فريق منتدى الدي في دي العربي
02-16-2016, 12:49 PM
أعجبت بها ولها ماض يؤرقني
أ. شروق الجبوري
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على سيِّد الخلق محمَّد بن عبدالله، وعلى آله وصحْبه ومَن والاه، وبعد:
فأشكُر لفضيلتِكم مُقدَّمًا اهتمامَكم بأمرِ المسلمين ومشاكلهم وقضاياهم، وأرجو مِن فضيلتكم أن تُعينوني بعدَ الله - سبحانه وتعالى - فيما سأعْرِضه على فضيلتكم مِن أمْر، والله شهيدٌ على ما أكتبُه.
في العام الماضي كنتُ في زِيارة عمل إلى بلدٍ عربي آخَر، وأثناء زيارتي أُعجبتُ بامرأة تعمل في الشركة التي كنتُ أُراجع عمَلي فيها، ولكنِّي لم أتحدَّث معها أبدًا سوى مرَّات قليلة، وكان يقتصر الحديثُ على السَّلام والتحية فقط، وليس أكثر مِن ذلك؛ بحُكم أنَّها كانت مَعنية بالعمل الذي كنتُ أراجع بشأنه، وقبل عوْدتي إلى بلدي بيوم، اشتريتُ لها هديةً وعبَّرتُ لها عن إعْجابي بها.
ربَّما تسألون: ما الذي دفعَك إلى إبداء الإعجاب بها، أقول لكم: إنَّها امرأةٌ جديرةٌ بالاحترام والإعجاب، وذات شخصيَّة وأخلاق متَّزنة، ومحجَّبة وجميلة، هذا كان انطباعي عنها مِن خلال مشاهدتي لها فقط؛ حيث إنَّني - كما قلت - لم أتكلَّم معها أبدًا إلاَّ في اليوم قبلَ الأخير من سَفري عندما أعطيتُها الهدية.
وفي الحقيقة تفاجأتْ هي بالموضوع كثيرًا، وقالت: ما السبب؟ فقلت لها: أنا معجَب بك، وهي بالمقابل أعطتني بطاقتَها الشخصية التي فيها أرقامُ الهواتف و(الإيميل)، عدتُ إلى بلدي في اليوم التالي ولم أتَّصل بها إلا بعدَ أيَّام كثيرة؛ لأسألَ عنها وأشكُرها على جهودِها في إنجاز العمَل الذي سافرتُ مِن أجْله.
لا أُريد أن أُطيلَ في الكلام، ولكنِّي سأختصر قدْرَ إمكاني؛ إذ إنَّ الموضوع غايةٌ في الأهمية بالنِّسبة لي، وأنا في حَيرةٍ مِن أمْري، والله سبحانه وحْدَه يعلم ما أُعانيه من هذا الأمر!
قبل حوالي خمسةِ أو ستة أشهر طُلِّقتْ من زوجها، ليس بسببي ولكن بسبب المشاكِل وسوء الفَهم، وعدَم التفاهم بينها وبيْن زوجها، وقبل عِدَّة أيَّام راودني إحساسٌ مُلحٌّ، فقررتُ أن أسألها: إنْ كانت على علاقة بشخصٍ عندما كانت متزوِّجة، أنكرتْ في البداية، ولكن مِن خلال إلحاحي وضغْطي عليها بالأسئلة، أجابتْني بأنَّها كانتْ على علاقة بأحدِ الأطباء عندما كانتْ تُراجعه في العيادة بسببِ مرَض في مَعِدتها، فأثار ذلك ش****، وقمتُ بالضغط عليها أكثرَ وأكثر بالأسئلة، وكانتْ تبْكي بحُرقة وألَم وتصرُخ وتتوسَّل بي ألاَّ أَزيد عذابَها؛ لأنَّها نادمة على فِعلتها وأنَّها كانتْ طوال هذه المدَّة السابقة تحاول أن تنسى ما فعلَتْ.
