فريق منتدى الدي في دي العربي
02-19-2016, 05:06 PM
رواسب الكفر عند المسلم الجديد
د. عبدالله بن إبراهيم اللحيدان
قُرْبُ عهْدِ المسلم الجديد بالكُفْر يجعله يقع في بعض المخالفات القوليَّة والفِعليَّة، وشواهدُ ذلك كثيرة جدًّا في القديم والحديث.
فمن الشواهد: ما جاء عن أبي واقد اللَّيْثي - رضي الله عنه - قال: خرجْنا مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى حُنَين ونحن حُدثاءُ عهْد بكُفْر، وللمشركين سِدْرةٌ يَعكُفون عندها، ينوطون بها أسلحتَهم، يقال لها: ذاتُ أنواط، فمررْنا بسِدرة، فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذاتَ أنواط كما لهم ذاتُ أنواط، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الله أكبر! إنَّها السُّنن، قلتُم والذي نفسي بيده كما قالتْ بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة، قال: إنَّكم قوم تجهلون، لتركبُنَّ سَنَن مَن كان قبلكم...)).
وقوله: "حُدثاء عهد بكفر"؛ أي: قريب عهدهم به؛ لأنَّ إسلامهم كان جديدًا متأخِّرًا، وهو يريد بيانَ العُذْر ممَّا وقع منهم أنَّهم كانوا جُهَّالاً.
قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله -: "فيه: أنَّ المنتقل من الباطل الذي اعتاده قلْبُه لا يُؤمَن أن يكون في قلبِه بقيةٌ من تلك العادة؛ لقوله: ونحن حُدثاء عهْد بكفر".
قال ابن عثيمين - رحمه الله -: "وهذا صحيح، فالإنسان المنتقل مِن شيء - سواء كان باطلاً أم لا - لا يُؤمَن أن يكون في قلْبه بقيةٌ منه، وهذه البقيَّة لا تزول إلاَّ بعد مدَّة؛ لقوله: "ونحن حدثاء عهد بكفر"، فكأنَّه يقول: ما سألْناه إلا وعندنا بقيَّة من بقايا الجاهلية، ولهذا كان من الحِكمة تغريبُ الزاني بعد جلْدِه عن مكان الجريمة؛ لئلاَّ يعود إليها".
ولذا؛ فسبب قولهم هذا وجودُ بقية من تلك العادة بعدَ إسلامهم لم تذهبْ من قلوبهم، ففيه: أنَّ على المسلم الجديد التحرُّزَ من ذلك؛ لئلاَّ يصدر منه شيءٌ من ذلك وهو لا يشعر، كما أنَّ عليه أن يبتعدَ عن مواطن الكفْر والشك والفسوق؛ لئلاَّ يقعَ في قلبه شيء منها، وينبغي للداعية أن يُبيِّن للمسلم الجديد ضرورةَ الحذر من الوقوع في الشِّرْك وهو لا يشعر.
وفي الحديث: دليلٌ على آفة الجهل، وأنَّ الإنسان قد يقع في الشرك بسبب الجهل، وفيه: الحثُّ على تعلُّم العقيدة ومعرفتها والتبصُّر فيها؛ خشيةَ أن يقع الإنسان في مِثْلِ ما وقع فيه هؤلاء، ولذلك كان على الداعية إلى الله أن يهتمَّ كثيرًا بمسألة العقيدة في دعوة المسلمين الجُدد، فيبدأهم بها، ويتحقَّق من فَهْمهم لها، ورسوخها في أنفسهم، ويتحقَّق من معرفتهم ما يَقْدَح في التوحيد.
إنَّ رواسب الكفر قد لا يتخلَّص منها المسلِمُ الجديد في بداية الأمر، وإنَّ مَن يسلم على كِبَر وهو على درجة كبيرة من الثقافة والتعليم، أو يكون وجيهًا في قومه، قد لا ينفكُّ عن تلك الرواسب في أثناء كلامِه وكتاباته، وقد لا يسعف بعضَهم التعبيرُ الصحيح بألفاظ شرعيَّة في أثناء الكلام، أو يكون في نفسه شُبهةٌ لم يتخلَّص منها.
كما قد تصعُب على كثيرٍ منهم العبادات في بداية الأمر، لا سيَّما كِبار السِّنِّ، وحَدَث شيءٌ من ذلك في صدر الإسلام بعدَ فتْح مكَّةَ، عندما أسلم بعضُ وجهاء قريش بعدَ ظهور الإسلام، ففي غزوة حنين لَمَّا ظنَّ بعضهم هزيمةَ المسلمين، تكلَّم رِجالٌ بما في أنفسهم من الضِّغْن، وأظهروا الشماتة بالمسلمين، فبدرتْ منهم بعضُ الكلمات؛ لأنَّ الإيمان لم تخالطْ بشاشته قلوبَهم، وكان منهجُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - اعتبار هذه المرحلة، فتألَّف أصحابها بالعطايا، فما لَبِثوا أنْ حَسُن إسلامُهم.
