فريق منتدى الدي في دي العربي
04-22-2018, 10:50 PM
سلسلة (الخيّرات الصابرات)
الصحابية الجليلة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب -رضي الله عنها-
نجد في قراءة سيرة السيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنها وعن أبيها الكثير من الابتلاءات فهكذا الابتلاء على قدر العمل، وابتلاءُ اللهِ لعباده المؤمنين رحمة لهم وزلفى يهذبهم ويقربهم ويرفعهم إلى الدرجات العلى ، والبلاء في حق المؤمن كفارة وطهور . فمن صبر نال كمال الأجر والولاية وأشد الناس ابتلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ، ثم الأمثلُ فالأمثلُ ، يُبتلى الناسُ على قدْرِ دينِهم ، فمن ثَخُنَ دينُه اشْتدَّ بلاؤُه ، و من ضعُف دينُه ضَعُف بلاؤه ، وإنَّ الرجلَ لَيُصيبُه البلاءُ حتى يمشيَ في الناسِ ما عليه خطيئةٌ» [صحيح الجامع للألباني] .
فمن هي أم كلثوم؟
إنها السبطة النبوية ، والبضعة المحمدية ، والسليلة الهاشمية ، حفيدة خاتم الأنبياء ، السيدة الجليلة : أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب الهاشمية القرشية .
أمها : سيدة نساء أهل الجنة في زمانها ، السيدة البضعة النبوية ، أم الحسنين وأم السبطين : أم الحسن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم الهاشمية القرشية .
ولدت في أواخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقيل في السنة السادسة وقيل في السنة الثامنة وسميت على اسم خالتها أم كلثوم بنت محمد صلى الله عليه وسلم ، وعاشت طفولة تملأها الحب والحنان ، ولم تذكر كتب السير والتاريخ شيء عن طفولتها في حياة جدها النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت صغيرة السن على أقل الأحوال ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهي بين الأربع سنين والسنتين أو أقل.
أم كلثوم في خلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة وأم كلثوم رضي الله عنها صغيرة السن لم تعِ الأحداث التي مرّت في خلافته ، من إنشغال آل البيت بوفاة سيد البشرية عليه الصلاة السلام ، ومرض أمها السيدة فاطمة ، وانشغال الخليفة أبو بكر الصديق بتثبيت الخلافة وحرب المرتدين ونشر الإسلام ، ثم كانت الصدمة الثانية بوفاة أمها بعد ستة أشهر من وفاة جدها محمد صلى الله عليه وسلم ، فالصدمتين متتاليتين في أقل من ستة أشهر جدها وأمها ، فعاشت يتيمة الأم عند أبيها يرعاها ويكفلها بحنانه ، فشبّت على الأخلاق الحميدة ، وكان أبوها رضي الله عنه ، يرصدها وأختها زينب الكبرى للزواج من أبناء أخيه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم فكان يهيأها لهذا اليوم ويربيها تربية الكبار فشبّت عاقلة رزينة متخلقة بأخلاق النبوة.
أم كلثوم في خلافة زوجها عمر رضي الله عنه:
ذكرنا أن أباها كان يرصدها للزواج من أحد أبناء أخيه وهو عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، ولكن كان هناك من يرصدها لنفسه ، إنه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقد كان عمر رضي الله عنه يرصدها لنفسه ولآخرته فالصحابة ليس عندهم همٌّ إلا الآخرة وضمان الجنة ، وإن كانت الجنة قد ضُمنت لعمر رضي الله عنه بالأحاديث الصحيحة التي جاءت في مناقبه . ولكن عمر لا يأمن ما يُفعل به فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : «إنَّ قلوبَ بَني آدمَ كلَّها بينَ إصبَعينِ من أصابعِ الرَّحمنِ كقَلبِ واحِدٍ . يصرِفُهُ حيثُ يشاءُ» ، ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : «اللَّهمَّ مُصرِّفَ القلوبِ صرِّف قلوبَنا على طاعتِكَ». [صحيح مسلم]
فلهذا حين سمع عمر رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي» جعل همّه مصاهرة علي بن أبي طالب فهو الوحيد الذي عن طريقه يناسب النبي صلى الله عليه وسلم فتقدم لخطبتها من على رضي الله عنه ففي السلسلة الصحيحة : أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ خطب إلى عليٍّ ابنتَه فاعتلَّ عليه بصِغَرِها فقال : إني أعددتُها لابنِ أخي جعفرَ ، لكن عمر قال له : إني واللهِ ما أردتُ بها الباءةَ إني سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول : «كلُّ سببٍ ونسبٍ مُنقطعٌ يومَ القيامةِ إلا سَببي ونَسبي».
استشار علي رضي الله عنه أهله قبل الموافقة على الزواج فقد أخرج الألباني في السلسلة الصحيحة : دعا عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ فسارَّه ثم قام عليٌّ في الصُّفَّةِ فوجد العباسَ وعَقيلًا والحُسينَ فشاوَرهم في تزويجِ أمِّ كلثومٍ عمرَ فغضب عَقيلٌ وقال : يا عليُّ ما تزيدُك الأيامُ والشهورُ والسنونَ إلا العَمى في أمرك واللهِ لئن فعلتَ ليَكوننَّ وليكونَنَّ لأشياءَ عدَّدها ومضى يجرُّ ثوبَه فقال عليٌّ للعباسِ : واللهِ ما ذاك منه نصيحةٌ ولكن دِرُّةُ عمرَ أخرجتْه إلى ما ترى أما واللهِ ما ذاك رغبةٌ فيك يا عَقيلُ ولكن قد أخبرني عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ أنه سمع رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ : «كلُّ سببٍ ونسبٍ مُنقطعٌ يومَ القيامةِ إلا سببي ونسَبي» .
بعد أن وافق علي رضي الله عنه على الزواج لم يطق عمر صبراً فانطلق فرحاً إلى الصحابة ليهنؤوه بالزواج ، ففي المستدرك : فَأَتَى عُمَرُ الْمُهَاجِرِينَ ، فَقَالَ : أَلَا تُهَنُّونَنِي؟ فَقَالُوا : بِمَنْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ : بِأُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ عَلِيٍّ وَابْنَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «كُلُّ نَسَبٍ وَسَبَبٍ يَنْقَطِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سَبَبِي وَنَسَبِي» ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسَبٌ وَسَبَبٌ .
ثم خَرَجَ عُمَرُ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ ، فَقَالَ : أَلَا تُهَنِّئُونِي ؟ قَالُوا : وَمَا ذَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : تَزَوَّجْتُ أُمَّ كُلْثُومٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلِفَاطِمَةَ ، وَلِعَلِيٍّ ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غَيْرَ سَبَبِي وَنَسَبِي».
تم الزواج في السنة السابعة عشرة للهجرة ودخل بها في ذي القعدة (الطبري) وأصدقها أربعين ألف درهم ، فعن أسلم قال : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَصْدَقَ أُمَّ كُلْثُومِ بِنْتَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ .
وقد نفى الشيعة زواج ام كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو مردودٌ عليهم لأنهم يكفرون عمر رضي الله عنه فلا يُلتفت إلى رواياتهم الباطلة ، والمُجمع عليه عند أهل السنة أن عليًّا رضي الله عنه زوّج ابنته أم كلثوم برضاه ورضاها وباتفاق من كل الأطراف حتى في بعض روايات الشيعة يثبتون زواجهما ولهم فيها تأويلات ظاهر عليها الركاكة والضعف .
عاشت أم كلثوم رضي الله عنها في بيت زوجها عيشةً كريمةً صابرةً على معيشته فهو الفاروق الزاهد العادل الذي تملا أخباره العالم في عدله وزهده وكانت زوجته خير معين على إصلاح أمره فهي من بيت النبوة وتعلمت الطاعة الزوجية وشقف العيش وزهد الدنيا همّها الآخرة وطاعة زوجها .
قال أَسْلَمُ: خَرَجْتُ لَيْلَةً مَعَ عُمَرَ إِلَى ظَاهِرِ الْمَدِينَةِ، فَلَاحَ لَنَا بَيْتُ شَعْرٍ فَقَصَدْنَاهُ فَإِذَا فِيهِ امْرَأَةٌ تَمْخَضُ وَتَبْكِي، فَسَأَلَهَا عُمَرُ عَنْ حَالِهَا فَقَالَتْ: أَنَا امْرَأَةٌ عَرَبِيَّةٌ وَلَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ. فَبَكَى عُمَرُ وَعَادَ يُهَرْوِلُ إِلَى بَيْتِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ لَكِ فِي أَجْرٍ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكِ؟ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَحَمَلَ عَلَى ظَهْرِهِ دَقِيقًا وَشَحْمًا، وَحَمَلَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ مَا يَصْلُحُ لِلْوِلَادَةِ وَجَاءَا، فَدَخَلَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَجَلَسَ عُمَرُ مَعَ زَوْجِهَا – وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ – يَتَحَدَّثُ، فَوَضَعَتِ الْمَرْأَةُ غُلَامًا، فَقَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَشِّرْ صَاحِبَكَ بِغُلَامٍ. فَلَمَّا سَمِعَ الرَّجُلُ قَوْلَهَا اسْتَعْظَمَ ذَلِكَ وَأَخَذَ يَعْتَذِرُ إِلَى عُمَرَ.