وسألتُها إنْ كنتِ قدِ ارتكبتِ معه فعلاً محرَّمًا، أجابتني بأنَّها لم تصلْ معه إلى درجة المعاشرة، ولكني ما زلتُ أشكُّ في أنها لم تعاشرْه (ولا أعرف هل شكِّي في محله أو أنَّها كاذبة، رغمَ أنها أقسمتْ بالله تعالى أكثرَ مِن مرة أنَّها لم تصلْ إلى حدِّ الزِّنا!)، خصوصًا وأنَّه طبيبٌ ولا أحدَ يمكن أن يشكَّ في ذَهابها إليه؛ لأنَّها كانتْ فعلاً مريضة بمرَض في مَعِدتها، وما زالت.
أنا أعرف أنَّها لا تُريد إجابتي عن سُؤالي الأخير؛ لأنَّها لا تُريد أن تخسرني؛ لِمَا رأتْه مني مِن تعامل نظيف وصادِق وشريف، وهي تقول لي: (إنك تحسُّ بي وتُعاملني وتتكلَّم معي على أنِّي إنسانة فعلاً، لم أكن أحسُّ بذلك من قبلُ)، وغير ذلك مِن المشاعِر الإنسانيَّة الصادقة.
لا أعرف ماذا أفعل؟
أرجو مساعدتَكم وعونَكم لي بعدَ الله - سبحانه وتعالى - إذ أنا كذلك لا أُريد أن أتركَها، ما سمعتُ ولا أحسستُ غيرَ أنَّها امرأةٌ شريفةٌ، وتعرِف كيف تتعامل مع الناس ومعي بالذات، وما إلى ذلك مِن الصِّفات الإيجابيَّة الكثيرة.
لا أعرِف! هناك صراع في داخلي بيْن نفْسي وبين دِيني الذي يدْعو إلى ستْر البلايا وستْر أخطاء وخَطيئات الناس، وأنا لا أُريد أن أفضحَها؛ لأنَّ هذا أمرٌ مستحيل بالنسبة لي، بالعكس أنا أُريد أن أستر عليها ولا أُريد أن أترُكها، خصوصًا وأنا الوحيد الذي يعلم بذلك بعدَ الله - سبحانه وتعالى.
أرجوكم ساعدوني وأفتوني في أمْري هذا؛ فأنا محتاجٌ إلى هدايةِ الله - سبحانه وتعالى - وعونه ولُطفه وقوَّته، وأرجو أن يكونَ ذلك مِن خِلالكم.
ولكم جزيلُ الشكر والتقدير والاحترام.
وإنْ شاء الله تكونون مِن الذين يَرضَى الله عنهم في الدُّنيا والآخرة، آمين.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم، السلامُ عليكم ورحمةُ الله تعالى وبركاته.
نرحِّب بك بدايةً في شبكة (الألوكة)، ونسأل الله تعالى أن يُسدِّدنا في تقديم ما يَنفعك في دِينك ودُنياك، كما نشكُر لك حسنَ ظنِّك، ودعاءَك المبارك، ونؤمِّن عليه.
وأودُّ أيضًا أن أُشيد بما لمستُه فيك مِن رغبة وحِرص على التمسك بما أمر به الله تعالى، والخشية ممَّا نهى عنه، واللوم المتوازِن لذاتك، وهي أمورٌ إيجابية تُحسَب لك، وأرجو منك التمسُّكَ بها، بل تعزيزها في نفسك؛ لتكون دومًا الفاصِلَ في قراراتك الاجتماعيَّة والنفسيَّة والعمليَّة.
وأبدأ معك مِن حيث انتهتْ به رِسالتك، وهو قولك: إنَّك لا تريد أن (تفضح) المرأةَ التي تعرَّفت عليها، فلا أجِد مبررًا لاستخدام هذه المفردة هنا، أو حتى في تفكيرك، فأي إنسان مُعرَّض لأنْ يَطَّلع على سرِّ غيره، بقصد أو بدونه، ولا يمكن أن يستخدمَ ما اطَّلع عليه إلاَّ في تحديدِ شكلِ عَلاقته مع الآخَر فقط، وترْكه ما لا يخصُّه فيما اطَّلع عليه، إلا ما يَتعلق بالنُّصح والموعِظة - إنْ وجَد في ذلك نفعًا.
