فريق منتدى الدي في دي العربي
02-16-2016, 12:49 PM
عقاب أم ابتلاء؟
الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
السؤال
مشايخنا الكرام، إذا أصاب المسلمَ مكروهٌ في نفسه، أو ولده، فكيف يمكنُ له أن يُفَرِّق بين ما إذا كان هذا عقابًا من الله أم ابتلاءً؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فبدايةً، يَجِبُ عليكِ أن تعلمي أن كلَّ ما يقع في حياتنا من جليلٍ وحقيرٍ، ومن مسرَّات وأحزان، وما يصيب المرءَ من خير وشر، ومن صِحَّة ومن مرض، من بلاء وعافية - كلُّهُ مقدَّر عند الله، حتى الحِذْقِ في الأمور والعَجْزِ عنها؛ كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ شيءٍ بقدرٍ حتى العجز والكَيْس، أو الكَيْس والعجز))، فالغنى ابتلاءٌ، والفقرُ ابتلاءٌ، والصحةُ ابتلاءٌ، والمرضُ ابتلاءٌ، ما يحبُّه الإنسانُ ابتلاءٌ، وما يُبغضه ابتلاءٌ كذلك، وهذا هو الذي ذكره ربُّ العالمين بأوجَهِ عبارةٍ وأجمعها؛ فقال - جل وعلا -: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء : 35]، فالآية خيرُ جوابٍ لتساؤل الأختِ الكريمة؛ حيث بيَّن - جل وعلا - أنه يبتلي العبادَ بالشرِّ والخير على حدٍّ سواء، فيصيبُهم بالأمورِ التي تسوءُهم؛ كالمصائبِ وكالمحن، ويبتليهم - أيضًا - بالخير؛ أي: الأمور التي تفرحُهُم وتُبهجُهم كالنِّعم التي تكونُ في الصحةِ والمال والدِّين، وغير ذلك، فكلُّهُ ابتلاءٌ من الله - جل وعلا - فسوَّى - سبحانه - بين ابتلائه بالخيرِ والشر لعباده، والمؤمن يوقِنُ أنَّ الابتلاء من كلمات الله الكونية التي لا تتبدَّل؛ فالإنسان لا بدَّ أن يُبتلى؛ قال - تعالى -: {﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت : 2 ، 3]، وقال - سبحانه -: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد : 31]، فنظرةُ عباد الله المؤمنين إلى الابتلاء على أنَّه ضرورةٌ لا بدَّ أن تقع، فلا بد لله - جل وعلا - أن يبتليَ عبادَه ليُمَحِّص عبادَه المؤمنين؛ قال - تعالى - مبيِّنًا هذه الحقيقة الجامعة: ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران : 179]، فصرَّح - جل وعلا - أنه لا بد أن يُمَيِّز الخبيثَ من الطيب، وأن يبتلي العباد؛ لتظهَر معاناتُهم ظُهُور العيان، وإن كان اللهُ - جل وعلا - يعلمُ الشيء قبلَ أن يكون، وبعدَ أن يكون، فهو العليمُ الحكيمُ الذي وسع علمُه كلَّ شيءٍ.
وشأن المؤمن أنه يُحْسِنَ الظنَّ بربه، بأن يعلم أنَّ ما أصابه من خيرٍ أو شرٍ في طياتِهِ الخيرُ الكثيرُ، وإن كان محزنًا؛ كما قال - تعالى -: {﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : 216]، وقد وصف النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حالَ المؤمن بهذا فقال: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إنَّ أمره كلَّه له خيرٌ، وليس ذلك إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرَّاءُ شَكَرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاءُ صبر، فكان خيرًا له))؛ رواه مسلم، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاء، وإنَّ الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم؛ فمن رَضِيَ فله الرِّضا، ومن سَخِطَ فله السُّخط))؛ رواه الترمذي.
وروى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من يردِ الله به خيرًا، يُصِبْ منه))؛ أي: يبتليه بالمصائب؛ ليُطهِّرَهُ من الذنوبِ في الدنيا، فيلقى الله - تعالى - نقيًّا.
