فريق منتدى الدي في دي العربي
06-09-2022, 09:25 PM
التضحية والفداء بذل وعطاء
محسن العزازي
عن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ««الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمِل لما بعدَ الموتِ والعاجِزُ مَن أتبَع نفسَه هَواها وتمنَّى على اللهِ الأمانِيَّ»» [1]، وجاء في الأُثر عن الحسن البصري أنه قال: "ليس الإيمان بالتمنِّي، ولكن ما وقَر في القلب وصدّقه العمل، وإن قومًا خرجوا من الدُّنيا ولا عمل لهم وقالوا: نحن نحسن الظَّنَّ بالله وكَذَبُوا، لو أحسنوا الظَّنّ لأحسنوا العمل". فإن الإيمان الذي يكرّم الله به المؤمن، ويُنجيه من النار ليس مجرّدَ كلمة يقولها بلسانه دون عمل، وليس أمنية يتمنّاها ترفع بها درجته عند ربّه إنما هو أمر باطني يصدقه عمل ظاهري، وجل عمل المسلم التَّضْحية ببذل النَّفس والوقت والمال لأجل غاية أسمى، ولأجل هدف أرجى، مع احتساب الأجر والثواب على ذلك عند الله عزَّ وجلَّ، والمرادف لهذا المعنى: الفداء. ومن معانيها: البذل والجهاد.
قال شوقي:
وما نيلُ المطالبِ بالتَّمني ولكن تُؤخَذُ الدُّنيا غلابَا
وما استعصى على قومٍ منالٌ إذا الإقدامُ كان لهم ركابَا
وقد رغب الإسلام في التضحية وعدد صوره ورتب له الأجر العظيم في الدنيا والآخرة
قال علي الجارم:
بيتٌ دعائمُه نبلٌ وتَضْحيةٌ *** إذا بنى النَّاسُ مِن صخرٍ ومن شِيدِ
قال الله تعالى: { {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا} } [العنكبوت : 69]، وقال الله تعالى: { {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّ هُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} } [آل عمران : 195]، وعن جابر بن عبدالله قال رسول الله لى الله عليه وسلم: ««سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جَائِرٍ فأمرَهُ ونَهاهُ ، فَقَتَلهُ»» [2] أي: ورجُلٌ قام إلى إمامٍ ظالمٍ أو فاسقٍ، فأمَرَه بالمعروفِ، ونهاهُ عن المنكَرِ، فقتَلَهُ فكان سيِّدُ الشُّهداءِ في الآخرةِ؛ لِمُخاطرَتِه بأنفَسِ ما عندَه وهي نفْسُه وهي أسمى صور التضحية بذل النفس والشهادة في سبيل الله قال تعالى: { {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} } [البقرة: 216] ، أخبر أنَّه مكروه للنُّفوس؛ لما فيه من التَّعب والمشقَّة، وحصول أنواع المخاوف، والتعرُّض للمتالف، ومع هذا، فهو خيرٌ محضٌ؛ لما فيه من الثَّواب العظيم، والتَّحرُّز من العقاب الأليم، والنَّصر على الأعداء والظَّفر بالغنائم، وغير ذلك، ولذا اعد الله لها خير جزاء قال تعالى: { {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} } [آل عمران: 169].
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: « «انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي، وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنَّة، ولولا أن أشقَّ على أمَّتي، ما قعدت خلف سريَّة، ولوددت أنِّي أُقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أُقتل ثم أحيا، ثم أُقتل »» [3].
وقد عاب الإسلام أقواما تعلقت قلوبهم بالدنيا وكرهوا التضحية لله قال تعالى: { {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} } [التوبة: 38-39] .
قال مسلم بن الوليد:
يجودُ بالنَّفسِ، إذ ضنَّ البخيلُ بها *** الجودُ بالنَّفسِ أقصى غايةِ الجودِ
التَّضْحية بالمال: قال تعالى: { «وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ» } [الحديد:10-11]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:: ««ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلَّا عزًّا. وما تواضع أحد لله إلَّا رفعه الله»» [4].