أخي الكريم، رغم أنَّك لم تُشِرْ صراحةً في رسالتك إلى رغبتِك في تقديمنا نُصحًا مباشرًا إليك بالارتباط بتلك المرأة، أو بترْكها، لكنِّي استشففتُ ذلك مِن مضمونها؛ ولهذا، فإني أُشير إلى أنَّ مِثل هذا القرار لا يبتُّ فيه إلا صاحبُه، وليس لأيِّ إنسان أن يُقرِّر عن آخَر ارتباطًا أو عدَمه بإنسان آخَر، وكذلك الأمر في كلِّ القرارات الأخرى، ولكنَّنا هنا نُقدِّم إرشادًا للسائلِ في أسلوب تعامله مع ذاته وفِكرِه أولاً، ثم مع الآخَرين، وتوضيح ما قدْ يَغيب عنه مِن حقائقَ؛ بسبب واقعِه النَّفْسي المتضرِّر؛ لتساعدَه في اتِّخاذ قراراتِه الصائبة وبفِكر واضِح غير مشوَّش، بإذن الله تعالى.
ومِن خلال استقراء مضمونِ رِسالتك، وبعض العِبارات التي تضمَّنتها، أرَى أنَّ مشكلتَك تدور حولَ مِحورين أساسيين فقط، قدْ يكونان غائبين عنك بسببِ ما تُعانيه اليوم مِن صِراع بيْن رغبتك الملحَّة في الارتباط بتلك السيِّدة، وبيْن تصوراتك الحالية المشوشة عنها، والتي تُرهبك من الارتباط بها، فالمحور الأوَّل، يتعلَّق بالجانبِ الشرعي، والثاني يتعلَّق بالجانبِ الفِكري، رغم أنَّ في تداخلهما مِن العُمق ما يُصعِّب فصلهما فرضيًّا.
فالجانب الشَّرعي يلزمكما (معًا) بتصحيح ما بدَر منكما مِن أخطاء وذنوب، تقودُكما إلى صِراعاتٍ نفسيَّة قد تكون أحيانًا غير جليَّة لكما، فيتمُّ تفسيرُها بغير أسبابها، فمن جِهتك، كان الخطأ بإعجابِك بسيِّدة على ذمَّة زوج، ثم تواصُلك معها بدافع هذا الإعجاب رغمَ الغِطاء الرسمي لحديثِك معها!
وأظن أنك - يا أخي - تشعُر اليوم بلومٍ داخلي عن ذلك (قدْ لا يكون واضحًا لديك تمامًا)، فيُثير في نفسك أسئلةً عديدة، مثل: لِمَ فعلتُ ذلك؟ لِمَ فكرت ُ في هذه السيِّدة؟ هل أنا الرجلُ الوحيد الذي أتاحتْ له المجال للتواصُل معها؟ هل كانت تُكلِّم آخَر في الفترة التي كنتُ أتحدَّث معها؟... إلخ، ولا شكَّ أنَّ أسئلةً وحواراتٍ نفسيةً كهذه تدفعك إلى مزيدٍ مِن القلق والتوتُّر، والتشتُّت الفِكري.
أمَّا فيما يتعلَّق بالسيِّدة نفسها، فإنَّ خطأها كان بالسَّماح لمشاعرِها أن تحتوي رجلاً آخَر غير زوجِها، ومقدار الخطأ ارتفَع مع تطوُّر مشاعرِها إلى تعارُف، ثم إلى عَلاقة معه، وهكذا.
أخي الكريم، إنَّ الذنوب هي مِن سِمة البشَر جميعًا، لكن الإقلاع عنها والتوبة منها هي سبيلُ الإنسان لإكرامِ نفْسِه وذاته؛ ولذلك فإنِّي أتمنَّى عليك وعلى تلك السيِّدة أيضًا، باستشارةِ عالِم دِين بموضوعٍ خطأ وذنب كلٍّ منكما بشكلٍ منفصِل، وكيفية تَكفيرها؛ ليُفيدَكما شرعًا في هذا الجانب, فإنَّ قيامكما بذلك، يُبعِد عنكما الانزلاقَ في جَلْد الذات مستقبلاً، وعدَم الرضا عنها، ويدفعكما إلى تركيز كلٍّ منكما على ذنبِه وما اقترَف، فينشغل باستغفارِه، وكيفية تصحيح مسارِه، بدلَ انشغالِه بذنب الآخَر.
