فريق منتدى الدي في دي العربي
01-05-2018, 06:02 AM
الحمد لله وبعد:
نتحدث اليوم عن مغالطات العصاة، وأسباب اغترارهم، وهي كثيرة.
والمؤمن يحذر كل الحذر من مغالطة نفسه، ويعلم أن المعصية والغفلة من الأسباب المضرة له في دنياه وأخراه.
والشيطان يزين المعصية لابن آدم، ويهيئ معها الأعذار المزيفة التي خدع بها كثير من الناس.
فمن الناس من إذا فعل معصية قال: أفعلها الآن ثم أتوب.
*
ومن الناس من تغالطه نفسه بالاتكال على عفو الله ومغفرته تارة، وبالاحتجاج بالقدر تارة، وبالاقتداء بالأكابر تارة أخرى.
*
ومن الناس من تعلق بنصوص الرجاء واتكل عليها، فإذا عوتب على خطيئته سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغفرته.
*
ومن الناس من إذا قلت له لماذا فعلت هذه الخطيئة؟
قال: لقد فعلها آباءنا وأسلافنا!
ومن الناس من يظن أنه لو فعل ما فعل ثم قال استغفر الله زال الذنب، ولو لم يتب منه.
ومن الناس من إذا أذنب ظن أن الصدقة من ماله تكفيه عن التوبة.
وآخر إذا قلت له: لماذا عصيت الله؟
قال: الناس يعصون الله! وكأنما يقول: الناس يعصون الله أفلا أعصيه أنا.
*
ومن الناس من يغتر بفهم فاسد فهمه من نصوص القرآن والسنة، فإذا به يقول*﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 53] ونسي هذا المسكين أن الآية في حق التائبين، ولو كانت كل الذنوب تغفر بلا توبة لما حرم الله شيء.
*
وتارة يعتذر فيقول: نحن غافلون....
وتارة يقول: العمر طويل وباب التوبة مفتوح.
وتارة يقول ذلك المغتر: لماذا تحرمون كل شيء؟ لماذا التشدد؟
ومن الناس من يظن أن الله لا يراه.. وأن الله لا يعلم عن معصيته.
ومن الناس من يعيش في هذه الدنيا مقيم على معاصي الله
كأنما أمن من النار في الآخرة، وكأنما تيقن دخول الجنة.
*
إنها معاذير العصاة... إنها أماني الغافلين... إنها نفوس خدعها الشيطان... وغرتها الحياة الدنيا حتى خرجت بهذه المعاذير المزيفة.. وحتى بلغت هذه الأماني.
*
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه أخذ يقلب دنانير ما بين الخمسة إلى السبعة ونحوها، ويقول: "ما ظن محمد بالله عز وجل لو لقيه وهذه عنده! انفقيها " رواه الإمام أحمد. "في حاشية المسند حديث صحيح. برقم 24222".
*
فيا لله... ما ظن أصحاب الكبائر والظلمة بالله إذا لقوه ومظالم العباد عندهم؟
كيف يحسن الظن بربه من يبارزه بالذنوب، ويتمادى في المعاصي والسيئات؟
أي غرور ذلك الغرور.. وأي نفوس تلك النفوس المخدوعة.
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].
فيا من جمع المعاذير المزيفة لذنوبه ومعاصيه تذكر أن الله أعد للكافرين سعيرا.
*
تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " رواه البخاري برقم "3265".
*
تذكر أن النار وقودها الناس والحجارة كما قال تعالى ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ... ﴾ [البقرة: 24]".
*
تذكر أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فأذن الله لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير " رواه البخاري برقم "3260".
*
تذكر قول الله جل وعلا: ﴿ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى ﴾ [المعارج: 11 - 16].
*
تذكر يوم أن قال صلى الله عليه وسلم: " إِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قدموني قدموني، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟" رواه البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه برقم " 1380".
