فريق منتدى الدي في دي العربي
02-19-2016, 05:06 PM
بِسْم الله والحمدلله وصلى الله وسلم على رسول الله
وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد،
فهذا مُلخص { لكتـاب الـيوم النبـوي }
للشيخ / عبدالوهاب الطريري -جزاه الله خيرا- :
[أنوار الفجر ]
كان صلى الله عليه وسلم يستيقظ على أذان بلال، فأول ما يفعله يستاك، ويقول ما ورد قوله عند الإستيقاظ، وبعدها ويردد مع بلال الأذان، ويقول ماورد بعد ذلك، ثم يصلي ركعتي الفجر ويخففها جدا وكان لا يتركها حضرا ولا سفرا ويقرأ فيها بالكافرون والإخلاص .. وبعدها يضطجع على شقه الأيمن إن لم تكن زوجته مستيقظة وإلا تحدث معها وآنسها إلى حين أن يأتيه بلال، فيخرج ويقول ماورد قوله عند الخروج من المنزل، ويدخل المسجد ويقول ما ورد، ثم يأمر بتسوية الصفوف ويُكبّر وكان يطيل في الفجر ويقرأ مابين الستين إلى المائة آية، وكانت قراءته مترسلة مُفَصَّلة يُقطّع فيها الآي، وكان في فجر الجمعة يقرأ فيها بالسجدة والإنسان، وربما قنت بعد الركوع الثاني أحيانا إذا نزلت نازلة بالمسلمين، فإذا انتهى من صلاته استغفر وأتى بالأذكار وكان يلتفت لأصحابه بعد الصلاة، وبعد أذكار الصلاة يأتي بأذكار الصباح، ويأتي في هذه الأثناء خدم المدينة بالقِداح وفيها الماء فيضع الرسول صلى الله عليه وسلم فيها يده يتبركون بها، ما أجمل هذا المنظر الصباحي، أفلحت وجوهٌ كانت تستفتح النهار برؤية وجه نبيِّها الأنور .
[الصباح النبوي]
ثم تتقارب الصفوف للرسول صلى الله عليه وسلم، ورُبّما بدأهم بموعظة، ولم يكن يُكثر عليهم العظات وإنما كان يتخولهم بها، وربما سألهم عمّن فقد من أصحابه، ورُبّما سألهم في مجلسه الصباحي هذا عن رؤاهم، ورُبّما حدّثهم صلى الله عليه وسلم برؤيا رآها هو، ويتحدث الصحابة في هذا المجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فيُشاركهم الحديث والإستماع فربما تحدّثوا عن حياتهم في الجاهلية فيضحكون ويبتسم، وكان يجلس حتى تطلع الشمس، ثم يقوم إلى حُجر نساءه وأول شيء يفعله إذا دخل أنه يستاك، وكان يسلم ولا يطيل المُكث، ورُبّما سأل عن طعام فإن كان ثمة طعام قُدِّم إليه، وربما سأل فيقولون ماعندنا شيء فيقول فإني إذاً صائم .
[المجلس النبوي]
فإذا أتم طوافه على نساءه عاد إلى المسجد، وكان هذا اللقاء معهودا بحيث من أراد الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت فإنه يأتي إليه في المسجد، وقد يقل الصحابة حوله أو يكثرون، فإذا جلس تحدث إلى أصحابه، ورُبّما حدّثهم بطابع السُؤال المبدوء بالتساؤل، وربما سألهم ليلفت أبصارهم إلى معنى أعظم من المتبادر لهم، وربما استثار أذهانهم بالسؤال ليُجيبوه، وكان يكرر بعض كلامه ثلاثا ليُعقل عنه أو ليُبيّن أهميته، وربما زاد مُبالغة في الإهتمام، ورُبّما بدأهم بسؤال مفاجئ لينتهي إلى نتيجة مفاجئة، وربما استخدم وسيلة الإيضاح وهو يتحدّث، وربما استعان بالرسم التوضيحي، وَمِمَّا كان يَعمُر هذا المجلس الإستغفار الكثير، وفي مجلسه يُؤتى بصبيان المدينة فيُحنّكهم ويدعوا لهم، ويُؤتى في مجلسه ببواكير ثمار النخيل، وكان في هذا المجلس فسحة للطرفة والمزاح الجميل، ويبدو أن هذا المجلس هو مجلس استقبال القادمين من الوفود، وكان هذا المجلس هو مجلس شورى فيما يقع لهم، وكان الصحابة يتناوبون الحضور في هذا المجلس النبوي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس في هذا المجلس مع أصحابه كأحدهم ليس له شارة تميزه عنهم حتى صنع له في آخر حياته دكة من طين حتى يعرفه القادم، وكان صلى الله عليه وسلم يُقسِّم بشره وإقباله في مجلسه بين أصحابه، وربما أُهدي للنبي صلى الله عليه وسلم طعام وهو مع أصحابه فيأكلون جميعا، ويطول هذا المجلس النبوي ويقصر بحسب الحال، حتى إذا تعالى النهار قام صلى الله عليه وسلم وأتى بما ورد من ذكر، ثم يتفرق الصحابة إلى أعمالهم أو إلى بيوتهم للقيلولة قبل الظهر، أما هو صلى الله عليه وسلم، فقد يرجع إلى بيته لنومة القيلولة، ورُبّما تلقته أسواق المدينة ماشيا فيها، مجيبا لدعوة، أو قاصدا لزيارة، أو ساعيا في قضاء حاجة من حاجاته .