فثبت بذلك أنَّ المؤمن ينظُر للابتلاء - في هذه الحالة - على أنه منحةٌ من الله - جل وعلا - يمنحُها لعباده؛ لأنَّ فيه الخيرَ الكثير، وكل ما يقربُكِ إلى الله، فهو خيرٌ، لا سيَّما وأنتِ لا تعلمين ماذا يترتب على بعضِ الأمور المُفْرحة التي تحبُّينها، فقد يكون الضُّرُّ في ثناياها، وقد يكون الشرُّ في طياتِها، فهذا هو مقامُ التسليم لله - جلَّ وعلا.
وأمَّا إن كان العبد مسيئًا عاصيًا مفَرِّطًا في جنب الله - جل وعلا - فحينئذ لا بد أن ينظُر لهذه الابتلاءات على أنها تذكيرٌ وتحذيرٌ من الله - جل وعلا - فإنَّ من شؤم المعصية أنَّ الله - جل وعلا - يُوقِع بعضَ عقوباته العاجلة في العباد، عدَا ما قد يكون هنالك في الآخرة، مع أنَّ هذه المصائبَ قد تكفِّر السيئةَ للعبدِ المذنب قبل أن يأتيَ إلى ربه؛ فإن المصائبَ من المكفِّرات، ولذلك قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما يصيب المسلمَ من نَصَبٍ - أي: من تعب - ولا وَصَبٍ - أي: مرضٍ - ولا همٍّ، ولا حَزَنٍ، ولا أذًى، ولا غمٍّ، حتى الشوكة يُشاكُها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه))؛ متفقٌ على صحته.
فهذا هو الذي ينبغي أن تنظري إليه في حقيقة الابتلاء؛ فبذلك يهُونُ عليكِ الأمرُ، ويطيبُ خاطرُك، وتعلمي أن ما أصابكِ لم يكن ليُخطئَكِ، وما أخطأَكِ لم يكن ليُصيبَكِ.
الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
السؤال
مشايخنا الكرام، إذا أصاب المسلمَ مكروهٌ في نفسه، أو ولده، فكيف يمكنُ له أن يُفَرِّق بين ما إذا كان هذا عقابًا من الله أم ابتلاءً؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فبدايةً، يَجِبُ عليكِ أن تعلمي أن كلَّ ما يقع في حياتنا من جليلٍ وحقيرٍ، ومن مسرَّات وأحزان، وما يصيب المرءَ من خير وشر، ومن صِحَّة ومن مرض، من بلاء وعافية - كلُّهُ مقدَّر عند الله، حتى الحِذْقِ في الأمور والعَجْزِ عنها؛ كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ شيءٍ بقدرٍ حتى العجز والكَيْس، أو الكَيْس والعجز))، فالغنى ابتلاءٌ، والفقرُ ابتلاءٌ، والصحةُ ابتلاءٌ، والمرضُ ابتلاءٌ، ما يحبُّه الإنسانُ ابتلاءٌ، وما يُبغضه ابتلاءٌ كذلك، وهذا هو الذي ذكره ربُّ العالمين بأوجَهِ عبارةٍ وأجمعها؛ فقال - جل وعلا -: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء : 35]، فالآية خيرُ جوابٍ لتساؤل الأختِ الكريمة؛ حيث بيَّن - جل وعلا - أنه يبتلي العبادَ بالشرِّ والخير على حدٍّ سواء، فيصيبُهم بالأمورِ التي تسوءُهم؛ كالمصائبِ وكالمحن، ويبتليهم - أيضًا - بالخير؛ أي: الأمور التي تفرحُهُم وتُبهجُهم كالنِّعم التي تكونُ في الصحةِ والمال والدِّين، وغير ذلك، فكلُّهُ ابتلاءٌ من الله - جل وعلا - فسوَّى - سبحانه - بين ابتلائه بالخيرِ والشر لعباده، والمؤمن يوقِنُ أنَّ الابتلاء من كلمات الله الكونية التي لا تتبدَّل؛ فالإنسان لا بدَّ أن يُبتلى؛ قال - تعالى -: {﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت : 2 ، 3]، وقال - سبحانه -: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد : 31]، فنظرةُ عباد الله المؤمنين إلى الابتلاء على أنَّه ضرورةٌ لا بدَّ أن تقع، فلا بد لله - جل وعلا - أن يبتليَ عبادَه ليُمَحِّص عبادَه المؤمنين؛ قال - تعالى - مبيِّنًا هذه الحقيقة الجامعة: ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران : 179]، فصرَّح - جل وعلا - أنه لا بد أن يُمَيِّز الخبيثَ من الطيب، وأن يبتلي العباد؛ لتظهَر معاناتُهم ظُهُور العيان، وإن كان اللهُ - جل وعلا - يعلمُ الشيء قبلَ أن يكون، وبعدَ أن يكون، فهو العليمُ الحكيمُ الذي وسع علمُه كلَّ شيءٍ.
