مشاهدة النسخة كاملة : رثاء قلم (قصيدة)


فريق منتدى الدي في دي العربي
11-27-2017, 08:40 PM
فَتَرَ القَلَمُ ذَاَتَ مَرَّةٍ عَنْ الكِتَابَةِ فَكَسَرْتُهُ فِي نَوْبَةٍ مِنْ نَوْبَاتِ الغَضَبِ... ثُمَّ نَدِمْتُ ورَثَيْتُهُ بِقَصِيدَةٍ قُلْتُ فِي مَطْلَعِهَا:
جُنُودُ الدَّهْرِ تَجْهَدُ فِي اهْتِبَالِي
وأُقْدِمُ لِلنِّزَالِ بِلَا إِلَالِ [1]
وحَوْلِي مُدَّعُو نَصْرِي كَثِيرٌ
وعِنْدَ الخَطْبِ مَعْدُومُ المَوَالِي
تُعَادِينِي السَّمَاءُ وخَافِقَاهَا
بِقَرِّ الكَيِّ أوْ صَرْدِ انْخِدَالِ [2]
ورَاجِمَةُ المَصَائبِ إذْ دَهَاهَا
عَمَىً عَمَّا سِوَايَ بِمَا تُوَالِي
وبَعْضِي حِينَ يَعْصِي فِيَّ بَعْضِي
فَمَا أنا مِنْهُمَا بِمَلِيكِ حَالِي
وناسٌ كَالبَرَاكِينِ اسْتِعَاراً
يَخَالُهُمُ المُغَفَّلُ كالدِّحَالِ [3]
جَوَامِدُ مَكْتَبِي لَأَحَبُ عِنْدِي
مِن ارْوَاحٍ لَهُمْ صُمٍّ ثِقَالِ
أُطَالِبُهَا فَمَا مَلَّتْ طِلَابِي
وأزْجُرُهَا فَمَا قَطَعَتْ حِبَالِي
ورُبَّ مُحَلَّمٍ قَدْ جَارَ يَوْمَاً
عَلَى قَلَمٍ حَلِيمٍ فِي الفَعَالِ
عَهِدْتُكَ لَمْ تَكُنْ إِلَّا جَوَاداً
لِأَيْدٍ مُسْتَجِيدَاتٍ عِجَالِ
فَتَبْذُلُ مَا بِجَوْفِكَ مِنْ مِدَادٍ
لِتُطْعِمَهُ صَحَائِفَهَا الخَوَالِي
وتَرْضَى أنْ تَبِيتَ خَمِيصَ بَطْنٍ
فَيَعْجَبُ مِنْكَ أَرْبَابُ النَّوَالِ
بَنَاتُ الفِكْرِ دُونَكَ فِي قُيُودٍ
يَصِحْنَ: "الفَكَّ مِنْ حُلَلٍ بَجَالِ" [4]
تَعَافُ لَكَ المُرُوَءةُ أنْ تَرَاهَا
رَهِينَاتِ العُقُولِ بِلا اجْتِيَالِ
فَذَلَّلتَ الدُهُورَ كَمَا المَطَايَا
لِتَبْلُغَ شِيمَةً فَوْقَ المَنَالِ
ورُحْتَ تَحُلُّ عَانِيَة ً فَأخُرَى
وتُنْجِدُ بِاليَمِينِ وبِالشِّمَالِ
فَمَنْ تَفْكُكْهُ خُلِّدَ فِي كِتَابٍ
ومَنْ تَتْرُكْهُ آلَ إلى الزَّوَالِ
تَغَارُ الحُورُ مِنْ صُحُفٍ رَأَتْهَا
عَلَى كَحَلٍ عَلَتْ بِكَ واكْتِحَالِ [5]
تُوَبِّخُهُنَّ أحْوَرُهُنَّ عَيْناً
" أيَبْدُو اللَّوْنُ فِي عَيْنَىَّ بَالِي! "
عَلَامَ النَّاظِرُونَ لَكُنَّ تَتْرَى
ونَحْنُ كَوَاسِدٌ عِنْدَ الفِضَالِ
ومِقْلَاقٍ يَرُودُ عَلَى سُطُورٍ
يَرَى أَنَّ السُـكُونَ مِن المُـحَالِ[6]
إذا عَجُرٌ لَهَا اتَّصَلَتْ بِصَدْرٍ
لَطَوَّقَتِ المَجَرَّةَ بِاتِّصَالِ
كَسَرْتُكَ حِينَ كُنْتَ فَتَرْتَ شَيْئاً
ولَمْ أعْتَدْ نَدَىً عِنْدَ انْهِلَالِ
كَسَرْتُكَ والنُّفُوسُ تَضِيمُ حِينَاً
وقَدْ جُبِلَتْ عَلَى كِنْدِ الخِلَالِ
كَسَرْتُكَ والفُؤَادُ لَهُ خُفُوقٌ
