فريق منتدى الدي في دي العربي
11-18-2017, 11:16 AM
قال الشيخ عبد? بن زيد آل محمود :
"أنني أعرف أهل زماني، وخاصة إخواني وأقراني، وأنهم على اتباع زلاتي، وإحصاء سيئاتي، وستر حسناتي أحرص منهم على الانتفاع بعظاتي، لكنني أسلِّي نفسي بالتأسي بالعلماء الفضلاء قبلي الذين دب إليهم داء الحسد من أقرانهم، لكون الرجل الفاضل مهما هذب نفسه، وحاول كف ألسنة الناس عن عذله ولومه فإنه لن يسعه ذلك، لأن كل ذي نعمة محسود كما قيل:
ليس يخلو الـمرء من ضد ولو **حاول العزلة بأعلى الجبل
لهذا نرى أحد هؤلاء عندما يعرض عليه شيء من رسائلنا، ثم يرى فيها قولاً مما يخالف رأيه واعتقاده - وإن كان حقا في نفس الأمر والواقع - فتراه يبادر بالركض إلى مدير الجريدة، لينشر نقده الباطل، ليعلم به جميع الناس، العام منهم والخاص، كأنها زراية وهي صحيحة في الرواية والدراية.
وقد قال لي أحد هؤلاء الأقران الكرام عندما زرته للسلام، وكنت أحمل معي شيئًا من الرسائل العلمية فبادرني بقوله: إنني لم أقرأ شيئًا من رسائلك أبدًا
وسبق أن قال لي مثل هذه الكلمة من مدة تزيد على ثلاث سنين، وقد أعادها الآن
فقلت له: عسى ألا يكون فيها إلحاد وزندقة؟
فقال: لا، إلا أنني مشغول عنها. ثم قال: إن فلانًا يشتغل بكتابة رد عليك. فقلت له: أهلا بمن يرد الباطل في وجه قائله، وإنني مستعد لقبول الحق منه، ورد الباطل عليه. ثم تفرقنا من غير رضى مني.
هذا وإنني كنت جالسًا عند أحد الأمراء الكرام بالطائف، وبين أيدينا رسائل علمية، يسألني عن شيء من مشاكلها، إذ دخل علينا رجل من كبار العلماء، أعرفه ويعرفني
فسلم على الأمير، وسلمت عليه، ورحب بي. وبعد جلوسه واطمئنانه في مكانه قال له الأمير: يا شيخ، ما بالكم إذا جاءكم شيء من الرسائل العلمية من أحد العلماء - أو قال: من أحد إخوانكم - فما بالكم تقابلونها بالنفرة والكراهية؟ وكيف لا تقابلونها بالرحب، وسعة الصدر، ودراستها بالتدبر والتفكر، ثم عمل الـمناقشة مع مؤلفها؟ فما كان جوابه إلا السكوت.
إن مما يزيد في أملي، ويقوي رجائي على صواب علمي، وحسن عملي - ولا أزكي نفسي عند ربي - الثناء الحسن من العلماء الغرباء والبعداء عن بلداننا؛ حينما أسمعهم يلهجون بالدعاء والثناء على حسن ما يسمعونه ويرونه من كتب العلم والحكمة، والتي هي مبتكرات من مشكلات العلوم النافعة، فكان أبعد الناس منا هم أقربهم مودة إلينا، ووقع بنا ما قيل من أن أزهد الناس في عالـم هم: أهله وجيرانه، ومن يعيش بين ظهرانيهم
كما حكى الله سبحانه في كتابه الـمبين عن فرعون، لما جاءه نبي الله موسى برسالة من ربه. فكان جوابه له أن قال: ?قَالَ أَلَم? نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيد?ا وَلَبِث?تَ فِينَا مِن? عُمُرِكَ سِنِينَ ??? [الشعراء: 18]. فكانت تربيته فيهم، وبداءة نشأته عندهم، هو من أسباب عدم قبولهم لدعوته، والاحتقار منهم للحق الذي جاء به. ولن ننسى عداوة قريش لرسول الله ?، وتكبرهم عن قبول دعوته، من أجل نشأته بينهم، حتى سعد بالسبق إليه الأنصار، وهم أبعد من قريش في النسب والبلد.
