مشاهدة النسخة كاملة : تعريف البدعة وضابطها


فريق منتدى الدي في دي العربي
12-25-2017, 01:57 PM
يقول الشيخ صالح ال الشيخ-من المهم أن نعرف البدعة؛ لأن الأشياء تتبين بضدها، فإذا عرفنا البدع تبينت السنن؛ ولأن البدع من حيث الضابط يمكن حصرها، بخلاف السنن فإنها كثيرة متنوعة.
لهذا دخل العلماء حين تحدثوا عن البدع في تعريف البدعة، وفي معناها من جهة اللغة ومن جهة الشرع.
فقالوا البدعة في اللغة مأخوذة من ابتدع الشيء، إذا جعله حدثا ليس له سابق على منواله، فيقال: هذا الأمر بدعة. إذا لم يكن له سابق على منواله، ومنه قول الله جل وعلا ?قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ?[الأحقاف:9]، ?قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ? يعني لم أكن بأول رسول جاءتني الرسالة لم يسبق أن أتت أحدا من قبلي؛ بل ثم رسل من قبلي جاءتهم الرسالات وأنزل الله جل وعلا عليهم وحيه ?قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ? يعني لست بأول رسول، وقال جل وعلا ?بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ?[الأنعام:101] يعني الذي أحدثهما باختراع من غير مثال سابق، هذا معنى البدعة في اللغة، ومنه في قول الصحابة قول عمر حينما رأى الناس اجتمعوا بعد تفرق على إمام في التراويح قال: نعمت البدعة هذه. هذا من جهة المعنى اللغوي؛ لأن اجتماعهم جميعهم على إمام واحد في عهده كان جديدا لم يسبق شيء على مثاله في عهده ولا في عهد أبي بكر رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فقال: نعمت البدعة هذه يعني من جهة أنها أمر أوّل حدث في عهده؛ وإلا فإن صلاة التراويح قد فعلها عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وتركها لأجل أن لا تُفرض على الصحابة رضوان الله عليهم.
أما في الاصطلاح فالعلماء عرّفوها بتعريفات، ومن أمثلها تعريف الشاطبي المشهور في كتابه الاعتصام، حيث عرّفها رحمه الله تعالى بقوله: البدعة طريقة في الدين مخترعة، تُضاهى بها الطريقة الشرعية، يُقصد بها المبالغة في التعبد لله تعالى.
وقال غيره في تعريف البدعة: البدعة في الاصطلاح ما أُحدث على خلاف الحق المُتلقى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في علم أو عمل أو حال بنوع شبهة أو تأويل وجُعل ذلك صراطا مستقيما وطريقا قويما.
والتعريف الأول تعريف الشاطبي نحتاج إلى أن نفصله؛ لأنه مهم وهو تعريف سديد، والشاطبي تأمل هذا الموضوع موضوع البدع والمحدثات فألّف فيه كتابه الاعتصام وهو كتاب مشهور غني عن الوصف.
قال في تعريفه (البدعة طريقة في الدين مخترعة):
(طريقة) يعني أن أصحابها جعلوا البدعة طريقا ملتزما؛ لأن الطريق لا يسمى طريقا حتى يسمى ملتزم السلوك عليه، فقوله (طريقة في الدين) نفهم منها أن السير في ذلك الطريق طريق البدعة ألتزم به، لم تفعل مرة وتترك؛ بل جعلت طريقة وجعل ذلك طريقا مسلوكا، قد طُرق من كثرة السلوك عليه.
قال (في الدين) وفي الدين يخرج في الدنيا؛ لأن المحدثات في أمر الدنيا راجع إلى المصالح المرسلة، وليس براجع إلى البدع؛ لأن البدعة في الدين وليست في الدنيا، لهذا قال (البدعة طريقة في الدين مخترعة).
وقوله (مخترعة) يعني أنها جاءت جديدة إما من جهة الأصل، أو جاءت جديدة من جهة الإضافة؛ يعني بذلك أن البدعة قد تكون جاءت جديدة من جهة الأصل لم يدلّ عليها دليل أصلا ولم يكن في أصلها أمر مشروع، وثَم شيء في البدع ما يكون أصله مشروعا لكن هيأته تكون مبتدعة، وهذا كله يدخل في قوله (طريقة في الدين مخترعة).