*
كان أبو الدرداء يقول: لو تعلمون ما أنتم لا قون بعد الموت لما أكلتم طعاما على شهوة، ولا شربتم شرابا على شهوة، ولا دخلتم بيتا تستظلون فيه، ولخرجتم إلى الصعدات تضربون صدوركم، وتبكون على أنفسكم، ولوددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل. "الزهد لأحمد 171".
*
وقرأ تميم الداري ليلة سورة الجاثية، فلما أتى على هذه الآية: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [ سورة الجاثية: 21 ] جعل يرددها ويبكي حتى أصبح. "الزهد لأحمد 227".
*
ولما حضرت الوفاة عمر رضي الله عنه دخل عليه عثمان قال عثمان: فرأيت عمر في التراب، فذهبت أرفعه فقال: دعني، ويلي وويل أمي إن لم يغفر لي. "الزهد لأحمد 155".
*
أيها الأحبة:
الراجون من الله قد اقترن رجاءهم بالأعمال الصالحة
كما قال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 218].
فالعاقل يضع الرجاء مواضعه.. والجاهل المغتر يضعه في غير موضعه.
*
أخي بارك الله فيك:
"حينما يرجوا المؤمن رحمة الله فإن ذلك يستلزم ثلاثة أمور:
أولاً: محبة ما يرجوه.
الثاني: الخوف من فواته.
الثالث: أن يسعى في تحصيله بحسب الإمكان.
وأما رجاء لا يقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأماني.. والرجاء شيء والأماني شيء آخر.
والراجون من الله خائفون منه.. والخائف إذا سار على الطريق أسرع في السير مخافة الفوات.
*
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من خاف أدلج ) يعني: من خاف مشى في أول الليل ليصل إلى أمنه قبل اشتداد الظلمة.
*
( من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية. ألا إن سلعة الله الجنة ) رواه الترمذي ". انظر الداء والدواء لابن القيم 115".
*
﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57، 61].
*
روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون: 60] قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا ابنة الصِّدِّيقِ! وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُتقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) رواه الترمذي برقم "3175".
*
والله سبحانه وصف أهل السعادة بالإحسان مع الخوف، ووصف الأشقياء بالإساءة مع الأمن.
فلابد من التفريق بين احسان الظن بالله وبين الأماني، لابد من التفريق بين الرجاء وبين الأماني ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾ [النساء: 123].
*
الخطبة الثانية
الحمد لله وبعد:
شتان بين رجاء التائبين وأماني المفرطين.
فحينما يقبل العبد على ربه... ويتوب من ذنبه.... فحري به أن يحسن ظنه بالله، فإن الله يقبل التوبة، ويغفر الذنب، ويجير عبده من العذاب الأليم.
*
وهذا من رحمة الله وعفوه وكرمه أن بعث الآمال في قلوب العصاة بأن يتوبوا إلى خالقهم، وأن لا يتمادوا في ذلك.
وأما التمادي في العصيان مع تمني المغفرة فهذه أماني المفرطين.
*
قال اسماعيل بن رافع: "من الأمن من مكر الله إقامة العبد على الذنب يتمنى على الله المغفرة ". "عزاه في الدر المنثور 3 /507 إلى ابن أبي حاتم.".
*
إن حسن الظن بالله أيها الاخوة إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة، وأما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتى إحسان الظن. "الداء والدواء 76 لابن القيم ".
*
حسن الظن بالله مع اتباع الهوى عجز، ولذلك فإن الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله.
*
ولو أن رجلا كانت له أرض يؤمل أن يأخذ من ثمرها ونفعها، فأهملها ولم يبذرها ولم يحرثها، وحسّن ظنه بأنه سيستفيد من ثمارها لعده الناس من اسفه السفهاء.
*
وهكذا من حسّن ظنه، وقوي رجاءه بالفوز بالدرجات العلا.. والنعيم المقيم، من غير تقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
فاتقوا الله تعالى، واجمعوا بين الرجاء والعمل، اجمعوا بين الرجاء والتوبة.
