فريق منتدى الدي في دي العربي
06-23-2022, 07:57 AM
دور اليهود في الحروب الصليبية .. دراسة بحثية تاريخية
سارة محمود الجعبري
مقدمة:
لقد شغلت الحروب الصليبية عدداً كبيراً من العلماء والباحثين في إسرائيل حتى أصبحت الجامعة العبرية في إسرائيل من أهم مراكز الأبحاث الصليبية في العالم؛ وإن الموقف اليهودي من الحركة الصليبية نابع من إدراكهم للوظيفة الحضارية للتاريخ كعلم فهم يدرسون تاريخ الحملات مع التركيز على الوجود اللاتيني فوق أرض فلسطين وعوامل النجاح التي حققت للصليبيين النصر ثم عوامل الفشل والإخفاق حيث هناك العديد من التشابه بين الحركتين [الصهيونية الصليبية] فكلتاهما استعماريتان[1].
فالباحثون الصهاينة الآن يولون الصليبات أشد الاهتمام فأصبحت الجامعة العبرية من أهم الجامعات التي تبحث في الصليبيات CRUSADESلاستخلاص العبر من حياتهم وخير مثال على هذا الاهتمام أن الجامعة العبرية جمعت من المصادر العربية والأجنبية الهامة والعريقة منذ الحملات ما يتعدي المليوني كتاب حتى أنهم اعتنوا بالشعر في تلك المرحلة التي عاصرت الحملات الصليبية وحتى صغار شعراء ذلك الزمان ومن أهم الباحثين اليهود المعاصرين (يهوشع برافو).
أوضاع اليهود في أوربا قبل الحملات الصليبية: عام 1066 1135م:
إذا كانت العصور الوسطى المبكرة قد شهدت ازدهار الجماعات اليهودية بسبب الدور الذى قام به اليهود في مجال التجارة والمال في المجتمع الأوروبي فقد تحول هذا المجتمع من مجتمع زراعي إلى مجتمع اقتصادي يقوم على سدِّ حاجات الاستهلاك المحلى وعلى المقايضة وأصبحت للنقود قيمة هائلة[2] وفي الفترة التي سبقت خروج أولى الحملات الصليبية إلى الشرق العربي كانت الحاجة إلى المال قد تزايدت وظهر دور اليهود وخاصة المرابين منهم وتزايدت الحاجة إلى أموالهم تحت حماية التاج وذلك في عهد الملوك النورمان [1066 1135م] وعلى حد تعبير المؤرخ "هامسون" "Haymson" كان لزاما على اليهودى الإنجليزى في العصور الوسطى إما أن يكون رأسماليا مقرضا للمال في معظم الأحيان أو الرحيل عن البلاد 2 وظهور اليهود في أوروبا وفى إنجلترا خاصةً ميزهم بالحال عن غيرهم باعتبارهم أجانب وبدلاً من الاختلاط بحرية في المجتمع الإنجليزي تجمعوا بمحض إرادتهم وليس قسراً للإقامة في أحياء خاصة بهم ولم يسمح لليهود بالمشاركة في مهام الإدارة المحلية ومنعوا من ممارسة عبادتهم مع جيرانهم في وقت واحد فقد كان يوم عبادتهم مختلفاً عن يوم المسحيين وتعتبر المدن لندن، وأكسفورد وكمبريدج من أولى المدن التي استقر بها اليهود بعد عام 1066ميلادية.
وقد امتلك اليهود بيوتا كثيرة إلا أن مدينة أكسفورد انفردت بوجود تجمع عددا أكثر من اليهود الأثرياء في قلب المدينة وامتلكوا قاعات للتعليم مثل (قاعة موسى و قاعة لومبارد Lumbards Hall) وبداية اليهود بإجماع الآراء كانت أحد نتائج الغزو النورماني وحاجة الملك وليم الفاتح للمال جعلته يجلب اليهود وأحضرهم من فرنسا من مدينة روان وأنه أحضرهم لتوطيد مركزهم وتلبية احتياجاته المالية والعسكرية ودعم أسرته، وعلى حد تعبير المؤرخ ريتشارد جرين Richard Greenقال أن وليم الفاتح وجد في استقرار اليهود الذين اتبعوه من نورماندي مصدراً جاهزاً للإيراد وتمكن هؤلاء بمقتضى الحماية الملكية من إقامة احياء يهودية Jewriesخاصة بهم وفي المدن الرئيسة في إنجلترا[3] وعمل اليهود كمرابين بصفتهم الفردية دون تكوين طبقة واتخذ العامة في إنجلترا من اليهود موضع شك باعتبارهم مجرد جماعة مهاجرة واتخذوا دائماً موقفاً معادياً وأسست الجماعة اليهودية منذ بداية الغزو النورماني بحاجة إلى حماية الملك ووضعوا تحت قانون خاص[4].