د. عبدالله بن إبراهيم اللحيدان
قُرْبُ عهْدِ المسلم الجديد بالكُفْر يجعله يقع في بعض المخالفات القوليَّة والفِعليَّة، وشواهدُ ذلك كثيرة جدًّا في القديم والحديث.
فمن الشواهد: ما جاء عن أبي واقد اللَّيْثي - رضي الله عنه - قال: خرجْنا مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى حُنَين ونحن حُدثاءُ عهْد بكُفْر، وللمشركين سِدْرةٌ يَعكُفون عندها، ينوطون بها أسلحتَهم، يقال لها: ذاتُ أنواط، فمررْنا بسِدرة، فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذاتَ أنواط كما لهم ذاتُ أنواط، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الله أكبر! إنَّها السُّنن، قلتُم والذي نفسي بيده كما قالتْ بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة، قال: إنَّكم قوم تجهلون، لتركبُنَّ سَنَن مَن كان قبلكم...)).
وقوله: "حُدثاء عهد بكفر"؛ أي: قريب عهدهم به؛ لأنَّ إسلامهم كان جديدًا متأخِّرًا، وهو يريد بيانَ العُذْر ممَّا وقع منهم أنَّهم كانوا جُهَّالاً.
قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله -: "فيه: أنَّ المنتقل من الباطل الذي اعتاده قلْبُه لا يُؤمَن أن يكون في قلبِه بقيةٌ من تلك العادة؛ لقوله: ونحن حُدثاء عهْد بكفر".
قال ابن عثيمين - رحمه الله -: "وهذا صحيح، فالإنسان المنتقل مِن شيء - سواء كان باطلاً أم لا - لا يُؤمَن أن يكون في قلْبه بقيةٌ منه، وهذه البقيَّة لا تزول إلاَّ بعد مدَّة؛ لقوله: "ونحن حدثاء عهد بكفر"، فكأنَّه يقول: ما سألْناه إلا وعندنا بقيَّة من بقايا الجاهلية، ولهذا كان من الحِكمة تغريبُ الزاني بعد جلْدِه عن مكان الجريمة؛ لئلاَّ يعود إليها".
ولذا؛ فسبب قولهم هذا وجودُ بقية من تلك العادة بعدَ إسلامهم لم تذهبْ من قلوبهم، ففيه: أنَّ على المسلم الجديد التحرُّزَ من ذلك؛ لئلاَّ يصدر منه شيءٌ من ذلك وهو لا يشعر، كما أنَّ عليه أن يبتعدَ عن مواطن الكفْر والشك والفسوق؛ لئلاَّ يقعَ في قلبه شيء منها، وينبغي للداعية أن يُبيِّن للمسلم الجديد ضرورةَ الحذر من الوقوع في الشِّرْك وهو لا يشعر.
وفي الحديث: دليلٌ على آفة الجهل، وأنَّ الإنسان قد يقع في الشرك بسبب الجهل، وفيه: الحثُّ على تعلُّم العقيدة ومعرفتها والتبصُّر فيها؛ خشيةَ أن يقع الإنسان في مِثْلِ ما وقع فيه هؤلاء، ولذلك كان على الداعية إلى الله أن يهتمَّ كثيرًا بمسألة العقيدة في دعوة المسلمين الجُدد، فيبدأهم بها، ويتحقَّق من فَهْمهم لها، ورسوخها في أنفسهم، ويتحقَّق من معرفتهم ما يَقْدَح في التوحيد.
إنَّ رواسب الكفر قد لا يتخلَّص منها المسلِمُ الجديد في بداية الأمر، وإنَّ مَن يسلم على كِبَر وهو على درجة كبيرة من الثقافة والتعليم، أو يكون وجيهًا في قومه، قد لا ينفكُّ عن تلك الرواسب في أثناء كلامِه وكتاباته، وقد لا يسعف بعضَهم التعبيرُ الصحيح بألفاظ شرعيَّة في أثناء الكلام، أو يكون في نفسه شُبهةٌ لم يتخلَّص منها.
كما قد تصعُب على كثيرٍ منهم العبادات في بداية الأمر، لا سيَّما كِبار السِّنِّ، وحَدَث شيءٌ من ذلك في صدر الإسلام بعدَ فتْح مكَّةَ، عندما أسلم بعضُ وجهاء قريش بعدَ ظهور الإسلام، ففي غزوة حنين لَمَّا ظنَّ بعضهم هزيمةَ المسلمين، تكلَّم رِجالٌ بما في أنفسهم من الضِّغْن، وأظهروا الشماتة بالمسلمين، فبدرتْ منهم بعضُ الكلمات؛ لأنَّ الإيمان لم تخالطْ بشاشته قلوبَهم، وكان منهجُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - اعتبار هذه المرحلة، فتألَّف أصحابها بالعطايا، فما لَبِثوا أنْ حَسُن إسلامُهم.