فَقَالَ عُمَرُ: لَا بَأْسَ عَلَيْكِ. ثُمَّ أَوْصَلَهُمْ بِنَفَقَةٍ وَمَا يُصْلِحُهُمْ وَانْصَرَف . وإن كانت القصة غير صحيحة ولم تثبت في كتب المحدثين وليس لها سند إلا أن وقوعها ليس بمستغرب وأحداثها ليست ببعيدة عن بيت الخلافة .
وكانت رضي الله عنها معروفة مشهورة عند الصحابة فعن ثعلبة بن أبي مالك القرظي رضي الله عنه قال : إنَّ عمرَ بنَ الخطابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَسَمَ مُرُوطًا (كساءٌ يُؤتَزر به وتتلفَّعُ به المرأْة ) بين نساءٍ من نساءِ المدينةِ ، فبَقِيَ مِرْطٌ جيدٌ ، فقال لهُ بعضُ من عندَهُ : يا أميرَ المؤمنينَ ، أعطِ هذا ابنةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ التي عندكَ ، يريدونَ أمَّ كلثومَ بنتَ عليٍّ ، فقال عمرُ : أمُّ سَلِيطٍ أحقُّ . وأمُّ سَلِيطٍ من نساءِ الأنصارِ ، ممن بايعَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . قال عمرُ : فإنها كانت تَزْفِرُ لنا القِرَبَ يومَ أُحُدٍ .( البخاري ) .
وفي الأنوار الكاشفة للمعلمي : أنَّ عمرَ دخل على أم كلثومٍ بنتِ عليٍّ وهي زوجتُه فوجدَها تبكي ، فقال : ما يُبكيكَ ؟ قالت : هذا اليهوديُّ – أي كعبُ الأحبارِ – يقول إنك من أبوابِ جهنمَ . فقال عمرُ : ما شاء اللهُ . ثم خرج فأرسل إلى كعبٍ ، فجاءَه فقال : يا أميرَ المؤمنين والذي نفسي بيدِه لا ينسلخُ ذو الحِجَّةِ حتى تدخلَ الجنةَ ، فقال عمرُ : ما هذا ؟ مرةً في الجنةِ ومرةً في النارِ ! قال كعبٌ : إنَّا لنجِدُكَ في كتابِ اللهِ على بابٍ من أبوابِ جهنمَ تمنعُ الناسَ أن يَقتحموا فيها ، فإذا مُتَّ اقتحموا . وقد صدقتْ يمينُه . . . فقد قُتِلَ عمرُ في ذي الحِجَّةِ سنةَ 23 هـ .
فحزنت عليه أم كلثوم رضي الله عنه وبقت في بيتها لقضاء العدة وهي بيت الإمارة فلما اتفق الصحابة على عثمان بن عفان رضي الله عنه خليفة وأصبحت دار الإمارة لعثمان جاء علي رضي الله عنه فنقل ابنته أم كلثوم من بيت الإمارة مكان عدتها إلى داره . (الآثار للشيباني)
ولدت أم كلثوم لعمر زيد ورقية.
أم كلثوم في خلافة عثمان رضي الله عنه:
انقضت عدة أم كلثوم فتقدم لخطبتها سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية رضي الله عنه وهو من صغار الصحابة وخيار بني أمية وأكثرهم مالاً . فعن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: خطبَ سعيد بن العاص أم كلثوم بنت علي بعد عمر. وبعث إليها بمائة ألف فدخل عليها الحسين فشاورته. فقال: لا تزوجيه. فأرسلت إلى الحسن. فقال: أنا أزوجه فاستعدوا لذلك ، وحضر الحسن وأتاهم سعيد ومن معه فقال سعيد: أين أبا عبد الله؟ قال له الحسن: أكفيك دونه. قال: فلعل أبا عبدالله كره هذا يا أبا محمد؟. قال: قد كان. وأكفيك. قال: إذا لا أدخل في شيء يكرهه. ورجع ولم يعرض في المال ولم يأخذ منه شيئا. (الطبقات الكبرى)
زواجها من عون بن جعفر رضي الله عنهما :
عون بن جعفر بن أبي طالب صحابي وهو ابن عم أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ولد في أرض الحبشة ، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : «وأمَّا عونٌ فشبيهُ خَلقي وخُلقي». [الإصابة بسند صحيح] . عَنْ حَسَنِ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ : لَمَّا أَيِمَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَخَلَ عَلَيْهَا حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ أَخَوَاهَا فَقَالَا لَهَا : إِنَّكِ مَنْ عَرَفْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَبِنْتُ سَيِّدَتِهِنَّ وَإِنَّكِ وَاللَّهِ لَئِنْ أَمْكَنْتِ عَلِيًّا مِنْ زِمَّتِكِ لَيُنْكِحَنَّكِ بَعْضَ أيْتَامِهِ وَلَئِنْ أَرَدْتِ أَنْ تُصِيبِي بِنَفْسِكَ مَالًا عَظِيمًا لَتُصِيبِينَهُ فَوَاللَّهِ مَا قَامَا حَتَّى طَلَعَ عَلِيُّ يتكئ عَلَى عَصَاهُ فَجَلَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْزِلَتَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : قَدْ عَرَفْتُمْ مَنْزِلَتَكُمْ يَا بَنِي فَاطِمَةَ وَأَثَرَتَكُمْ عِنْدِي عَلَى سَائِرِ وَلَدِي لِمَكَانَتِكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَابَتِكُمْ مِنْهُ فَقَالُوا : صَدَقْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرًا فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّةُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ أَمْرَكِ بِيَدِكِ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَجْعَلِيهِ بِيَدِي ، فَقَالَتْ : أَيْ أَبَه وَاللَّهِ إِنِّي لَامْرَأَةٌ أَرْغَبُ فِيمَا يَرْغَبُ فِيهِ النِّسَاءُ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُصِيبَ مَا يُصِيبُ النِّسَاءُ مِنَ الدُّنْيَا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فِي أَمْرِ نَفْسِي فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةُ مَا هَذَا مِنْ رَأْيِكِ مَا هُوَ إِلَّا رَأْيُ هَذَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُ رَجُلًا مِنْهُمْ أَوْ تَفْعَلِينَ فَأَخَذَا بِثِيَابِهِ فَقَالَا : اجْلِسْ يَا أَبَه فَوَاللَّهِ مَا عَلَى هُجْرَانِكَ مِنْ صَبْرٍ اجْعَلِي أَمْرَكِ بِيَدِهِ فَقَالَتْ : قَدْ فَعَلْتُ فَقَالَ : فَإِنِّي قَدْ زَوَّجْتُكَ مِنْ عَوْنِ بْنِ جَعْفَرٍ وَإِنَّهُ لَغُلَامٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فَبَعَثَ إِلَيْهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَبَعَثَ إِلَى ابْنِ أَخِيهِ فَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ قَالَ حَسَنٌ : فَوَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ بِمِثْلِ عِشْقٍ مِنْهَا لَهُ مُنْذُ خَلَقَكَ اللَّهُ. (الذرية الطاهرة للدولابي)
لم يعِش عون مع أم كلثوم طويلاً فقد توفى ، ولم تلد له .
زواجها من محمد بن جعفر بن أبي طالب :
ومحمد بن جعفر بن أبي طالب هو أول من تسمّى بمحمد في الإسلام ولد في الحبشة ، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : «أمَّا محمَّدٌ فشبيهُ عمِّنا أبي طالبٍ» (الإصابة بسند صحيح). تزوجها بعد وفاة أخوه عون بن جعفر وعاشت معه وولدت له جارية اسمها بثينة توفيت صغيرة.
حجَّت معه في خلافة عثمان رضي الله عنه فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : راحَ عثمانُ رضي اللهُ عنه إلى مكةَ حاجًّا ودخلَتْ على محمدِ بنِ جعفرِ بنِ أبي طالبٍ امرأتُهُ فباتَ معَهَا حتى أصْبَحَ ثمَّ غَدَا عليه رَدْعُ الطِّيِبِ ومِلحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ مُفَدَّمَةٌ فأدركَ الناسَ بِمَلَلٍ قبلَ أن يَرُوحُوا فلمَّا رآه عُثمانُ انتَهَرَ وأفَّفَ وقالَ: أَتَلْبسُ المُعَصْفَرَ وقدْ نَهَى عنه رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالَ له عليُّ بنُ أبي طالبٍ: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهِ عليه وسلَّمَ لمْ ينهَهُ ولا إيَّاكَ إنَّما نَهَانِي. (صححه أحمد شاكر)
قتل محمد بن جعفر قبيل مقتل على بن أبي طالب فتزوجت من عبدالله بن جعفر .
