مشاهدة النسخة كاملة : اختلاف ضبط معمر بن راشد بالنظر إلى السن التي تلقى فيها


فريق منتدى الدي في دي العربي
02-28-2016, 10:40 PM
اختلاف ضبط معمر بن راشد بالنظر إلى السن التي تلقى فيها
أ. د. حسن محمد عبه جي





لم يكن ضبط معمر بن راشد للمرويات التي سمعها وهو صغير في قوة ضبطه لما سمعه بعد ماكَبِر واتَّسعَتْ مَدارِكُه، فقد كان اهتمامه في الصغر منصرفاً إلى جانب من المرويات دون جانب، غير مدقِّق في الأخبار من حيث صحتُها وسلامةُ أسانيدها.

ويُمَثَّلُ لهذا بمروياته عن قتادة، فقد سمع معمر منه في أول طلبه وهو صغير.

قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: قال معمر: (( جلست إلى قتادة وأنا صغير، فلم أحفظ عنه الأسانيد ))[1].

وجاء النصُّ عند الباجي[2]هكذا: (( فلم أحفظ عنه إلا الأسانيد )).

وأياً كان هو الصواب فإنه يدل على أن اهتمامه كان منصرفاً إلى جانب واحد، فلم يجمع في حفظه بين الأسانيد والمتون.

وهذا النصُّ يقيد قوله الآخر: (( سمعت من قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة، فما شيء سمعته في تلك السنين إلا وكأنه مكتوب في صدري )) [3]، فيكون معناه: من المتون فقط، أو من الأسانيد فقط.

يضاف إلى هذا: أنه روى التفسير عن قتادة بأساتيد منقطعة.

قال عبدالرزاق: سمعت مالكاً يقول - وسألته عن معمر فقال -: إنه لولا! قلت: لولا ماذا؟ قال: لولا روايته عن قتادة[4].

وجاء الخبر عند الذهبي[5]هكذا: قال عبدالرزاق: قال لي مالك: (( نعم الرجل كان معمر، لولا روايته التفسير عن قتادة )).

وعلَّق الذهبي قائلاً: (( يظهر على مالك الإمام إعراض عن التفسير لانقطاع أسانيد ذلك...)).

من أجل هذا، ضعَّف الأئمة حديث معمر عن قتادة.

قال الدارقطني في (( العلل ))[6]: (( سيء الحفظ لحديث قتادة.. )).

وقدَّموا رواية غيره من الثقات عن قتادة على روايته عنه.

قيل لأبي داود[7]: شيبان[8]أحبُّ إليك في قتادة من معمر؟ قال: نعم.

ولم يعُدُّوا مخالفة معمر لغيره من الثقات عن قتادة علة قادحة في صحة الخبر.

أخرج البخاري[9]من طريق سعيد بن أبي عَروبة قال: حدثنا قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( مابال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم... )) الحديث.

وخالف فيه معمر، فرواه عن قتادة مرسلاً، أخرجه عبدالرزاق[10]عنه.

قال ابن حجر[11]: (( وهي علة غير قادحة؛ لأن سعيداً أعلم بحديث قتادة من معمر )) انتهى.

وليس في الصحيحين من حديث معمر عن قتادة، سوى حديث واحد أخرجه مسلم[12]مقروناً، وعلَّق له البخاري[13]حديثاً آخر.


[1] ابن رجب، عبد الرحمن بن أحمد، أبو الفرج الدمشقي الحنبلي - ت 795- (( شرح علل الترمذي ))، تحقيق الدكتور همام عبدالرحيم سعيد 2: 689 (الأردن، مكتبة المنار، الأولى 1407).

[2] (( التعديل والتجريح )) 2: 742.

[3] (( التاريخ الكبير )) 7: 378 (1631).

[4] (( المعرفة والتاريخ )) 2: 181.

[5] (( سير أعلام النبلاء )) 7: 9.

[6] ليس في القسم المطبوع من (( العلل ))، ونقلته عن تعليقات الدكتور بشار عواد معروف على (( تهذيب الكمال )) 28: 311-312.

[7] أبو داود، سليمان بن الأشعث السِّجِسْتاني - ت 275ه- - (( سؤالات أبي عبيد الآجرّي لأبي داود )) تحقيق محمد علي قاسم العمري 1: 269 (372)، (المدينة المنورة، الجامعة الإسلامية، الأولى 1399).

[8] هو شيبان بن عبد الرجمن النحوي، أبو معاوية البصري الثقة. (( التقريب )) (2833).

[9] (( صحيح البخاري )) المطبوع مع شرحه (( فتح الباري )) كتاب الأذان - باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة 2: 272 (750)، طبعة قصي محب الدين الخطيب (القاهرة، دار الريان، الأولى 1407).

[10] (( المصنف )) 2: 253 (3259).

[11] (( فتح الباري )) 2: 273.

[12] هو حديث أنس: أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر.. أخرجه مسلم من طريق شيبان، ومعمر، وشعبة، عن قتادة، عن أنس به. مسلم بن الحجاج، أبو الحسين النيسابوري - ت 261- (( صحيح مسلم )): كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - باب انشقاق القمر 4: 2159 حديث 46 _ 47 (2802)، طبعة محمد فؤاد عبد الباقي (بيروت، مصورة دار إحياء التراث العربي )

[13] هو حديث أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم شثن القدمين والكفين. علَّقه البخاري في كتاب اللباس - باب الجعد (5910).

Adsense Management by Losha