تركي السعوديه
03-10-2016, 04:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي العظيم
ها نحن الآن في الجزء قبل الأخير من أجزاء السر الأعظم أو سر الأسرار، وفي صدد السورة الأخيرة من سور سورة الرحمن، وكما نُلاحظ بأنَّ سورة الرحمن قد ختمها العزيز القدير بآية من آياته العظام، ولم يختمها بسؤاله المُتكرر عن ماذا يُكذِب الإنس والجان من الآلاء والبراهين والدلائل العِظام على رحمة الخالق بعبيده من الإنس والجان والتي أتت فيها سورة الرحمن، فبأي من تلك الآلاء يُكذب المُكذبون من الإنس والجان.
فبعد الاستطلاع الذي نُجريه في كل مرة ننشر فيها جزء من تلك الأجزاء، وجدنا التلهف والترقب في معرفة النتيجة من ظهور الحقيقة الخاصة بالسر الأعظم أو سر الأسرار، وبعد معرفة حقيقة ذلك السر وجدنا الناس ينتظرون ويترقبون فعل تلك الحقيقة في حياة الناس وكأنَّهُم يترقبون حدوث أمر عظيم بنوع من التصديق والتكذيب إضافة إلى بعض التأييد والتشكيك.
لا بأس عليك يا أمَّة الإسلام أمَّة محمد عليه الصلاة والسلام، فبعد كل ما مرت بهِ أمَّة الإسلام سواء كانوا عرب أو عجم في كل مكان، من صعاب وآلام، لا نستغرب هذا الخوف والتردد في قبول أمر عظيم وشأن هام، كشأن السر الأعظم أو سر الأسرار.
فإنَّهُ شأن والله عظيم، كيف لا وقد ظلَّ مكتوماً طوال آلاف السنين والأيام، أما الذين كانوا يعرفونه من أنبياء ورُسل وقوم صالحين استأثروا بهِ لأنفُسهِم وفضَّلوا عدم الجهر بالأمر لقناعتهِم بأنَّهُ لم يحن الوقت بعد لظهور هذا الوعد، وهو الوعد العظيم الذي وعد بهِ الخالق الكريم عباده المُخلصين من إنس وجن أجمعين، فهُم لم يكن لهُم شك في عظمة ذلك الوعد، حيث وجدناهُم قد أخلصوا العمل وصدقوا الوعد، وعملوا الصالحات وكانوا من المؤمنين، وهؤلاء هُم الغالبون في الدنيا والآخرة، بإذن ربِّهِم العظيم.
بالمُقابل نجد أولئك المشككين، الذين يصرون على الجُرم العظيم، وهو الجُرم الذي يؤدي بهِم ومن معهُم من أنس وجن أجمعين إلى الخُسران المُبين، كيف لا وهُم من حرصوا على خيانة جنسهِم سواء كانوا من الإنس أم من الجِن ليجعلونهُم من الأذلين في قاع الجحيم، وذلك بالعمل على نسيان ذِكر الله وذكر علمه وعمله وفضله على مخلوقاتهِ أجمعين، وعلى نسيان استخلاف رب العالمين للإنسان عليهِم وعلى الخلق أجمعين، وهذا بعد أن علَّم الله الإنسان عِلم الأسماء وعِلم البيان، وهو عِلم لو تعلمون عظيم، لنجد أن أولئك المجرمين الكافرين قد حرصوا وعملوا جاهدين على أن ينسا الإنسان ذكر ربهِ وذكر علمهِ المُبين، وقبلوا في المُقابل أن يكون مصيرهُم الجحيم وبأنَّهُم هُم الخاسرين.
ولكن نصر الله آت لا محالة، والله غالب على أمره وهو أعلم بالمُهتدين، نقرأ هذا القول العظيم في سورة المُجادلة: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21).
مما تقدم نعلم يقيناً بأنَّ وعد الله بإستخلاف الإنسان للأرض إنما هو وعد مُبين، وهو أمر يكاد أن يكون من البديهيات لكل مُتبصر وقارئ للأوضاع بكل صدق وأمانة ومن دون غرور وكبرياء، فالإنسان لم يوجد أو يأتي إلى هذهِ الأرض إلا ليكون خليفة الله فيها وذلك بعد أن يتم امتحانه وتهيئته وتدريبه على هذا الأمر العظيم.
نحن نتكلم عن زمان تكون الأرض فيها مركز الأكوان، ويكون خلافة الأرض بيد الإنسان كتنفيذ لأمر الرحمن، شاء من شاء وأبى أي من كان، فأمر الله نافذ على جميع خلقه وعلى جميع الأكوان، كيف لا والله هو الخالق الواحد الأحد ذو الجلالة والإكرام.
