فريق منتدى الدي في دي العربي
06-22-2022, 05:46 PM
حجاب المرأة (1)
د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
تعريف الحجاب:
الحجاب لغةً: مأخوذ من الحجب، والحاء والجيم والباء أصلٌ واحدٌ، وهو المنع من الوصول[1]، والحَجْب: كل شيء منعَ شيئا من شيء فقد حجبه حجبا، والحجابة: ولاية الحاجب[2].
يقال: حجبته عن كذا، أي منعته[3].
والحجاب: مصدر بمعنى الستر، حَجَب الشيء يحجبه حجبا وحجابا، وحجبه إذا ستره[4]، والحجاب اسم ما حجبتَ به شيئا عن شيء، ويُجمع على حُجُب[5].
ومنه قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ﴾ [فُصِّلَت:5]، أي ساتر لا نجتمع من أجله نحن وأنت، فيرى بعضنا بعضا، وذلك الحجاب هو اختلافهم في الدين[6].
وقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَومِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى:51]، أي من حيث ما لا يراه مكلمه ومبلغه[7].
وقوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الأحزاب:53]، أي من وراء ستر بينكم، وبينهن[8].
وحجاب المرأة: غطاء تلبسه يغطي الرأس، والعنق، والأكتاف، وربما الوجه[9].
يقال: احتجب وتحجَّب فلان إِذا اكْتَنَّ من وراء الحجاب[10].
وامرأة محجوبة: إذا سُترت بستر[11].
يؤخذ مما تقدم أن الحجاب يدور معناه اللغوي على الستر، والمنع، وكل ما حال بين شيئين فهو حجاب.
الحجاب شرعا:
الحجاب: هو ما تلبسه المرأة من الثياب لستر العورة عن الأجانب[12].
وقيل: هو لباس شرعي سابغٌ، تستتر به المرأة المسلمة؛ ليمنع الرجال الأجانب من رؤية شيء من بدنها[13].
وقيل: هو ستر المرأة جميع بدنها، ومنه الوجه والكفان والقدمان، وستر زينتها المكتسبة، بما يمنع الأجانب عنها من رؤية شيء من بدنها، أو زينتها التي تتزين بها، ويكون استتارها باللباس وبالبيوت[14].
وقيل: هو ساتر يستر الجسم فلا يشف، ولا يَصف[15].
وقيل: هو حجب المرأة المسلمة من غير القواعد من النساء عن أنظار الرجال غير المحارم لها[16].
وقيل: هو ستر المرأة المسلمة لبدنها كله من الرجال الأجانب بما في ذلك الوجه والكفين[17].
وقيل: هو ستر عورة المرأة، ولا يقتصر على ستر الوجه، بل يشمل ستر غيره بما لا يصف، ولا يشف[18].
وقيل: هو لفظٌ ينتظم جملة من الأحكام الشرعية الاجتماعية المتعلقة بوضع المرأة في المجتمع الإسلامي من حيث علاقتها بمن لا يحلُّ لها أن تظهر زينتها أمامهم[19].
نستنتج من هذه التعريفات: أن الحجاب في الشرع لباس واسع فضفاض يغطي جميع بدن المرأة، ويستره عن الرجال الأجانب.
ولم يُذكر الحجابُ في القرآن بمعناه الشرعي إلا في موضعين:
أحدهما: قوله تبارك وتعالى:﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الأحزاب:53].
الآخر: قوله سبحانه وتعالى:﴿ فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ﴾ [مريم:17].
تحرير محل النزاع:
اتفق المسلمون على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساد، وظهوره[20].
كما اتفق أهل العلم على وجوب ستر عورة المرأة عن الرجال الأجانب، واختلفوا في حكم الوجه والكفين على ثلاثة أقوال.
قال ابن حزم رحمه الله: «اتفقوا على أن شعر الحرة وجسمها حشا وجهها ويدها عورة، واختلفوا في الوجه واليدين حتى أظفارهما أعورة هي، أم لا؟»[21]، وأقره ابن تيمة رحمه الله.