ويمكن القول أن اليهود في عهد وليم الفاتح كانوا ضمن ممتلكات الملك وأصبح وجودهم في المجتمع رهن بإرادة الملك وإنعاماً منه عليهم ولم يكن للتاجر اليهودي الحق في المثول أمام المحاكم الملكية والحي اليهودي الذي يعيش فيه مثل غابة الملك King Forestمعفى من القانون العام.
وضع اليهود في فترة الحملة الصليبية الأولى: في عهد خلفاء وليم الفاتح (1087 1100م):
ذكر المؤرخ الإنجليزي (جون السالزبورى) أن الملك وليم الثاني لم يكن متديناً على الإطلاق وأن تأثير الكنيسة عليه كان ضئيلاً وقال البعض بأنه عقيديا لا يزيد عن الكفار وذلك لأنه أعطي اليهود امتيازات كثيرة وحصل على إقطاعيات الكنيسة وإيراداتها ومناصبها الشاغرة وأعطاها لليهود وذهبت خلافاته مع الكنيسة بسبب اليهود لأبعد مدى لدرجة تجاهله الساخر والمتعمد لقوانين الكنيسة وجعل اليهود هم الذين اعتنقوا المسيحية أن يعودوا لليهودية وبذلك يمكن القول أن في عهد وليم الثاني لم يشهد اليهود أي ضغوطات سياسية أو مالية وكانت قوانين الكنيسة الرومانية المناهضة لليهود موضع التنفيذ بدءًا من القرن الثاني عشر كان اليهود لا يستطيعون الاحتفاظ بعبيد وخدم من المسيحيين ومنع اليهود من تولى الوظائف العامة وشأنهم شأن الهراطقة والوثنيين لم يكن مسموحاً لهم بتوجيه الإتهامات ضد المسيحيين، واليهود الذين يتهمون بالعودة لليهودية مرة أخرى بعد اعتناقهم المسيحية يتم حرمانهم من أطفالهم وخدمهم خشية تأثير هؤلاء بهم وتتضمن مجموعة قوانين جراتيا Decrtum Gratianiوهي عبارة عن القوانين والمراسيم والأحكام البابوية بصدد مختلف أمور نظام القانون الكنيسي والقوانين الصادرة عن المجامع الكنيسية المختلفة لذا فلقد تضمنت بعض القرارات بشأن اليهود وهي كالآتي:
• لا يجب إرغام اليهود على اعتناق المسيحية.
• لا يجب لهؤلاء الذين اهتدوا للمسيحية منهم بالتراجع عن هذا الدين.
• يجب تحرير العبيد الذين يشتريهم اليهود.
• لا يجب أن يشغل اليهود أي وظائف.
• العبيد الذين يأتون من الكفر إلى المسيحية يجب أن يحرروا.
• أن تجديف الوالدين اليهود على الله لا يجب أن يضر بالأطفال الذين يظلون على مسيحيتهم.
وليس غريباً على المستوى الكنسي في إنجلترا أن يحظى اليهود الإنجليز الذين اعتنقوا المسيحية بالترحيب والمعاملة الجيدة.
وكانت هذه أحوال اليهود الاجتماعية والدينية قبل بدء الحملات الصليبية في أوروبا وخاصة إنجلترا.. أهم تجمع لهم.