[يمشي في الأسواق]
كان صلى الله عليه وسلم إذا مشى مشى بقوة وعزم وكان يمشي بعفوية كذلك بعيدا عن التواقر المتكلف، وكان إذا التفت التفت جميعا، وكان إذا مشى يتوكّأ أحيانا على عصا ونحوها، وكان يتبسم لمن يلقاه، وكان إذا مرّ بصبيان سلّم عليهم، وكان إذا لقي الرجل من أصحابه سلّم عليه وصافحه، وكان إذا صافح أحدا لا ينزعُ يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع، وكان يقف لمن يستوقفه في الطريق فرُبّما استوقفته الجارية والمرأة فيقف لها، وكان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب تلقاء وجهه ولكن يتجافى إلى ركنه الأيمن أو الأيسر .
[الزيارات النبوية]
ورُبّما ذهب في بعض الأيام لزيارة من يرغب من قرابته وصحبه، ومن ذلك ذهابه إلى بيت فاطمة ليلقى الحسن بن علي، وذهب مرّة إلى بيت فاطمة ليسأل عن زوجها علي رضي الله عنه، وكان يذهب إلى أُم أيمن والتي كانت حاضنته في طفولته، وكان يجيب من يدعونه، ومن ذلك إجابته دعوة مُلٓيكة جدّة أنس، ورُبّما ذهب لدعوةٍ ما ومعه بعض أهل بيته، وربما ذهب للدعوة ومعه بعض أصحابه ومن ذلك ذلك زيارته لعتبان بن مالك، ودعاه مرّة خياط من الموالي لطعام صنعه فأجابه ومعه أنس رضي الله عنه، وكان يُؤنس من يزورهم ويسعهم جميعا بِرُّه وحسن خلقه، حتى صبيتهم وصغارهم ومن ذلك ملاطفته لأخ أنس لما زارهم ووجده حزينا، وكان إذا زار أحدا من أصحابه وطٓعم عنده دعا لهم وصلَّى عليهم، وكما كانت زيارته صلى الله عليه وسلم أُنساً لنفوسهم وإكراما لكبارهم وبرّا لصغارهم وصلاةً وبركةً عليهم، فقد كانت عامرة بالتعليم والتوجيه، ومن ذلك ما جاء في حديث عبدالله بن عامر بن ربيعة لما أتاهم النبي وهو صبي، وكذا لما زار سعد بن عبادة فسأله البشير بن سعد وأجابه، وكذا لمّا زار عتبان بن مالك وتُكلِّم في المجلس عن مالك بن الدخشم فوجههم النبي صلى الله عليه وسلَّم .
[عيادته للمرضى]
ومن زياراته : عيادته المرضى فللمصطفى صلى الله عليه وسلم حضوره الآسي والمواسي في لحظات الألم وكُرٓب المرضى، ومن ذلك عيادته سعد بن عبادة لما اشتكى فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد غُشي عليه فذرفت عينا الرسول الدمع إنها رحمة النبي صلى الله عليه وسلم الذي وصفه خالقه العليم به فقال ( بالمؤمنين رؤوف رحيم )، ومن ذلك عيادته جابر بن عبدالله رضي الله عنه، ليس شيء أوقع في نفوس الناس من أن تكون قريبا منهم لحظة ألمهم وضعفهم، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه .
[في بساتين المدينة]
وربما ذهب صلى الله عليه وسلم في زياراته إلى بعض بساتين المدينة يُجِمُّ نفسه ويستظل بظلها، فكان يذهب إلى بَيْرُحاء وهي حديقة لأبي طلحة الأنصاري، وربما ذهب لغيرها من بساتين الأنصار كحائط لبني النّجار، وكان إذا ذهب إلى قُباء ربما ذهب إلى بئر أريس وهي بئر تقع غربي مسجد قُباء .
[راحة القيلولة]
ويذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تعالى الضحى إلى بيت زوجه التي هو عندها وفي يومها، وربما يعرض عليه طعام فأصاب منه إذا لم يكن طعم في الصباح وقد يُعرض عليه الطعام وهو صائم فيفطر، وربما أتاه فيها بعض نساء المؤمنات يسألن عن أمور دينهن مما لا يجرؤون على السؤال عنه أمام الرجال، ومن ذلك سُؤال إحدى الأنصاريات عن غسل المحيض وكذا سؤال أم سُليم له صلى الله عليه وسلَّم، ورُبّما زاره في هذا الوقت بعض خاصة أصحابه لأمر يعرض لهم، وكان مع أهله وفي بيته مساحة واسعة للود والرحمة وكذلك للأُنس والبهجة، وكان ينام القيلولة إلى قريب صلاة الظهر وكانت قيلولته في بيوته وعند أزواجه ولم يكن يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه عدا أُم سليم فإنه كان يدخل عليها ويقيل عندها وهي من محارمه .