إذاً وجود الأديان لم يكن فقط لهدي الإنسان إلى بر الأمان، فالقضية أعمق وأكبر من ذلك بكثير، خصوصاً ونحن نرى تقاتل الإنسان وسفك الدماء من أجل امتلاك بقعة صغيرة من الأرض أو على بعض المال، فما بالك بسلطان الإنسان على الأرض والسماء وعلى جميع الأكوان من حوله!
المسألة يا إخوتي هي في كيفية أن يتوصل البشر وكل البشر دون إستثناء إلى وثيقة تفاهُم، يستطيع من خلالها كل إنسان بأن يتفاهم مع أخيه الإنسان، وبالتالي يتم طرد الشيطان اللعين ووساوسه وأعوانه الملعونين سواء كانوا إنس أم جان من حياة الإنسان والى الأبد، فييأس الشيطان من العبث في حياة الإنسان، ليعم بعدها السلام والوآم في حياة الأكوان ويستقر الزمان على خلافة الإنسان في الأرض كما أمر الرحمن.
هذا ليس مجرد كلام وأوهام، وواقع الإنسان الذي يعيشه الآن ليس ببعيد عن هذا الكلام، فبعد الحروب والمآسي والآلام بدأ الإنسان يُفكر في هذا الكلام، ولقد بدأ منذ زمن بتأسيس الجمعيات والمنظمات العالمية ووضع القوانين الدولية والمواثيق والعهود والأنظمة الأممية من أجل أن يعُم السلام بين الأوطان ومن أجل أن يستقر الحال بين كل البشر في أي زمان ومكان، وهذا الكلام لا يختلف عليه اثنان.
إذاً فيما سبق من الأجزاء وفيما نقولهُ الآن ليس سوى اختصار للوقت وللجهد الذي يبذلهُ الإنسان.
فكم حروب يجب على الإنسان أن يقوم بها حتى يُدرك هذا الكلام؟
وكم من البشر يجب أن يموتوا ويهلكوا حتى يستوعب الإنسان حقيقة وجوده في هذا الزمان؟
وكم من تدمير وإعادة بناء يجب أن يكون إلى أن يفهم الإنسان عظمة الخالق ورحمته بخلقه حتى يعبد الإنسان الإله الواحد الديَّان؟
إذاً الهدف والغاية من سورة الرحمن هو إعادة الإنسان إلى كونهِ حاكم هذا الزمان وبفضل الرحمن لا بفضل الشيطان اللعين.
كذلك الهدف والغاية من السر الأعظم أو سر الأسرار الذي يخص الإنسان هو تذكرة الإنسان بأيام الله، وبتذكرتهِ لما تعلمهُ من الرحمن فيما يخص علم الأسماء وعلم البيان، فبهذا العلم سوف يغلب الإنسان جميع المخلوقات في الأكوان، وسيعرف أسرارها وطرق إدارتها وتسييرها كما شاء لهُ الخالق الرحمن، وسوف يحكمها كخليفة الله في الأرض كما ترتضي شريعة الخالق بين مخلوقاتهِ في كل زمان ومكان.
إنَّ رسالة الإسلام ورسالة رسول السلام سيدنا مُحمد عليه الصلاة والسلام إنما تختزن في طياتها سُبل الأمان والوئام لجميع خلق الله وجميع الأنام.
ورسالتنا هُنا لجميع الأمم من بني الإنسان ونحن في طريقنا إلى ختم أجزاء السر الأعظم، بأنَّهُ آن الأوان لينهض البشر جميعاً، وليعمل الإنسان ما لم يعملهُ أبداً قبل الآن، وهو التصديق بكلام ربِّه الرحمن، وبأن يُباشر في تأسيس ذلك الكيان الذي يضمن لجميع بني الإنسان بأن يستقروا ويتحدوا ويكونوا كما خلقهُم الله أول مرَّة إخوة وأحبة من أب واحد وأم واحدة وخالقهُم الواحد الأحد.
أما بخصوص الخطوات التي يتوجب على الإنسان أن يتخذها لكي يتحقق لهُ هذا الشأن، فهي بسيطة وأمثلتها عديدة.
