فريق منتدى الدي في دي العربي
02-19-2016, 05:06 PM
نعم للتيسير لا للتشدد
صدقي البيك
بعَثَ الله - تعالى - محمدًا - عليه السلام - بالإسلام رحمةً للعالمين، وتعدَّدت تكاليف المسلم في حياته اليومية وفي سلوكه، ولكنَّ الله - تعالى - جعل كلَّ ما طالَب به المسلم من أعمالٍ في حدود طاقته وقدراته التي تتفاوَت من شخصٍ إلى آخر، وجعَل تطبيقَ كثيرٍ من هذه التكاليف مُرتبِطًا بالاستطاعة؛ كالحجِّ، والإصلاح، وإعداد القوَّة.
ولهذا كانت هذه التكاليف أقرب إلى التيسير على المسلمين منها إلى التعسير والتشدُّد، وفي المواقف التي استدعى فيها بعضُ المسلمين - بالسؤال أو بالرغبة - الحدَّ الأقصى من العبادة، أعلَمَهم الرسول - عليه السلام - أنهم لا يستطيعون، والله لا يريد عنَتَهم، فعندما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا أيها الناس، قد فرَضَ الله عليكم الحجَّ فحُجُّوا))، قال رجلٌ: أكلَّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو قلت: نعم، لوجبت، ولَمَا استطعتم))، ثم قال: ((ذَرُوني ما تركتُكم؛ فإنما هلك مَن كان قبلكم بكثرة سُؤَالِهم واختلافِهم على أنبيائهم، فإذا أمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتُكم عن شيءٍ فدَعُوه))؛ رواه مسلم.
هكذا تكون رحمة الله بعباده، وهكذا يكون إشفاق رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على أمَّته، فالإلحاح من السائلين ورغبتهم في التشدُّد قد تنعكس عليهم تشديدًا في الأحكام؛ ((ذَرُوني ما تركتكم))، فلا تُكثِروا من الأسئلة، وقد ضرب الله - تعالى - في القرآن الكريم للمسلمين مَثَلاً من إلحاح بني إسرائيل في السُّؤال وتشديد الله عليهم، حتى كادوا لا يجدون البقرة من كثرة الشروط والقُيُود التي كانوا يستدعونها بكثرة أسئلتهم؛ فيقول الرسول - عليه السلام -: ((إنما أُمِروا أن يذبحوا بقرةً))، ولكنهم لَمَّا شدَّدوا شدَّد الله عليهم، وايم الله لولا أنهم استثنوا وقالوا: ﴿ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 70] لَمَا بُيِّنت لهم آخِرَ الأبد، ويقول ابن كثير بعد هذا: "لهذا لَمَّا ضيَّقوا على أنفسهم ضيق عليهم".
ويروي أبو داود عن أنس بن مالكٍ - رضِي الله عنه -: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقول: ((لا تُشَدِّدوا على أنفسكم فيشدِّد الله عليكم؛ فإن قومًا شَدَّدوا على أنفسهم فشدَّد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصَّوامِع والدِّيار، رهبانيةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم...)).
فلا مجالَ إذًا للتشدُّد، بل المطلوب من المسلم أن يُيَسِّر الأمور على نفسه، والمطلوب من الدُّعَاة أن يَنشُدوا اليُسْرَ والسُّهولة فـ((مَن صلَّى بالناس فليُخَفِّف؛ فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة))؛ رواه البخاري.
بل عَدَّ الرسول - عليه السلام - عمل هؤلاء المتشدِّدين تنفيرًا للناس وفتنة لهم؛ فعندما أطالَ معاذٌ - رضي الله عنه - فقَرَأ سورة البقرة في إحدى الركعات وشكا أحد المسلمين ذلك إلى الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال له - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفَتَّان يا معاذ؟!)).
وإذا كان الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يرفض التشدُّد حتى يُسمِّيه فتنةً أو تنفيرًا من الدين، فإنه دعا إلى ما يُقابِله وهو التيسير، فهو في اختياراته - عليه السلام - كان يتوجَّه إلى أيسر الأمور ما لم يكن إثمًا؛ فعن عائشة - رضِي الله عنها - قالت: "ما خُيِّر رسولُ الله بين أمرين قطُّ إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا...".