أمَّا عن المحور الفِكري للمُشكلة، فيتمثَّل في استسلامك لأفكارٍ واستنتاجاتٍ لا تقوم على أدلَّة، ولا تتجاوز الظنون والتفسيرات السلبيَّة. فإنَّك علمتَ بوجود ماضٍ لتلك السيِّدة مع طبيبها، وقد قَبِلْتَ بذلك - كما يبدو مِن سياق رِسالتك! - ولكن ما يقلقك اليوم في الأمْر هو (اعتقادك) بأنَّ تلك العلاقة قدْ وصلتْ إلى درجة المعاشرة؛ أي: إنَّ معاناتك التي تؤرِّقك، هي بسبب ظنٍّ، وليس واقعًا مشاهدًا، أو إقرارًا منها، ولا شكَّ أنَّك - يا أخي الفاضل - تعلم أنَّ ذلك لا يَسمح به دِينُنا، الذي لا يَحكُم إلا باليقين، وكذلك هو الأمْر في القوانين الوضعيَّة، كما أن الاحتكامَ إلى الحقائق في التعامُل مع الآخرين هي مِن سِمات العقل السليم.
وعليه؛ فإنِّي أرجو منك التأمُّل مليًّا في المقاطع التي تمَّ عرْضُها في هذا الرد؛ لتصلَ بنفسك إلى قرارٍ حكيم لا يُعرِّضك للندم لاحقًا.
كما لا يفوتني أن أذكِّرك بأهمية أدائك لصلاة الاستخارة، والتضرُّع إلى الله تعالى أن يُوفِّقك لما فيه الخيرُ مِن أمرك.
وأخيرًا: أدعو الله تعالى أن يُصلِح شأنَك وشأنَها، وأن يَغفرَ لكم ولنا.
وتوَّاقون للسماع منك مجددًا.
أ. شروق الجبوري
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على سيِّد الخلق محمَّد بن عبدالله، وعلى آله وصحْبه ومَن والاه، وبعد:
فأشكُر لفضيلتِكم مُقدَّمًا اهتمامَكم بأمرِ المسلمين ومشاكلهم وقضاياهم، وأرجو مِن فضيلتكم أن تُعينوني بعدَ الله - سبحانه وتعالى - فيما سأعْرِضه على فضيلتكم مِن أمْر، والله شهيدٌ على ما أكتبُه.
في العام الماضي كنتُ في زِيارة عمل إلى بلدٍ عربي آخَر، وأثناء زيارتي أُعجبتُ بامرأة تعمل في الشركة التي كنتُ أُراجع عمَلي فيها، ولكنِّي لم أتحدَّث معها أبدًا سوى مرَّات قليلة، وكان يقتصر الحديثُ على السَّلام والتحية فقط، وليس أكثر مِن ذلك؛ بحُكم أنَّها كانت مَعنية بالعمل الذي كنتُ أراجع بشأنه، وقبل عوْدتي إلى بلدي بيوم، اشتريتُ لها هديةً وعبَّرتُ لها عن إعْجابي بها.
ربَّما تسألون: ما الذي دفعَك إلى إبداء الإعجاب بها، أقول لكم: إنَّها امرأةٌ جديرةٌ بالاحترام والإعجاب، وذات شخصيَّة وأخلاق متَّزنة، ومحجَّبة وجميلة، هذا كان انطباعي عنها مِن خلال مشاهدتي لها فقط؛ حيث إنَّني - كما قلت - لم أتكلَّم معها أبدًا إلاَّ في اليوم قبلَ الأخير من سَفري عندما أعطيتُها الهدية.