فالخالق العزيز الجبَّار قد وضَّح وبيَّن لنا هذا المسار بكل وضوح ويُسر، حيث جاء في قولهِ تعالى من سورة الرعد: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)، من هذهِ الآية الكريمة نفهم بأنَّ المُخالفين من البشر يطلبون ويشترطون على الدوام أموراً كثيرة من الرحمن، كشرط لقبولهٌم بهدي الخالق العزيز الوهاب، فيرد الله عليهِم ويكتفي بتعزيز أمر أنبياءه ورسله بأنَّهُم ليسوا سوى منذرين لقومهِم من عذاب النار لا أكثر ولا أقل، والخالق هُنا إنما يوضح بأنَّ النُذُر والهداية قد كانت لكل الأقوام على مر الزمان، ولم يغفل أو يهمل الله أي قوم من الأقوام، فلكل قوم كان لهُم هاد، يهدي إلى سُبل الرشاد، ويبقى الأمر عند الإنسان بأن يقبل بهذا الهدي من الرحمن فيطيعهُ ويطيع رُسلهِ وأنبياءه، أم يكون من أعوان الشيطان اللعين ليلعن نفسه وقومه بإتباعهِ شياطين الإنس والجان.
إذاً فيما يخص وضعنا الحالي فالخالق قد اختبر من قبل جميع الأقوام دون إستثناء، ومن خلال اختبارهم قد اختبر طرق عيشهِم وحياتهِم وأنظمتهِم وكل شيء يخصَّهُم، وكانت النتيجة أن ترك لنا مثالين إثنين في تلك الأقوام وهُم من أبناء سيدنا إبراهيم عليه السلام:
المثال الأول: ويتمثل بقوم يعقوب المعروفون بقوم إسرائيل في هذهِ الأيام، ولقد كان من شأنهِم أن أنزل الله عليهِم الرُسل والأنبياء تباعاً، وثبَّت هذا الأمر بالكُتب المُقدسة، ثُم وهبهُم الله النعم من أرض ومال وذِمم، ثمَّ منحهُم المُعجزات والتي كانت منها شق البحر ورفع الجبل وإنزال المائدة من السماء وما تحتويه تلك المائدة من رِزق طيب، فكانت النتيجة أن قتلوا أنبيائِهِم وكفروا بربهِم وتمسكوا بضلالهِم وإتباعِهِم لوساوس إبليس اللعين، فما زالوا إلى يومنا هذا ضالين مُضلين وسائرين وراء وساوس شيطانهِم اللعين.
المِثال الثاني: ويتمثل بقوم إسماعيل المعروفون بالعرب المُسلمين، ولقد كان من شأن هؤلاء القوم أن أنزل الله عليهِم المُصطفى كنبي ورسول أمين من رب العرش العظيم ولن يكون هُناك نبي أو رسول من بعده، فكان من هؤلاء القوم أن صدَّقوه ونصروه وساروا في شريعته واحتجُّوا أمام الناس بحجته، فنصرهُم الله على أعدائهِم وأقام فيهِم شريعته، فكان الأمر لهُم في سلطان ربَّهِم، فانتشروا في البلاد بين الناس والعباد، يدعون من حولهِم من بني جلدتهِم إلى رضوان ربِهِم وهدي رسولهِم، فكان الشأن شأنهُم والأمر أمرهُم، ورضخت لسلطانهِم العباد والبلاد، ولازالت محبَّتهِم وشيوع أمرهِم ونُصرت دينهِم دين الإسلام العظيم بين الناس أجمعين.
فيما سبق من المثالين يتبَّن لنا طريقين إثنين لا ثالث لهُما:
أولهُما طريق الحق المًبين الذي جاء بهِ الرسول الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم تسليم، وهو طريق واضح ومُبين، ولقد جرّبهُ الناس أجمعين فكان في ممارسة ذلك الدين، ألا وهو دين الإسلام العظيم، أن هدأت النفوس والأوطان، واستقر بهِ حال الإنسان، فكان من شأنهِ ما كان، استقرار ورضى وأمان، فكان للعرب شأن عظيم لما كان منهُم من نصرة نبيهُم الأمين، وهو الطريق الذي ينصح بهِ رب العالمين، فمن خلال هذا الطريق يتحول العبيد إلى أسياد لمجرد الإعلان أمام الأشهاد بأنَّهُم على دين الإسلام العظيم، وبهذا الطريق سوف يتذكر الإنسان تعاليم ربَّ العالمين، وسوف يستعيد بهِ سلطانهِ القديم، وسوف يكون بفضل هذا الدين العظيم خلافة الأرض، إذا كانوا لهذا الأمر راغبين.
وثانيهما طريق الضلالة والتكذيب بأمر الله الذي اتبعه قوم إسرائيل، وهو الطريق الذي مازال يُمارس من قبلهِم لفتنة الناس أجمعين كما أمرهُم شيطانهُم اللعين، ولقد جربَّهُ الناس ومازالوا عليهِ إلى يومنا هذا قائمين، فكانت الحروب والمآسي وكان الظُلم والقهر وغيرها كثير، وما زال الإنسان يُعاني من جراء تبعيته لهذا الطريق اللعين، طريق الضلالة، فمتى يتحرر الإنسان من هذا الجهل المُبين.