أم كلثوم في بيت عبدالله بن جعفر :
كما مّرَّ سابقاً أن عليًّا رضي الله عنه كان يرصد أم كلثوم لابن أخيه عبدالله بن جعفر فلما تزوجها عمر رضي الله عنه تزوّج عبدالله بن جعفر من أختها زينب وهي أكبر من أم كلثوم وعاشت زينب عند عبدالله وولدت له: علياً وأم كلثوم وعوناً وعباساً ومحمداً . ثم طلقها وكان محمداً أخوه قد قتل عن أم كلثوم فتقدم عبدالله بن جعفر لخطبتها فقالت: إني لأستحيي من أسماء بنت عميس إن ابنيها ماتا عندي وإني لأتخوف على هذا الثالث . لكن عبدالله أصرَّ على الزواج فتزوجته فبقت عنده حتى توفيت ولم تلد له ، فردَّ أختها زينب فعاشت عنده حتى توفيت عنده.
عن قثم مولى آل العباس قال : جمع عبد الله بن جعفر بين ليلى بنت مسعود النهشلية ، وكانت امرأة علي رضي الله عنه ، وبين أم كلثوم بنت علي لفاطمة رضي الله عنها ، فكانتا امرأتيه. (السنن الكبرى للبيهقي)
أم كلثوم في خلافة أبيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
تولّى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخلافة بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه ووقعت الفتن والقتال بين الصحابة ، واجتنب كبار الصحابة القتال ، وكان عبدالله بن عمر بن الخطاب في المدينة مجتنب ذلك كله وكانت أم كلثوم محل ثقة عبدالله بن عمر رضي الله عنها وهي زوجة أبيه و كان ابن عمر فيمن بايع علي بن أبي طالب ثم بدا له التوجه لمكة للابتعاد عن الفتنة فخرج من ليلته وأخبر أم كلثوم بأنه سيتوجه لمكة معتمرا مقيما على طاعة علي ما خلا القتال ـ فإنه لا يرى اقتتال المسلمين فيما بينهم ـ فأصبح علي رضي الله عنه ولم يجد ابن عمر وكان علي رضي الله عنه قد تجهز للخروج للعراق وجاءه الخبر أن ابن عمر قد توجه للشام ولحق بمعاوية فأمر بملاحقته فلما سمعت أم كلثوم بالخبر أتت أباها وأخبرته الخبر ، فطابت نفسه وقال ، والله إنه عندي ثقة.
ومرت أحداثٌ عاصفة على المسلمين من امتناع معاوية وأهل الشام عن بيعة علي رضي الله عنه حتى يتم الاقتصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه ثم كانت معركة الجمل وبعدها صفين والتحكيم ثم معركة النهروان إلى اغتيال الخليفة علي رضي الله عنه من قبل ابن ملجم لعنه الله . وكانت أم كلثوم رضي الله عنها في دار زوجها محمد بن جعفر بن أبي طالب ترقب هذه الأحداث وتتأثر بها فقد كان زوجها محمد بن جعفر رضي الله عنهما مشاركاً في هذه الأحداث فقد قيل أنه قتل في صفين وقيل أنه قتل بعد مقتل أخيه من أمه محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ، أحداثٌ صبّت مرارتها في حلق السيدة أم كلثوم ، ومع هذه الابتلاءات كانت أم كلثوم صابرة محتسبه تعيش حياه عادية فقد جاءت بعض الروايات عن حياتها .
ففي أخبار أصبهان : كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ اسْتَعْمَلَ عَلَى أَصْبَهَانَ عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ ، فَلَمَّا أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ عَرَضَ لَهُ الْخَوَارِجُ ، فَتَحَصَّنَ فِي حُلْوَانَ ، وَمَعَهُ الْخَرَاجُ وَالْهَدِيَّةُ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُ الْخَوَارِجُ أَقْبَلَ بِالْهَدِيَّةِ ، وَخَلَّفَ الْخَرَاجَ بِحُلْوَانَ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهُ فَلْيَضَعْهَا فِي الرَّحَبَةِ وَيَضَعُ عَلَيْهَا أُمَنَاءَهُ حَتَّى يَقْسِمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ : أَرْسِلْ إِلَيْنَا مِنْ هَذَا الْعَسَلِ الَّذِي مَعَكَ فَبَعَثَ إِلَيْهَا بِزِقَّيْنِ مِنْ عَسَلٍ ، وَزِقَّيْنِ مِنْ سَمْنٍ ، فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ عَلِيُّ إِلَى الصَّلَاةِ عَدَّهَا فَوَجَدَهَا تَنْقُصُ زِقَّيْنِ ، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْهُمَا ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَا تَسْأَلُنِي عَنْهُمَا ، فَإِنَّا نَأْتِي بِزِقَّيْنِ مَكَانَهُمَا ، قَالَ : عَزَمْتُ لَتُخْبِرَنِّي مَا قِصَّتُهُمَا ؟ قَالَ : بَعَثَتْ إِلَيَّ أُمُّ كُلْثُومٍ ، فَأَرْسَلْتُ بِهِمَا إِلَيْهَا ، قَالَ : أَمَرْتُكَ أَنْ تُقْسَمَ فَيْئَ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى أُمِّ كُلْثُومٍ أَنْ رُدِّي الزِّقَّيْنِ فَأُتِيَ بِهِمَا مَعَ مَا نُقُصَ مِنْهُمَا ، فَبَعَثَ إِلَى التُّجَّارِ : قَوِّمْهُمَا مَمْلُوءَيْنِ وَنَاقِصَيْنِ ، فَوَجَدُوا فِيهِمَا نُقْصَانُ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ، وَشَيْءٍ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا أَنْ أَرْسِلِيَ إِلَيْنَا بِالدَّرَاهِمِ ، ثُمَّ أَمَرَ بِالزِّقَاقِ فَقُسِمَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. (أخبار أصفهان)
وعَنْ أَبِي صَالِحٍ الَّذِي كَانَ يَخْدُمُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَتْ أم كلثوم : يَا أَبَا صَالِحٍ ، كَيْفَ لَوْ رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأُتِيَ بِأُتْرُجٍّ (فاكهة من الحمضيات) ، فَذَهَبَ حَسَنُ وَحُسَيْنُ يَتَنَاوَلُ مِنْهُ أُتْرُجَّةً ، فَانْتَزَعَهَا مِنْ يَدِهِ ، وَأَمَرَ بِهِ فَقَسَمَهَا بَيْنَ النَّاسِ. (مصنف ابن أبي شيبة ورجاله ثقات)
ومن زهدها في الحياة عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ ، فَقَالَتْ : ائْتُوا أَبَا صَالِحٍ بِطَعَامٍ ، فَأْتُونِي بِمَرَقَةٍ فِيهَا حُبُوبٍ. (كتاب الجوع لابن أبي الدنيا)
أم كلثوم ومقتل علي بن أبي طالب:
بعد مقتل الخوارج في النهروان اتفق زعمائهم على قتل علي رضي الله عنه فأنبرا لذلك ابن ملجم فقتله وهو في طريقه للصلاة فعن محمد بن حنيف قال : والله إني لأصلي تلك الليلة في المسجد الأعظم قريباً من السدة في رجال كثيرة من أهل المصر ما فيهم إلا قيام وركوع وسجود ما يسأمون من أول الليل إلى آخره إذ خرج علي لصلاة الغداة وجعل ينادي أيها الناس الصلاةَ الصلاةَ فما أدري أتكلم بهذه الكلمات أو نظرت إلى بريق السيف وسمعت : الحكم لله لا لك يا علي ولا لأصحابك ، فرأيتُ سيفاَ ورأيتُ ناساُ وسمعتُ عليَّا ًيقول : لا يفوتنكم الرجل . وشد عليه الناس من كل جانب فلم أبرح حتى أخذ ابن ملجم فأدخل على علي فدخلتُ فيمن دخل من الناس فسمعتُ عليا يقول : النفسَ بالنفسِ إن هلكت فاقتلوه كما قتلني ، وإن بقيت رأيت فيه رأيي . ولما أدخل ابن ملجم على علي قال له : يا عدو الله ألم أحسن إليك ؟ ألم أفعل بك ؟ قال : بلى قال : فما حملك على هذا ؟ قال : شحذته أربعين صباحاً فسألتُ الله أن يقتل به شر خلقه . قال له علي : ما أراك إلا مقتولاً به وما أراكَ إلا من شَرِّ خلقِ اللهِ عز وجل . وكان ابن ملجم مكتوفاً بين يدي الحسن إذ نادته أم كلثوم بنت علي وهي تبكي : يا عدوَّ الله لا بأس على أبي والله عز وجل مخزيك قال : فعلام تبكين والله لقد اشتريته بألف وسممته بألف ولو كانت هذه الضربة لجميع أهل مصر ما بقي منهم أحد ساعة وهذا أبوك باقياً حتى الآن فقال علي للحسن : إن بقيتُ رأيت فيه رأيي ولئن هلكت من ضربتي هذه فاضربه ضربة ولا تمثل به فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن المثلة ولو بالكلب العقور.