التضحية بالوقت والجهد وقضاء حوائج الناس له مِثلُ أجرِ المجاهدِ في سبيلِ اللهِ، أو مِثلُ أجرِ الذي يَقومُ لَيلَه بالصَّلاةِ والذِّكرِ والدُّعاءِ، الصَّائمُ بالنَّهارِ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ««السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أوِ القائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهار» َ«[5]، أي: الَّذي يقومُ بمصالِحهما ومُؤنَتِهما وما يَلزمُهما، وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ قالَ : بينَما نحنُ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في سفَرٍ إذ جاءَ رجلٌ علَى ناقةٍ لَه فجعلَ يصرِّفُها يَمينًا وشِمالًا فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ من كانَ عندَهُ فضلُ ظَهْرٍ فليعُدْ بهِ علَى مَن لا ظَهْرَ لَه ومن كانَ عندَهُ فَضلُ زادٍ فليَعُدْ بهِ علَى مَن لا زادَ لَه حتَّى ظننَّا أنَّهُ لا حقَّ لأحدٍ منَّا في الفَضلِ [6].
قال المتنبي:
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ *** وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وفي عصرنا نمازج التضحية والبطولة أُبْتُزِلَتْ في جهاد راقصة، وركلة لاعب، وشذوذ فكر، وباتت نياشينُ البطولةِ تُوزَّعُ في سوق النخاسة لكل مُتنطَّع، فسادة الأنانية وحب النفس مقدم على مصلحة الأمة ورقيها.
تعال نستعرض نمازج يقتدى بها في التضحية: هؤلاء الذين بذلوا أنفسهم وأموالهم وأوقاتهم وجاهدوا في سبيل الله كانوا مثالا للمؤمنين قال تعالى: { {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء} } [آل عمران:140] . قال القاسمي: "أي: وليكرم ناسًا منكم بالشَّهادة، ليكونوا مثالًا لغيرهم في تَضْحية النَّفس شهادةً للحقِّ، وإعلاءً لكلمته"[7].
قال تعالى: {{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} } [الممتحنة : 4]، فتضحية إبراهيم عليه السلام لا توازيها تضحية فكان أمة، قال تعالى: { {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} } [النحل : 120].
وجاء الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في صبره وثباته، وتَضْحِيته وجهاده فقال تعالى: {{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا . وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا . مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً . لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا . وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا . وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا . وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} } [الأحزاب:21-27]. وقد كان صلى الله عليه وسلم أشجع النَّاس، وأقواهم قلبًا، وأثبتهم جنانًا، وقد كانت حياته كلُّها تَضْحية في سبيل الإسلام، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ««لقد أوذيت في الله، وما يؤذى أحد، وأخفت في الله، وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاثون ليلة من بين يوم وليلة، وما لي ولبلال رضي الله عنه ما يأكله ذو كبد إلا ما يواري إبط بلال»» [8].
تضحية الغلام بنفسه من أجل أن يؤمن النَّاس، فعن صهيب رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «: « فَقالَ لِلْمَلِكِ: إنَّكَ لَسْتَ بقَاتِلِي حتَّى تَفْعَلَ ما آمُرُكَ به، قالَ: وَما هُوَ؟ قالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي علَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِن كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ في كَبِدِ القَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: باسْمِ اللهِ رَبِّ الغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فإنَّكَ إذَا فَعَلْتَ ذلكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمع النَّاسَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ علَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِن كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ في كَبْدِ القَوْسِ، ثُمَّ قالَ: باسْمِ اللهِ، رَبِّ الغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ في صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ في صُدْغِهِ في مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقالَ النَّاسُ: آمَنَّا برَبِّ الغُلَامِ، آمَنَّا برَبِّ الغُلَامِ، آمَنَّا برَبِّ الغُلَامِ، فَأُتِيَ المَلِكُ فقِيلَ له: أَرَأَيْتَ ما كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بكَ حَذَرُكَ، قدْ آمَنَ النَّاسُ، فأمَرَ بالأُخْدُودِ في أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقالَ: مَن لَمْ يَرْجِعْ عن دِينِهِ فأحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قيلَ له: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا حتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمعهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقالَ لَهَا الغُلَامُ: يا أُمَّهْ، اصْبِرِي فإنَّكِ علَى الحَقِّ»» [9].