ودعوتنا هُنا للناس أجمعين بأن يتبعوا طريق الحق المُبين، الطريق الذي أوصى بهِ رسولنا الأمين وهو إتباع دين الإسلام العظيم، فمن خلال هذا الدين سوف يتيقن الإنسان من ربه، وسوف يعرف رسوله، وسوف يسترد ذاكرته وعلمه، وسوف يتولى أمر خلافته لأرضهِ كخليفة الله في الأرض كما أقر وصرح بهِ الخالق العظيم وذلك أمام خلقهِ أجمعين، بأنَّ الله أمر جميع خلقهِ كي يسجدوا لخليفة الله في الأرض ألا وهو الإنسان العظيم، الذي وضع الله فيه سرَّهُ، السر الأعظم أو سر الأسرار.
إذا بشِّروا الخليفة الإنسان بأنَّ وقتهُ قد آن، وبأنَّ جميع الأكوان من خلق الله مُستعده للسجود لهُ كما أمرهُم خالقهُم الرحمن.
نعود إلى سورة الرحمن، ولآية عظيمة من آياتهِ العِظام، والمتمثلة بسورة كاملة تنتهي بسؤال الرحمن، عن آلائه في الإنس والجان، حيث نقرأ هُنا قولهُ تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77).
فبعد ما تقدم من توطئة بخصوص عظمة الإنسان كمخلوق خلقهُ الرحمن، وخصَّهُ بأمور عظيمة وخصَّهُ بان يكون خليفتهُ في الأرض، نقرأ في هذهِ الآية الكريمة هيئة ذلك المخلوق الذي هو الإنسان وكيف تكون مكانته ووضعهُ في الجِنان كأهم مخلوق خلقهُ الرحمن، فأعطاه من نعمهِ عندما خلقهُ من جسد يجمع قوى كل المخلوقات، وروح كرمه بها الخالق بأن نفخها من روحه سُبحانه، وعِلم قد فاق في طياته علوم كل المخلوقات في الأكوان، ومنصب فريد لا يُنافسهُ بهِ أحد من مخلوقات الله وهو خليفة الله في الأرض وفي الأكوان.
فالسؤال هُنا لهذا المخلوق كيف يكون وضعه في الجِنان؟
جاءت هذهِ الآية ليختم بها الله سور سورة الرحمن بأن تُشير إلى وضع الإنسان في الجِنان، فبعد ما كان من أمر الإنسان الذي جاء ذكرهُ في سورة الرحمن، كان لِزاماً أن يكون وضعهُ في الجِنان مُميَّز كما هو شأنَّه وحقيقتهِ بين مخلوقات الله في الأكوان، هذا الإنسان سوف يكون متكئهُ أي راحته واستقراره وعرشه الذي يفوق عروش الإنس والجان، وكما جاء قوله (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ ) هذا المُتكأ سوف يكون عبارة عن بِساط خُضر أي جميل ومريح ومُفعم بالحياة كما يوحيه اللون الأخضر، وهذا البِساط الناعم الجميل سوف يكون فيهِ مُتكأ ليتكاْ عليه الإنسان في جلوسه واستقراره على عرشه، أما الفرادة في هذا العرش بأنَّ جوانبه عباره عن أجنحة تُرفرف وتنقله بين الجنتين أو الجنان بكل أمان، ثُمَّ أضاف الرحمن لهذا المقام الفريد الذي وهبهُ للإنسان (وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ) بأن ترافقهُ في مقرهِ وترحالهِ عبقري حِسان، أي نساء حِسان ذات عبقرية في العقول والعِلم والمعرفة، فلا يمل برفقتهِم الإنسان أينما كان، فنعم الرفقة ونعم المكان.
فمتى يعود الإنسان إلى هذا المُلك الذي أعدَّهٌ الرحمن للإنسان، ذلك الإنسان الذي يستحق بدل الجنِّة جنتان بل جِنان؟
أعود وأسأل بعد هذا كلَّهُ كما سأل الرحمن، ماذا يُريد الإنسان أكثر من هذا، وبأي من هذهِ النِعم العظيمة والجليلة الفريدة يُكذِب الإنسان، فيكون سؤال الرحمن: فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77)، فما يسع الإنسان أن يٌجيب على سؤال الرحمن سوى أن يقول: نعوذ بك ربَّنا من أن نُكذِّب أو ننكر بأي من نعمك وأفضالك تلك على الإنسان.
تبقى آية من آيات سورة الرحمن، ترقبوها يرحمنا ويرحمكم الله.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المُرسلين محمد ابن عبد الله وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، وعلى من والاهُم إلى يوم الدين.