وطالَب - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمَّته بهذا التيسير فقال: ((يَسِّروا ولا تُعَسِّروا وبَشِّروا ولا تُنَفِّروا))، وذكَر ما يُمَيِّز الإسلام فقال: ((إن الدين يسرٌ، ولن يُشَادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلَبَه، فسَدِّدوا وقارِبوا وأَبشِروا، واستعينوا بالغَدْوَة والرَّوْحَة وشيءٍ من الدُّلْجَة...)).
وكذلك وصَف أُمَّته بهذه الصفة؛ فقال - فيما يرويه محجن بن الأدرع في "مسند أحمد بن حنبل" -: ((إنكم أمَّة أُرِيدَ بكم اليسر))، وهل بعد قول الله - تعالى -: ﴿ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185] مجالٌ لأحدٍ أن يتشدَّد في أمرٍ من أمور الدين، إذا كان في هذا الأمر سَعَة ويسر؟!
وقد عَدَّ الرسول - عليه السلام - مَن يَتنطَّعون ويستقلُّون العبادات المطلوبة من المسلم والتي كان يُؤَدِّيها الرسول من الصلاة والصيام والزواج، فيتعاهَدُون على أشدِّ حالاتها، عدَّهم راغِبين عن سنَّته؛ فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في شأنهم: ((... أمَّا أنا فأصلِّي وأنام، وأصوم وأُفطِر، وأتزوَّج النساء، فمَن رغب عن سنَّتي فليس مِنِّي))، فأيُّ تهديدٍ أكبر وأشدُّ من هذا؟!
فالأليق بالعلماء أن يتجنَّبوا التشدُّد ولو كان في باب الأَخْذِ بالأَحْوَط، بل على الدُّعَاة - خصوصًا - أن يأخذوا بالأيسر على الناس، خاصَّة إذا كان ذلك رأيًا لأحد علماء المسلمين المعتَبَرين، والغالب أنهم يستَنِدون في آرائهم إلى أدلَّة واضحة ومعتمدة.
صدقي البيك
بعَثَ الله - تعالى - محمدًا - عليه السلام - بالإسلام رحمةً للعالمين، وتعدَّدت تكاليف المسلم في حياته اليومية وفي سلوكه، ولكنَّ الله - تعالى - جعل كلَّ ما طالَب به المسلم من أعمالٍ في حدود طاقته وقدراته التي تتفاوَت من شخصٍ إلى آخر، وجعَل تطبيقَ كثيرٍ من هذه التكاليف مُرتبِطًا بالاستطاعة؛ كالحجِّ، والإصلاح، وإعداد القوَّة.
ولهذا كانت هذه التكاليف أقرب إلى التيسير على المسلمين منها إلى التعسير والتشدُّد، وفي المواقف التي استدعى فيها بعضُ المسلمين - بالسؤال أو بالرغبة - الحدَّ الأقصى من العبادة، أعلَمَهم الرسول - عليه السلام - أنهم لا يستطيعون، والله لا يريد عنَتَهم، فعندما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا أيها الناس، قد فرَضَ الله عليكم الحجَّ فحُجُّوا))، قال رجلٌ: أكلَّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو قلت: نعم، لوجبت، ولَمَا استطعتم))، ثم قال: ((ذَرُوني ما تركتُكم؛ فإنما هلك مَن كان قبلكم بكثرة سُؤَالِهم واختلافِهم على أنبيائهم، فإذا أمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتُكم عن شيءٍ فدَعُوه))؛ رواه مسلم.