وفي الحقيقة تفاجأتْ هي بالموضوع كثيرًا، وقالت: ما السبب؟ فقلت لها: أنا معجَب بك، وهي بالمقابل أعطتني بطاقتَها الشخصية التي فيها أرقامُ الهواتف و(الإيميل)، عدتُ إلى بلدي في اليوم التالي ولم أتَّصل بها إلا بعدَ أيَّام كثيرة؛ لأسألَ عنها وأشكُرها على جهودِها في إنجاز العمَل الذي سافرتُ مِن أجْله.
لا أُريد أن أُطيلَ في الكلام، ولكنِّي سأختصر قدْرَ إمكاني؛ إذ إنَّ الموضوع غايةٌ في الأهمية بالنِّسبة لي، وأنا في حَيرةٍ مِن أمْري، والله سبحانه وحْدَه يعلم ما أُعانيه من هذا الأمر!
قبل حوالي خمسةِ أو ستة أشهر طُلِّقتْ من زوجها، ليس بسببي ولكن بسبب المشاكِل وسوء الفَهم، وعدَم التفاهم بينها وبيْن زوجها، وقبل عِدَّة أيَّام راودني إحساسٌ مُلحٌّ، فقررتُ أن أسألها: إنْ كانت على علاقة بشخصٍ عندما كانت متزوِّجة، أنكرتْ في البداية، ولكن مِن خلال إلحاحي وضغْطي عليها بالأسئلة، أجابتْني بأنَّها كانتْ على علاقة بأحدِ الأطباء عندما كانتْ تُراجعه في العيادة بسببِ مرَض في مَعِدتها، فأثار ذلك ش****، وقمتُ بالضغط عليها أكثرَ وأكثر بالأسئلة، وكانتْ تبْكي بحُرقة وألَم وتصرُخ وتتوسَّل بي ألاَّ أَزيد عذابَها؛ لأنَّها نادمة على فِعلتها وأنَّها كانتْ طوال هذه المدَّة السابقة تحاول أن تنسى ما فعلَتْ.
وسألتُها إنْ كنتِ قدِ ارتكبتِ معه فعلاً محرَّمًا، أجابتني بأنَّها لم تصلْ معه إلى درجة المعاشرة، ولكني ما زلتُ أشكُّ في أنها لم تعاشرْه (ولا أعرف هل شكِّي في محله أو أنَّها كاذبة، رغمَ أنها أقسمتْ بالله تعالى أكثرَ مِن مرة أنَّها لم تصلْ إلى حدِّ الزِّنا!)، خصوصًا وأنَّه طبيبٌ ولا أحدَ يمكن أن يشكَّ في ذَهابها إليه؛ لأنَّها كانتْ فعلاً مريضة بمرَض في مَعِدتها، وما زالت.
أنا أعرف أنَّها لا تُريد إجابتي عن سُؤالي الأخير؛ لأنَّها لا تُريد أن تخسرني؛ لِمَا رأتْه مني مِن تعامل نظيف وصادِق وشريف، وهي تقول لي: (إنك تحسُّ بي وتُعاملني وتتكلَّم معي على أنِّي إنسانة فعلاً، لم أكن أحسُّ بذلك من قبلُ)، وغير ذلك مِن المشاعِر الإنسانيَّة الصادقة.
لا أعرف ماذا أفعل؟
أرجو مساعدتَكم وعونَكم لي بعدَ الله - سبحانه وتعالى - إذ أنا كذلك لا أُريد أن أتركَها، ما سمعتُ ولا أحسستُ غيرَ أنَّها امرأةٌ شريفةٌ، وتعرِف كيف تتعامل مع الناس ومعي بالذات، وما إلى ذلك مِن الصِّفات الإيجابيَّة الكثيرة.
لا أعرِف! هناك صراع في داخلي بيْن نفْسي وبين دِيني الذي يدْعو إلى ستْر البلايا وستْر أخطاء وخَطيئات الناس، وأنا لا أُريد أن أفضحَها؛ لأنَّ هذا أمرٌ مستحيل بالنسبة لي، بالعكس أنا أُريد أن أستر عليها ولا أُريد أن أترُكها، خصوصًا وأنا الوحيد الذي يعلم بذلك بعدَ الله - سبحانه وتعالى.