[إلى قُباء]
وكان يذهب ضحى كل سبت راكبا وماشيا إلى قُباء فيُصلِّي في المسجد، ورُبّما أتى إليه أهل قباء وهم بنو عوف بن الحارث في المسجد، فإذا ذهب إلى قباء فإنه ينام القيلولة عند أم حرام بنت ملحان أخت أُم سليم وزوجة عبادة بن الصامت وهي من محارمه صلى الله عليه وسلم .
[أُمسيات الرسول صلى الله عليه وسلم]
فإذا زالت الشمس أذّن بلال للظهر فيستيقظ الرسول إن كان لا يزال نائما فيصلي أربع ركعات الراتبة في بيته، ثم ينتظر الصلاة، وربما كان عنده بعض بنيه كالحسن والحسين أو أمامة فيلاعبهم حتى يؤذنه بلال بالصلاة، وربما قبّل إحدى زوجاته وهو خارج إلى الصلاة، فيخرج للصلاة، وربما فجئهم منظره خارج إليهم حاملا الحسن أو الحسين أو حاملا أمامة وربما وضع الصبي وصلى وهو جانبه وربما صلى والطفلة على عاتقه إذا ركع وضعها وإذا قام رفعها، وكان يصلي الظهر في أوَّل وقتها، وكان يُطيل في الأولى ويُقصّر في الثانية، وكان يسر القراءة فيها فيعرفون قراءته باضطراب لحيته وربما سمعوا منه الآية والآيتين أحيانا، فإذا فرغ من صلاته أقبل على أصحابه فإن كان قد نزل أمرٌ أو عرض عارضٌ خطب الناس بعد صلاة الظهر لأنه وقت اجتماع الناس إذ هم قد نهضوا من قيلولتهم، ومن ذلك خطبته عندما قدم وفد المضريين ورأى ما بهم ، ومن ذلك يومٓ قدم عليه ابن اللُّتبيَّة من سعاية كان قد ولاّه عليها، وصلى الظهر مرة فلما سلّم قام على المنبر فذكر الساعة وذكر أن قبلها أمورا عظاما ووعظهم فكان للصحابة خنين وقد غطّوا رؤوسهم، وخطب بعد الظهر في اليوم الذي رُجم فيه ماعز رضي الله عنه، وكأنَّ الخطب في هذا الوقت تكون في الأمر العارض والشأن العاجل الذي لا يحتمل التأخير إلى يوم الجمعة، ثم يعود صلى الله عليه وسلم لبيته فيصلي راتبة الظهر البعدية، ثم يخرج إلى أصحابه وربما جلس لهم إلى العصر، وربما ذهب في هذا الوقت لقضاء بعض حاجات المسلمين، ومن ذلك لما ذهب يصلح بين أهل قباء، ومن ذلك ذهابه إلى الأسواف شمال البقيع عند بنات سعد بن الربيع ليقسم بينهن ميراثهن من أبيهن وكُنَّ أول نسوة ورثن من أبيهن في الإسلام .
[والعصر]
وكان إذا أُذِّن للعصر انتظر حتى يجتمع الناس لها، فإذا اجتمعوا خرج فصلى العصر، وكان يُصلّيها في أوَّل وقتها، فإذا فرغ من صلاته أقبل على أصحابه، فإن كان ثَمّ حديثٌ يريد أن يحدثهم به حدّثهم وكان حديثه إلى أصحابه بعد صلاة العصر قليلا بالنسبة لصلاة الظهر وذلك لكلال الناس وحاجتهم إلى الإنصراف لإكمال أعمالهم وإعداد عشائهم، فإذا انصرف من صلاة العصر دخل على نساءه فيطوف عليهن جميعا حتى ينتهي إلى التي هو يومها فيبيت عندها، وربما اجتمعن في البيت التي هو عندها، وكان يقضي فترة بعد العصر غالبا في بيته ومع نساءه، وكما يجري في مجلسه مع زوجاته الأنس الزوجي، تجري المذاكرة العلمية والأسئلة والإستشكال، ويتلقى ذلك الرسول بكل رحابة صدر وحسن خلق، وربما دعاه بعض أصحابه بعد صلاة العصر إلى الأمر يُحِبُّون أن يشهده معهم فيجيبهم فقد دعاه رجل من بني سلمة بعد صلاة العصر فقال يارسول الله إنَّا نريد أن ننحر جزورا ونحب أن تحضرها، فانطلق النبي لهم، ألا ما أعمق حضور هذا النبي صلى الله عليه وسلم في حياة أصحابه .
[بعد الغروب]
فإذا أُذِّن للمغرب لم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قليلا ثم يخرج إلى الصلاة، فإذا خرج أقيمت الصلاة فصلى المغرب وكان يصليها في أول وقتها، ولم يكن يتحدّث بعدها كما يتحدث في أعقاب الصلوات وذلك لحاجة الناس لإنصرافهم لعشائهم وراحتهم، فإذا عاد إلى بيته صلى ركعتين الراتبة البعدية، ثم تعشّى وهذا هو وقت العشاء غالبا وربما قدّموه قبل صلاة المغرب إذا كانوا صياما، وكان يأمر أصحابه أن يأخذوا معهم إلى عشائهم فقراء المسلمين، وربما أخذ صلى الله عليه وسلم عشرةً فذهب بهم إلى بيته ليتعشى معهم إذا كان عنده وفرة طعام، وربما انقلب إلى بيته فلا يجد ما يأكله إلا التمر والماء، وربما مرت به أيام لا يكون في بيته ما يأكله ذو كبد رطبة، وكان طعامه يوضع على الأرض على السفرة وما أكل على خوان قط، فإذا قُرِّب طعامه قال بِسْم الله، ولم يكن يتكلف في طعامه وإنما يأكل ما تيسّر، وما عاب طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه، وإذا جلس على الطعام مع أصحابه لم يخل جلوسه من حديث يؤنس به أو أدب يربي به أو علم ينشره، وكان إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه وكان يأمر بلعق الصحفة، فإذا رفع مائدته حمدالله، وكان إذا شرب لبنا مضمض بعده، وإن أكل معه بعض زوجاته آنسها على الطعام فهو القائل ( حتى اللقمة ترفعها إلى فم امرأتك صدقة ).