ولا ينبغي أن ننسى فتنة شيخ الإسلام ابن تيمية مع العلماء الـمعاصرين له في زمانه ومكانه، وكيف تألبوا عليه بالعداوة بداعية الحقد والحسد على ما آتاه الله من فضله، من سعة العلوم؛ في شتى الفنون التي بهرت العقول والتي يعجزون عن الإتيان بمثلها. فهم يحاولون إطفاء نور هذا العلم عنه؛ بكثرة الطعن فيه ويأبي الله إلا أن يتم نوره
فكانوا يترددون على الحاكم في زمانهم ويطلبون منه قتله، أو اعتقاله بدعوى أنه غيّر الإسلام، وأنه يبيح للناس الفرج الحرام، وأنه يبغض الرسول ويمنع من زيارته، وأنه مشبه يصف الرب بما يوصف به الخلق، وحتى كفره بعضهم ورموه بخفة الرأي، والاستخفاف بالأحكام الشرعية، فابتلي هذا الحاكم بسماع حجتهم وتنفيذ رغبتهم حيث إنهم علماء البلد، فكان يدخله السجن ثم يخرجه، ثم يدخله ثم يخرجه، وفي الثالثة توفي في السجن رحمه الله.
ثم إنه حصحص الحق حقيقته، وعقيدته، وحسن طريقته بعد موته، فسمِّي شيخ الإسلام وتقي الدين تسمية أنطق الله بها ألسنة الناس، ولم يكن اخترعها أو اختارها لنفسه، واتفق جميع العلماء بعد موته على أن باعث الطعن فيه من أضداده هو محض الحسد منهم له على ما آتاه الله من فضله.
كما قال عمر بن الوردي:
عثا في عرضه قوم سلاط ** لهم من نثر جوهره التقاط
تقي الدين أحمد خير حبر **خروق الـمعضلات به تخاط
همُ حسدوه لما لم ينالوا ** مناقبه فقد مكروا وشاطوا
وكانوا عن طرائقه كسالى **ولكن في أذاه لهم نشاط
هذا وإنني لم أخرج رسالة علمية ذات أهـمية إلا وأنا متحقق من حاجة الـمجتمع إليها، وإلى التنبيه على مدلولها، وكونها من الـمبتكرات التي لم نُسبق إليها، وكم ترك أول لآخر، وإن أردت تحقيق ذلك؛ فانظر إلى رسالة يسر الإسلام في حج بيت الله الحرام، ثم انظر إلى الدلائل العقلية والنقلية في تفضيل الصدقة عن الـميت على الأضحية، وكيف أسقطت عن الناس الآصار والأغلال فيما يتعلق بالأضاحي عن الأموات. ثم انظر إلى أحكام عقد التأمين ومكانها من شريعة الدين، وما فيه من التفصيل.
وهكذا سائر رسائلنا على كثرتها. ونحن نسير في تذكير الناس يوم الجمعة إلى شيء منها.
وإن مما ندرك على بعض الإخوان، وبعض العلماء الكرام كون أحدهم متى ظفر برسالة منا تبحث عن حقيقة عقيدة أو طريقة أو مقالة مشكلة، مما عسى أن يقع فيها الجدال، وكثرة القيل والقال، فهذه الرسالة تكشف لهم الإشكالات، وتزيل الشكوك والشبهات، فيكون حظ أحدهم منها هو:
محض النظر في عنوانها مع شدة كراهيته لها، وعسى أن ينشط للنظر في الوجه الأول منها، ثم يصفق بأجنحتهـا ويودعهـا في سلة الـمهملات وهو آخر عهده بها، ثم يستمع ما يقوله الناس فيها. فيقول بقولهم بدون تفكر، ولا حسن تدبر؛ لأنه بزعمه يعيش في زمان السرعة فكل شيء يراه ثقيلاً في نفسه.
نسأل الله سبحانه علمًا نافعًا مبرورًا، وعملاً صالحًا مشكورًا، ونعوذ بالله أن نقول زورًا، أو نغشى فجورًا."