أم كلثوم في خلافة معاوية رضي الله عنه:
تولى معاوية رضي الله عنه الخلافة بعد أن تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما له عن الخلافة لحقن دماء المسلمين ولتحقيق قول جده النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ابني هذا سَيَّدٌ ، وإني لأرجو أن يُصْلِحَ اللهُ به بين فئتين مِن أمتي» ، وفي لفظٍ: «ولعلَّ اللهَ أن يُصْلِحَ به بين فئتين مِن المسلمين عَظَيْمَتَيْنِ» [صحيح أبي داود] . وسُميّ العام بعام الجماعة لاجتماع الناس على خليفة . وكانت السيدة أم كلثوم رضي الله عنها تعيش مكلومة حزينة لفقدها أبوها وزوجها محمد بن جعفر رضي الله عنهم، حيث جاءت في بعض الروايات الضعيفة أن محمد بن جعفر قاتل يوم صفين عبيدالله بن عمر بن الخطاب وهو ابن زوجها فقتل كل واحد منها الآخر ، فتأيمت من زوجها الثالث محمد بن جعفر فتزوجها أخوه عبدالله بن جعفر وكان قد طلّق أختها زينب بنت علي رضي الله عنها فعاشت عنده في المدينة حتى توفيت ، وكانت رضي الله عنها متمسكةً بوصية جدها صلى الله عليه وسلم بعدم أكل الصدقة فعن عطاء بن السائب قال : أتيتُ أم كلثوم فدخلتُ عليها وفي البيت سرير محبوك بليف ووسادة وقربة معلقة فجعلت أنظر ، فقالت: ما تنظر؟ أما إنا من الله بخير ولو لم يكن لنا صدقة النبي صلى الله عليه وسلم أو علي لكان لنا في ذلك غني. قال : قلتُ : دراهم أوصى بها سلمان لمولاةٍ له يُقال لها : رقية . فقالت : لا أعرفها . فقلتُ لها : خذيها . فقالت : إني أخشى أن تكون صدقة ولا تحل لنا الصدقة . ولكن انطلق فتصدق بها أنت . فقلتُ لها : بل تصدقي بها أنت فأبت ثم قالت : إن مولى للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له : كيسان قال له النبي صلى الله عليه وسلم في شيء ذكره من أمر الصدقة فقال له : «إنا أهل البيت نهينا أن نأكل الصدقة وأن موالينا من أنفسنا فلا يأكلوا الصدقة» ثم قالت : لقد جاءت البارحة صرة من العراق فرددتها وأبيتُ أن أقبلها. (إتحاف الخيرة المهرة والحديث متواتر)
وفي رواية أخرى عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، حَدَّثَتْنِي أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عَلِيٍّ ، – وَأَتَيْتُهَا بِصَدَقَةٍ كَانَ أَمَرَ بِهَا فَقَالَتْ : احْذَرْ شَبَابَنَا ، فَإِنَّ مَيْمُونًا أَوْ مِهْرَانًا مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : «يَا مَيْمُونُ – أَوْ مِهْرَانُ – إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ نُهِينَا عَنِ الصَّدَقَةِ ، وَإِنَّ مَوَالِينَا مِنْ أَنْفُسِنَا ، فَلَا تَأْكُلِ الصَّدَقَةَ». (المعجم الكبير للطبراني)
عاشت رضي الله عنها عزيزةً رافعةً رأسها متمسكة بدينها صابرةً على ما أصابها تربي أولادها زيد ورقية ابني عمر بن الخطاب على الأخلاق الحميدة ، حتى نَشَبَ الخلاف بين أولاد أبي الجهم بن حذيفة العدوي رضي الله عنه وعمَّ الخلاف قبيلة بني عدي كلها ، واستمر القتال والنزاع بينهم لفترة طويلة واعتزل شيوخ بني عدي كعبدالله بن عمر وأولاده الخلاف ، وفي ليلةٍ مظلمةٍ اشتدَّ القتال فخرجَ زيدُ بن عمر بن الخطاب ليُصلح بينهم ، فأصابهم أحدهم على وجهه وهو لا يعرفه فصرع ، فعن عمرو بن جرير البجلي : أن زيدا بن عمر بن الخطاب صُمخ (ضرب في وجهه) في صلاة الغداة فخرجت أمه أم كلثوم رضي الله عنها وهي تقول : يا ويلاه ! ما لقيتُ من صلاة الغداة ، وذلك أن أباها وزوجها وابنها كل واحد منهم قتل في صلاة الغداة (الفجر) ـ فلما علمتْ بإصابته خرجتْ فقالت : يا ويلاه ! ما لقيتُ من صلاةِ الغداة ثم وقعتْ عليه فرفعا ميتين رضي الله عنهما ، فحضر جنازتيهما الحسن بن علي وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم فقال ابن عمر للحسن : تقدم فصل على أختك وابن أختك ، فقال الحسن لعبدالله : بل تقدم فصل على أمك وأخيك ، فتقدم ابن عمر فصلى عليهما صلاةً واحدةً وكبَّر أربعا .
وفي روايةٍ أخرى في المنمق: أنه خرج ليحجز وينهي بعضهم عن بعض فخالطهم فضربه رجل منهم في الظلمة وهو لا يعرفه ضربه على رأسه فشجه فصرع وتنادى القوم زيدا زيدا ، فتفرقوا وسُقط في أيديهم ، وأقبل عبدالله بن مطيع فلما رآه صريعا نزل ثم أكب عليه فناداه : يا زيد ! بأبي أنت وأمي مرتين أو ثلاثا ، ثم أجابه فكبَّ عليه ابن مطيع فحمله على بغلته حتى أداه إلى منزله فدووي من شجته تلك حتى أفاق وقيل قد بريء ، وكان يسأل من ضربه فلا يسمونه ، ثم أن الشجة انتقضت بزيد فلم يزل منها مريضا وأصابه داء البطن فهلك رحمه الله .
وكانت أمه أم كلثوم قد تأثرت بمرض ابنها فلم تتحمل فمرضتْ وثقلتْ في مرضها مع مرض ابنها وإن رجالا مشوا بينهما لينظروا أيهما يموت قبل صاحبه فيرث منه الآخر وأنهما قبضا في ساعة واحده ، ولم يدر أيهما قبض قبل صاحبه فلم يتوارثا.
وفي المحلى لابن حزم : كانَ بين أولادِ الجهمِ بنِ حذيفةَ العدوي شرٌ ومقاتَلةٌ فتعصبَتْ بيوتاتِ بني عدِيٍّ بينهم فأتى الغلامُ المذكورُ ليلًا والضربُ قد وقعَ بينهم في الظلامِ وهذا الغلامُ هو زيدُ بنُ عمرَ بنِ الخطابِ وأمُّه أمُّ كلثوم بنتُ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنهم فأصابَه حجرٌ لا يُدْرَى من رماه وقد قيلَ ظنًا إن خالدَ بنَ أسلمَ أخا زيدِ بنِ أسلمَ مولى عمرَ بنِ الخطابِ هو الذي ضربَه وهو لا يعرفُ من هو في الظلمةِ وكانَ ابنُ عمرَ أخوه يقولُ له عند الموتِ اتقِ اللهَ يا زيدُ فإنك لا تعرفُ من أصابَك فإنك كنتَ في ظلمةٍ واختلاطٍ.
فُجعت المدينة بوفاة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنها ، وفُجعت بنو عدي بوفاة سيدهم زيد بن عمر بن الخطاب الذي توفي شابا ولم يكن له ولد فانقطع نسبهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فكانت خسارته أشد عليهم ، وانصدم الصحابة بمسمع وفاة أم كلثوم فتوافدوا للصلاة عليها ، فعن سعيدِ بنِ العاصِ أنَّه صلَّى على زيدِ بنِ عمرَ بنِ الخطَّابِ وأمِّهِ أمِّ كلثومٍ بنتِ عليٍّ فوضعَ الغلامَ بينَ يديهِ والمرأةَ خلفَه وفي القومِ نحوٌ من ثمانينَ نفسًا من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ تعالى عليهِ وسلَّمَ فصوَّبوهُ وقالوا : هُوَ السُّنَّة. (خلاصة البدر المنير لابن الملقن بسند صحيح)
أولادها:
زيد ورقية من عمر بن الخطاب وبثينة من محمد بن جعفر وماتت صغيرة.
ورقية بنت عمر بن الخطاب تزوجها إبراهيم بن نعيم النحام العدوي رضي الله عنهما وإبراهيم من صغار الصحابة ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ونال مصاهرة النبي صلى الله عليه وسلم فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب ، وأختها رقية زوجة إبراهيم بن نعيم.
