فريق منتدى الدي في دي العربي
01-15-2018, 10:13 AM
تذييل على "التربية الساخنة"
د - ناصر العمر
تمهيد:
مر بك في الورقة السابقة حديث عن التربية الساخنة.. ..أعني بها أن يسعى المربي في اختيار مواقفه التربوية؛ فيوقعها حسب المواقف والأحداث، عليه أن (يتربص) بإخوانه (المواقف)، ويضرب (بمطارق) التربية في (سخونة) الأحداث.. أن يجعل الموقف الساخن فرصته السانحة لإيقاع التربية المناسبة؛ لـ(تفصيل) المستحبات والمكروهات على (جسم) الأحداث.. الإسلام حياة..
والمقصود بالتربية الساخنة ، هي أن يكون الموقف نفسه ساخناً، ولا يعني أن يكون أسلوب التربية ساخناً..!
ولا بد لنا هنا من تذييل على ما سبق..في مسائل:
المسألة الأولى: التربية المستمرة أساس التربية الساخنة:
قد قرأتَ فيما سبق أنه لا يكفي في التربية أن تسرد عليهم قائمة بالمستحبات والمكروهات، لا بد أن تجعل الموقف الساخن فرصتك السانحة لإيقاع التربية المناسبة.
وأظن أن القارئ الحصيف يدرك أنها دعوة لتعاضد التربية الساخنة الطارئة المستثمرة للحدث مع التربية الترسيخية المستمرة البانية للنفوس، فالتربية الساخنة حالة من حالات التربية المتنوعة.. مثلها مثل التربية التعليمية، والتربية التلقينية، والتربية الإيحائية...
ويغلط المربي حين يستروح الكسل، ويكتفي بالصمت حتى تحين فرصة تربوية!، فإن التربية المستمرة والتربية الساخنة تتعاضدان في التربية تعاضد اليدين؛ لأمور منها:
1- إن كانت عامة أسباب نزول الآيات وورود الأحاديث أمثلة للتربية الساخنة؛ فإن عامة النصوص التي لم يرد فيها سبب نزول أو ورود هي أمثلة للتربية المستمرة..
2- أن التربية المستمرة تصنع –بإذن الله- النفسية المؤمنة التي تتقبل التربية الساخنة وتتفاعل معها.
3- أن التربية المستمرة ترسخ المعاني والألفاظ في النفس، فإذا جاءت التربية الساخنة أصبح الأمر أشبه بالتذكير، والتذكير أسهل من التأسيس.
4- أن زمن التربية الساخنة أضيق من زمن التربية المستمرة.. وإن كان لها من الأثر ما ليس لغيرها.
فاستمر..! استمر في تربيتك وتعليمك وتلقينك وتحفيظك وسرد المعاني والألفاظ؛ فإذا جاء الموقف الساخن فاضرب بمطرقتك التربوية في سخونة الأحداث..!
المسألة الثانية:السخونة أنواع ومراتب..:
حين نقول: "التربية الساخنة" فإن السخونة أنواع، وهي كذلك مراتب.. فهذه فرصة لاتساع التفكير، ومن ثم اتساع الفرص التربوية.
فقد يكون الموقف الساخن عالمياً: في أزمة تخنق الأمة كلها ، أو انتصار يفكها.. في عالم ساخن بالأحداث.
وقد يكون الموقف الساخن جماعياً: في مواقف بشرية ضمن مجتمعك التربوي الصغير؛ الذي لا يخلو من المواقف.
وقد يكون الموقف الساخنة فردياً: في ظروف تتابع على المتربي الواحد ممن تحتك؛ ظروف تحيطه وتغلي به، ضمن عالم الإنسان العجيب.
وقد تكون السخونة فرحاً أو ترحاً ، نعمة أو بأساء، موقفاً مشرفاً من المتربي أو تصرفاً سيئاً من آخر..وهكذا..
والسخونة أيضاً مراتب، وهي تفاوت كما تتفاوت درجات مسبار الحرارة.
وحين يتسع ذهن المربي لأنواع من "السخونة" ستزيد بين يديه الفرص التربوية، حين يفتح عينيه سيرى أن فرص التربية الساخنة تتقاطر عليه وتتناثر، بعد أن كان لا يبصرها إلا حوليةً؛ مرة كل سنة!
الثالثة: مثال تربوي:
مرَّ بك في الورقة السابقة بعض التطبيقات للتربية الساخنة.. ونزيد هنا أمثلة نوسِّع بها المعنى..
خذ مثلاً: يشتكي بعض المربين من بعض المظاهر السيئة في مجتمعه، فقد يجد فيها تراجم بالألفاظ القبيحة، أو تداعياً بدعوى الجاهلية، أو ترفاً رخواً يميت الجد.. وهذه من أمراض المجتمعات التربوية.
ولكل منها علاج جاء به الكتاب والسنة، والذي نريده هنا اقتباس أسلوب التربية الساخنة، فنقول:
لا بد للمربي –من قبل ومن بعد- أن يرسخ في النفوس أمر الله وتعالى ونهيه في هذا الباب وغيره، ويلقنهم كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ويخبرهم بثوابه وعقابه فيه، حتى تتشبع النفوس بهذه المعاني.