وقَدْ سَكَنَ الجَوَارِحُ فِي اعْتِلَالِ
أُجَمِّعُ مَا تَنَاثَرَ مِنْكَ طُرَّاً
كَجَمْعِ شَحِيحَةٍ نَثَرَ الَلآلِي[7]
وأَرْقُبُ فِيكَ لَوْنَ دَمٍ عَبِيطٍ
يُهوِّنُ مَا بِمَحْرُومِ الوِصَالِ
كَأنَّكَ كُنْتَ تَعْلَمُ مِنْ قَدِيمٍ
بِسَعْي أَنَامِلِي لَكَ لِاغْتِيَالِ
فَحَالَ اللَّوْنُ مِنْكَ إلَى احْمِرَارٍ
عَلَامَةَ أنْ سَتَخْضِبُكَ اللَّيَالِي
وعَشْرَةُ مُجْرِمِينَ وَقَلْبُ قَاضٍ
وَمَقْتُولٌ بَكِيمٌ عَنْ مَقَالِ [8]
يُجَرِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سَرِيعاً
إذَا اسْتَنْطَقْتُهُمْ عِنْدَ السُؤالِ
وإنْ جَرَّمْتُ وَاحِدَهُمْ فَرِيداً
يَئِنُّ ويَدَّعِي جَوْرَ الفِصَالِ
وإنْ أحْكُمْ بِكَسْرِهِمُ قِصَاصاً
أشَارُوا لِي بِأَنَّكَ ذُو اختِبَالِ
أهِمُّ بِهِمْ فَتَخْذُلُنِي يَمِينِي
فَأبْغَتُهَا فَتَنْصُرُهَا شِمَالِي
فَكَيْفَ وكُنْتُ عَدْلَاً لَا يُحَابِي
ونَاقِدَ مَا طَوَى الغُبْرُ الخَوَالِي
رَأَىَ "الكُسَعِيَّ" لَمْ يُنْصِفْ قَضَاءَاً
فَعَجَّلَ فِيهِ بِالدَّاءِ العُضَالِ [9]
بِبَتْرِ النَّوْطِ لَا بَتْرٍ لِعَشْرٍ
وكَسْرِ العَظْمِ لَا كَسْرِ النِّصَالِ [10]
لَعَمْرِي إنَّ كَسْرِيكَ ابْتِذَالٌ
وكَسْرُ الدَّهْرِ لِي رَدُّ ابْتِذَالِ
فَأنْتَ أنا عَلَى خَوَرٍ وضَعْفٍ
وإنَّ يَدَيَّ دَهْرِيَ فِي المِحَالِ
تَسَلَّ فَإنَّهَا أيَّامُ عُمْرٍ
كَعُمْرِ اليَوْمِ كَالصُبْحِ الزَوَالِ
كَهُدْءٍ بُلْجَةٍ عِنْدَ اعْتِدَادٍ
ثَوَانٍ لَا أَرَىَ فِيهَا تَوَالِي[11]
سَأُدْرِكُ مَا جَنَتْهُ يَدِي قَرِيبَاً
وأَعْلَمُ - بَعْدُ - عَاقِبَةَ المَآلِ
*
[1] إلال: جمع ألَّة وهى الحربة
[2] القَرُّ والصَرْدُ: الحَرُّ والبَرْدُ، الكَيُّ: الإكتواء من الحر، الإنخدال: تَبَلُدُ الأطراف من شدة البرد
[3] الدِّحَال: حُفَرُ ماء عظيمة تكون ضيقة الأعلى واسعة الأسفل
[4] حُلَلٍ بَجَال: قيود ضخمة
[5] كَحَل: سواد يعلو منابت الأشفار يكون خِلْقَة، الإكتحال: التكحُّل
[6] مِقلاق: كثير القلق، عنيت به القلم
[7] نَثَر: منثور
[8] عشرة مجرمين: الأصابع العشرة، بكيم: أبكم
[9] الكُسَعِيّ: رجل يُضْرَبُ به المَثَلُ فى الندامة .. ظَّنَ أنَّهُ أخْطَأَ صَيْدَ إحِدْى الطرائد فَكَسَرَ قَوْسَهُ .. فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ ذلك عَضَّ إبهامَهُ مِن الغيظ فَقَطَعَه
[10] النَّوْط: أعصاب يتعلق بها القلب
[11] الهُدْءُ: أول ثلث في الليل، البُلْجَة: آخر ثلث فيه


إسلام جلال محمد

Adsense Management by Losha