فرضي الله عن هذه السيدة الصابرة سليلة بني هاشم.
الصحابية الجليلة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب -رضي الله عنها-
نجد في قراءة سيرة السيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنها وعن أبيها الكثير من الابتلاءات فهكذا الابتلاء على قدر العمل، وابتلاءُ اللهِ لعباده المؤمنين رحمة لهم وزلفى يهذبهم ويقربهم ويرفعهم إلى الدرجات العلى ، والبلاء في حق المؤمن كفارة وطهور . فمن صبر نال كمال الأجر والولاية وأشد الناس ابتلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ، ثم الأمثلُ فالأمثلُ ، يُبتلى الناسُ على قدْرِ دينِهم ، فمن ثَخُنَ دينُه اشْتدَّ بلاؤُه ، و من ضعُف دينُه ضَعُف بلاؤه ، وإنَّ الرجلَ لَيُصيبُه البلاءُ حتى يمشيَ في الناسِ ما عليه خطيئةٌ» [صحيح الجامع للألباني] .
فمن هي أم كلثوم؟
إنها السبطة النبوية ، والبضعة المحمدية ، والسليلة الهاشمية ، حفيدة خاتم الأنبياء ، السيدة الجليلة : أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب الهاشمية القرشية .
أمها : سيدة نساء أهل الجنة في زمانها ، السيدة البضعة النبوية ، أم الحسنين وأم السبطين : أم الحسن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم الهاشمية القرشية .
ولدت في أواخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقيل في السنة السادسة وقيل في السنة الثامنة وسميت على اسم خالتها أم كلثوم بنت محمد صلى الله عليه وسلم ، وعاشت طفولة تملأها الحب والحنان ، ولم تذكر كتب السير والتاريخ شيء عن طفولتها في حياة جدها النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت صغيرة السن على أقل الأحوال ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهي بين الأربع سنين والسنتين أو أقل.
أم كلثوم في خلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة وأم كلثوم رضي الله عنها صغيرة السن لم تعِ الأحداث التي مرّت في خلافته ، من إنشغال آل البيت بوفاة سيد البشرية عليه الصلاة السلام ، ومرض أمها السيدة فاطمة ، وانشغال الخليفة أبو بكر الصديق بتثبيت الخلافة وحرب المرتدين ونشر الإسلام ، ثم كانت الصدمة الثانية بوفاة أمها بعد ستة أشهر من وفاة جدها محمد صلى الله عليه وسلم ، فالصدمتين متتاليتين في أقل من ستة أشهر جدها وأمها ، فعاشت يتيمة الأم عند أبيها يرعاها ويكفلها بحنانه ، فشبّت على الأخلاق الحميدة ، وكان أبوها رضي الله عنه ، يرصدها وأختها زينب الكبرى للزواج من أبناء أخيه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم فكان يهيأها لهذا اليوم ويربيها تربية الكبار فشبّت عاقلة رزينة متخلقة بأخلاق النبوة.
أم كلثوم في خلافة زوجها عمر رضي الله عنه:
ذكرنا أن أباها كان يرصدها للزواج من أحد أبناء أخيه وهو عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، ولكن كان هناك من يرصدها لنفسه ، إنه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقد كان عمر رضي الله عنه يرصدها لنفسه ولآخرته فالصحابة ليس عندهم همٌّ إلا الآخرة وضمان الجنة ، وإن كانت الجنة قد ضُمنت لعمر رضي الله عنه بالأحاديث الصحيحة التي جاءت في مناقبه . ولكن عمر لا يأمن ما يُفعل به فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : «إنَّ قلوبَ بَني آدمَ كلَّها بينَ إصبَعينِ من أصابعِ الرَّحمنِ كقَلبِ واحِدٍ . يصرِفُهُ حيثُ يشاءُ» ، ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : «اللَّهمَّ مُصرِّفَ القلوبِ صرِّف قلوبَنا على طاعتِكَ». [صحيح مسلم]
فلهذا حين سمع عمر رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي» جعل همّه مصاهرة علي بن أبي طالب فهو الوحيد الذي عن طريقه يناسب النبي صلى الله عليه وسلم فتقدم لخطبتها من على رضي الله عنه ففي السلسلة الصحيحة : أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ خطب إلى عليٍّ ابنتَه فاعتلَّ عليه بصِغَرِها فقال : إني أعددتُها لابنِ أخي جعفرَ ، لكن عمر قال له : إني واللهِ ما أردتُ بها الباءةَ إني سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول : «كلُّ سببٍ ونسبٍ مُنقطعٌ يومَ القيامةِ إلا سَببي ونَسبي».
استشار علي رضي الله عنه أهله قبل الموافقة على الزواج فقد أخرج الألباني في السلسلة الصحيحة : دعا عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ فسارَّه ثم قام عليٌّ في الصُّفَّةِ فوجد العباسَ وعَقيلًا والحُسينَ فشاوَرهم في تزويجِ أمِّ كلثومٍ عمرَ فغضب عَقيلٌ وقال : يا عليُّ ما تزيدُك الأيامُ والشهورُ والسنونَ إلا العَمى في أمرك واللهِ لئن فعلتَ ليَكوننَّ وليكونَنَّ لأشياءَ عدَّدها ومضى يجرُّ ثوبَه فقال عليٌّ للعباسِ : واللهِ ما ذاك منه نصيحةٌ ولكن دِرُّةُ عمرَ أخرجتْه إلى ما ترى أما واللهِ ما ذاك رغبةٌ فيك يا عَقيلُ ولكن قد أخبرني عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ أنه سمع رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ : «كلُّ سببٍ ونسبٍ مُنقطعٌ يومَ القيامةِ إلا سببي ونسَبي» .
بعد أن وافق علي رضي الله عنه على الزواج لم يطق عمر صبراً فانطلق فرحاً إلى الصحابة ليهنؤوه بالزواج ، ففي المستدرك : فَأَتَى عُمَرُ الْمُهَاجِرِينَ ، فَقَالَ : أَلَا تُهَنُّونَنِي؟ فَقَالُوا : بِمَنْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ : بِأُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ عَلِيٍّ وَابْنَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «كُلُّ نَسَبٍ وَسَبَبٍ يَنْقَطِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سَبَبِي وَنَسَبِي» ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسَبٌ وَسَبَبٌ .
ثم خَرَجَ عُمَرُ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ ، فَقَالَ : أَلَا تُهَنِّئُونِي ؟ قَالُوا : وَمَا ذَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : تَزَوَّجْتُ أُمَّ كُلْثُومٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلِفَاطِمَةَ ، وَلِعَلِيٍّ ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غَيْرَ سَبَبِي وَنَسَبِي».
تم الزواج في السنة السابعة عشرة للهجرة ودخل بها في ذي القعدة (الطبري) وأصدقها أربعين ألف درهم ، فعن أسلم قال : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَصْدَقَ أُمَّ كُلْثُومِ بِنْتَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ .
وقد نفى الشيعة زواج ام كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو مردودٌ عليهم لأنهم يكفرون عمر رضي الله عنه فلا يُلتفت إلى رواياتهم الباطلة ، والمُجمع عليه عند أهل السنة أن عليًّا رضي الله عنه زوّج ابنته أم كلثوم برضاه ورضاها وباتفاق من كل الأطراف حتى في بعض روايات الشيعة يثبتون زواجهما ولهم فيها تأويلات ظاهر عليها الركاكة والضعف .
عاشت أم كلثوم رضي الله عنها في بيت زوجها عيشةً كريمةً صابرةً على معيشته فهو الفاروق الزاهد العادل الذي تملا أخباره العالم في عدله وزهده وكانت زوجته خير معين على إصلاح أمره فهي من بيت النبوة وتعلمت الطاعة الزوجية وشقف العيش وزهد الدنيا همّها الآخرة وطاعة زوجها .
قال أَسْلَمُ: خَرَجْتُ لَيْلَةً مَعَ عُمَرَ إِلَى ظَاهِرِ الْمَدِينَةِ، فَلَاحَ لَنَا بَيْتُ شَعْرٍ فَقَصَدْنَاهُ فَإِذَا فِيهِ امْرَأَةٌ تَمْخَضُ وَتَبْكِي، فَسَأَلَهَا عُمَرُ عَنْ حَالِهَا فَقَالَتْ: أَنَا امْرَأَةٌ عَرَبِيَّةٌ وَلَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ. فَبَكَى عُمَرُ وَعَادَ يُهَرْوِلُ إِلَى بَيْتِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ لَكِ فِي أَجْرٍ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكِ؟ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَحَمَلَ عَلَى ظَهْرِهِ دَقِيقًا وَشَحْمًا، وَحَمَلَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ مَا يَصْلُحُ لِلْوِلَادَةِ وَجَاءَا، فَدَخَلَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَجَلَسَ عُمَرُ مَعَ زَوْجِهَا – وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ – يَتَحَدَّثُ، فَوَضَعَتِ الْمَرْأَةُ غُلَامًا، فَقَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَشِّرْ صَاحِبَكَ بِغُلَامٍ. فَلَمَّا سَمِعَ الرَّجُلُ قَوْلَهَا اسْتَعْظَمَ ذَلِكَ وَأَخَذَ يَعْتَذِرُ إِلَى عُمَرَ.