[صلاة العشاء]
ويبقى رسول الله في بيته إلى أذان العشاء، ولم يكن يعجّل العشاء، وإنما ينتظر فإن رآهم اجتمعوا عجّل وإن رآهم تأخّروا أخّر، وكان يحب تأخيرها لولا المشقة على الناس، فإذا قضى صلاة العشاء تحدّث إلى أصحابه إن كان ثمّة عارض يريد أن يحدثهم به، وكان حديثه بعد العشاء نادرا وقصيرا لتعب الناس وحاجتهم للنوم، ولهذا كان يكره الحديث بعدها، وكان إذا سلّم مكث في مكانه حتى ينصرف النساء، فإذا قام رسول الله قام الرجال .
[ليالي الرسول صلى الله عليه وسلم]
ثم يرجع صلى الله عليه وسلم إلى بيته فيصلي ركعتين راتبة العشاء، ثم يجلس سويعةً يتحدّث مع أهله قبل أن ينام، وربما ذهب يسمر عند بعض أصحابه، وربما مرّ في طريقه بقارئ حسن الصوت من أصحابه يقوم بالقرآن كما مرّ بأبي موسى الأشعري، ودخل المسجد ليلةً فإذا عبدالله بن مسعود قائم يصلي يُرتّل النساء، فإذا دخل بيته تخفف من ثيابه، وكان إذا أراد أن ينام يضع عند رأسه السواك ليستاك به إذا استيقظ، وكان إذا أوى إلى فراشه يأتي بالأذكار، وكان يضطجع على شقّه الأيمن ويضع يده اليمنى تحت خدّه الأيمن فينام، ويبدو أن هذه أطول فترة نوم ينامها النبي صلى الله عليه وسلم .
[ناشئة الليل]
فإذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ جلس يمسح النوم عن وجهه بيده ويستاك، ويرفع بصره إلى السماء ويقرأ آخر عشر آيات من سورة آل عمران في هدوء هذا الليل وسكونه، ثم يصلي قيام الليل، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا آية عذاب إلا استعاذ ولا آية تسبيح إلا سَبَّح، ولا يزال النبي صلى الله عليه وسلم يقطع آناء الليل بين قراءة خاشعة ومسألة ضارعة وتسبيح قدسي إلى أن يبقى سدس الليل الآخر، فإذا أتمّ قيامه فأراد أن يوتر أيقظ زوجته لتوتر، وكان إذا فرغ من وتره يقول سبحان الملك القدوس ثلاثا يطيل الثالثة ويمد بها صوته .
[خطوات في سكون الليل]
وربما خرج في آخر الليل وقت التهجد إلى بيت ابنته فاطمة وزوجها علي رضي الله عنه فيطرقهما ويناديهما (ألا تقومان فتصليان)، وكان في آخر حياته يخرج في الليل إلى البقيع فيدعوا لهم .
[إغفاءة السَّحر]
فإذا تدافعت ساعات الليل ولم يبق من الليل إلا صُبابته الأخيرة وسدسه الأخير أوى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فراشه ليريح البدن الشريف بعد سبح ليل طويل، فيهجع هجعة يُجِمُّ بها بدنه ويهيئه لاستقبال صلاة الصبح وعمل النهار بنشاط وإقبال، ويظل في نومته تلك حتى يصدع أذان بلال سكون المدينة فيستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبتـــدئ يــومٌ نـــبويٌّ جـــديد .
[قراءة في اليوم النبوي]
1-الصلاة منتشرة في مساحة يومه.
2-عنايته بالإستغفار.
3-لهجه بالذكر صبحا ومساء.
4-التوازن في أداء الحقوق والتوازن في استيعاب الحياة.
5-حياته مزدحمة وحافلة ولكنها ليست متوترة ولا مربكة، وهي مرتبة وليست رتيبة.
6-تجد في حياته عفوية الحياة وبساطتها.
7-الأنس والبهجة حاضرة في بيته وفي مجلسه.
8-قوة العلاقة العاطفية الزوجية.
9-تفهمه لفطر الناس ومشاغلهم.
10-فترات النشاط في يوم: في قيام الليل والصباح والظهر.
11-يُلاحظ أن الصلاة هي فواصل الأوقات.
12-تجد في حياته تذوق لذائذ الحياة والامتنان بالنعمة لله.
13-حضوره العميق في حياة أصحابه وتفاعله معهم
.
تم بحمدالله.