محمد "محمد سليم" الكاظمي
ها نحن الآن في الجزء قبل الأخير من أجزاء السر الأعظم أو سر الأسرار، وفي صدد السورة الأخيرة من سور سورة الرحمن، وكما نُلاحظ بأنَّ سورة الرحمن قد ختمها العزيز القدير بآية من آياته العظام، ولم يختمها بسؤاله المُتكرر عن ماذا يُكذِب الإنس والجان من الآلاء والبراهين والدلائل العِظام على رحمة الخالق بعبيده من الإنس والجان والتي أتت فيها سورة الرحمن، فبأي من تلك الآلاء يُكذب المُكذبون من الإنس والجان.
فبعد الاستطلاع الذي نُجريه في كل مرة ننشر فيها جزء من تلك الأجزاء، وجدنا التلهف والترقب في معرفة النتيجة من ظهور الحقيقة الخاصة بالسر الأعظم أو سر الأسرار، وبعد معرفة حقيقة ذلك السر وجدنا الناس ينتظرون ويترقبون فعل تلك الحقيقة في حياة الناس وكأنَّهُم يترقبون حدوث أمر عظيم بنوع من التصديق والتكذيب إضافة إلى بعض التأييد والتشكيك.
لا بأس عليك يا أمَّة الإسلام أمَّة محمد عليه الصلاة والسلام، فبعد كل ما مرت بهِ أمَّة الإسلام سواء كانوا عرب أو عجم في كل مكان، من صعاب وآلام، لا نستغرب هذا الخوف والتردد في قبول أمر عظيم وشأن هام، كشأن السر الأعظم أو سر الأسرار.
فإنَّهُ شأن والله عظيم، كيف لا وقد ظلَّ مكتوماً طوال آلاف السنين والأيام، أما الذين كانوا يعرفونه من أنبياء ورُسل وقوم صالحين استأثروا بهِ لأنفُسهِم وفضَّلوا عدم الجهر بالأمر لقناعتهِم بأنَّهُ لم يحن الوقت بعد لظهور هذا الوعد، وهو الوعد العظيم الذي وعد بهِ الخالق الكريم عباده المُخلصين من إنس وجن أجمعين، فهُم لم يكن لهُم شك في عظمة ذلك الوعد، حيث وجدناهُم قد أخلصوا العمل وصدقوا الوعد، وعملوا الصالحات وكانوا من المؤمنين، وهؤلاء هُم الغالبون في الدنيا والآخرة، بإذن ربِّهِم العظيم.
بالمُقابل نجد أولئك المشككين، الذين يصرون على الجُرم العظيم، وهو الجُرم الذي يؤدي بهِم ومن معهُم من أنس وجن أجمعين إلى الخُسران المُبين، كيف لا وهُم من حرصوا على خيانة جنسهِم سواء كانوا من الإنس أم من الجِن ليجعلونهُم من الأذلين في قاع الجحيم، وذلك بالعمل على نسيان ذِكر الله وذكر علمه وعمله وفضله على مخلوقاتهِ أجمعين، وعلى نسيان استخلاف رب العالمين للإنسان عليهِم وعلى الخلق أجمعين، وهذا بعد أن علَّم الله الإنسان عِلم الأسماء وعِلم البيان، وهو عِلم لو تعلمون عظيم، لنجد أن أولئك المجرمين الكافرين قد حرصوا وعملوا جاهدين على أن ينسا الإنسان ذكر ربهِ وذكر علمهِ المُبين، وقبلوا في المُقابل أن يكون مصيرهُم الجحيم وبأنَّهُم هُم الخاسرين.
ولكن نصر الله آت لا محالة، والله غالب على أمره وهو أعلم بالمُهتدين، نقرأ هذا القول العظيم في سورة المُجادلة: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21).
مما تقدم نعلم يقيناً بأنَّ وعد الله بإستخلاف الإنسان للأرض إنما هو وعد مُبين، وهو أمر يكاد أن يكون من البديهيات لكل مُتبصر وقارئ للأوضاع بكل صدق وأمانة ومن دون غرور وكبرياء، فالإنسان لم يوجد أو يأتي إلى هذهِ الأرض إلا ليكون خليفة الله فيها وذلك بعد أن يتم امتحانه وتهيئته وتدريبه على هذا الأمر العظيم.
نحن نتكلم عن زمان تكون الأرض فيها مركز الأكوان، ويكون خلافة الأرض بيد الإنسان كتنفيذ لأمر الرحمن، شاء من شاء وأبى أي من كان، فأمر الله نافذ على جميع خلقه وعلى جميع الأكوان، كيف لا والله هو الخالق الواحد الأحد ذو الجلالة والإكرام.