ثم –وهذا المراد هنا- عليه أن يتتبع المواقف ، ويبدأ بتقوية قنوات استشعاره لتصرفاتهم؛ فمتى ما وقع التصرف المذموم فقد بدأت مهمته المهمة: بتفعيل المعلومات السابقة، وبربط ما تعلموه –من الأمر والنص والجزاء- بهذا الموقف، ويشحن موقفه بإخلاصه وبلاغته وعاطفته..هنا يكون الأثر!
لأن المشكلة أن كثيراً من المربين تؤلمه هذه الأمور؛ فيسكت ويسرها في نفسه، وربما تنبت الظاهرة السيئة وتأزر وتستغلظ وتستوي على سوقها وهو ساكت يتأمل ويتألم!، وربما يجتمع بهم يوماً فيلقي كلمة عامة تجريدية عن أهمية الأخلاق للمسلم؛ ثم لا يربطها بتفاصيل أحداثهم، ومواقع النصوص من أفعالهم.. في تربية باردة!
كثير منَّا يعلم أن الخلق الحسن من فضائل الأعمال، لكنه في تصرفاته اليومية لا يعمل بذلك؛ لماذا؟ لأنه ربما لا "يعلم" أن هذا الموقف يدخل في الخلق الحسن، أو يعرف ولكنه لا "يستحضر" ذلك، فهو مصاب بـ"جهل" أو "غفلة"، ودواؤه "البصيرة" و"التذكرة"، ومهمة المربي هنا " أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي" ، "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ".
والتربية الساخنة التي نريد هي التي تجمع بين هذين، وهي التي توقع "النص" على "المثال"، وهي التي قلنا لك من قبل: "(تفصيل) المستحبات والمكروهات على (جسم) الأحداث.. فالإسلام حياة".
الرابعة: العلم الشرعي الراسخ.. هو أصل التربية الساخنة:
فإن التربية الساخنة هي ثمرة أمور: العلم الشرعي الراسخ، الفهم الواعي للواقع، والصبر على الدعوة.
وهذه كلمة تحتاج إلى تفصيل، ولعل في مستقبل الأيام فرصة _بإذن الله_..
وأخيراً، ففيما مضى فرصة لك أيها المربي أن تستغل سخونة الموقف لصياغة التربية، وقد أجمع أهل المعادن أن سخونة الحديد فرصة لتشكيله.. وعلى هذا فليجمع أهل التربية!
د - ناصر العمر
تمهيد:
مر بك في الورقة السابقة حديث عن التربية الساخنة.. ..أعني بها أن يسعى المربي في اختيار مواقفه التربوية؛ فيوقعها حسب المواقف والأحداث، عليه أن (يتربص) بإخوانه (المواقف)، ويضرب (بمطارق) التربية في (سخونة) الأحداث.. أن يجعل الموقف الساخن فرصته السانحة لإيقاع التربية المناسبة؛ لـ(تفصيل) المستحبات والمكروهات على (جسم) الأحداث.. الإسلام حياة..
والمقصود بالتربية الساخنة ، هي أن يكون الموقف نفسه ساخناً، ولا يعني أن يكون أسلوب التربية ساخناً..!
ولا بد لنا هنا من تذييل على ما سبق..في مسائل:
المسألة الأولى: التربية المستمرة أساس التربية الساخنة:
قد قرأتَ فيما سبق أنه لا يكفي في التربية أن تسرد عليهم قائمة بالمستحبات والمكروهات، لا بد أن تجعل الموقف الساخن فرصتك السانحة لإيقاع التربية المناسبة.
وأظن أن القارئ الحصيف يدرك أنها دعوة لتعاضد التربية الساخنة الطارئة المستثمرة للحدث مع التربية الترسيخية المستمرة البانية للنفوس، فالتربية الساخنة حالة من حالات التربية المتنوعة.. مثلها مثل التربية التعليمية، والتربية التلقينية، والتربية الإيحائية...
ويغلط المربي حين يستروح الكسل، ويكتفي بالصمت حتى تحين فرصة تربوية!، فإن التربية المستمرة والتربية الساخنة تتعاضدان في التربية تعاضد اليدين؛ لأمور منها:
1- إن كانت عامة أسباب نزول الآيات وورود الأحاديث أمثلة للتربية الساخنة؛ فإن عامة النصوص التي لم يرد فيها سبب نزول أو ورود هي أمثلة للتربية المستمرة..
2- أن التربية المستمرة تصنع –بإذن الله- النفسية المؤمنة التي تتقبل التربية الساخنة وتتفاعل معها.
3- أن التربية المستمرة ترسخ المعاني والألفاظ في النفس، فإذا جاءت التربية الساخنة أصبح الأمر أشبه بالتذكير، والتذكير أسهل من التأسيس.
4- أن زمن التربية الساخنة أضيق من زمن التربية المستمرة.. وإن كان لها من الأثر ما ليس لغيرها.