قام بتلخيصه أخونا الشيخ محمد العوضي
@Mh_AA876
فهذا مُلخص { لكتـاب الـيوم النبـوي }
للشيخ / عبدالوهاب الطريري -جزاه الله خيرا- :
[أنوار الفجر ]
كان صلى الله عليه وسلم يستيقظ على أذان بلال، فأول ما يفعله يستاك، ويقول ما ورد قوله عند الإستيقاظ، وبعدها ويردد مع بلال الأذان، ويقول ماورد بعد ذلك، ثم يصلي ركعتي الفجر ويخففها جدا وكان لا يتركها حضرا ولا سفرا ويقرأ فيها بالكافرون والإخلاص .. وبعدها يضطجع على شقه الأيمن إن لم تكن زوجته مستيقظة وإلا تحدث معها وآنسها إلى حين أن يأتيه بلال، فيخرج ويقول ماورد قوله عند الخروج من المنزل، ويدخل المسجد ويقول ما ورد، ثم يأمر بتسوية الصفوف ويُكبّر وكان يطيل في الفجر ويقرأ مابين الستين إلى المائة آية، وكانت قراءته مترسلة مُفَصَّلة يُقطّع فيها الآي، وكان في فجر الجمعة يقرأ فيها بالسجدة والإنسان، وربما قنت بعد الركوع الثاني أحيانا إذا نزلت نازلة بالمسلمين، فإذا انتهى من صلاته استغفر وأتى بالأذكار وكان يلتفت لأصحابه بعد الصلاة، وبعد أذكار الصلاة يأتي بأذكار الصباح، ويأتي في هذه الأثناء خدم المدينة بالقِداح وفيها الماء فيضع الرسول صلى الله عليه وسلم فيها يده يتبركون بها، ما أجمل هذا المنظر الصباحي، أفلحت وجوهٌ كانت تستفتح النهار برؤية وجه نبيِّها الأنور .
[الصباح النبوي]
ثم تتقارب الصفوف للرسول صلى الله عليه وسلم، ورُبّما بدأهم بموعظة، ولم يكن يُكثر عليهم العظات وإنما كان يتخولهم بها، وربما سألهم عمّن فقد من أصحابه، ورُبّما سألهم في مجلسه الصباحي هذا عن رؤاهم، ورُبّما حدّثهم صلى الله عليه وسلم برؤيا رآها هو، ويتحدث الصحابة في هذا المجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فيُشاركهم الحديث والإستماع فربما تحدّثوا عن حياتهم في الجاهلية فيضحكون ويبتسم، وكان يجلس حتى تطلع الشمس، ثم يقوم إلى حُجر نساءه وأول شيء يفعله إذا دخل أنه يستاك، وكان يسلم ولا يطيل المُكث، ورُبّما سأل عن طعام فإن كان ثمة طعام قُدِّم إليه، وربما سأل فيقولون ماعندنا شيء فيقول فإني إذاً صائم .
[المجلس النبوي]
فإذا أتم طوافه على نساءه عاد إلى المسجد، وكان هذا اللقاء معهودا بحيث من أراد الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت فإنه يأتي إليه في المسجد، وقد يقل الصحابة حوله أو يكثرون، فإذا جلس تحدث إلى أصحابه، ورُبّما حدّثهم بطابع السُؤال المبدوء بالتساؤل، وربما سألهم ليلفت أبصارهم إلى معنى أعظم من المتبادر لهم، وربما استثار أذهانهم بالسؤال ليُجيبوه، وكان يكرر بعض كلامه ثلاثا ليُعقل عنه أو ليُبيّن أهميته، وربما زاد مُبالغة في الإهتمام، ورُبّما بدأهم بسؤال مفاجئ لينتهي إلى نتيجة مفاجئة، وربما استخدم وسيلة الإيضاح وهو يتحدّث، وربما استعان بالرسم التوضيحي، وَمِمَّا كان يَعمُر هذا المجلس الإستغفار الكثير، وفي مجلسه يُؤتى بصبيان المدينة فيُحنّكهم ويدعوا لهم، ويُؤتى في مجلسه ببواكير ثمار النخيل، وكان في هذا المجلس فسحة للطرفة والمزاح الجميل، ويبدو أن هذا المجلس هو مجلس استقبال القادمين من الوفود، وكان هذا المجلس هو مجلس شورى فيما يقع لهم، وكان الصحابة يتناوبون الحضور في هذا المجلس النبوي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس في هذا المجلس مع أصحابه كأحدهم ليس له شارة تميزه عنهم حتى صنع له في آخر حياته دكة من طين حتى يعرفه القادم، وكان صلى الله عليه وسلم يُقسِّم بشره وإقباله في مجلسه بين أصحابه، وربما أُهدي للنبي صلى الله عليه وسلم طعام وهو مع أصحابه فيأكلون جميعا، ويطول هذا المجلس النبوي ويقصر بحسب الحال، حتى إذا تعالى النهار قام صلى الله عليه وسلم وأتى بما ورد من ذكر، ثم يتفرق الصحابة إلى أعمالهم أو إلى بيوتهم للقيلولة قبل الظهر، أما هو صلى الله عليه وسلم، فقد يرجع إلى بيته لنومة القيلولة، ورُبّما تلقته أسواق المدينة ماشيا فيها، مجيبا لدعوة، أو قاصدا لزيارة، أو ساعيا في قضاء حاجة من حاجاته .