أرجوكم ساعدوني وأفتوني في أمْري هذا؛ فأنا محتاجٌ إلى هدايةِ الله - سبحانه وتعالى - وعونه ولُطفه وقوَّته، وأرجو أن يكونَ ذلك مِن خِلالكم.
ولكم جزيلُ الشكر والتقدير والاحترام.
وإنْ شاء الله تكونون مِن الذين يَرضَى الله عنهم في الدُّنيا والآخرة، آمين.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم، السلامُ عليكم ورحمةُ الله تعالى وبركاته.
نرحِّب بك بدايةً في شبكة (الألوكة)، ونسأل الله تعالى أن يُسدِّدنا في تقديم ما يَنفعك في دِينك ودُنياك، كما نشكُر لك حسنَ ظنِّك، ودعاءَك المبارك، ونؤمِّن عليه.
وأودُّ أيضًا أن أُشيد بما لمستُه فيك مِن رغبة وحِرص على التمسك بما أمر به الله تعالى، والخشية ممَّا نهى عنه، واللوم المتوازِن لذاتك، وهي أمورٌ إيجابية تُحسَب لك، وأرجو منك التمسُّكَ بها، بل تعزيزها في نفسك؛ لتكون دومًا الفاصِلَ في قراراتك الاجتماعيَّة والنفسيَّة والعمليَّة.
وأبدأ معك مِن حيث انتهتْ به رِسالتك، وهو قولك: إنَّك لا تريد أن (تفضح) المرأةَ التي تعرَّفت عليها، فلا أجِد مبررًا لاستخدام هذه المفردة هنا، أو حتى في تفكيرك، فأي إنسان مُعرَّض لأنْ يَطَّلع على سرِّ غيره، بقصد أو بدونه، ولا يمكن أن يستخدمَ ما اطَّلع عليه إلاَّ في تحديدِ شكلِ عَلاقته مع الآخَر فقط، وترْكه ما لا يخصُّه فيما اطَّلع عليه، إلا ما يَتعلق بالنُّصح والموعِظة - إنْ وجَد في ذلك نفعًا.
أخي الكريم، رغم أنَّك لم تُشِرْ صراحةً في رسالتك إلى رغبتِك في تقديمنا نُصحًا مباشرًا إليك بالارتباط بتلك المرأة، أو بترْكها، لكنِّي استشففتُ ذلك مِن مضمونها؛ ولهذا، فإني أُشير إلى أنَّ مِثل هذا القرار لا يبتُّ فيه إلا صاحبُه، وليس لأيِّ إنسان أن يُقرِّر عن آخَر ارتباطًا أو عدَمه بإنسان آخَر، وكذلك الأمر في كلِّ القرارات الأخرى، ولكنَّنا هنا نُقدِّم إرشادًا للسائلِ في أسلوب تعامله مع ذاته وفِكرِه أولاً، ثم مع الآخَرين، وتوضيح ما قدْ يَغيب عنه مِن حقائقَ؛ بسبب واقعِه النَّفْسي المتضرِّر؛ لتساعدَه في اتِّخاذ قراراتِه الصائبة وبفِكر واضِح غير مشوَّش، بإذن الله تعالى.
ومِن خلال استقراء مضمونِ رِسالتك، وبعض العِبارات التي تضمَّنتها، أرَى أنَّ مشكلتَك تدور حولَ مِحورين أساسيين فقط، قدْ يكونان غائبين عنك بسببِ ما تُعانيه اليوم مِن صِراع بيْن رغبتك الملحَّة في الارتباط بتلك السيِّدة، وبيْن تصوراتك الحالية المشوشة عنها، والتي تُرهبك من الارتباط بها، فالمحور الأوَّل، يتعلَّق بالجانبِ الشرعي، والثاني يتعلَّق بالجانبِ الفِكري، رغم أنَّ في تداخلهما مِن العُمق ما يُصعِّب فصلهما فرضيًّا.
فالجانب الشَّرعي يلزمكما (معًا) بتصحيح ما بدَر منكما مِن أخطاء وذنوب، تقودُكما إلى صِراعاتٍ نفسيَّة قد تكون أحيانًا غير جليَّة لكما، فيتمُّ تفسيرُها بغير أسبابها، فمن جِهتك، كان الخطأ بإعجابِك بسيِّدة على ذمَّة زوج، ثم تواصُلك معها بدافع هذا الإعجاب رغمَ الغِطاء الرسمي لحديثِك معها!