إذن حصلنا من ذلك على أن البدع نوعان:
بدع أصلية: وهي التي تكون محدثة من حيث الأصل ومن حيث الوصف.
وبدع إضافية: يكون أصلها مشروعا؛ ولكن هيأتها محدثة، من مثل الصلاة على النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ على المآذن بعد الفراغ من الأذان، ومن مثل الاجتماع على الذكر على نحو معين بصفة معينة ملتزمة، فهذا من حيث هو مشروع في الأصل؛ لأن الصلاة على النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ مأمور بها في الكتاب والسنة؛ لكن هذه الهيئة جعلت تلك الهيئة مخترعة، فسُمّيت بدعة إضافية ليست أصلية لأن أصلها مشروع؛ لكنها إضافية يعني أن البدعة جاءت من حيث الهيئة، لا من حيث الأصل، فهذا النوع من التعبد بها بدعة؛ لكن أصلها مشروع.
قال (تضاهى بها الطريقة الشرعية) يعني أن أصحاب البدع التزموا بها فجُعلت البدعة تضاهي الطريقة الشرعية، فنرى نحن العبادات في الشرع العبادات تُعمل ويلتزم بها، نعملها دائما، فإذا أتى أحدا وجعل شيئا ما يظن أنه يقربه إلى الله عز وجل فالتزمه وجعله دائما يعمل به في أوقات معلومة، وجعل لذلك زمانا أو مكانا أو عددا فإنه ضاهى به الطريقة الشرعية؛ لأن العبادات في الشرع من صفاتها أنها يكون لها الوصف من جهة الزمان؛ قبل الصلاة، بعد الصلاة، في طرفي النهار، ونحو ذلك، لها وصف من جهة العدد، لها وصف من جهة المكان، فإذا جعل شيء له صفة معينة في الدين من جهة المكان أو الزمان أو العدد، فإنه يكون قد ضاهى به الطريقة الشرعية.
قال (يقصد بها المبالغة في التعبد لله تعالى) يعني أن قصد أهل البدع ليس قصدا قبيحا، هم قصدوا أن يبالغوا في التعبد، قصدوا الخير -كما سيأتي-، قصدوا أن يتقرّبوا إلى الله جل وعلا؛ ولكن ليس كل مريد للخير محصلا له كما قال ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عنْهُ.
إذن تحصل لنا من هذا التعريف أن البدع ملتزم بها، وأنها في الدين وليست في الدنيا، وأن أصحابها يريدون المبالغة في التعبد ودِلالة الناس على الخير والهدى.
أتى أبو موسى الأشعري رَضِيَ اللهُ عنْهُ مرة إلى ابن مسعود في الكوفة فقال: يا أبا عبد الرحمن إن هاهنا قوما في المسجد تحلّقوا وبين أيديهم حصى يقول أحدهم سبحوا مائة، فيرفعون الحصى فيسبحون مائة، وهكذا قال ابن مسعود لأبي موسى: فما قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئا حتى أذكر ذلك لك. فقام ابن مسعود إلى أولئك الذين يسبحون الله عن طريق الحصى -يعني يعدون التسبيح بالحصى واجتمعوا على تلك الهيئة- قال ابن مسعود لما وقف عليهم قال: إنكم فُقِتُم صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو أنتم على شعبة ضلالة. قالوا: يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: كم من مريد للخير لم يحصله، هذه آنية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تكسر، وهذه ثيابه لم تَبْلَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وهؤلاء أصحابه لم ينقطعوا.
فدلّنا بذلك على أن شبهة إرادة الخير هي في أصل إنشاء البدع، كل محدث للبدعة إنما أراد الخير؛ يعني في الجملة.
لهذا نقول: إن أصل إنشاء البدع يقول أصحابه: أرادنا الخير، أدرنا التعبد، أردنا أن ينصرف الناس إلى الذكر، أن ينصرف الناس إلى تذكر السنة تذكر السيرة، أردنا أن يتعبد الناس بصلوات في بعض الليالي،وهكذا. فهم أرادوا الخير؛ لكن هل كل مريد للخير يحصله؟ الجواب: لا، حتى يكون ذلك الخير على وفق السنة وإلا كان غير خير.[السنة والبدعة]

Adsense Management by Losha