فَقَالَ عُمَرُ: لَا بَأْسَ عَلَيْكِ. ثُمَّ أَوْصَلَهُمْ بِنَفَقَةٍ وَمَا يُصْلِحُهُمْ وَانْصَرَف . وإن كانت القصة غير صحيحة ولم تثبت في كتب المحدثين وليس لها سند إلا أن وقوعها ليس بمستغرب وأحداثها ليست ببعيدة عن بيت الخلافة .
وكانت رضي الله عنها معروفة مشهورة عند الصحابة فعن ثعلبة بن أبي مالك القرظي رضي الله عنه قال : إنَّ عمرَ بنَ الخطابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَسَمَ مُرُوطًا (كساءٌ يُؤتَزر به وتتلفَّعُ به المرأْة ) بين نساءٍ من نساءِ المدينةِ ، فبَقِيَ مِرْطٌ جيدٌ ، فقال لهُ بعضُ من عندَهُ : يا أميرَ المؤمنينَ ، أعطِ هذا ابنةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ التي عندكَ ، يريدونَ أمَّ كلثومَ بنتَ عليٍّ ، فقال عمرُ : أمُّ سَلِيطٍ أحقُّ . وأمُّ سَلِيطٍ من نساءِ الأنصارِ ، ممن بايعَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . قال عمرُ : فإنها كانت تَزْفِرُ لنا القِرَبَ يومَ أُحُدٍ .( البخاري ) .
وفي الأنوار الكاشفة للمعلمي : أنَّ عمرَ دخل على أم كلثومٍ بنتِ عليٍّ وهي زوجتُه فوجدَها تبكي ، فقال : ما يُبكيكَ ؟ قالت : هذا اليهوديُّ – أي كعبُ الأحبارِ – يقول إنك من أبوابِ جهنمَ . فقال عمرُ : ما شاء اللهُ . ثم خرج فأرسل إلى كعبٍ ، فجاءَه فقال : يا أميرَ المؤمنين والذي نفسي بيدِه لا ينسلخُ ذو الحِجَّةِ حتى تدخلَ الجنةَ ، فقال عمرُ : ما هذا ؟ مرةً في الجنةِ ومرةً في النارِ ! قال كعبٌ : إنَّا لنجِدُكَ في كتابِ اللهِ على بابٍ من أبوابِ جهنمَ تمنعُ الناسَ أن يَقتحموا فيها ، فإذا مُتَّ اقتحموا . وقد صدقتْ يمينُه . . . فقد قُتِلَ عمرُ في ذي الحِجَّةِ سنةَ 23 هـ .
فحزنت عليه أم كلثوم رضي الله عنه وبقت في بيتها لقضاء العدة وهي بيت الإمارة فلما اتفق الصحابة على عثمان بن عفان رضي الله عنه خليفة وأصبحت دار الإمارة لعثمان جاء علي رضي الله عنه فنقل ابنته أم كلثوم من بيت الإمارة مكان عدتها إلى داره . (الآثار للشيباني)
ولدت أم كلثوم لعمر زيد ورقية.
أم كلثوم في خلافة عثمان رضي الله عنه:
انقضت عدة أم كلثوم فتقدم لخطبتها سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية رضي الله عنه وهو من صغار الصحابة وخيار بني أمية وأكثرهم مالاً . فعن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: خطبَ سعيد بن العاص أم كلثوم بنت علي بعد عمر. وبعث إليها بمائة ألف فدخل عليها الحسين فشاورته. فقال: لا تزوجيه. فأرسلت إلى الحسن. فقال: أنا أزوجه فاستعدوا لذلك ، وحضر الحسن وأتاهم سعيد ومن معه فقال سعيد: أين أبا عبد الله؟ قال له الحسن: أكفيك دونه. قال: فلعل أبا عبدالله كره هذا يا أبا محمد؟. قال: قد كان. وأكفيك. قال: إذا لا أدخل في شيء يكرهه. ورجع ولم يعرض في المال ولم يأخذ منه شيئا. (الطبقات الكبرى)
زواجها من عون بن جعفر رضي الله عنهما :
عون بن جعفر بن أبي طالب صحابي وهو ابن عم أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ولد في أرض الحبشة ، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : «وأمَّا عونٌ فشبيهُ خَلقي وخُلقي». [الإصابة بسند صحيح] . عَنْ حَسَنِ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ : لَمَّا أَيِمَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَخَلَ عَلَيْهَا حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ أَخَوَاهَا فَقَالَا لَهَا : إِنَّكِ مَنْ عَرَفْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَبِنْتُ سَيِّدَتِهِنَّ وَإِنَّكِ وَاللَّهِ لَئِنْ أَمْكَنْتِ عَلِيًّا مِنْ زِمَّتِكِ لَيُنْكِحَنَّكِ بَعْضَ أيْتَامِهِ وَلَئِنْ أَرَدْتِ أَنْ تُصِيبِي بِنَفْسِكَ مَالًا عَظِيمًا لَتُصِيبِينَهُ فَوَاللَّهِ مَا قَامَا حَتَّى طَلَعَ عَلِيُّ يتكئ عَلَى عَصَاهُ فَجَلَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْزِلَتَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : قَدْ عَرَفْتُمْ مَنْزِلَتَكُمْ يَا بَنِي فَاطِمَةَ وَأَثَرَتَكُمْ عِنْدِي عَلَى سَائِرِ وَلَدِي لِمَكَانَتِكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَابَتِكُمْ مِنْهُ فَقَالُوا : صَدَقْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرًا فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّةُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ أَمْرَكِ بِيَدِكِ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَجْعَلِيهِ بِيَدِي ، فَقَالَتْ : أَيْ أَبَه وَاللَّهِ إِنِّي لَامْرَأَةٌ أَرْغَبُ فِيمَا يَرْغَبُ فِيهِ النِّسَاءُ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُصِيبَ مَا يُصِيبُ النِّسَاءُ مِنَ الدُّنْيَا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فِي أَمْرِ نَفْسِي فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةُ مَا هَذَا مِنْ رَأْيِكِ مَا هُوَ إِلَّا رَأْيُ هَذَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُ رَجُلًا مِنْهُمْ أَوْ تَفْعَلِينَ فَأَخَذَا بِثِيَابِهِ فَقَالَا : اجْلِسْ يَا أَبَه فَوَاللَّهِ مَا عَلَى هُجْرَانِكَ مِنْ صَبْرٍ اجْعَلِي أَمْرَكِ بِيَدِهِ فَقَالَتْ : قَدْ فَعَلْتُ فَقَالَ : فَإِنِّي قَدْ زَوَّجْتُكَ مِنْ عَوْنِ بْنِ جَعْفَرٍ وَإِنَّهُ لَغُلَامٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فَبَعَثَ إِلَيْهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَبَعَثَ إِلَى ابْنِ أَخِيهِ فَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ قَالَ حَسَنٌ : فَوَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ بِمِثْلِ عِشْقٍ مِنْهَا لَهُ مُنْذُ خَلَقَكَ اللَّهُ. (الذرية الطاهرة للدولابي)
لم يعِش عون مع أم كلثوم طويلاً فقد توفى ، ولم تلد له .
زواجها من محمد بن جعفر بن أبي طالب :
ومحمد بن جعفر بن أبي طالب هو أول من تسمّى بمحمد في الإسلام ولد في الحبشة ، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : «أمَّا محمَّدٌ فشبيهُ عمِّنا أبي طالبٍ» (الإصابة بسند صحيح). تزوجها بعد وفاة أخوه عون بن جعفر وعاشت معه وولدت له جارية اسمها بثينة توفيت صغيرة.
حجَّت معه في خلافة عثمان رضي الله عنه فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : راحَ عثمانُ رضي اللهُ عنه إلى مكةَ حاجًّا ودخلَتْ على محمدِ بنِ جعفرِ بنِ أبي طالبٍ امرأتُهُ فباتَ معَهَا حتى أصْبَحَ ثمَّ غَدَا عليه رَدْعُ الطِّيِبِ ومِلحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ مُفَدَّمَةٌ فأدركَ الناسَ بِمَلَلٍ قبلَ أن يَرُوحُوا فلمَّا رآه عُثمانُ انتَهَرَ وأفَّفَ وقالَ: أَتَلْبسُ المُعَصْفَرَ وقدْ نَهَى عنه رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالَ له عليُّ بنُ أبي طالبٍ: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهِ عليه وسلَّمَ لمْ ينهَهُ ولا إيَّاكَ إنَّما نَهَانِي. (صححه أحمد شاكر)
قتل محمد بن جعفر قبيل مقتل على بن أبي طالب فتزوجت من عبدالله بن جعفر .