أما اليهود في الشرق العربي قبل الحملات الصليبية وخاصة الحملة الصليبية الأولى كانوا في حرية تامة ضمن أقلية دينية واقتصادية وسياسية وإذا كان اليهود في الشرق العربي يقولون أنهم ماتوا في سبيل الدفاع عن الشرق ضد الصليبين كما قال أنهم حاولوا إثارة هذه الدعاية والضجة الكبيرة حول مشكلتهم وأولى الحقائق في الشرق العربي أنهم قد تصدوا للحملات الصليبية في المنطقة العربية فهذا ادعاء كاذب فإن ذلك كان من منطق الشهادة والجهاد التي فرضت على المسلمين وحدهم ولم يكن من الممكن أن يلتحق غير المسلمين في الجيش الإسلامي إلا أن المصادر العربية قد قالت بوجود مساهمات فردية من قبل بعض المسيحيين الشرقيين في أعمال المساعدة العسكرية ضد الصليبين فإن هذه المصادر لم تذكر مثال واحد على مشاركة أي يهودي بمثل هذه المساعدات وإن يهود الشرق في هذه الفترة لم يكونوا على علم بالقتال ولم يكن يسمح للعامة بحمل السلاح أو امتلاك الخيول ويقول الرحالة اليهودي الأسباني
(بنيامين التطليتي) الذي زار المنطقة زمن نور الدين محمود (إن اليهود في هذه الفترة كانوا أكثر رقياً وأعدادهم هزيلة في المناطق الصليبية) وفي القرن الثاني عشر وبعد الغزو الصليبي للمنطقة العربية وبلاد الشام ترك اليهود مناطقهم وانتقلوا إلى كردستان والعراق حيث كان إخوانهم اليهود يتمتعون بالرخاء والغنى حيث كان لهم مركز تجاري وروحي وذلك لخوفهم الشديد من الصليبين فقد هربوا إلى سوريا والأراضي المجاورة وقد تمتع اليهود في كردستان والموصل أثناء الحكم الإسلامي بحكم شبه ذاتي تمثل بالاستقلالية التامة في شئونهم الطائفية والدينية، وإن كان لليهود دور في مواجهة الحروب الصليبية فإن البعض يقول إن السيوف الصليبية لم تفرق بين المسلمين والمسيحيين واليهود العرب في مجزرة بيت المقدس فقد كانت النظرة الصليبية الدينية تجاه الفريقين على أساس تكفر المسلمين واليهود باعتبارهم أعداء المسيح فقد منع اليهود قبل المسلمون من دخول بيت المقدس وبينما حارب المسلمون الصليبيين كان الموقف اليهودي سلبي تماماَ في حين أن اليهود في أوروبا أيضاَ قد قبلوا الاضطهاد الذي حل بهم في أوروبا ولم يفعلوا شيء سوى الانتحار الجماعي كما أن الجماعات اليهودية في فلسطين لم تملك سوى أن تسلم أمرها للصيبيين وإنما اقتصر دور اليهود في أنهم أرسلوا رسالات تحذيرية من الصليبيين لرفقاء دينهم وعلى طقوس الانتحار الجماعي وخير دليل على موقف اليهود السلبي أن الحي اليهودي في مدينة القدس كانت نقطة الضعف الذي استفاد منه الصليبيون في حصار المدينة ومنه شقوا طريقهم في دخولهم المدينة المقدسة.
وفي سياق هذا البحث يمكن القول والإشارة إلى أن الخط الفاصل في تاريخ اليهود في أوروبا المسيحية بصفة عامة جاء في منتصف القرن الحادي عشر ومع بدأ الدعوات للحملة الصليبية الأولى تم تدبير مبلغ عشرة آلاف مارك فضة لروبرت نورماندى لتمويل ذهابه إلى الحملة الصليبية الأولى هذه ولم تفرض أي ضريبة على اليهود للمساهمة في ذلك، ويأتي عهد ملوك الحقبة النورمانية أن قبل أن يشهد قيام آخر ملوك هذه الحقبة وهو هنرى الأول (1100- 1135) م لمنح أول امتياز لليهود غير معروف لمنحهم حرية التصرف في ممتلكاتهم في المملكة وإعفائهم من كل المكوس والضرائب وحقهم في طلب التعويض إذا تعرضوا للخداع وحيازة الأراضي كرهن لحين استرداد ديونهم وشراء ما يعرض عليهم فيما عدا ممتلكات الكنيسة وحق بيع الرهون والاحتفاظ بها لمدة عام ويوم؛ وبالتالي كانت الامتيازات التي حظي بها اليهود في عهد هنرى الأول قد أدت إلى تزايد أعداد اليهود ورغم ازدهار الوجود اليهودي بالمملكة وبالرغم من ذلك[5] يذكر (هامسون) أنه (بالرغم من ذلك الامتياز الذي منحه هنرى الأول لليهود إلا أن أول هجوم جاء على اليهود لم يكن من العامة)، وإنما كانَ من الملك الحامي للدستور و لليهود وانطلاقا من اعتقاده في أحقية التصرف في ممتلكاته كيفما يشاء واعتبار اليهود من ممتلكاته كما قام في عام 1130 بفرض غرامة على اليهود يهود لندن بمقدار ألفي جنيه إسترليني ما يعادل الآن مائة ألف جنيه بزعم أن يهودياَ قتل رجلا مريضا ووصل الأمر إلى حد اتهام الطبيب اليهودي بالسحر لأنه فشل في معالجة المريض المسيحي[6].