وقال ابن عبد البر رحمه الله: «الذي عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق أن على المرأة الحرة أن تغطي جسمها كله بدرع صفيق سابغ، وتخمر رأسها؛ فإنها كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وأن عليها ستر ما عدا وجهها، وكفيها»[22].
وقال القرطبي رحمه الله: «أجمع المسلمون على أن السوأتين عورة من الرجل والمرأة، وأن المرأة كلها عورة إلا وجهها ويديها فإنهم اختلفوا فيهما»[23].
أقوال العلماء في حكم ستر الوجه، والكفين:
القول الأول: يجب ستر الوجه، والكفين.
القائلون به: بعض المالكية[24]، والأصح والمختار عند الحنفية[25]، والشافعية[26]، وظاهر مذهب الحنابلة[27]، وابن تيمية[28]، وابن القيم[29]، والصنعاني[30]، والشوكاني[31].
وهو قول جمهور المفسرين[32]، منهم: السمرقندي[33]، وابن أبي زَمَنين[34]، والواحدي[35]، والجصاص[36]، والكِيَا الهَرَّاسي[37]، وابن عطية[38]،.......... والزمخشري[39]، وابن العربي المالكي[40]، والرازي[41]، والقرطبي[42]، والبيضاوي[43]، والنسفي[44]، وابن جُزي[45]، والنيسابوري[46]، وجلال الدين المحلي[47]، والبقاعي[48]، والسيوطي[49]، والإيجي[50]، والألوسي[51]، والقاسمي[52].
بعض أقوال المفسرين:
قال الواحدي رحمه الله: «قال المفسرون: يغطين رؤوسهن، ووجوهن إلا عينا واحدة، فيعلم أنهن حرائر، فلا يعرض لهن بأذى»[53].
وقال الزمخشري رحمه الله «ت 538هـ»: «معنى ﴿ دْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 59] يرخينها عليهن، ويغطين بها وجوههن، وأعطافهن»[54].
وكذا قال النَّسفي «ت 710هـ»[55]، والقاسمي «ت 1332هـ»[56].
وقال الرزاي رحمه الله«ت 606هـ»: «أمر بسدل الستر عليهن، وذلك لا يكون إلا بكونهن مستورات محجوبات، وكان الحجاب وجب عليهن»[57].
وقال القرطبي رحمه الله«ت 671هـ»: «قوله تعالى: ﴿ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ الجلابيب جمع جلباب، وهو ثوب أكبر من الخمار، وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنه الرداء، وقد قيل: إنه القناع، والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن»[58].
وقال البيضاوي رحمه الله«ت 685هـ»: «كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرَم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة، كالمعالجة»[59].
وقال أيضا: «يغطين وجوههن، وأبدانهن بملاحفهن إذا برزن لحاجة»[60].
وقال ابن جُزي «ت 741هـ»: «كان نساء العرب يكشفن وجوههن كما تفعل الإماء، وكان ذلك داعيا إلى نظر الرجال لهن، فأمرهن الله بإدناء الجلابيب؛ ليسترن بذلك وجوههن»[61].
وقال النيسابوري رحمه الله «ت 850هـ»: «كانت النساء في أول الإسلام على عادتهن في الجاهلية متبذلات يبرُزن في درع وخمار من غير فصل بين الحرة والأمة، فأُمرن بلبس الأردية والملاحف وستر الرأس والوجوه، ذلك الإدناء أدنى وأقرب إلى أنْ يُعْرَفْنَ أنهن حرائر، أو أنهن لسْن بزانيات، فإن التي سترت وجهها أولى بأن تستر عورتها فلا يُؤْذَيْنَ»[62].
وقال جلال الدين المحلي رحمه الله «ت 864هـ» في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ [الأحزاب: 59]: «هي المُلاءة التي تشتمل بها المرأة أي يرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهن إلا عينا واحدة؛ حتى يعرفن بأنهن حرائر، فلا يؤذين بالتعرض لهن بخلاف الإماء فلا يغطين وجوههن»[63].
وقال البقاعي رحمه الله«ت 885هـ»: نزه الله تعالى المؤمنات عن حالة الجاهلية من التبرج وعدم الحجاب، وصانهن عن التبذل، والامتهان[64].