أم كلثوم في بيت عبدالله بن جعفر :
كما مّرَّ سابقاً أن عليًّا رضي الله عنه كان يرصد أم كلثوم لابن أخيه عبدالله بن جعفر فلما تزوجها عمر رضي الله عنه تزوّج عبدالله بن جعفر من أختها زينب وهي أكبر من أم كلثوم وعاشت زينب عند عبدالله وولدت له: علياً وأم كلثوم وعوناً وعباساً ومحمداً . ثم طلقها وكان محمداً أخوه قد قتل عن أم كلثوم فتقدم عبدالله بن جعفر لخطبتها فقالت: إني لأستحيي من أسماء بنت عميس إن ابنيها ماتا عندي وإني لأتخوف على هذا الثالث . لكن عبدالله أصرَّ على الزواج فتزوجته فبقت عنده حتى توفيت ولم تلد له ، فردَّ أختها زينب فعاشت عنده حتى توفيت عنده.
عن قثم مولى آل العباس قال : جمع عبد الله بن جعفر بين ليلى بنت مسعود النهشلية ، وكانت امرأة علي رضي الله عنه ، وبين أم كلثوم بنت علي لفاطمة رضي الله عنها ، فكانتا امرأتيه. (السنن الكبرى للبيهقي)
أم كلثوم في خلافة أبيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
تولّى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخلافة بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه ووقعت الفتن والقتال بين الصحابة ، واجتنب كبار الصحابة القتال ، وكان عبدالله بن عمر بن الخطاب في المدينة مجتنب ذلك كله وكانت أم كلثوم محل ثقة عبدالله بن عمر رضي الله عنها وهي زوجة أبيه و كان ابن عمر فيمن بايع علي بن أبي طالب ثم بدا له التوجه لمكة للابتعاد عن الفتنة فخرج من ليلته وأخبر أم كلثوم بأنه سيتوجه لمكة معتمرا مقيما على طاعة علي ما خلا القتال ـ فإنه لا يرى اقتتال المسلمين فيما بينهم ـ فأصبح علي رضي الله عنه ولم يجد ابن عمر وكان علي رضي الله عنه قد تجهز للخروج للعراق وجاءه الخبر أن ابن عمر قد توجه للشام ولحق بمعاوية فأمر بملاحقته فلما سمعت أم كلثوم بالخبر أتت أباها وأخبرته الخبر ، فطابت نفسه وقال ، والله إنه عندي ثقة.
ومرت أحداثٌ عاصفة على المسلمين من امتناع معاوية وأهل الشام عن بيعة علي رضي الله عنه حتى يتم الاقتصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه ثم كانت معركة الجمل وبعدها صفين والتحكيم ثم معركة النهروان إلى اغتيال الخليفة علي رضي الله عنه من قبل ابن ملجم لعنه الله . وكانت أم كلثوم رضي الله عنها في دار زوجها محمد بن جعفر بن أبي طالب ترقب هذه الأحداث وتتأثر بها فقد كان زوجها محمد بن جعفر رضي الله عنهما مشاركاً في هذه الأحداث فقد قيل أنه قتل في صفين وقيل أنه قتل بعد مقتل أخيه من أمه محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ، أحداثٌ صبّت مرارتها في حلق السيدة أم كلثوم ، ومع هذه الابتلاءات كانت أم كلثوم صابرة محتسبه تعيش حياه عادية فقد جاءت بعض الروايات عن حياتها .
ففي أخبار أصبهان : كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ اسْتَعْمَلَ عَلَى أَصْبَهَانَ عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ ، فَلَمَّا أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ عَرَضَ لَهُ الْخَوَارِجُ ، فَتَحَصَّنَ فِي حُلْوَانَ ، وَمَعَهُ الْخَرَاجُ وَالْهَدِيَّةُ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُ الْخَوَارِجُ أَقْبَلَ بِالْهَدِيَّةِ ، وَخَلَّفَ الْخَرَاجَ بِحُلْوَانَ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهُ فَلْيَضَعْهَا فِي الرَّحَبَةِ وَيَضَعُ عَلَيْهَا أُمَنَاءَهُ حَتَّى يَقْسِمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ : أَرْسِلْ إِلَيْنَا مِنْ هَذَا الْعَسَلِ الَّذِي مَعَكَ فَبَعَثَ إِلَيْهَا بِزِقَّيْنِ مِنْ عَسَلٍ ، وَزِقَّيْنِ مِنْ سَمْنٍ ، فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ عَلِيُّ إِلَى الصَّلَاةِ عَدَّهَا فَوَجَدَهَا تَنْقُصُ زِقَّيْنِ ، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْهُمَا ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَا تَسْأَلُنِي عَنْهُمَا ، فَإِنَّا نَأْتِي بِزِقَّيْنِ مَكَانَهُمَا ، قَالَ : عَزَمْتُ لَتُخْبِرَنِّي مَا قِصَّتُهُمَا ؟ قَالَ : بَعَثَتْ إِلَيَّ أُمُّ كُلْثُومٍ ، فَأَرْسَلْتُ بِهِمَا إِلَيْهَا ، قَالَ : أَمَرْتُكَ أَنْ تُقْسَمَ فَيْئَ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى أُمِّ كُلْثُومٍ أَنْ رُدِّي الزِّقَّيْنِ فَأُتِيَ بِهِمَا مَعَ مَا نُقُصَ مِنْهُمَا ، فَبَعَثَ إِلَى التُّجَّارِ : قَوِّمْهُمَا مَمْلُوءَيْنِ وَنَاقِصَيْنِ ، فَوَجَدُوا فِيهِمَا نُقْصَانُ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ، وَشَيْءٍ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا أَنْ أَرْسِلِيَ إِلَيْنَا بِالدَّرَاهِمِ ، ثُمَّ أَمَرَ بِالزِّقَاقِ فَقُسِمَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. (أخبار أصفهان)
وعَنْ أَبِي صَالِحٍ الَّذِي كَانَ يَخْدُمُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَتْ أم كلثوم : يَا أَبَا صَالِحٍ ، كَيْفَ لَوْ رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأُتِيَ بِأُتْرُجٍّ (فاكهة من الحمضيات) ، فَذَهَبَ حَسَنُ وَحُسَيْنُ يَتَنَاوَلُ مِنْهُ أُتْرُجَّةً ، فَانْتَزَعَهَا مِنْ يَدِهِ ، وَأَمَرَ بِهِ فَقَسَمَهَا بَيْنَ النَّاسِ. (مصنف ابن أبي شيبة ورجاله ثقات)
ومن زهدها في الحياة عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ ، فَقَالَتْ : ائْتُوا أَبَا صَالِحٍ بِطَعَامٍ ، فَأْتُونِي بِمَرَقَةٍ فِيهَا حُبُوبٍ. (كتاب الجوع لابن أبي الدنيا)
أم كلثوم ومقتل علي بن أبي طالب:
بعد مقتل الخوارج في النهروان اتفق زعمائهم على قتل علي رضي الله عنه فأنبرا لذلك ابن ملجم فقتله وهو في طريقه للصلاة فعن محمد بن حنيف قال : والله إني لأصلي تلك الليلة في المسجد الأعظم قريباً من السدة في رجال كثيرة من أهل المصر ما فيهم إلا قيام وركوع وسجود ما يسأمون من أول الليل إلى آخره إذ خرج علي لصلاة الغداة وجعل ينادي أيها الناس الصلاةَ الصلاةَ فما أدري أتكلم بهذه الكلمات أو نظرت إلى بريق السيف وسمعت : الحكم لله لا لك يا علي ولا لأصحابك ، فرأيتُ سيفاَ ورأيتُ ناساُ وسمعتُ عليَّا ًيقول : لا يفوتنكم الرجل . وشد عليه الناس من كل جانب فلم أبرح حتى أخذ ابن ملجم فأدخل على علي فدخلتُ فيمن دخل من الناس فسمعتُ عليا يقول : النفسَ بالنفسِ إن هلكت فاقتلوه كما قتلني ، وإن بقيت رأيت فيه رأيي . ولما أدخل ابن ملجم على علي قال له : يا عدو الله ألم أحسن إليك ؟ ألم أفعل بك ؟ قال : بلى قال : فما حملك على هذا ؟ قال : شحذته أربعين صباحاً فسألتُ الله أن يقتل به شر خلقه . قال له علي : ما أراك إلا مقتولاً به وما أراكَ إلا من شَرِّ خلقِ اللهِ عز وجل . وكان ابن ملجم مكتوفاً بين يدي الحسن إذ نادته أم كلثوم بنت علي وهي تبكي : يا عدوَّ الله لا بأس على أبي والله عز وجل مخزيك قال : فعلام تبكين والله لقد اشتريته بألف وسممته بألف ولو كانت هذه الضربة لجميع أهل مصر ما بقي منهم أحد ساعة وهذا أبوك باقياً حتى الآن فقال علي للحسن : إن بقيتُ رأيت فيه رأيي ولئن هلكت من ضربتي هذه فاضربه ضربة ولا تمثل به فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن المثلة ولو بالكلب العقور.