إذاً وجود الأديان لم يكن فقط لهدي الإنسان إلى بر الأمان، فالقضية أعمق وأكبر من ذلك بكثير، خصوصاً ونحن نرى تقاتل الإنسان وسفك الدماء من أجل امتلاك بقعة صغيرة من الأرض أو على بعض المال، فما بالك بسلطان الإنسان على الأرض والسماء وعلى جميع الأكوان من حوله!
المسألة يا إخوتي هي في كيفية أن يتوصل البشر وكل البشر دون إستثناء إلى وثيقة تفاهُم، يستطيع من خلالها كل إنسان بأن يتفاهم مع أخيه الإنسان، وبالتالي يتم طرد الشيطان اللعين ووساوسه وأعوانه الملعونين سواء كانوا إنس أم جان من حياة الإنسان والى الأبد، فييأس الشيطان من العبث في حياة الإنسان، ليعم بعدها السلام والوآم في حياة الأكوان ويستقر الزمان على خلافة الإنسان في الأرض كما أمر الرحمن.
هذا ليس مجرد كلام وأوهام، وواقع الإنسان الذي يعيشه الآن ليس ببعيد عن هذا الكلام، فبعد الحروب والمآسي والآلام بدأ الإنسان يُفكر في هذا الكلام، ولقد بدأ منذ زمن بتأسيس الجمعيات والمنظمات العالمية ووضع القوانين الدولية والمواثيق والعهود والأنظمة الأممية من أجل أن يعُم السلام بين الأوطان ومن أجل أن يستقر الحال بين كل البشر في أي زمان ومكان، وهذا الكلام لا يختلف عليه اثنان.
إذاً فيما سبق من الأجزاء وفيما نقولهُ الآن ليس سوى اختصار للوقت وللجهد الذي يبذلهُ الإنسان.
فكم حروب يجب على الإنسان أن يقوم بها حتى يُدرك هذا الكلام؟
وكم من البشر يجب أن يموتوا ويهلكوا حتى يستوعب الإنسان حقيقة وجوده في هذا الزمان؟
وكم من تدمير وإعادة بناء يجب أن يكون إلى أن يفهم الإنسان عظمة الخالق ورحمته بخلقه حتى يعبد الإنسان الإله الواحد الديَّان؟
إذاً الهدف والغاية من سورة الرحمن هو إعادة الإنسان إلى كونهِ حاكم هذا الزمان وبفضل الرحمن لا بفضل الشيطان اللعين.
كذلك الهدف والغاية من السر الأعظم أو سر الأسرار الذي يخص الإنسان هو تذكرة الإنسان بأيام الله، وبتذكرتهِ لما تعلمهُ من الرحمن فيما يخص علم الأسماء وعلم البيان، فبهذا العلم سوف يغلب الإنسان جميع المخلوقات في الأكوان، وسيعرف أسرارها وطرق إدارتها وتسييرها كما شاء لهُ الخالق الرحمن، وسوف يحكمها كخليفة الله في الأرض كما ترتضي شريعة الخالق بين مخلوقاتهِ في كل زمان ومكان.
إنَّ رسالة الإسلام ورسالة رسول السلام سيدنا مُحمد عليه الصلاة والسلام إنما تختزن في طياتها سُبل الأمان والوئام لجميع خلق الله وجميع الأنام.
ورسالتنا هُنا لجميع الأمم من بني الإنسان ونحن في طريقنا إلى ختم أجزاء السر الأعظم، بأنَّهُ آن الأوان لينهض البشر جميعاً، وليعمل الإنسان ما لم يعملهُ أبداً قبل الآن، وهو التصديق بكلام ربِّه الرحمن، وبأن يُباشر في تأسيس ذلك الكيان الذي يضمن لجميع بني الإنسان بأن يستقروا ويتحدوا ويكونوا كما خلقهُم الله أول مرَّة إخوة وأحبة من أب واحد وأم واحدة وخالقهُم الواحد الأحد.
أما بخصوص الخطوات التي يتوجب على الإنسان أن يتخذها لكي يتحقق لهُ هذا الشأن، فهي بسيطة وأمثلتها عديدة.