و «عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قال: "أمرَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أن نتصدَّقَ فوافقَ ذلِكَ عندي مالًا فقلتُ اليومَ أسبقُ أبا بَكرٍ إن سبقتُهُ يومًا، قالَ: فَجِئْتُ بنِصفِ مالي"، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: «ما أبقيتَ لأَهْلِكَ قلتُ مثلَهُ وأتَى أبو بَكرٍ بِكُلِّ ما عندَهُ فقالَ يا أبا بَكرٍ ما أبقَيتَ لأَهْلِكَ فقالَ أبقيتُ لَهُمُ اللَّهَ ورسولَهُ قلتُ لا أسبقُهُ إلى شيءٍ أبدًا»» [10]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: «"كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحبَّ أمواله إليه بَيْرَحَاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّب، قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: [آل عمران: 92]، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنَّ الله تبارك وتعالى يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرَحَاء، وإنَّها صدقة لله، أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإنِّي أرى أن تجعلها في الأقربين». فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسَّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمِّه» "[11].
عن صهيب بن سنان الرومي قال: «"لمَّا أردتُ الهِجرةَ من مَكَّةَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَت لي قُرَيْشٌ يا صُهَيْبُ ، قدِمتَ إلينا ولا مالَ لَكَ وتخرجُ أنتَ ومالُكَ واللَّهِ لا يَكونُ ذلِكَ أبدًا فقُلتُ لَهُم أرأيتُمْ إن دَفعتُ إليكم مالي تُخلُّونَ عنِّي قالوا نعَم فدفعتُ إليهم مالي فخلُّوا عنِّي فخرجتُ حتَّى قَدِمْتُ المدينةَ فبلغَ ذلِكَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: «ربحَ صُهَيْبٌ ربحَ صُهَيْبٌ» مرَّتينِ"» [12].
وعن أنس رضي الله عنه أنَّ عمَّه غاب عن بدر، فقال: «"غبت عن أوَّل قتال النَّبي صلى الله عليه وسلم، لئن أشهدني الله مع النَّبي صلى الله عليه وسلم ليرينَّ الله ما أجد، فلقي يوم أحد، فهزم النَّاس، فقال: اللهم إنِّي أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين، وأبرأ إليك مما جاء به المشركون، فتقدَّم بسيفه فلقي سعد بن معاذ، فقال: أين يا سعد، إنِّي أجد ريح الجنَّة دون أحد، فمضى فقُتل، فما عُرف، حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه، وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم» "[13].
قال ابن المقفع: ابذل لصديقك دمك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك، وللعامَّة بشرك وتحيَّتك، ولعدوك عدلك، وضنَّ بدينك وعرضك عن كلِّ أحد.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــ
(الترمذي (2459)، وأحمد (17164) مختصراً، وابن ماجه (4260) باختلاف يسير، والديلمي في ((الفردوس)) (4930) واللفظ له).
(صحيح الترغيب [ 2308])،
(رواه البخاري (36)، ومسلم (1876)
(رواه مسلم (2588)
(البخاري [5353])
(صحيح أبي داود[ 1663]).
(تفسير القاسمي [2/419]).
(رواه الترمذي [2472])، وابن ماجه [123])، وأحمد [3/120] [12233])، وابن حبان [14/515] [6560]). قال الترمذي: حسن غريب. وصححه ابن القيم في (عدة الصابرين [1/299])، والألباني في (صحيح سنن الترمذي[2472]).