وشأن المؤمن أنه يُحْسِنَ الظنَّ بربه، بأن يعلم أنَّ ما أصابه من خيرٍ أو شرٍ في طياتِهِ الخيرُ الكثيرُ، وإن كان محزنًا؛ كما قال - تعالى -: {﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : 216]، وقد وصف النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حالَ المؤمن بهذا فقال: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إنَّ أمره كلَّه له خيرٌ، وليس ذلك إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرَّاءُ شَكَرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاءُ صبر، فكان خيرًا له))؛ رواه مسلم، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاء، وإنَّ الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم؛ فمن رَضِيَ فله الرِّضا، ومن سَخِطَ فله السُّخط))؛ رواه الترمذي.
وروى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من يردِ الله به خيرًا، يُصِبْ منه))؛ أي: يبتليه بالمصائب؛ ليُطهِّرَهُ من الذنوبِ في الدنيا، فيلقى الله - تعالى - نقيًّا.
فثبت بذلك أنَّ المؤمن ينظُر للابتلاء - في هذه الحالة - على أنه منحةٌ من الله - جل وعلا - يمنحُها لعباده؛ لأنَّ فيه الخيرَ الكثير، وكل ما يقربُكِ إلى الله، فهو خيرٌ، لا سيَّما وأنتِ لا تعلمين ماذا يترتب على بعضِ الأمور المُفْرحة التي تحبُّينها، فقد يكون الضُّرُّ في ثناياها، وقد يكون الشرُّ في طياتِها، فهذا هو مقامُ التسليم لله - جلَّ وعلا.
وأمَّا إن كان العبد مسيئًا عاصيًا مفَرِّطًا في جنب الله - جل وعلا - فحينئذ لا بد أن ينظُر لهذه الابتلاءات على أنها تذكيرٌ وتحذيرٌ من الله - جل وعلا - فإنَّ من شؤم المعصية أنَّ الله - جل وعلا - يُوقِع بعضَ عقوباته العاجلة في العباد، عدَا ما قد يكون هنالك في الآخرة، مع أنَّ هذه المصائبَ قد تكفِّر السيئةَ للعبدِ المذنب قبل أن يأتيَ إلى ربه؛ فإن المصائبَ من المكفِّرات، ولذلك قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما يصيب المسلمَ من نَصَبٍ - أي: من تعب - ولا وَصَبٍ - أي: مرضٍ - ولا همٍّ، ولا حَزَنٍ، ولا أذًى، ولا غمٍّ، حتى الشوكة يُشاكُها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه))؛ متفقٌ على صحته.
فهذا هو الذي ينبغي أن تنظري إليه في حقيقة الابتلاء؛ فبذلك يهُونُ عليكِ الأمرُ، ويطيبُ خاطرُك، وتعلمي أن ما أصابكِ لم يكن ليُخطئَكِ، وما أخطأَكِ لم يكن ليُصيبَكِ.