وقال الإيجي رحمه الله«ت 905هـ»: «الجلباب: رداء فوق الخمار يستر من فوق إلى أسفل، يعني يرخينها عليهن، ويغطين وجههن، وأبدانهن»[65].
وقال الألوسي رحمه الله «ت 1270هـ»: عندي أن على النساء تغطية جميع أجسادهن، وقيل: على رؤوسهن أو على وجوههن؛ لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه[66].
وقال الدكتور محمد سيد طنطاوي: يجب ستر المرأة جميع جسدها ووجهها[67].
وقال في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31]: «أي وعلى النساء المؤمنات أن يسترن رؤوسهن وأعناقهن وصدورهن بخمرهن؛ حتى لا يطلع أحد من الأجانب على شيء من ذلك»[68].
بعض أقوال الحنفية:
قالت الحنفية: تُمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال؛ لئلا يؤدي إلى الفتنة، وفي زماننا المنع واجب، بل فرض لغلبة الفساد[69].
قال ابن الهُمام رحمه الله: دلت المسألة -أي حديث عائشة الآتي عند ذكر أدلة القول الأول- على أن المرأة منهية عن إبداء وجهها للأجانب بلا ضرورة[70].
قال ابن نُجيم رحمه الله: في فتاوى قاضي خان: ودلت المسألة على أنها لا تكشف وجهها للأجانب من غير ضرورة، وهو يدل على أن هذا الإرخاء عند الإمكان ووجود الأجانب واجب عليها[71].
قال الحصفكي رحمه الله: تمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين رجال لا لأنه عورة بل لخوف الفتنة كمسِّه[72]، وإن أمِنَ الشهوة؛ لأنه أغلظ[73].
قال ابن عابدين رحمه الله: تمنع المرأة من الكشف؛ لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع الفتنة؛ لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة[74].
بعض أقوال المالكية:
حكى ابن رشد القرطبي رحمه الله عن الإمام مالك أنه قال: المرأة كلها عورة[75].
وقال القاضي ابن العربي رحمه الله: «المرأة كلها عورة؛ بدنها وصوتها، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة أو لحاجة، كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يَعِنُّ، ويعرض عندها»[76].
وقال أيضا: «الأنوثة نقصان يخل بالعقل حسب ما نص الله تعالى عليه، وتوجب الحجاب، وتمنع من الخلط بالجماعة»[77].
وقال العبدري رحمه الله «ت 897هـ»: «وتسدل على وجهها إن خشيت رؤية رجل»[78].
قال ابن غانمرحمه الله «ت 1126هـ»: «الذي يقتضيه الشرع وجوب سترها وجهها في هذا الزمان، لا لأنه عورة، وإنما ذلك لما تعورف عند أهل هذا الزمان الفاسد أن كشف المرأة وجهها يؤدي إلى تطرق الألسنة إلى قذفها، وحفظ الأعراض واجب كحفظ الأديان، والأنساب»[79].
بعض أقوال الشافعية:
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: «من تحققت نظرَ أجنبيٍّ لها يلزمُها ستر وجهها عنه وإلا كانت معينةً له على حرامٍ فتأثم»[80].
قال الحصني الشافعي رحمه الله«ت 829هـ»: يحرم كشف وجه المرأة وكفيها مطلقا، قاله الاصطخري، وأبو علي الطبري، وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، والروياني، واتفق المسلمون على منع النساء من الخروج حاسرات سافرات[81].
وقال أيضا: «إن خيف من النظر إليها ما يجر إلى الفساد حرم عليها رفع النقاب، وهذا كثير في مواضع الزيارة كبيت المقدس زاده الله تعالى شرفا فليُجتنب ذلك»[82].
وقال ابن قاسم الغزي «ت 918هـ»: «وجميع بدن المرأة الحرة عورة إلا وجهها وكفيها، وهذه عورتها في الصلاة، أما خارجَ الصلاة فعورتها جميع بدنها»[83].
وقال سليمان الجملرحمه الله«ت 1204هـ»: أما عورتها عند الرجال الأجانب فجميع البدن[84].