(مسلم[3005])
( الترمذي [ 3675])
(البخاري [1461])
(عمدة التفسير [1/255])
(البخاري [466]، ومسلم [2382])
محسن العزازي
عن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ««الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمِل لما بعدَ الموتِ والعاجِزُ مَن أتبَع نفسَه هَواها وتمنَّى على اللهِ الأمانِيَّ»» [1]، وجاء في الأُثر عن الحسن البصري أنه قال: "ليس الإيمان بالتمنِّي، ولكن ما وقَر في القلب وصدّقه العمل، وإن قومًا خرجوا من الدُّنيا ولا عمل لهم وقالوا: نحن نحسن الظَّنَّ بالله وكَذَبُوا، لو أحسنوا الظَّنّ لأحسنوا العمل". فإن الإيمان الذي يكرّم الله به المؤمن، ويُنجيه من النار ليس مجرّدَ كلمة يقولها بلسانه دون عمل، وليس أمنية يتمنّاها ترفع بها درجته عند ربّه إنما هو أمر باطني يصدقه عمل ظاهري، وجل عمل المسلم التَّضْحية ببذل النَّفس والوقت والمال لأجل غاية أسمى، ولأجل هدف أرجى، مع احتساب الأجر والثواب على ذلك عند الله عزَّ وجلَّ، والمرادف لهذا المعنى: الفداء. ومن معانيها: البذل والجهاد.
قال شوقي:
وما نيلُ المطالبِ بالتَّمني ولكن تُؤخَذُ الدُّنيا غلابَا
وما استعصى على قومٍ منالٌ إذا الإقدامُ كان لهم ركابَا
وقد رغب الإسلام في التضحية وعدد صوره ورتب له الأجر العظيم في الدنيا والآخرة
قال علي الجارم:
بيتٌ دعائمُه نبلٌ وتَضْحيةٌ *** إذا بنى النَّاسُ مِن صخرٍ ومن شِيدِ
قال الله تعالى: { {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا} } [العنكبوت : 69]، وقال الله تعالى: { {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّ هُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} } [آل عمران : 195]، وعن جابر بن عبدالله قال رسول الله لى الله عليه وسلم: ««سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جَائِرٍ فأمرَهُ ونَهاهُ ، فَقَتَلهُ»» [2] أي: ورجُلٌ قام إلى إمامٍ ظالمٍ أو فاسقٍ، فأمَرَه بالمعروفِ، ونهاهُ عن المنكَرِ، فقتَلَهُ فكان سيِّدُ الشُّهداءِ في الآخرةِ؛ لِمُخاطرَتِه بأنفَسِ ما عندَه وهي نفْسُه وهي أسمى صور التضحية بذل النفس والشهادة في سبيل الله قال تعالى: { {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} } [البقرة: 216] ، أخبر أنَّه مكروه للنُّفوس؛ لما فيه من التَّعب والمشقَّة، وحصول أنواع المخاوف، والتعرُّض للمتالف، ومع هذا، فهو خيرٌ محضٌ؛ لما فيه من الثَّواب العظيم، والتَّحرُّز من العقاب الأليم، والنَّصر على الأعداء والظَّفر بالغنائم، وغير ذلك، ولذا اعد الله لها خير جزاء قال تعالى: { {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} } [آل عمران: 169].
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: « «انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي، وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنَّة، ولولا أن أشقَّ على أمَّتي، ما قعدت خلف سريَّة، ولوددت أنِّي أُقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أُقتل ثم أحيا، ثم أُقتل »» [3].
وقد عاب الإسلام أقواما تعلقت قلوبهم بالدنيا وكرهوا التضحية لله قال تعالى: { {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} } [التوبة: 38-39] .
قال مسلم بن الوليد:
يجودُ بالنَّفسِ، إذ ضنَّ البخيلُ بها *** الجودُ بالنَّفسِ أقصى غايةِ الجودِ
التَّضْحية بالمال: قال تعالى: { «وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ» } [الحديد:10-11]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:: ««ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلَّا عزًّا. وما تواضع أحد لله إلَّا رفعه الله»» [4].