فالخالق العزيز الجبَّار قد وضَّح وبيَّن لنا هذا المسار بكل وضوح ويُسر، حيث جاء في قولهِ تعالى من سورة الرعد: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)، من هذهِ الآية الكريمة نفهم بأنَّ المُخالفين من البشر يطلبون ويشترطون على الدوام أموراً كثيرة من الرحمن، كشرط لقبولهٌم بهدي الخالق العزيز الوهاب، فيرد الله عليهِم ويكتفي بتعزيز أمر أنبياءه ورسله بأنَّهُم ليسوا سوى منذرين لقومهِم من عذاب النار لا أكثر ولا أقل، والخالق هُنا إنما يوضح بأنَّ النُذُر والهداية قد كانت لكل الأقوام على مر الزمان، ولم يغفل أو يهمل الله أي قوم من الأقوام، فلكل قوم كان لهُم هاد، يهدي إلى سُبل الرشاد، ويبقى الأمر عند الإنسان بأن يقبل بهذا الهدي من الرحمن فيطيعهُ ويطيع رُسلهِ وأنبياءه، أم يكون من أعوان الشيطان اللعين ليلعن نفسه وقومه بإتباعهِ شياطين الإنس والجان.
إذاً فيما يخص وضعنا الحالي فالخالق قد اختبر من قبل جميع الأقوام دون إستثناء، ومن خلال اختبارهم قد اختبر طرق عيشهِم وحياتهِم وأنظمتهِم وكل شيء يخصَّهُم، وكانت النتيجة أن ترك لنا مثالين إثنين في تلك الأقوام وهُم من أبناء سيدنا إبراهيم عليه السلام:
المثال الأول: ويتمثل بقوم يعقوب المعروفون بقوم إسرائيل في هذهِ الأيام، ولقد كان من شأنهِم أن أنزل الله عليهِم الرُسل والأنبياء تباعاً، وثبَّت هذا الأمر بالكُتب المُقدسة، ثُم وهبهُم الله النعم من أرض ومال وذِمم، ثمَّ منحهُم المُعجزات والتي كانت منها شق البحر ورفع الجبل وإنزال المائدة من السماء وما تحتويه تلك المائدة من رِزق طيب، فكانت النتيجة أن قتلوا أنبيائِهِم وكفروا بربهِم وتمسكوا بضلالهِم وإتباعِهِم لوساوس إبليس اللعين، فما زالوا إلى يومنا هذا ضالين مُضلين وسائرين وراء وساوس شيطانهِم اللعين.
المِثال الثاني: ويتمثل بقوم إسماعيل المعروفون بالعرب المُسلمين، ولقد كان من شأن هؤلاء القوم أن أنزل الله عليهِم المُصطفى كنبي ورسول أمين من رب العرش العظيم ولن يكون هُناك نبي أو رسول من بعده، فكان من هؤلاء القوم أن صدَّقوه ونصروه وساروا في شريعته واحتجُّوا أمام الناس بحجته، فنصرهُم الله على أعدائهِم وأقام فيهِم شريعته، فكان الأمر لهُم في سلطان ربَّهِم، فانتشروا في البلاد بين الناس والعباد، يدعون من حولهِم من بني جلدتهِم إلى رضوان ربِهِم وهدي رسولهِم، فكان الشأن شأنهُم والأمر أمرهُم، ورضخت لسلطانهِم العباد والبلاد، ولازالت محبَّتهِم وشيوع أمرهِم ونُصرت دينهِم دين الإسلام العظيم بين الناس أجمعين.
فيما سبق من المثالين يتبَّن لنا طريقين إثنين لا ثالث لهُما:
أولهُما طريق الحق المًبين الذي جاء بهِ الرسول الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم تسليم، وهو طريق واضح ومُبين، ولقد جرّبهُ الناس أجمعين فكان في ممارسة ذلك الدين، ألا وهو دين الإسلام العظيم، أن هدأت النفوس والأوطان، واستقر بهِ حال الإنسان، فكان من شأنهِ ما كان، استقرار ورضى وأمان، فكان للعرب شأن عظيم لما كان منهُم من نصرة نبيهُم الأمين، وهو الطريق الذي ينصح بهِ رب العالمين، فمن خلال هذا الطريق يتحول العبيد إلى أسياد لمجرد الإعلان أمام الأشهاد بأنَّهُم على دين الإسلام العظيم، وبهذا الطريق سوف يتذكر الإنسان تعاليم ربَّ العالمين، وسوف يستعيد بهِ سلطانهِ القديم، وسوف يكون بفضل هذا الدين العظيم خلافة الأرض، إذا كانوا لهذا الأمر راغبين.
وثانيهما طريق الضلالة والتكذيب بأمر الله الذي اتبعه قوم إسرائيل، وهو الطريق الذي مازال يُمارس من قبلهِم لفتنة الناس أجمعين كما أمرهُم شيطانهُم اللعين، ولقد جربَّهُ الناس ومازالوا عليهِ إلى يومنا هذا قائمين، فكانت الحروب والمآسي وكان الظُلم والقهر وغيرها كثير، وما زال الإنسان يُعاني من جراء تبعيته لهذا الطريق اللعين، طريق الضلالة، فمتى يتحرر الإنسان من هذا الجهل المُبين.
