية. لكن التواصل مع الدراسة يوصلنا إلى فهم مختلف. وعلى أي حال فقد بدأ اللبوانى دراسته قائلًا «لم تكن صدفة أن تأخذ الحملات الاستعمارية الأولى شكل بعثات تعليمية. فسياسة التعليم لم تكن تقصد تحسين خبرات المنتجين بل كانت بعيدة عن الإنتاج، وتستهدف إيجاد متعلمين يشغلون المراتب الوظيفية المهمة، واندفع عدد كبير من الفقراء نحو التعلم الذى أصبح وسيلتهم لتغيير طبقتهم، وبعد الاستقلال استمر توسيع الطبقة الجديدة المتعلمة التى تلبى حاجات تحديث الدولة بهدف الإسراع فى التحول الرأسمالي»، ثم يواصل اللبوانى فكرته المثيرة للدهشة وللرفض معًا قائلًا «ولما كانت الطبقات التى تقود هذا التحول تريد تقليد البرجوازيات الأوروبية، فقد سارعت إلى تبنى «ثقافتها الغربية، فأصبح العلم وسيلة للاغتراب الثقافى ولتقمص الثقافة الأجنبية إلى أن أصبحت الطبقة المتعلمة من القوة والتنظيم بحيث بدأت تفرض ذاتها على التحالف الإقطاعى البرجوازى الذى ورث البلاد عن جيوش الاحتلال» (ص???)، ويمضى اللبوانى فى صراحة مثيرة للغضب والحيرة قائلا «وباحتكار الطبقة البرجوازية الصغيرة المثقفة للسلطة سعت لتعزيز وجودها وتوسيع طبقتها وتدعيم نظامها بنشر التعليم على نطاق واسع، فأصبحت الثورة التعليمية وسيلة لفصل أعداد متزايدة من الشبان عن الإنتاج وحشرهم فى المناصب الكثيرة»، هذا التحليل الأعمى والمثير للدهشة يكاد يصرخ معترضًا على نشر التعليم، ويأتى ذلك فى ظلال زعم أنه يشارك بها فى مواجهة الإرهاب والعنف، لكنه وياللدهشة يستخدم من ذلك ما يوحى بأنه تفسير لانتشار الإرهاب فيقول «إن البناء البيروقراطى الطفيلى الضخم على كبره لم يستطع أن يستوعب كل المبعدين عن الإنتاج بفعل سياسة التعليم ولا كل حملة الشهادات بالطريقة التى ترضى أحلامهم التى زرعت فيهم أثناء سنوات الدراسة، فوجد عدد متزايد منهم أنفسهم مرميين خارج طموحاتهم فأصيبوا بالإحباط وانصب حقدهم على النظام الذى خذلهم والسلطة التى اكتشفوا انحطاطها وممارستها الطفيلية» وتحول هؤلاء المحشورون فى هامش الانتظار إلى سخط وصراع. ثم يفسر اللبوانى الأمر «انكفأت جماعات كبيرة من طلاب الوظائف إلى معارضة أسلافها وزملائها الذين خانوها وقطعوا عليها الطريق دون أن تخفى احتقارها للجماهير الشعبية التى لم تساندها فى معارضتها، فتحولت شرائح واسعة منها إلى الانكفاء نحو الشعارات المثالية الدينية اليمينية فى صراعها مع السلطة» (ص???) ثم «انكبت مجموعات الشباب على التفقه ومطالعة الكتب الدينية، وأصبحت دراسة الفكر الدينى وسيلة جديدة أمام هذه الفئات لتجديد أحلامها وإعادة اعتبارها الاجتماعى وإثبات تميزها. وتحول طلاب العمل الدنيوى إلى طلاب للعلوم الدينية، واستخدموا طريقتهم ذاتها فى تحصيل العلوم، ونتج عن استخدام هذا الأسلوب الجديد عقل جديد وفهم جديد للدين ليس له مثيل فى التاريخ ولا فى التراث» ثم قام الإقطاع القديم المهزوم باحتضانهم «وطبع الكثير من الكتب القديمة وأعيد طبعها بطبعات فاخرة مرارًا. وانكب الشباب على دراستها بهدف تحصيل مرتبة رفيعة عن طريق الحفظ والتطبيق الحرفى لما يعتقدون أنه أصول الدين الأصيلة القويمة التى لا يرقى إليها الشك»، ويواصل اللبوانى «وبمقدار ازدياد عدد المرميين خارج امتيازات الدولة الحديثة بقدر ما ازداد عدد الأصوليين الجدد، حتى أن خريجى المعاهد والكليات العلمية كانوا الأكثر أصولية لأنهم الأقل استيعابًا للعلم فى دولة بعيدة عن العلم»، وهكذا فإن الشبان والشابات الذين رفضوا أيضا الثقافة الانحلالية الطاغية تحولوا إلى ثقافة مضادة تحول هزيمتهم الاجتماعية إلى نصر وحصانة، فالشباب فى مثل هذه السن لا يقبلون الاعتراف بالهزيمة» (???) ثم يواصل اللبوانى تفسيره المبتكر والمثير للدهشة، «فالجماهير الشعبية بقيت عمليًا حدًا خارج الصراع على الرغم من تذمرها من تصرفات السلطة، وبقايا الفكر الإقطاعى لم يمعنوا فى دعم هؤلاء الشبان المتطرفين لأنه لا يهدف إلى إيصالهم للسلطة بقدر ما كان يستخدمهم لتعزيز مواقعه هو، فتخلى عنهم فى منتصف الطريق وتركهم ليقعوا تحت ماكينة القمع دون أن ينسى دومًا التباكى عليهم.. بينما يحاول هو ابتزاز السلطة وانتزاع مكتسبات لنفسه» (ص???).
وهكذا فإن محمد كمال اللبوانى ومن باب مهاجمة نشر التعليم ومنح شهادات دراسية لشرائح اجتماعية فقيرة وتتطلع إلى نصيب من كعكة الفساد المترامية أطرافه، ثم تحول هؤلاء الشباب إلى عناصر «مرمية» خارج إطار المجتمع الفاعل، يصل بنا إلى تفسير لهذا الجيش المتوحش المكون من شباب يحتقر العلم والدراسة ويتوج نفسه كحراس لما يعتقدون أنه إسلام، ولكنه فى حقيقته تأسلم.
ويبقى أن نسأل لماذا لم يقبل اللبوانى التعليم ويجد مخرجًا ثوريًا آخر للشباب المرميين خارج إطار الفعل المربح والمريح فى ظلال الفساد السائد؟
ولعلى أردت بالتحديد أن أوضح أن دخول المثقف المعاصر إلى ساحة تجديد الفكر الدينى قد يتخذ تفانين لا تخطر على بالنا بل وقد يؤدى إلى مسالك شائكة وغير مفيدة.
<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>