وقال البُجَيْرَمِيّ رحمه الله «ت 1221هـ»: «أما عورتها خارج الصلاة بالنسبة لنظر الأجنبي إليها فهي جميع بدنها حتى الوجه والكفين، ولو عند أمْن الفتنة»[85].
وقال الشرواني رحمه الله: ووجوب ستر الوجه والكفين في الحياة ليس لكونهما عورة، بل لكون النظر إليهما يوقع في الفتنة غالبا[86].
وقال أيضا: المرأة الحرة المسلمة لها ثلاث عورات:
أحدها: عورة في الصلاة: جميع بدنها سوى الوجه والكفين.
الثانية: عورة بالنسبة لنظر الأجانب إليها: جميع بدنها حتى الوجه والكفين على المعتمد.
الثالثة: عورة في الخلوة وعند المحارم: كعورة الرجل، أي ما بين السرة والركبة[87].
بعض أقوال الحنابلة:
قال الإمام أحمد رحمه الله: الزينة الظاهرة هي الثياب، وكل شيء من المرأة الحرة المسلمة عورة حتى الظفر[88].
وقال ابن تيمية رحمه الله: ليس للمرأة أن تبدي وجهها ويديها للأجانب على الأصح بخلاف ما كان قبل النسخ، بل لا تبدي إلا الثياب، ولا يجوز للنساء كشف وجوههن بحيث يراهن الأجانب، وعلى ولي الأمر الأمر بالمعروف والنهي عن هذا المنكر وغيره، ومن لم يرتدع فإنه يعاقب على ذلك بما يزجره، وإنما ضُرب الحجاب على النساء؛ لئلا ترى وجوههن وأيديهن، والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم،وخلفائه أن الحرة تحتجب، والأمة تظهر[89].
وقال ابن مفلِح رحمه الله «ت 763هـ»: «قال أحمد: ولا تبدي زينتها إلا لمن في الآية[90]، ونقل أبو طالب ظفرها عورة، فإذا خرجت فلا تُبَيِّنُ شيئا، ولا خُفَّها؛ فإنه يصف القدم، وأحبُّ إليَّ أن تجعل لكُمِّها زِرًّا عند يدها.
يتبع
د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
تعريف الحجاب:
الحجاب لغةً: مأخوذ من الحجب، والحاء والجيم والباء أصلٌ واحدٌ، وهو المنع من الوصول[1]، والحَجْب: كل شيء منعَ شيئا من شيء فقد حجبه حجبا، والحجابة: ولاية الحاجب[2].
يقال: حجبته عن كذا، أي منعته[3].
والحجاب: مصدر بمعنى الستر، حَجَب الشيء يحجبه حجبا وحجابا، وحجبه إذا ستره[4]، والحجاب اسم ما حجبتَ به شيئا عن شيء، ويُجمع على حُجُب[5].
ومنه قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ﴾ [فُصِّلَت:5]، أي ساتر لا نجتمع من أجله نحن وأنت، فيرى بعضنا بعضا، وذلك الحجاب هو اختلافهم في الدين[6].
وقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَومِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى:51]، أي من حيث ما لا يراه مكلمه ومبلغه[7].
وقوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الأحزاب:53]، أي من وراء ستر بينكم، وبينهن[8].
وحجاب المرأة: غطاء تلبسه يغطي الرأس، والعنق، والأكتاف، وربما الوجه[9].
يقال: احتجب وتحجَّب فلان إِذا اكْتَنَّ من وراء الحجاب[10].
وامرأة محجوبة: إذا سُترت بستر[11].
يؤخذ مما تقدم أن الحجاب يدور معناه اللغوي على الستر، والمنع، وكل ما حال بين شيئين فهو حجاب.
الحجاب شرعا:
الحجاب: هو ما تلبسه المرأة من الثياب لستر العورة عن الأجانب[12].
وقيل: هو لباس شرعي سابغٌ، تستتر به المرأة المسلمة؛ ليمنع الرجال الأجانب من رؤية شيء من بدنها[13].
وقيل: هو ستر المرأة جميع بدنها، ومنه الوجه والكفان والقدمان، وستر زينتها المكتسبة، بما يمنع الأجانب عنها من رؤية شيء من بدنها، أو زينتها التي تتزين بها، ويكون استتارها باللباس وبالبيوت[14].