وأظن أنك - يا أخي - تشعُر اليوم بلومٍ داخلي عن ذلك (قدْ لا يكون واضحًا لديك تمامًا)، فيُثير في نفسك أسئلةً عديدة، مثل: لِمَ فعلتُ ذلك؟ لِمَ فكرت ُ في هذه السيِّدة؟ هل أنا الرجلُ الوحيد الذي أتاحتْ له المجال للتواصُل معها؟ هل كانت تُكلِّم آخَر في الفترة التي كنتُ أتحدَّث معها؟... إلخ، ولا شكَّ أنَّ أسئلةً وحواراتٍ نفسيةً كهذه تدفعك إلى مزيدٍ مِن القلق والتوتُّر، والتشتُّت الفِكري.
أمَّا فيما يتعلَّق بالسيِّدة نفسها، فإنَّ خطأها كان بالسَّماح لمشاعرِها أن تحتوي رجلاً آخَر غير زوجِها، ومقدار الخطأ ارتفَع مع تطوُّر مشاعرِها إلى تعارُف، ثم إلى عَلاقة معه، وهكذا.
أخي الكريم، إنَّ الذنوب هي مِن سِمة البشَر جميعًا، لكن الإقلاع عنها والتوبة منها هي سبيلُ الإنسان لإكرامِ نفْسِه وذاته؛ ولذلك فإنِّي أتمنَّى عليك وعلى تلك السيِّدة أيضًا، باستشارةِ عالِم دِين بموضوعٍ خطأ وذنب كلٍّ منكما بشكلٍ منفصِل، وكيفية تَكفيرها؛ ليُفيدَكما شرعًا في هذا الجانب, فإنَّ قيامكما بذلك، يُبعِد عنكما الانزلاقَ في جَلْد الذات مستقبلاً، وعدَم الرضا عنها، ويدفعكما إلى تركيز كلٍّ منكما على ذنبِه وما اقترَف، فينشغل باستغفارِه، وكيفية تصحيح مسارِه، بدلَ انشغالِه بذنب الآخَر.
أمَّا عن المحور الفِكري للمُشكلة، فيتمثَّل في استسلامك لأفكارٍ واستنتاجاتٍ لا تقوم على أدلَّة، ولا تتجاوز الظنون والتفسيرات السلبيَّة. فإنَّك علمتَ بوجود ماضٍ لتلك السيِّدة مع طبيبها، وقد قَبِلْتَ بذلك - كما يبدو مِن سياق رِسالتك! - ولكن ما يقلقك اليوم في الأمْر هو (اعتقادك) بأنَّ تلك العلاقة قدْ وصلتْ إلى درجة المعاشرة؛ أي: إنَّ معاناتك التي تؤرِّقك، هي بسبب ظنٍّ، وليس واقعًا مشاهدًا، أو إقرارًا منها، ولا شكَّ أنَّك - يا أخي الفاضل - تعلم أنَّ ذلك لا يَسمح به دِينُنا، الذي لا يَحكُم إلا باليقين، وكذلك هو الأمْر في القوانين الوضعيَّة، كما أن الاحتكامَ إلى الحقائق في التعامُل مع الآخرين هي مِن سِمات العقل السليم.
وعليه؛ فإنِّي أرجو منك التأمُّل مليًّا في المقاطع التي تمَّ عرْضُها في هذا الرد؛ لتصلَ بنفسك إلى قرارٍ حكيم لا يُعرِّضك للندم لاحقًا.
كما لا يفوتني أن أذكِّرك بأهمية أدائك لصلاة الاستخارة، والتضرُّع إلى الله تعالى أن يُوفِّقك لما فيه الخيرُ مِن أمرك.
وأخيرًا: أدعو الله تعالى أن يُصلِح شأنَك وشأنَها، وأن يَغفرَ لكم ولنا.
وتوَّاقون للسماع منك مجددًا.