وخلف هنري الأول (الملك إستيفن- 1142م) بالرغم من أن حكم ستيفن قد عمته الفوضى والاضطرابات السياسية فقد شهد عهده استمرار الامتيازات التي منحها سلفة لليهود وبالتالي استمرار سكن اليهود في العديد من المقاطعات الشرقية والجنوبية حيث كانت أكثر الأماكن سكنا لليهود ويذكر المؤرخ جاكوب (أن حكام إنجلترا بدئوا بالفعل من الاستفادة من المال اليهودي فنجد أن الملك إستيفن وماتيدا الورثية الشرعية وصاحبة الحق الشرعي في التاج فقد أخذوا في ابتزاز الدعم المالي من يهود إكسفورد التي انفردت بوجود تجمع أكبر أثرياء اليهود في المملكة) وقيل أن الملك إستيفن حصل على مباركة الكنيسة لأنه أصدر أوامره بحرق اليهود عن طريق المحارق وإشعال النيران في بيوت اليهود.
اليهود والحملة الصليبية الأولى:
أحوالهم السياسية:
مع بدء الدعوات لخروج الحملة الصليبية الأولى نتيجة لدعوة البابا أربان الثاني في مجمع كليرمونت (1095)م عن استجابة سريعة وهائلة للنبلاء والفرسان الأوروبيين والأخبار التي روجتها الدعاية الكنيسية آنذاك جعلت الناس في غرب أوروبا يأخذون هذه الأنباء على محمل الجد وخاصة أن الأوضاع الاجتماعية آنذاك كانت سيئة وكانت في صالح الحركة الصليبية ولعب العامل الاجتماعي لليهود في تلك الفترة دوراً مهماً في الحملة الصليبية الأولى لأن اليهود عاشوا في أوروبا في مجتمعات خاصة بهم أطلق عليها الجيتو Ghittoوانعزلوا فيها وبالتالي زادت الاشتباهات والشكوك فيهم على أنهم مجتمع يتآمر على من حوله من مجتمعات مخالفة لهم في الدين والمصالح الحياتية وكان اليهود في أوروبا من اليهود السيفرديم الذين انتشر أسلافهم في حوض البحر المتوسط في العصور الوسطى الباكرة وظلوا على اتصال بإخوانهم في الدين في بيزنطة والعالم العربي وعلى سبيل المثال: كتب اليهود القاطنين في شمال فرنسا إلى اليهود في ألمانيا يحذرونهم من أخطار الحروب الصليبية لأنهم اعتقدوا أن المشروع الصليبي من شأنه هو الإضرار بنشاطهم المالي في الغرب الأوروبي والشرق العربي أيضاً.
واستكمالاً لأحوالهم السياسية في فترة الاستعداد للحملة الصليبية الأولى علامة بارزة ونقطة تحول في العلاقات المسيحية اليهودية وذلك لأن القوات الصليبية المحتشدة استعداداً للحرب ضد أعداء المسيح في الشرق العربي الإسلامي جعلوها منذ البداية مذبحة وعنف واسع النطاق ضد من أسموهم أعداء المسيح في بلادهم[7] فقد أيقن قادة الحملة الصليبية الأولى في غمرة لهيبهم وحماسهم وأمام تيار عام من الاعتقاد بأن قتل اليهودي سوف يؤدي إلى الحصول على الغفران من جميع الخطايا وللضرورة يجب أن يبدأ هدفهم المقدس بتطهير الأرض من الكفار الذين هم في متناول أيديهم مباشرة وفي عقر دارهم وإن كان المسلمون يضطهدون أتباع المسيح فإن اليهود أشد عداء ونكراً لاضطهادهم وصلبهم المسيح وفي ظل هذه الأجواء وعلى حد تعبير المؤرخ (جيسيل روت Gecil Roth):[8].