وقيل: هو ساتر يستر الجسم فلا يشف، ولا يَصف[15].
وقيل: هو حجب المرأة المسلمة من غير القواعد من النساء عن أنظار الرجال غير المحارم لها[16].
وقيل: هو ستر المرأة المسلمة لبدنها كله من الرجال الأجانب بما في ذلك الوجه والكفين[17].
وقيل: هو ستر عورة المرأة، ولا يقتصر على ستر الوجه، بل يشمل ستر غيره بما لا يصف، ولا يشف[18].
وقيل: هو لفظٌ ينتظم جملة من الأحكام الشرعية الاجتماعية المتعلقة بوضع المرأة في المجتمع الإسلامي من حيث علاقتها بمن لا يحلُّ لها أن تظهر زينتها أمامهم[19].
نستنتج من هذه التعريفات: أن الحجاب في الشرع لباس واسع فضفاض يغطي جميع بدن المرأة، ويستره عن الرجال الأجانب.
ولم يُذكر الحجابُ في القرآن بمعناه الشرعي إلا في موضعين:
أحدهما: قوله تبارك وتعالى:﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الأحزاب:53].
الآخر: قوله سبحانه وتعالى:﴿ فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ﴾ [مريم:17].
تحرير محل النزاع:
اتفق المسلمون على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساد، وظهوره[20].
كما اتفق أهل العلم على وجوب ستر عورة المرأة عن الرجال الأجانب، واختلفوا في حكم الوجه والكفين على ثلاثة أقوال.
قال ابن حزم رحمه الله: «اتفقوا على أن شعر الحرة وجسمها حشا وجهها ويدها عورة، واختلفوا في الوجه واليدين حتى أظفارهما أعورة هي، أم لا؟»[21]، وأقره ابن تيمة رحمه الله.
وقال ابن عبد البر رحمه الله: «الذي عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق أن على المرأة الحرة أن تغطي جسمها كله بدرع صفيق سابغ، وتخمر رأسها؛ فإنها كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وأن عليها ستر ما عدا وجهها، وكفيها»[22].
وقال القرطبي رحمه الله: «أجمع المسلمون على أن السوأتين عورة من الرجل والمرأة، وأن المرأة كلها عورة إلا وجهها ويديها فإنهم اختلفوا فيهما»[23].
أقوال العلماء في حكم ستر الوجه، والكفين:
القول الأول: يجب ستر الوجه، والكفين.
القائلون به: بعض المالكية[24]، والأصح والمختار عند الحنفية[25]، والشافعية[26]، وظاهر مذهب الحنابلة[27]، وابن تيمية[28]، وابن القيم[29]، والصنعاني[30]، والشوكاني[31].
وهو قول جمهور المفسرين[32]، منهم: السمرقندي[33]، وابن أبي زَمَنين[34]، والواحدي[35]، والجصاص[36]، والكِيَا الهَرَّاسي[37]، وابن عطية[38]،.......... والزمخشري[39]، وابن العربي المالكي[40]، والرازي[41]، والقرطبي[42]، والبيضاوي[43]، والنسفي[44]، وابن جُزي[45]، والنيسابوري[46]، وجلال الدين المحلي[47]، والبقاعي[48]، والسيوطي[49]، والإيجي[50]، والألوسي[51]، والقاسمي[52].
بعض أقوال المفسرين:
قال الواحدي رحمه الله: «قال المفسرون: يغطين رؤوسهن، ووجوهن إلا عينا واحدة، فيعلم أنهن حرائر، فلا يعرض لهن بأذى»[53].
وقال الزمخشري رحمه الله «ت 538هـ»: «معنى ﴿ دْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 59] يرخينها عليهن، ويغطين بها وجوههن، وأعطافهن»[54].
وكذا قال النَّسفي «ت 710هـ»[55]، والقاسمي «ت 1332هـ»[56].
وقال الرزاي رحمه الله«ت 606هـ»: «أمر بسدل الستر عليهن، وذلك لا يكون إلا بكونهن مستورات محجوبات، وكان الحجاب وجب عليهن»[57].