منتقى من من مقدمة كتابه الحكم الجامعة الجزء الاول الصفحة 5
"أنني أعرف أهل زماني، وخاصة إخواني وأقراني، وأنهم على اتباع زلاتي، وإحصاء سيئاتي، وستر حسناتي أحرص منهم على الانتفاع بعظاتي، لكنني أسلِّي نفسي بالتأسي بالعلماء الفضلاء قبلي الذين دب إليهم داء الحسد من أقرانهم، لكون الرجل الفاضل مهما هذب نفسه، وحاول كف ألسنة الناس عن عذله ولومه فإنه لن يسعه ذلك، لأن كل ذي نعمة محسود كما قيل:
ليس يخلو الـمرء من ضد ولو **حاول العزلة بأعلى الجبل
لهذا نرى أحد هؤلاء عندما يعرض عليه شيء من رسائلنا، ثم يرى فيها قولاً مما يخالف رأيه واعتقاده - وإن كان حقا في نفس الأمر والواقع - فتراه يبادر بالركض إلى مدير الجريدة، لينشر نقده الباطل، ليعلم به جميع الناس، العام منهم والخاص، كأنها زراية وهي صحيحة في الرواية والدراية.
وقد قال لي أحد هؤلاء الأقران الكرام عندما زرته للسلام، وكنت أحمل معي شيئًا من الرسائل العلمية فبادرني بقوله: إنني لم أقرأ شيئًا من رسائلك أبدًا
وسبق أن قال لي مثل هذه الكلمة من مدة تزيد على ثلاث سنين، وقد أعادها الآن
فقلت له: عسى ألا يكون فيها إلحاد وزندقة؟
فقال: لا، إلا أنني مشغول عنها. ثم قال: إن فلانًا يشتغل بكتابة رد عليك. فقلت له: أهلا بمن يرد الباطل في وجه قائله، وإنني مستعد لقبول الحق منه، ورد الباطل عليه. ثم تفرقنا من غير رضى مني.
هذا وإنني كنت جالسًا عند أحد الأمراء الكرام بالطائف، وبين أيدينا رسائل علمية، يسألني عن شيء من مشاكلها، إذ دخل علينا رجل من كبار العلماء، أعرفه ويعرفني
فسلم على الأمير، وسلمت عليه، ورحب بي. وبعد جلوسه واطمئنانه في مكانه قال له الأمير: يا شيخ، ما بالكم إذا جاءكم شيء من الرسائل العلمية من أحد العلماء - أو قال: من أحد إخوانكم - فما بالكم تقابلونها بالنفرة والكراهية؟ وكيف لا تقابلونها بالرحب، وسعة الصدر، ودراستها بالتدبر والتفكر، ثم عمل الـمناقشة مع مؤلفها؟ فما كان جوابه إلا السكوت.
إن مما يزيد في أملي، ويقوي رجائي على صواب علمي، وحسن عملي - ولا أزكي نفسي عند ربي - الثناء الحسن من العلماء الغرباء والبعداء عن بلداننا؛ حينما أسمعهم يلهجون بالدعاء والثناء على حسن ما يسمعونه ويرونه من كتب العلم والحكمة، والتي هي مبتكرات من مشكلات العلوم النافعة، فكان أبعد الناس منا هم أقربهم مودة إلينا، ووقع بنا ما قيل من أن أزهد الناس في عالـم هم: أهله وجيرانه، ومن يعيش بين ظهرانيهم
كما حكى الله سبحانه في كتابه الـمبين عن فرعون، لما جاءه نبي الله موسى برسالة من ربه. فكان جوابه له أن قال: ?قَالَ أَلَم? نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيد?ا وَلَبِث?تَ فِينَا مِن? عُمُرِكَ سِنِينَ ??? [الشعراء: 18]. فكانت تربيته فيهم، وبداءة نشأته عندهم، هو من أسباب عدم قبولهم لدعوته، والاحتقار منهم للحق الذي جاء به. ولن ننسى عداوة قريش لرسول الله ?، وتكبرهم عن قبول دعوته، من أجل نشأته بينهم، حتى سعد بالسبق إليه الأنصار، وهم أبعد من قريش في النسب والبلد.