هكذا تكون رحمة الله بعباده، وهكذا يكون إشفاق رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على أمَّته، فالإلحاح من السائلين ورغبتهم في التشدُّد قد تنعكس عليهم تشديدًا في الأحكام؛ ((ذَرُوني ما تركتكم))، فلا تُكثِروا من الأسئلة، وقد ضرب الله - تعالى - في القرآن الكريم للمسلمين مَثَلاً من إلحاح بني إسرائيل في السُّؤال وتشديد الله عليهم، حتى كادوا لا يجدون البقرة من كثرة الشروط والقُيُود التي كانوا يستدعونها بكثرة أسئلتهم؛ فيقول الرسول - عليه السلام -: ((إنما أُمِروا أن يذبحوا بقرةً))، ولكنهم لَمَّا شدَّدوا شدَّد الله عليهم، وايم الله لولا أنهم استثنوا وقالوا: ﴿ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 70] لَمَا بُيِّنت لهم آخِرَ الأبد، ويقول ابن كثير بعد هذا: "لهذا لَمَّا ضيَّقوا على أنفسهم ضيق عليهم".
ويروي أبو داود عن أنس بن مالكٍ - رضِي الله عنه -: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقول: ((لا تُشَدِّدوا على أنفسكم فيشدِّد الله عليكم؛ فإن قومًا شَدَّدوا على أنفسهم فشدَّد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصَّوامِع والدِّيار، رهبانيةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم...)).
فلا مجالَ إذًا للتشدُّد، بل المطلوب من المسلم أن يُيَسِّر الأمور على نفسه، والمطلوب من الدُّعَاة أن يَنشُدوا اليُسْرَ والسُّهولة فـ((مَن صلَّى بالناس فليُخَفِّف؛ فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة))؛ رواه البخاري.
بل عَدَّ الرسول - عليه السلام - عمل هؤلاء المتشدِّدين تنفيرًا للناس وفتنة لهم؛ فعندما أطالَ معاذٌ - رضي الله عنه - فقَرَأ سورة البقرة في إحدى الركعات وشكا أحد المسلمين ذلك إلى الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال له - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفَتَّان يا معاذ؟!)).
وإذا كان الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يرفض التشدُّد حتى يُسمِّيه فتنةً أو تنفيرًا من الدين، فإنه دعا إلى ما يُقابِله وهو التيسير، فهو في اختياراته - عليه السلام - كان يتوجَّه إلى أيسر الأمور ما لم يكن إثمًا؛ فعن عائشة - رضِي الله عنها - قالت: "ما خُيِّر رسولُ الله بين أمرين قطُّ إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا...".
وطالَب - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمَّته بهذا التيسير فقال: ((يَسِّروا ولا تُعَسِّروا وبَشِّروا ولا تُنَفِّروا))، وذكَر ما يُمَيِّز الإسلام فقال: ((إن الدين يسرٌ، ولن يُشَادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلَبَه، فسَدِّدوا وقارِبوا وأَبشِروا، واستعينوا بالغَدْوَة والرَّوْحَة وشيءٍ من الدُّلْجَة...)).
وكذلك وصَف أُمَّته بهذه الصفة؛ فقال - فيما يرويه محجن بن الأدرع في "مسند أحمد بن حنبل" -: ((إنكم أمَّة أُرِيدَ بكم اليسر))، وهل بعد قول الله - تعالى -: ﴿ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185] مجالٌ لأحدٍ أن يتشدَّد في أمرٍ من أمور الدين، إذا كان في هذا الأمر سَعَة ويسر؟!
وقد عَدَّ الرسول - عليه السلام - مَن يَتنطَّعون ويستقلُّون العبادات المطلوبة من المسلم والتي كان يُؤَدِّيها الرسول من الصلاة والصيام والزواج، فيتعاهَدُون على أشدِّ حالاتها، عدَّهم راغِبين عن سنَّته؛ فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في شأنهم: ((... أمَّا أنا فأصلِّي وأنام، وأصوم وأُفطِر، وأتزوَّج النساء، فمَن رغب عن سنَّتي فليس مِنِّي))، فأيُّ تهديدٍ أكبر وأشدُّ من هذا؟!
فالأليق بالعلماء أن يتجنَّبوا التشدُّد ولو كان في باب الأَخْذِ بالأَحْوَط، بل على الدُّعَاة - خصوصًا - أن يأخذوا بالأيسر على الناس، خاصَّة إذا كان ذلك رأيًا لأحد علماء المسلمين المعتَبَرين، والغالب أنهم يستَنِدون في آرائهم إلى أدلَّة واضحة ومعتمدة.