أما الدافع الثالث:
هو الدافع والعامل الاقتصادي لم يقل أهمية عن العامل الاجتماعي والسياسي بل هو من أهم العوامل التي زادت من عوامل الكراهية ضد اليهود وذلك لأن الفارس الصليبي كان في حاجة لنفقات باهظة لتجهيز نفسه للاشتراك في الحملة الصليبية فإذا لم يتوافر له من الأرض والأملاك ما يرهنه فلابد له أن يقترض المال من اليهود وكان المال هو سبب العداء وإن كان اليهود قد لعبوا منذ الحملة الصليبية الأولى دوراً في غاية الأهمية واضطر الفرسان في أوروبا إلى الاقتراض من المرابين اليهود لتسليح أنفسهم ولقد استغل اليهود ذلك شر استغلال فقد اضطر الأمراء والفرسان إلى رهن أراضيهم واستبدلوها بنقود يحملونها مما أدى إلى انخفاض أسعار المبيعات من الممتلكات العقارية والأراضي وهذا يفسر ما حدث لليهود من تصفيات جسدية وأيضاً كان الألمان لهم نفس الموقف ففي طريقهم إلى بيت المقدس أعلنوا تطهير الطريق إلى المدينة المقدسة عن طريق قتل اليهود فلقد أعلن الكونت ديتمار أنه سيقتل كل يهودي سوف يقابله، وعلى طول الطريق البري عبر ألمانيا والبلقان إلى بيزنطية والتي كانت نقطة الوثوب على العالم الإسلامي ارتكبت الجيوش الصليبية ولاسيما أن هذه الحملة كانت حملة شعبية سهلت التأثير على مسامع المشاركين فيها أن اليهود هم قتلة المسيح فارتكبت هذه الحملة المذابح ضد اليهود في إقليم اللورين والراين.
أما يهود في الشرق في هذه المرحلة فاختلفت الأقاويل عنهم فكانوا يعيشون في حرية تامة في شئونهم المالية والدينية وإن كان اليهود قد بالغوا في أنهم قد تصدوا للحملات الصليبية مع المسلمين فهو أو مشكوك فيه إلا أن وجدت بعض الجهود الفردية #1601; في عام 1100 شارك بعض اليهود من أهالي حيفا في الدفاع عنها ضد الحصار الصليبي وقام المسلمون بتزويد الجالية اليهودية بالسلاح ليقاوموا بجانبهم ضد الصليبيون ورأى اليهود أنهم من واجبهم مساندة المسلمين في نضالهم ضد الصليبيون لأن هؤلاء الصليبيون طوال زحفهم إلى الشرق مارسوا ضد اليهود أبشع أنواع القتل وشبهها اليهود بالهولوكوست وذلك يقال بأن اليهود قاموا بعمليات الانتحار الجماعي لبعض الآلاف في المدن الألمانية مثل سباير وورمز ومينز على الضفة الغربية لنهر الراين أثناء الحملة الصليبية الأولى هذه..