وقال القرطبي رحمه الله«ت 671هـ»: «قوله تعالى: ﴿ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ الجلابيب جمع جلباب، وهو ثوب أكبر من الخمار، وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنه الرداء، وقد قيل: إنه القناع، والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن»[58].
وقال البيضاوي رحمه الله«ت 685هـ»: «كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرَم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة، كالمعالجة»[59].
وقال أيضا: «يغطين وجوههن، وأبدانهن بملاحفهن إذا برزن لحاجة»[60].
وقال ابن جُزي «ت 741هـ»: «كان نساء العرب يكشفن وجوههن كما تفعل الإماء، وكان ذلك داعيا إلى نظر الرجال لهن، فأمرهن الله بإدناء الجلابيب؛ ليسترن بذلك وجوههن»[61].
وقال النيسابوري رحمه الله «ت 850هـ»: «كانت النساء في أول الإسلام على عادتهن في الجاهلية متبذلات يبرُزن في درع وخمار من غير فصل بين الحرة والأمة، فأُمرن بلبس الأردية والملاحف وستر الرأس والوجوه، ذلك الإدناء أدنى وأقرب إلى أنْ يُعْرَفْنَ أنهن حرائر، أو أنهن لسْن بزانيات، فإن التي سترت وجهها أولى بأن تستر عورتها فلا يُؤْذَيْنَ»[62].
وقال جلال الدين المحلي رحمه الله «ت 864هـ» في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ [الأحزاب: 59]: «هي المُلاءة التي تشتمل بها المرأة أي يرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهن إلا عينا واحدة؛ حتى يعرفن بأنهن حرائر، فلا يؤذين بالتعرض لهن بخلاف الإماء فلا يغطين وجوههن»[63].
وقال البقاعي رحمه الله«ت 885هـ»: نزه الله تعالى المؤمنات عن حالة الجاهلية من التبرج وعدم الحجاب، وصانهن عن التبذل، والامتهان[64].
وقال الإيجي رحمه الله«ت 905هـ»: «الجلباب: رداء فوق الخمار يستر من فوق إلى أسفل، يعني يرخينها عليهن، ويغطين وجههن، وأبدانهن»[65].
وقال الألوسي رحمه الله «ت 1270هـ»: عندي أن على النساء تغطية جميع أجسادهن، وقيل: على رؤوسهن أو على وجوههن؛ لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه[66].
وقال الدكتور محمد سيد طنطاوي: يجب ستر المرأة جميع جسدها ووجهها[67].
وقال في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31]: «أي وعلى النساء المؤمنات أن يسترن رؤوسهن وأعناقهن وصدورهن بخمرهن؛ حتى لا يطلع أحد من الأجانب على شيء من ذلك»[68].
بعض أقوال الحنفية:
قالت الحنفية: تُمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال؛ لئلا يؤدي إلى الفتنة، وفي زماننا المنع واجب، بل فرض لغلبة الفساد[69].
قال ابن الهُمام رحمه الله: دلت المسألة -أي حديث عائشة الآتي عند ذكر أدلة القول الأول- على أن المرأة منهية عن إبداء وجهها للأجانب بلا ضرورة[70].
قال ابن نُجيم رحمه الله: في فتاوى قاضي خان: ودلت المسألة على أنها لا تكشف وجهها للأجانب من غير ضرورة، وهو يدل على أن هذا الإرخاء عند الإمكان ووجود الأجانب واجب عليها[71].
قال الحصفكي رحمه الله: تمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين رجال لا لأنه عورة بل لخوف الفتنة كمسِّه[72]، وإن أمِنَ الشهوة؛ لأنه أغلظ[73].
قال ابن عابدين رحمه الله: تمنع المرأة من الكشف؛ لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع الفتنة؛ لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة[74].
بعض أقوال المالكية:
حكى ابن رشد القرطبي رحمه الله عن الإمام مالك أنه قال: المرأة كلها عورة[75].
وقال القاضي ابن العربي رحمه الله: «المرأة كلها عورة؛ بدنها وصوتها، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة أو لحاجة، كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يَعِنُّ، ويعرض عندها»[76].