[يمشي في الأسواق]
كان صلى الله عليه وسلم إذا مشى مشى بقوة وعزم وكان يمشي بعفوية كذلك بعيدا عن التواقر المتكلف، وكان إذا التفت التفت جميعا، وكان إذا مشى يتوكّأ أحيانا على عصا ونحوها، وكان يتبسم لمن يلقاه، وكان إذا مرّ بصبيان سلّم عليهم، وكان إذا لقي الرجل من أصحابه سلّم عليه وصافحه، وكان إذا صافح أحدا لا ينزعُ يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع، وكان يقف لمن يستوقفه في الطريق فرُبّما استوقفته الجارية والمرأة فيقف لها، وكان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب تلقاء وجهه ولكن يتجافى إلى ركنه الأيمن أو الأيسر .
[الزيارات النبوية]
ورُبّما ذهب في بعض الأيام لزيارة من يرغب من قرابته وصحبه، ومن ذلك ذهابه إلى بيت فاطمة ليلقى الحسن بن علي، وذهب مرّة إلى بيت فاطمة ليسأل عن زوجها علي رضي الله عنه، وكان يذهب إلى أُم أيمن والتي كانت حاضنته في طفولته، وكان يجيب من يدعونه، ومن ذلك إجابته دعوة مُلٓيكة جدّة أنس، ورُبّما ذهب لدعوةٍ ما ومعه بعض أهل بيته، وربما ذهب للدعوة ومعه بعض أصحابه ومن ذلك ذلك زيارته لعتبان بن مالك، ودعاه مرّة خياط من الموالي لطعام صنعه فأجابه ومعه أنس رضي الله عنه، وكان يُؤنس من يزورهم ويسعهم جميعا بِرُّه وحسن خلقه، حتى صبيتهم وصغارهم ومن ذلك ملاطفته لأخ أنس لما زارهم ووجده حزينا، وكان إذا زار أحدا من أصحابه وطٓعم عنده دعا لهم وصلَّى عليهم، وكما كانت زيارته صلى الله عليه وسلم أُنساً لنفوسهم وإكراما لكبارهم وبرّا لصغارهم وصلاةً وبركةً عليهم، فقد كانت عامرة بالتعليم والتوجيه، ومن ذلك ما جاء في حديث عبدالله بن عامر بن ربيعة لما أتاهم النبي وهو صبي، وكذا لما زار سعد بن عبادة فسأله البشير بن سعد وأجابه، وكذا لمّا زار عتبان بن مالك وتُكلِّم في المجلس عن مالك بن الدخشم فوجههم النبي صلى الله عليه وسلَّم .
[عيادته للمرضى]
ومن زياراته : عيادته المرضى فللمصطفى صلى الله عليه وسلم حضوره الآسي والمواسي في لحظات الألم وكُرٓب المرضى، ومن ذلك عيادته سعد بن عبادة لما اشتكى فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد غُشي عليه فذرفت عينا الرسول الدمع إنها رحمة النبي صلى الله عليه وسلم الذي وصفه خالقه العليم به فقال ( بالمؤمنين رؤوف رحيم )، ومن ذلك عيادته جابر بن عبدالله رضي الله عنه، ليس شيء أوقع في نفوس الناس من أن تكون قريبا منهم لحظة ألمهم وضعفهم، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه .
[في بساتين المدينة]
وربما ذهب صلى الله عليه وسلم في زياراته إلى بعض بساتين المدينة يُجِمُّ نفسه ويستظل بظلها، فكان يذهب إلى بَيْرُحاء وهي حديقة لأبي طلحة الأنصاري، وربما ذهب لغيرها من بساتين الأنصار كحائط لبني النّجار، وكان إذا ذهب إلى قُباء ربما ذهب إلى بئر أريس وهي بئر تقع غربي مسجد قُباء .
[راحة القيلولة]
ويذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تعالى الضحى إلى بيت زوجه التي هو عندها وفي يومها، وربما يعرض عليه طعام فأصاب منه إذا لم يكن طعم في الصباح وقد يُعرض عليه الطعام وهو صائم فيفطر، وربما أتاه فيها بعض نساء المؤمنات يسألن عن أمور دينهن مما لا يجرؤون على السؤال عنه أمام الرجال، ومن ذلك سُؤال إحدى الأنصاريات عن غسل المحيض وكذا سؤال أم سُليم له صلى الله عليه وسلَّم، ورُبّما زاره في هذا الوقت بعض خاصة أصحابه لأمر يعرض لهم، وكان مع أهله وفي بيته مساحة واسعة للود والرحمة وكذلك للأُنس والبهجة، وكان ينام القيلولة إلى قريب صلاة الظهر وكانت قيلولته في بيوته وعند أزواجه ولم يكن يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه عدا أُم سليم فإنه كان يدخل عليها ويقيل عندها وهي من محارمه .
[إلى قُباء]
وكان يذهب ضحى كل سبت راكبا وماشيا إلى قُباء فيُصلِّي في المسجد، ورُبّما أتى إليه أهل قباء وهم بنو عوف بن الحارث في المسجد، فإذا ذهب إلى قباء فإنه ينام القيلولة عند أم حرام بنت ملحان أخت أُم سليم وزوجة عبادة بن الصامت وهي من محارمه صلى الله عليه وسلم .