فهد بن سعد أباحسين
نتحدث اليوم عن مغالطات العصاة، وأسباب اغترارهم، وهي كثيرة.
والمؤمن يحذر كل الحذر من مغالطة نفسه، ويعلم أن المعصية والغفلة من الأسباب المضرة له في دنياه وأخراه.
والشيطان يزين المعصية لابن آدم، ويهيئ معها الأعذار المزيفة التي خدع بها كثير من الناس.
فمن الناس من إذا فعل معصية قال: أفعلها الآن ثم أتوب.
*
ومن الناس من تغالطه نفسه بالاتكال على عفو الله ومغفرته تارة، وبالاحتجاج بالقدر تارة، وبالاقتداء بالأكابر تارة أخرى.
*
ومن الناس من تعلق بنصوص الرجاء واتكل عليها، فإذا عوتب على خطيئته سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغفرته.
*
ومن الناس من إذا قلت له لماذا فعلت هذه الخطيئة؟
قال: لقد فعلها آباءنا وأسلافنا!
ومن الناس من يظن أنه لو فعل ما فعل ثم قال استغفر الله زال الذنب، ولو لم يتب منه.
ومن الناس من إذا أذنب ظن أن الصدقة من ماله تكفيه عن التوبة.
وآخر إذا قلت له: لماذا عصيت الله؟
قال: الناس يعصون الله! وكأنما يقول: الناس يعصون الله أفلا أعصيه أنا.
*
ومن الناس من يغتر بفهم فاسد فهمه من نصوص القرآن والسنة، فإذا به يقول*﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 53] ونسي هذا المسكين أن الآية في حق التائبين، ولو كانت كل الذنوب تغفر بلا توبة لما حرم الله شيء.
*
وتارة يعتذر فيقول: نحن غافلون....
وتارة يقول: العمر طويل وباب التوبة مفتوح.
وتارة يقول ذلك المغتر: لماذا تحرمون كل شيء؟ لماذا التشدد؟
ومن الناس من يظن أن الله لا يراه.. وأن الله لا يعلم عن معصيته.
ومن الناس من يعيش في هذه الدنيا مقيم على معاصي الله
كأنما أمن من النار في الآخرة، وكأنما تيقن دخول الجنة.
*
إنها معاذير العصاة... إنها أماني الغافلين... إنها نفوس خدعها الشيطان... وغرتها الحياة الدنيا حتى خرجت بهذه المعاذير المزيفة.. وحتى بلغت هذه الأماني.
*
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه أخذ يقلب دنانير ما بين الخمسة إلى السبعة ونحوها، ويقول: "ما ظن محمد بالله عز وجل لو لقيه وهذه عنده! انفقيها " رواه الإمام أحمد. "في حاشية المسند حديث صحيح. برقم 24222".
*
فيا لله... ما ظن أصحاب الكبائر والظلمة بالله إذا لقوه ومظالم العباد عندهم؟
كيف يحسن الظن بربه من يبارزه بالذنوب، ويتمادى في المعاصي والسيئات؟
أي غرور ذلك الغرور.. وأي نفوس تلك النفوس المخدوعة.
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].
فيا من جمع المعاذير المزيفة لذنوبه ومعاصيه تذكر أن الله أعد للكافرين سعيرا.
*
تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " رواه البخاري برقم "3265".
*
تذكر أن النار وقودها الناس والحجارة كما قال تعالى ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ... ﴾ [البقرة: 24]".
*
تذكر أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فأذن الله لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير " رواه البخاري برقم "3260".
*
تذكر قول الله جل وعلا: ﴿ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى ﴾ [المعارج: 11 - 16].
*
تذكر يوم أن قال صلى الله عليه وسلم: " إِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قدموني قدموني، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟" رواه البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه برقم " 1380".