وقال أيضا: «الأنوثة نقصان يخل بالعقل حسب ما نص الله تعالى عليه، وتوجب الحجاب، وتمنع من الخلط بالجماعة»[77].
وقال العبدري رحمه الله «ت 897هـ»: «وتسدل على وجهها إن خشيت رؤية رجل»[78].
قال ابن غانمرحمه الله «ت 1126هـ»: «الذي يقتضيه الشرع وجوب سترها وجهها في هذا الزمان، لا لأنه عورة، وإنما ذلك لما تعورف عند أهل هذا الزمان الفاسد أن كشف المرأة وجهها يؤدي إلى تطرق الألسنة إلى قذفها، وحفظ الأعراض واجب كحفظ الأديان، والأنساب»[79].
بعض أقوال الشافعية:
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: «من تحققت نظرَ أجنبيٍّ لها يلزمُها ستر وجهها عنه وإلا كانت معينةً له على حرامٍ فتأثم»[80].
قال الحصني الشافعي رحمه الله«ت 829هـ»: يحرم كشف وجه المرأة وكفيها مطلقا، قاله الاصطخري، وأبو علي الطبري، وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، والروياني، واتفق المسلمون على منع النساء من الخروج حاسرات سافرات[81].
وقال أيضا: «إن خيف من النظر إليها ما يجر إلى الفساد حرم عليها رفع النقاب، وهذا كثير في مواضع الزيارة كبيت المقدس زاده الله تعالى شرفا فليُجتنب ذلك»[82].
وقال ابن قاسم الغزي «ت 918هـ»: «وجميع بدن المرأة الحرة عورة إلا وجهها وكفيها، وهذه عورتها في الصلاة، أما خارجَ الصلاة فعورتها جميع بدنها»[83].
وقال سليمان الجملرحمه الله«ت 1204هـ»: أما عورتها عند الرجال الأجانب فجميع البدن[84].
وقال البُجَيْرَمِيّ رحمه الله «ت 1221هـ»: «أما عورتها خارج الصلاة بالنسبة لنظر الأجنبي إليها فهي جميع بدنها حتى الوجه والكفين، ولو عند أمْن الفتنة»[85].
وقال الشرواني رحمه الله: ووجوب ستر الوجه والكفين في الحياة ليس لكونهما عورة، بل لكون النظر إليهما يوقع في الفتنة غالبا[86].
وقال أيضا: المرأة الحرة المسلمة لها ثلاث عورات:
أحدها: عورة في الصلاة: جميع بدنها سوى الوجه والكفين.
الثانية: عورة بالنسبة لنظر الأجانب إليها: جميع بدنها حتى الوجه والكفين على المعتمد.
الثالثة: عورة في الخلوة وعند المحارم: كعورة الرجل، أي ما بين السرة والركبة[87].
بعض أقوال الحنابلة:
قال الإمام أحمد رحمه الله: الزينة الظاهرة هي الثياب، وكل شيء من المرأة الحرة المسلمة عورة حتى الظفر[88].
وقال ابن تيمية رحمه الله: ليس للمرأة أن تبدي وجهها ويديها للأجانب على الأصح بخلاف ما كان قبل النسخ، بل لا تبدي إلا الثياب، ولا يجوز للنساء كشف وجوههن بحيث يراهن الأجانب، وعلى ولي الأمر الأمر بالمعروف والنهي عن هذا المنكر وغيره، ومن لم يرتدع فإنه يعاقب على ذلك بما يزجره، وإنما ضُرب الحجاب على النساء؛ لئلا ترى وجوههن وأيديهن، والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم،وخلفائه أن الحرة تحتجب، والأمة تظهر[89].
وقال ابن مفلِح رحمه الله «ت 763هـ»: «قال أحمد: ولا تبدي زينتها إلا لمن في الآية[90]، ونقل أبو طالب ظفرها عورة، فإذا خرجت فلا تُبَيِّنُ شيئا، ولا خُفَّها؛ فإنه يصف القدم، وأحبُّ إليَّ أن تجعل لكُمِّها زِرًّا عند يدها.
يتبع