ولا ينبغي أن ننسى فتنة شيخ الإسلام ابن تيمية مع العلماء الـمعاصرين له في زمانه ومكانه، وكيف تألبوا عليه بالعداوة بداعية الحقد والحسد على ما آتاه الله من فضله، من سعة العلوم؛ في شتى الفنون التي بهرت العقول والتي يعجزون عن الإتيان بمثلها. فهم يحاولون إطفاء نور هذا العلم عنه؛ بكثرة الطعن فيه ويأبي الله إلا أن يتم نوره
فكانوا يترددون على الحاكم في زمانهم ويطلبون منه قتله، أو اعتقاله بدعوى أنه غيّر الإسلام، وأنه يبيح للناس الفرج الحرام، وأنه يبغض الرسول ويمنع من زيارته، وأنه مشبه يصف الرب بما يوصف به الخلق، وحتى كفره بعضهم ورموه بخفة الرأي، والاستخفاف بالأحكام الشرعية، فابتلي هذا الحاكم بسماع حجتهم وتنفيذ رغبتهم حيث إنهم علماء البلد، فكان يدخله السجن ثم يخرجه، ثم يدخله ثم يخرجه، وفي الثالثة توفي في السجن رحمه الله.
ثم إنه حصحص الحق حقيقته، وعقيدته، وحسن طريقته بعد موته، فسمِّي شيخ الإسلام وتقي الدين تسمية أنطق الله بها ألسنة الناس، ولم يكن اخترعها أو اختارها لنفسه، واتفق جميع العلماء بعد موته على أن باعث الطعن فيه من أضداده هو محض الحسد منهم له على ما آتاه الله من فضله.
كما قال عمر بن الوردي:
عثا في عرضه قوم سلاط ** لهم من نثر جوهره التقاط
تقي الدين أحمد خير حبر **خروق الـمعضلات به تخاط
همُ حسدوه لما لم ينالوا ** مناقبه فقد مكروا وشاطوا
وكانوا عن طرائقه كسالى **ولكن في أذاه لهم نشاط
هذا وإنني لم أخرج رسالة علمية ذات أهـمية إلا وأنا متحقق من حاجة الـمجتمع إليها، وإلى التنبيه على مدلولها، وكونها من الـمبتكرات التي لم نُسبق إليها، وكم ترك أول لآخر، وإن أردت تحقيق ذلك؛ فانظر إلى رسالة يسر الإسلام في حج بيت الله الحرام، ثم انظر إلى الدلائل العقلية والنقلية في تفضيل الصدقة عن الـميت على الأضحية، وكيف أسقطت عن الناس الآصار والأغلال فيما يتعلق بالأضاحي عن الأموات. ثم انظر إلى أحكام عقد التأمين ومكانها من شريعة الدين، وما فيه من التفصيل.
وهكذا سائر رسائلنا على كثرتها. ونحن نسير في تذكير الناس يوم الجمعة إلى شيء منها.
وإن مما ندرك على بعض الإخوان، وبعض العلماء الكرام كون أحدهم متى ظفر برسالة منا تبحث عن حقيقة عقيدة أو طريقة أو مقالة مشكلة، مما عسى أن يقع فيها الجدال، وكثرة القيل والقال، فهذه الرسالة تكشف لهم الإشكالات، وتزيل الشكوك والشبهات، فيكون حظ أحدهم منها هو:
محض النظر في عنوانها مع شدة كراهيته لها، وعسى أن ينشط للنظر في الوجه الأول منها، ثم يصفق بأجنحتهـا ويودعهـا في سلة الـمهملات وهو آخر عهده بها، ثم يستمع ما يقوله الناس فيها. فيقول بقولهم بدون تفكر، ولا حسن تدبر؛ لأنه بزعمه يعيش في زمان السرعة فكل شيء يراه ثقيلاً في نفسه.
نسأل الله سبحانه علمًا نافعًا مبرورًا، وعملاً صالحًا مشكورًا، ونعوذ بالله أن نقول زورًا، أو نغشى فجورًا."
منتقى من من مقدمة كتابه الحكم الجامعة الجزء الاول الصفحة 5