[أُمسيات الرسول صلى الله عليه وسلم]
فإذا زالت الشمس أذّن بلال للظهر فيستيقظ الرسول إن كان لا يزال نائما فيصلي أربع ركعات الراتبة في بيته، ثم ينتظر الصلاة، وربما كان عنده بعض بنيه كالحسن والحسين أو أمامة فيلاعبهم حتى يؤذنه بلال بالصلاة، وربما قبّل إحدى زوجاته وهو خارج إلى الصلاة، فيخرج للصلاة، وربما فجئهم منظره خارج إليهم حاملا الحسن أو الحسين أو حاملا أمامة وربما وضع الصبي وصلى وهو جانبه وربما صلى والطفلة على عاتقه إذا ركع وضعها وإذا قام رفعها، وكان يصلي الظهر في أوَّل وقتها، وكان يُطيل في الأولى ويُقصّر في الثانية، وكان يسر القراءة فيها فيعرفون قراءته باضطراب لحيته وربما سمعوا منه الآية والآيتين أحيانا، فإذا فرغ من صلاته أقبل على أصحابه فإن كان قد نزل أمرٌ أو عرض عارضٌ خطب الناس بعد صلاة الظهر لأنه وقت اجتماع الناس إذ هم قد نهضوا من قيلولتهم، ومن ذلك خطبته عندما قدم وفد المضريين ورأى ما بهم ، ومن ذلك يومٓ قدم عليه ابن اللُّتبيَّة من سعاية كان قد ولاّه عليها، وصلى الظهر مرة فلما سلّم قام على المنبر فذكر الساعة وذكر أن قبلها أمورا عظاما ووعظهم فكان للصحابة خنين وقد غطّوا رؤوسهم، وخطب بعد الظهر في اليوم الذي رُجم فيه ماعز رضي الله عنه، وكأنَّ الخطب في هذا الوقت تكون في الأمر العارض والشأن العاجل الذي لا يحتمل التأخير إلى يوم الجمعة، ثم يعود صلى الله عليه وسلم لبيته فيصلي راتبة الظهر البعدية، ثم يخرج إلى أصحابه وربما جلس لهم إلى العصر، وربما ذهب في هذا الوقت لقضاء بعض حاجات المسلمين، ومن ذلك لما ذهب يصلح بين أهل قباء، ومن ذلك ذهابه إلى الأسواف شمال البقيع عند بنات سعد بن الربيع ليقسم بينهن ميراثهن من أبيهن وكُنَّ أول نسوة ورثن من أبيهن في الإسلام .
[والعصر]
وكان إذا أُذِّن للعصر انتظر حتى يجتمع الناس لها، فإذا اجتمعوا خرج فصلى العصر، وكان يُصلّيها في أوَّل وقتها، فإذا فرغ من صلاته أقبل على أصحابه، فإن كان ثَمّ حديثٌ يريد أن يحدثهم به حدّثهم وكان حديثه إلى أصحابه بعد صلاة العصر قليلا بالنسبة لصلاة الظهر وذلك لكلال الناس وحاجتهم إلى الإنصراف لإكمال أعمالهم وإعداد عشائهم، فإذا انصرف من صلاة العصر دخل على نساءه فيطوف عليهن جميعا حتى ينتهي إلى التي هو يومها فيبيت عندها، وربما اجتمعن في البيت التي هو عندها، وكان يقضي فترة بعد العصر غالبا في بيته ومع نساءه، وكما يجري في مجلسه مع زوجاته الأنس الزوجي، تجري المذاكرة العلمية والأسئلة والإستشكال، ويتلقى ذلك الرسول بكل رحابة صدر وحسن خلق، وربما دعاه بعض أصحابه بعد صلاة العصر إلى الأمر يُحِبُّون أن يشهده معهم فيجيبهم فقد دعاه رجل من بني سلمة بعد صلاة العصر فقال يارسول الله إنَّا نريد أن ننحر جزورا ونحب أن تحضرها، فانطلق النبي لهم، ألا ما أعمق حضور هذا النبي صلى الله عليه وسلم في حياة أصحابه .
[بعد الغروب]
فإذا أُذِّن للمغرب لم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قليلا ثم يخرج إلى الصلاة، فإذا خرج أقيمت الصلاة فصلى المغرب وكان يصليها في أول وقتها، ولم يكن يتحدّث بعدها كما يتحدث في أعقاب الصلوات وذلك لحاجة الناس لإنصرافهم لعشائهم وراحتهم، فإذا عاد إلى بيته صلى ركعتين الراتبة البعدية، ثم تعشّى وهذا هو وقت العشاء غالبا وربما قدّموه قبل صلاة المغرب إذا كانوا صياما، وكان يأمر أصحابه أن يأخذوا معهم إلى عشائهم فقراء المسلمين، وربما أخذ صلى الله عليه وسلم عشرةً فذهب بهم إلى بيته ليتعشى معهم إذا كان عنده وفرة طعام، وربما انقلب إلى بيته فلا يجد ما يأكله إلا التمر والماء، وربما مرت به أيام لا يكون في بيته ما يأكله ذو كبد رطبة، وكان طعامه يوضع على الأرض على السفرة وما أكل على خوان قط، فإذا قُرِّب طعامه قال بِسْم الله، ولم يكن يتكلف في طعامه وإنما يأكل ما تيسّر، وما عاب طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه، وإذا جلس على الطعام مع أصحابه لم يخل جلوسه من حديث يؤنس به أو أدب يربي به أو علم ينشره، وكان إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه وكان يأمر بلعق الصحفة، فإذا رفع مائدته حمدالله، وكان إذا شرب لبنا مضمض بعده، وإن أكل معه بعض زوجاته آنسها على الطعام فهو القائل ( حتى اللقمة ترفعها إلى فم امرأتك صدقة ).