ودعوتنا هُنا للناس أجمعين بأن يتبعوا طريق الحق المُبين، الطريق الذي أوصى بهِ رسولنا الأمين وهو إتباع دين الإسلام العظيم، فمن خلال هذا الدين سوف يتيقن الإنسان من ربه، وسوف يعرف رسوله، وسوف يسترد ذاكرته وعلمه، وسوف يتولى أمر خلافته لأرضهِ كخليفة الله في الأرض كما أقر وصرح بهِ الخالق العظيم وذلك أمام خلقهِ أجمعين، بأنَّ الله أمر جميع خلقهِ كي يسجدوا لخليفة الله في الأرض ألا وهو الإنسان العظيم، الذي وضع الله فيه سرَّهُ، السر الأعظم أو سر الأسرار.
إذا بشِّروا الخليفة الإنسان بأنَّ وقتهُ قد آن، وبأنَّ جميع الأكوان من خلق الله مُستعده للسجود لهُ كما أمرهُم خالقهُم الرحمن.
نعود إلى سورة الرحمن، ولآية عظيمة من آياتهِ العِظام، والمتمثلة بسورة كاملة تنتهي بسؤال الرحمن، عن آلائه في الإنس والجان، حيث نقرأ هُنا قولهُ تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77).
فبعد ما تقدم من توطئة بخصوص عظمة الإنسان كمخلوق خلقهُ الرحمن، وخصَّهُ بأمور عظيمة وخصَّهُ بان يكون خليفتهُ في الأرض، نقرأ في هذهِ الآية الكريمة هيئة ذلك المخلوق الذي هو الإنسان وكيف تكون مكانته ووضعهُ في الجِنان كأهم مخلوق خلقهُ الرحمن، فأعطاه من نعمهِ عندما خلقهُ من جسد يجمع قوى كل المخلوقات، وروح كرمه بها الخالق بأن نفخها من روحه سُبحانه، وعِلم قد فاق في طياته علوم كل المخلوقات في الأكوان، ومنصب فريد لا يُنافسهُ بهِ أحد من مخلوقات الله وهو خليفة الله في الأرض وفي الأكوان.
فالسؤال هُنا لهذا المخلوق كيف يكون وضعه في الجِنان؟
جاءت هذهِ الآية ليختم بها الله سور سورة الرحمن بأن تُشير إلى وضع الإنسان في الجِنان، فبعد ما كان من أمر الإنسان الذي جاء ذكرهُ في سورة الرحمن، كان لِزاماً أن يكون وضعهُ في الجِنان مُميَّز كما هو شأنَّه وحقيقتهِ بين مخلوقات الله في الأكوان، هذا الإنسان سوف يكون متكئهُ أي راحته واستقراره وعرشه الذي يفوق عروش الإنس والجان، وكما جاء قوله (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ ) هذا المُتكأ سوف يكون عبارة عن بِساط خُضر أي جميل ومريح ومُفعم بالحياة كما يوحيه اللون الأخضر، وهذا البِساط الناعم الجميل سوف يكون فيهِ مُتكأ ليتكاْ عليه الإنسان في جلوسه واستقراره على عرشه، أما الفرادة في هذا العرش بأنَّ جوانبه عباره عن أجنحة تُرفرف وتنقله بين الجنتين أو الجنان بكل أمان، ثُمَّ أضاف الرحمن لهذا المقام الفريد الذي وهبهُ للإنسان (وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ) بأن ترافقهُ في مقرهِ وترحالهِ عبقري حِسان، أي نساء حِسان ذات عبقرية في العقول والعِلم والمعرفة، فلا يمل برفقتهِم الإنسان أينما كان، فنعم الرفقة ونعم المكان.
فمتى يعود الإنسان إلى هذا المُلك الذي أعدَّهٌ الرحمن للإنسان، ذلك الإنسان الذي يستحق بدل الجنِّة جنتان بل جِنان؟
أعود وأسأل بعد هذا كلَّهُ كما سأل الرحمن، ماذا يُريد الإنسان أكثر من هذا، وبأي من هذهِ النِعم العظيمة والجليلة الفريدة يُكذِب الإنسان، فيكون سؤال الرحمن: فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77)، فما يسع الإنسان أن يٌجيب على سؤال الرحمن سوى أن يقول: نعوذ بك ربَّنا من أن نُكذِّب أو ننكر بأي من نعمك وأفضالك تلك على الإنسان.
تبقى آية من آيات سورة الرحمن، ترقبوها يرحمنا ويرحمكم الله.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المُرسلين محمد ابن عبد الله وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، وعلى من والاهُم إلى يوم الدين.
محمد "محمد سليم" الكاظمي