فاستمر..! استمر في تربيتك وتعليمك وتلقينك وتحفيظك وسرد المعاني والألفاظ؛ فإذا جاء الموقف الساخن فاضرب بمطرقتك التربوية في سخونة الأحداث..!
المسألة الثانية:السخونة أنواع ومراتب..:
حين نقول: "التربية الساخنة" فإن السخونة أنواع، وهي كذلك مراتب.. فهذه فرصة لاتساع التفكير، ومن ثم اتساع الفرص التربوية.
فقد يكون الموقف الساخن عالمياً: في أزمة تخنق الأمة كلها ، أو انتصار يفكها.. في عالم ساخن بالأحداث.
وقد يكون الموقف الساخن جماعياً: في مواقف بشرية ضمن مجتمعك التربوي الصغير؛ الذي لا يخلو من المواقف.
وقد يكون الموقف الساخنة فردياً: في ظروف تتابع على المتربي الواحد ممن تحتك؛ ظروف تحيطه وتغلي به، ضمن عالم الإنسان العجيب.
وقد تكون السخونة فرحاً أو ترحاً ، نعمة أو بأساء، موقفاً مشرفاً من المتربي أو تصرفاً سيئاً من آخر..وهكذا..
والسخونة أيضاً مراتب، وهي تفاوت كما تتفاوت درجات مسبار الحرارة.
وحين يتسع ذهن المربي لأنواع من "السخونة" ستزيد بين يديه الفرص التربوية، حين يفتح عينيه سيرى أن فرص التربية الساخنة تتقاطر عليه وتتناثر، بعد أن كان لا يبصرها إلا حوليةً؛ مرة كل سنة!
الثالثة: مثال تربوي:
مرَّ بك في الورقة السابقة بعض التطبيقات للتربية الساخنة.. ونزيد هنا أمثلة نوسِّع بها المعنى..
خذ مثلاً: يشتكي بعض المربين من بعض المظاهر السيئة في مجتمعه، فقد يجد فيها تراجم بالألفاظ القبيحة، أو تداعياً بدعوى الجاهلية، أو ترفاً رخواً يميت الجد.. وهذه من أمراض المجتمعات التربوية.
ولكل منها علاج جاء به الكتاب والسنة، والذي نريده هنا اقتباس أسلوب التربية الساخنة، فنقول:
لا بد للمربي –من قبل ومن بعد- أن يرسخ في النفوس أمر الله وتعالى ونهيه في هذا الباب وغيره، ويلقنهم كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ويخبرهم بثوابه وعقابه فيه، حتى تتشبع النفوس بهذه المعاني.
ثم –وهذا المراد هنا- عليه أن يتتبع المواقف ، ويبدأ بتقوية قنوات استشعاره لتصرفاتهم؛ فمتى ما وقع التصرف المذموم فقد بدأت مهمته المهمة: بتفعيل المعلومات السابقة، وبربط ما تعلموه –من الأمر والنص والجزاء- بهذا الموقف، ويشحن موقفه بإخلاصه وبلاغته وعاطفته..هنا يكون الأثر!
لأن المشكلة أن كثيراً من المربين تؤلمه هذه الأمور؛ فيسكت ويسرها في نفسه، وربما تنبت الظاهرة السيئة وتأزر وتستغلظ وتستوي على سوقها وهو ساكت يتأمل ويتألم!، وربما يجتمع بهم يوماً فيلقي كلمة عامة تجريدية عن أهمية الأخلاق للمسلم؛ ثم لا يربطها بتفاصيل أحداثهم، ومواقع النصوص من أفعالهم.. في تربية باردة!
كثير منَّا يعلم أن الخلق الحسن من فضائل الأعمال، لكنه في تصرفاته اليومية لا يعمل بذلك؛ لماذا؟ لأنه ربما لا "يعلم" أن هذا الموقف يدخل في الخلق الحسن، أو يعرف ولكنه لا "يستحضر" ذلك، فهو مصاب بـ"جهل" أو "غفلة"، ودواؤه "البصيرة" و"التذكرة"، ومهمة المربي هنا " أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي" ، "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ".
والتربية الساخنة التي نريد هي التي تجمع بين هذين، وهي التي توقع "النص" على "المثال"، وهي التي قلنا لك من قبل: "(تفصيل) المستحبات والمكروهات على (جسم) الأحداث.. فالإسلام حياة".
الرابعة: العلم الشرعي الراسخ.. هو أصل التربية الساخنة:
فإن التربية الساخنة هي ثمرة أمور: العلم الشرعي الراسخ، الفهم الواعي للواقع، والصبر على الدعوة.
وهذه كلمة تحتاج إلى تفصيل، ولعل في مستقبل الأيام فرصة _بإذن الله_..
وأخيراً، ففيما مضى فرصة لك أيها المربي أن تستغل سخونة الموقف لصياغة التربية، وقد أجمع أهل المعادن أن سخونة الحديد فرصة لتشكيله.. وعلى هذا فليجمع أهل التربية!