[صلاة العشاء]
ويبقى رسول الله في بيته إلى أذان العشاء، ولم يكن يعجّل العشاء، وإنما ينتظر فإن رآهم اجتمعوا عجّل وإن رآهم تأخّروا أخّر، وكان يحب تأخيرها لولا المشقة على الناس، فإذا قضى صلاة العشاء تحدّث إلى أصحابه إن كان ثمّة عارض يريد أن يحدثهم به، وكان حديثه بعد العشاء نادرا وقصيرا لتعب الناس وحاجتهم للنوم، ولهذا كان يكره الحديث بعدها، وكان إذا سلّم مكث في مكانه حتى ينصرف النساء، فإذا قام رسول الله قام الرجال .
[ليالي الرسول صلى الله عليه وسلم]
ثم يرجع صلى الله عليه وسلم إلى بيته فيصلي ركعتين راتبة العشاء، ثم يجلس سويعةً يتحدّث مع أهله قبل أن ينام، وربما ذهب يسمر عند بعض أصحابه، وربما مرّ في طريقه بقارئ حسن الصوت من أصحابه يقوم بالقرآن كما مرّ بأبي موسى الأشعري، ودخل المسجد ليلةً فإذا عبدالله بن مسعود قائم يصلي يُرتّل النساء، فإذا دخل بيته تخفف من ثيابه، وكان إذا أراد أن ينام يضع عند رأسه السواك ليستاك به إذا استيقظ، وكان إذا أوى إلى فراشه يأتي بالأذكار، وكان يضطجع على شقّه الأيمن ويضع يده اليمنى تحت خدّه الأيمن فينام، ويبدو أن هذه أطول فترة نوم ينامها النبي صلى الله عليه وسلم .
[ناشئة الليل]
فإذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ جلس يمسح النوم عن وجهه بيده ويستاك، ويرفع بصره إلى السماء ويقرأ آخر عشر آيات من سورة آل عمران في هدوء هذا الليل وسكونه، ثم يصلي قيام الليل، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا آية عذاب إلا استعاذ ولا آية تسبيح إلا سَبَّح، ولا يزال النبي صلى الله عليه وسلم يقطع آناء الليل بين قراءة خاشعة ومسألة ضارعة وتسبيح قدسي إلى أن يبقى سدس الليل الآخر، فإذا أتمّ قيامه فأراد أن يوتر أيقظ زوجته لتوتر، وكان إذا فرغ من وتره يقول سبحان الملك القدوس ثلاثا يطيل الثالثة ويمد بها صوته .
[خطوات في سكون الليل]
وربما خرج في آخر الليل وقت التهجد إلى بيت ابنته فاطمة وزوجها علي رضي الله عنه فيطرقهما ويناديهما (ألا تقومان فتصليان)، وكان في آخر حياته يخرج في الليل إلى البقيع فيدعوا لهم .
[إغفاءة السَّحر]
فإذا تدافعت ساعات الليل ولم يبق من الليل إلا صُبابته الأخيرة وسدسه الأخير أوى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فراشه ليريح البدن الشريف بعد سبح ليل طويل، فيهجع هجعة يُجِمُّ بها بدنه ويهيئه لاستقبال صلاة الصبح وعمل النهار بنشاط وإقبال، ويظل في نومته تلك حتى يصدع أذان بلال سكون المدينة فيستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبتـــدئ يــومٌ نـــبويٌّ جـــديد .
[قراءة في اليوم النبوي]
1-الصلاة منتشرة في مساحة يومه.
2-عنايته بالإستغفار.
3-لهجه بالذكر صبحا ومساء.
4-التوازن في أداء الحقوق والتوازن في استيعاب الحياة.
5-حياته مزدحمة وحافلة ولكنها ليست متوترة ولا مربكة، وهي مرتبة وليست رتيبة.
6-تجد في حياته عفوية الحياة وبساطتها.
7-الأنس والبهجة حاضرة في بيته وفي مجلسه.
8-قوة العلاقة العاطفية الزوجية.
9-تفهمه لفطر الناس ومشاغلهم.
10-فترات النشاط في يوم: في قيام الليل والصباح والظهر.
11-يُلاحظ أن الصلاة هي فواصل الأوقات.
12-تجد في حياته تذوق لذائذ الحياة والامتنان بالنعمة لله.
13-حضوره العميق في حياة أصحابه وتفاعله معهم
.
تم بحمدالله.
قام بتلخيصه أخونا الشيخ محمد العوضي
@Mh_AA876