التضحية بالوقت والجهد وقضاء حوائج الناس له مِثلُ أجرِ المجاهدِ في سبيلِ اللهِ، أو مِثلُ أجرِ الذي يَقومُ لَيلَه بالصَّلاةِ والذِّكرِ والدُّعاءِ، الصَّائمُ بالنَّهارِ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ««السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أوِ القائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهار» َ«[5]، أي: الَّذي يقومُ بمصالِحهما ومُؤنَتِهما وما يَلزمُهما، وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ قالَ : بينَما نحنُ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في سفَرٍ إذ جاءَ رجلٌ علَى ناقةٍ لَه فجعلَ يصرِّفُها يَمينًا وشِمالًا فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ من كانَ عندَهُ فضلُ ظَهْرٍ فليعُدْ بهِ علَى مَن لا ظَهْرَ لَه ومن كانَ عندَهُ فَضلُ زادٍ فليَعُدْ بهِ علَى مَن لا زادَ لَه حتَّى ظننَّا أنَّهُ لا حقَّ لأحدٍ منَّا في الفَضلِ [6].
قال المتنبي:
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ *** وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وفي عصرنا نمازج التضحية والبطولة أُبْتُزِلَتْ في جهاد راقصة، وركلة لاعب، وشذوذ فكر، وباتت نياشينُ البطولةِ تُوزَّعُ في سوق النخاسة لكل مُتنطَّع، فسادة الأنانية وحب النفس مقدم على مصلحة الأمة ورقيها.
تعال نستعرض نمازج يقتدى بها في التضحية: هؤلاء الذين بذلوا أنفسهم وأموالهم وأوقاتهم وجاهدوا في سبيل الله كانوا مثالا للمؤمنين قال تعالى: { {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء} } [آل عمران:140] . قال القاسمي: "أي: وليكرم ناسًا منكم بالشَّهادة، ليكونوا مثالًا لغيرهم في تَضْحية النَّفس شهادةً للحقِّ، وإعلاءً لكلمته"[7].
قال تعالى: {{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} } [الممتحنة : 4]، فتضحية إبراهيم عليه السلام لا توازيها تضحية فكان أمة، قال تعالى: { {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} } [النحل : 120].
وجاء الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في صبره وثباته، وتَضْحِيته وجهاده فقال تعالى: {{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا . وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا . مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً . لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا . وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا . وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا . وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} } [الأحزاب:21-27]. وقد كان صلى الله عليه وسلم أشجع النَّاس، وأقواهم قلبًا، وأثبتهم جنانًا، وقد كانت حياته كلُّها تَضْحية في سبيل الإسلام، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ««لقد أوذيت في الله، وما يؤذى أحد، وأخفت في الله، وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاثون ليلة من بين يوم وليلة، وما لي ولبلال رضي الله عنه ما يأكله ذو كبد إلا ما يواري إبط بلال»» [8].
تضحية الغلام بنفسه من أجل أن يؤمن النَّاس، فعن صهيب رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «: « فَقالَ لِلْمَلِكِ: إنَّكَ لَسْتَ بقَاتِلِي حتَّى تَفْعَلَ ما آمُرُكَ به، قالَ: وَما هُوَ؟ قالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي علَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِن كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ في كَبِدِ القَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: باسْمِ اللهِ رَبِّ الغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فإنَّكَ إذَا فَعَلْتَ ذلكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمع النَّاسَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ علَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِن كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ في كَبْدِ القَوْسِ، ثُمَّ قالَ: باسْمِ اللهِ، رَبِّ الغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ في صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ في صُدْغِهِ في مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقالَ النَّاسُ: آمَنَّا برَبِّ الغُلَامِ، آمَنَّا برَبِّ الغُلَامِ، آمَنَّا برَبِّ الغُلَامِ، فَأُتِيَ المَلِكُ فقِيلَ له: أَرَأَيْتَ ما كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بكَ حَذَرُكَ، قدْ آمَنَ النَّاسُ، فأمَرَ بالأُخْدُودِ في أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقالَ: مَن لَمْ يَرْجِعْ عن دِينِهِ فأحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قيلَ له: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا حتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمعهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقالَ لَهَا الغُلَامُ: يا أُمَّهْ، اصْبِرِي فإنَّكِ علَى الحَقِّ»» [9].