*
كان أبو الدرداء يقول: لو تعلمون ما أنتم لا قون بعد الموت لما أكلتم طعاما على شهوة، ولا شربتم شرابا على شهوة، ولا دخلتم بيتا تستظلون فيه، ولخرجتم إلى الصعدات تضربون صدوركم، وتبكون على أنفسكم، ولوددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل. "الزهد لأحمد 171".
*
وقرأ تميم الداري ليلة سورة الجاثية، فلما أتى على هذه الآية: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [ سورة الجاثية: 21 ] جعل يرددها ويبكي حتى أصبح. "الزهد لأحمد 227".
*
ولما حضرت الوفاة عمر رضي الله عنه دخل عليه عثمان قال عثمان: فرأيت عمر في التراب، فذهبت أرفعه فقال: دعني، ويلي وويل أمي إن لم يغفر لي. "الزهد لأحمد 155".
*
أيها الأحبة:
الراجون من الله قد اقترن رجاءهم بالأعمال الصالحة
كما قال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 218].
فالعاقل يضع الرجاء مواضعه.. والجاهل المغتر يضعه في غير موضعه.
*
أخي بارك الله فيك:
"حينما يرجوا المؤمن رحمة الله فإن ذلك يستلزم ثلاثة أمور:
أولاً: محبة ما يرجوه.
الثاني: الخوف من فواته.
الثالث: أن يسعى في تحصيله بحسب الإمكان.
وأما رجاء لا يقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأماني.. والرجاء شيء والأماني شيء آخر.
والراجون من الله خائفون منه.. والخائف إذا سار على الطريق أسرع في السير مخافة الفوات.
*
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من خاف أدلج ) يعني: من خاف مشى في أول الليل ليصل إلى أمنه قبل اشتداد الظلمة.
*
( من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية. ألا إن سلعة الله الجنة ) رواه الترمذي ". انظر الداء والدواء لابن القيم 115".
*
﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57، 61].
*
روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون: 60] قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا ابنة الصِّدِّيقِ! وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُتقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) رواه الترمذي برقم "3175".
*
والله سبحانه وصف أهل السعادة بالإحسان مع الخوف، ووصف الأشقياء بالإساءة مع الأمن.
فلابد من التفريق بين احسان الظن بالله وبين الأماني، لابد من التفريق بين الرجاء وبين الأماني ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾ [النساء: 123].
*
الخطبة الثانية
الحمد لله وبعد:
شتان بين رجاء التائبين وأماني المفرطين.
فحينما يقبل العبد على ربه... ويتوب من ذنبه.... فحري به أن يحسن ظنه بالله، فإن الله يقبل التوبة، ويغفر الذنب، ويجير عبده من العذاب الأليم.
*
وهذا من رحمة الله وعفوه وكرمه أن بعث الآمال في قلوب العصاة بأن يتوبوا إلى خالقهم، وأن لا يتمادوا في ذلك.
وأما التمادي في العصيان مع تمني المغفرة فهذه أماني المفرطين.
*
قال اسماعيل بن رافع: "من الأمن من مكر الله إقامة العبد على الذنب يتمنى على الله المغفرة ". "عزاه في الدر المنثور 3 /507 إلى ابن أبي حاتم.".
*
إن حسن الظن بالله أيها الاخوة إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة، وأما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتى إحسان الظن. "الداء والدواء 76 لابن القيم ".
*
حسن الظن بالله مع اتباع الهوى عجز، ولذلك فإن الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله.
*
ولو أن رجلا كانت له أرض يؤمل أن يأخذ من ثمرها ونفعها، فأهملها ولم يبذرها ولم يحرثها، وحسّن ظنه بأنه سيستفيد من ثمارها لعده الناس من اسفه السفهاء.
*
وهكذا من حسّن ظنه، وقوي رجاءه بالفوز بالدرجات العلا.. والنعيم المقيم، من غير تقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
فاتقوا الله تعالى، واجمعوا بين الرجاء والعمل، اجمعوا بين الرجاء والتوبة.
فهد بن سعد أباحسين