أم كلثوم في خلافة معاوية رضي الله عنه:
تولى معاوية رضي الله عنه الخلافة بعد أن تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما له عن الخلافة لحقن دماء المسلمين ولتحقيق قول جده النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ابني هذا سَيَّدٌ ، وإني لأرجو أن يُصْلِحَ اللهُ به بين فئتين مِن أمتي» ، وفي لفظٍ: «ولعلَّ اللهَ أن يُصْلِحَ به بين فئتين مِن المسلمين عَظَيْمَتَيْنِ» [صحيح أبي داود] . وسُميّ العام بعام الجماعة لاجتماع الناس على خليفة . وكانت السيدة أم كلثوم رضي الله عنها تعيش مكلومة حزينة لفقدها أبوها وزوجها محمد بن جعفر رضي الله عنهم، حيث جاءت في بعض الروايات الضعيفة أن محمد بن جعفر قاتل يوم صفين عبيدالله بن عمر بن الخطاب وهو ابن زوجها فقتل كل واحد منها الآخر ، فتأيمت من زوجها الثالث محمد بن جعفر فتزوجها أخوه عبدالله بن جعفر وكان قد طلّق أختها زينب بنت علي رضي الله عنها فعاشت عنده في المدينة حتى توفيت ، وكانت رضي الله عنها متمسكةً بوصية جدها صلى الله عليه وسلم بعدم أكل الصدقة فعن عطاء بن السائب قال : أتيتُ أم كلثوم فدخلتُ عليها وفي البيت سرير محبوك بليف ووسادة وقربة معلقة فجعلت أنظر ، فقالت: ما تنظر؟ أما إنا من الله بخير ولو لم يكن لنا صدقة النبي صلى الله عليه وسلم أو علي لكان لنا في ذلك غني. قال : قلتُ : دراهم أوصى بها سلمان لمولاةٍ له يُقال لها : رقية . فقالت : لا أعرفها . فقلتُ لها : خذيها . فقالت : إني أخشى أن تكون صدقة ولا تحل لنا الصدقة . ولكن انطلق فتصدق بها أنت . فقلتُ لها : بل تصدقي بها أنت فأبت ثم قالت : إن مولى للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له : كيسان قال له النبي صلى الله عليه وسلم في شيء ذكره من أمر الصدقة فقال له : «إنا أهل البيت نهينا أن نأكل الصدقة وأن موالينا من أنفسنا فلا يأكلوا الصدقة» ثم قالت : لقد جاءت البارحة صرة من العراق فرددتها وأبيتُ أن أقبلها. (إتحاف الخيرة المهرة والحديث متواتر)
وفي رواية أخرى عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، حَدَّثَتْنِي أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عَلِيٍّ ، – وَأَتَيْتُهَا بِصَدَقَةٍ كَانَ أَمَرَ بِهَا فَقَالَتْ : احْذَرْ شَبَابَنَا ، فَإِنَّ مَيْمُونًا أَوْ مِهْرَانًا مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : «يَا مَيْمُونُ – أَوْ مِهْرَانُ – إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ نُهِينَا عَنِ الصَّدَقَةِ ، وَإِنَّ مَوَالِينَا مِنْ أَنْفُسِنَا ، فَلَا تَأْكُلِ الصَّدَقَةَ». (المعجم الكبير للطبراني)
عاشت رضي الله عنها عزيزةً رافعةً رأسها متمسكة بدينها صابرةً على ما أصابها تربي أولادها زيد ورقية ابني عمر بن الخطاب على الأخلاق الحميدة ، حتى نَشَبَ الخلاف بين أولاد أبي الجهم بن حذيفة العدوي رضي الله عنه وعمَّ الخلاف قبيلة بني عدي كلها ، واستمر القتال والنزاع بينهم لفترة طويلة واعتزل شيوخ بني عدي كعبدالله بن عمر وأولاده الخلاف ، وفي ليلةٍ مظلمةٍ اشتدَّ القتال فخرجَ زيدُ بن عمر بن الخطاب ليُصلح بينهم ، فأصابهم أحدهم على وجهه وهو لا يعرفه فصرع ، فعن عمرو بن جرير البجلي : أن زيدا بن عمر بن الخطاب صُمخ (ضرب في وجهه) في صلاة الغداة فخرجت أمه أم كلثوم رضي الله عنها وهي تقول : يا ويلاه ! ما لقيتُ من صلاة الغداة ، وذلك أن أباها وزوجها وابنها كل واحد منهم قتل في صلاة الغداة (الفجر) ـ فلما علمتْ بإصابته خرجتْ فقالت : يا ويلاه ! ما لقيتُ من صلاةِ الغداة ثم وقعتْ عليه فرفعا ميتين رضي الله عنهما ، فحضر جنازتيهما الحسن بن علي وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم فقال ابن عمر للحسن : تقدم فصل على أختك وابن أختك ، فقال الحسن لعبدالله : بل تقدم فصل على أمك وأخيك ، فتقدم ابن عمر فصلى عليهما صلاةً واحدةً وكبَّر أربعا .
وفي روايةٍ أخرى في المنمق: أنه خرج ليحجز وينهي بعضهم عن بعض فخالطهم فضربه رجل منهم في الظلمة وهو لا يعرفه ضربه على رأسه فشجه فصرع وتنادى القوم زيدا زيدا ، فتفرقوا وسُقط في أيديهم ، وأقبل عبدالله بن مطيع فلما رآه صريعا نزل ثم أكب عليه فناداه : يا زيد ! بأبي أنت وأمي مرتين أو ثلاثا ، ثم أجابه فكبَّ عليه ابن مطيع فحمله على بغلته حتى أداه إلى منزله فدووي من شجته تلك حتى أفاق وقيل قد بريء ، وكان يسأل من ضربه فلا يسمونه ، ثم أن الشجة انتقضت بزيد فلم يزل منها مريضا وأصابه داء البطن فهلك رحمه الله .
وكانت أمه أم كلثوم قد تأثرت بمرض ابنها فلم تتحمل فمرضتْ وثقلتْ في مرضها مع مرض ابنها وإن رجالا مشوا بينهما لينظروا أيهما يموت قبل صاحبه فيرث منه الآخر وأنهما قبضا في ساعة واحده ، ولم يدر أيهما قبض قبل صاحبه فلم يتوارثا.
وفي المحلى لابن حزم : كانَ بين أولادِ الجهمِ بنِ حذيفةَ العدوي شرٌ ومقاتَلةٌ فتعصبَتْ بيوتاتِ بني عدِيٍّ بينهم فأتى الغلامُ المذكورُ ليلًا والضربُ قد وقعَ بينهم في الظلامِ وهذا الغلامُ هو زيدُ بنُ عمرَ بنِ الخطابِ وأمُّه أمُّ كلثوم بنتُ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنهم فأصابَه حجرٌ لا يُدْرَى من رماه وقد قيلَ ظنًا إن خالدَ بنَ أسلمَ أخا زيدِ بنِ أسلمَ مولى عمرَ بنِ الخطابِ هو الذي ضربَه وهو لا يعرفُ من هو في الظلمةِ وكانَ ابنُ عمرَ أخوه يقولُ له عند الموتِ اتقِ اللهَ يا زيدُ فإنك لا تعرفُ من أصابَك فإنك كنتَ في ظلمةٍ واختلاطٍ.
فُجعت المدينة بوفاة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنها ، وفُجعت بنو عدي بوفاة سيدهم زيد بن عمر بن الخطاب الذي توفي شابا ولم يكن له ولد فانقطع نسبهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فكانت خسارته أشد عليهم ، وانصدم الصحابة بمسمع وفاة أم كلثوم فتوافدوا للصلاة عليها ، فعن سعيدِ بنِ العاصِ أنَّه صلَّى على زيدِ بنِ عمرَ بنِ الخطَّابِ وأمِّهِ أمِّ كلثومٍ بنتِ عليٍّ فوضعَ الغلامَ بينَ يديهِ والمرأةَ خلفَه وفي القومِ نحوٌ من ثمانينَ نفسًا من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ تعالى عليهِ وسلَّمَ فصوَّبوهُ وقالوا : هُوَ السُّنَّة. (خلاصة البدر المنير لابن الملقن بسند صحيح)
أولادها:
زيد ورقية من عمر بن الخطاب وبثينة من محمد بن جعفر وماتت صغيرة.
ورقية بنت عمر بن الخطاب تزوجها إبراهيم بن نعيم النحام العدوي رضي الله عنهما وإبراهيم من صغار الصحابة ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ونال مصاهرة النبي صلى الله عليه وسلم فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب ، وأختها رقية زوجة إبراهيم بن نعيم.
فرضي الله عن هذه السيدة الصابرة سليلة بني هاشم.