و «عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قال: "أمرَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أن نتصدَّقَ فوافقَ ذلِكَ عندي مالًا فقلتُ اليومَ أسبقُ أبا بَكرٍ إن سبقتُهُ يومًا، قالَ: فَجِئْتُ بنِصفِ مالي"، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: «ما أبقيتَ لأَهْلِكَ قلتُ مثلَهُ وأتَى أبو بَكرٍ بِكُلِّ ما عندَهُ فقالَ يا أبا بَكرٍ ما أبقَيتَ لأَهْلِكَ فقالَ أبقيتُ لَهُمُ اللَّهَ ورسولَهُ قلتُ لا أسبقُهُ إلى شيءٍ أبدًا»» [10]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: «"كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحبَّ أمواله إليه بَيْرَحَاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّب، قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: [آل عمران: 92]، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنَّ الله تبارك وتعالى يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرَحَاء، وإنَّها صدقة لله، أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإنِّي أرى أن تجعلها في الأقربين». فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسَّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمِّه» "[11].
عن صهيب بن سنان الرومي قال: «"لمَّا أردتُ الهِجرةَ من مَكَّةَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَت لي قُرَيْشٌ يا صُهَيْبُ ، قدِمتَ إلينا ولا مالَ لَكَ وتخرجُ أنتَ ومالُكَ واللَّهِ لا يَكونُ ذلِكَ أبدًا فقُلتُ لَهُم أرأيتُمْ إن دَفعتُ إليكم مالي تُخلُّونَ عنِّي قالوا نعَم فدفعتُ إليهم مالي فخلُّوا عنِّي فخرجتُ حتَّى قَدِمْتُ المدينةَ فبلغَ ذلِكَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: «ربحَ صُهَيْبٌ ربحَ صُهَيْبٌ» مرَّتينِ"» [12].
وعن أنس رضي الله عنه أنَّ عمَّه غاب عن بدر، فقال: «"غبت عن أوَّل قتال النَّبي صلى الله عليه وسلم، لئن أشهدني الله مع النَّبي صلى الله عليه وسلم ليرينَّ الله ما أجد، فلقي يوم أحد، فهزم النَّاس، فقال: اللهم إنِّي أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين، وأبرأ إليك مما جاء به المشركون، فتقدَّم بسيفه فلقي سعد بن معاذ، فقال: أين يا سعد، إنِّي أجد ريح الجنَّة دون أحد، فمضى فقُتل، فما عُرف، حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه، وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم» "[13].
قال ابن المقفع: ابذل لصديقك دمك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك، وللعامَّة بشرك وتحيَّتك، ولعدوك عدلك، وضنَّ بدينك وعرضك عن كلِّ أحد.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــ
(الترمذي (2459)، وأحمد (17164) مختصراً، وابن ماجه (4260) باختلاف يسير، والديلمي في ((الفردوس)) (4930) واللفظ له).
(صحيح الترغيب [ 2308])،
(رواه البخاري (36)، ومسلم (1876)
(رواه مسلم (2588)
(البخاري [5353])
(صحيح أبي داود[ 1663]).
(تفسير القاسمي [2/419]).
(رواه الترمذي [2472])، وابن ماجه [123])، وأحمد [3/120] [12233])، وابن حبان [14/515] [6560]). قال الترمذي: حسن غريب. وصححه ابن القيم في (عدة الصابرين [1/299])، والألباني في (صحيح سنن الترمذي[2472]).
(مسلم[3005])
( الترمذي [ 3675])
(البخاري [1461])
(عمدة التفسير [1/255])
(البخاري [466]، ومسلم [2382])