اليهود والحملة الصليبية الثانية II؟
لم تكن إنجلترا بعيده عن الأحداث التي شهدتها أوربا ضد اليهود ولقد تم إرسال التماس سان برناد ST.BERANDالزعيم الروحي للحملة الصليبية الثانية إلى ثائر البلدان الأوربية للحيلولة دون تكرار المذابح ضد اليهود ولكن هذه الحملة الصليبية الثانية لم تكن أقل عنفا من الحملة الأولى ضد اليهود بالرغم من المحاولات للسلطات المحليه والكنيسة حماية الضحايا ومنع الهجوم فجاء في التماس براند (لا يجب أن تضطهدوا اليهود، لا يجب أن تذبحوهم فإنهم مشتتون في جميع أنحاء الأرض وهذا ثمن العقاب العادل لجريمتهم الشنعاء) وشهد هذا العهد المضطرب ضد اليهود بداية حكم إستيفن الذي خلف حكم الملك هنري وكانت بداية إستيفن 1142م فقد ظلت في عهده الامتيازات التي منحها سلفه هنري لليهود فنجد أنه تم بناء أكثر من ألف ومائة قلعة بالطبع لا يمكن أن يكون تم ذلك دون اللجوء للمال اليهودي وذلك أن حكّام إنجلترا بدءوا بالفعل الاستفادة من اليهود المقيمين لديهم باعتبارهم مصدراً للمال مقابل الحماية والامتيازات التي منحت لهم ثم تغيرت سياسة إستيفن ضد اليهود وفرض عليهم هو وماتيدا سعرا محدداً مقابل تغير العملة الأجنبية أثناء احتلال ماتيلدا إكسفورد فقام الملك إستيفن بوضع محارق في أماكن كثيرة ومختلفة في المدينة وأن يشعلوا النار في بيوت اليهود فقد تم إحراق بيت أهارون ابن اسحق أحد أثرياء اليهود في إكسفورد[9] وكانت سياسة إستيفن قد تغيرت مع اليهود لأن اليهود قد ساعدوا ماتيلدا عدو إستيفن اللدود وتزامنت العوامل الاقتصادية لليهود مقرضوا المال بالربا مع بداية اتهاماتهم بالدم وظهرت هذه الاتهامات والمعروفة بطقوس الدم أو القتل الطقوس متزامنة مع بداية الحملة الصليبية الثانية وفحواه أن اليهود يقتلون صبيا مسيحيا في عيد الفصح سخرية واستهزاء من صلب المسيح.
ونظرا لأن عيد الفصح المسيحى واليهودي قريبان فقد تطورت التهمة وأصبح الاعتقاد بأن اليهود يستعملون دماء ضحاياهم في شعائرهم الدينية وأعيادهم وبخاصة في عيد الفصح اليهودي حيث أشيع أن خبز الفطير غير المخمر (ماتزوت) الذي يؤكل فيه يعجن بهذه الدماء وتطورت الشائعة فكان يقال أن اليهود يصفون دم ضحاياهم لأسباب طبية أو لاستخدامه في علاج الجروح الناتجة عن عملية الختان[10].
إن البيئة والمناخ السيكولوجي الذي أفرزته الحملة الصليبية الأولى باعتبار اليهود أعداء للمسيح خلق استعدادا شعبيا ينظر لليهود جميعاً باعتبارهم قتلة آثمين وبالتالي وجهت أول تهمة لليهود في إنجلترا عام 1144 م مصحوبة بمشاحنات نفسية ضد اليهود وكان أول اتهام هذا في غابة Thorpeفي نورتيش حيث تم العثور على جثة مشوهة لطفل يدعى وليم في الثامنة عشر من عمره وبالرغم أنه تم ذبحه بعد أن تم تعذيبه عشية عيد الفصح فقيل أنه تم صلب الطفل على لوح خشبي على هيئة صليب وقيّد بحبل وحلق شعره وتم طعنه بالشوك للاستهزاء بآلام المسيح وفى محاولة لوقف نزيف الدم قاموا بسكب ماء مغلي على الجثمان وقيل أن اليهود تشاوروا في كيفية التخلص من جثة هذا الفتى المقتول حيث تم نقله إلى غابة ووضعوا الطفل في جوال ولكنهم صادفوا في طريقهم شخص يسمى الوارديد وهو مواطن ثري ومهيب كان في طريقه للكنيسة ولمس الجوال وعرف أنه يحتوى على جثة وبذلك بدأت المشاكل تواجه اليهود وانفضح أمرهم بالقتل الطقوسي واتهامات الدم.
وفى فرنسا تكرر ذلك أيضاَ فيذكر روبرت تورن Rebert triongeyوهو رئيس دير القديس ميشيل في نورماندي لأحداث عام 1171م أن ثيوبالا كونت شارز أحرق جميع اليهود في بلوا Bloisبتهمة صلب طفل مسيحي في عيد القيامة وحدث ذلك أيضا في باريس عام 1180م.
أما في ألمانيا فيبدو أن قصة مقتل وليم ذلك الطفل صاحب الثانية عشر عام الذي قتل في نورتيش قد وصلت إليهم ففي أواخر عام 1147م حيث تجمعت القوات الصليبية مجتمعة في ويرزبرج Wurz burgلمرافقة الإمبراطور الألماني كونراد الثالث (1138 - 1152) استعدادا للزحف صوب الأرض المقدسة انفجر العنف المضاد لليهود ثانية في أعقاب العثور على جثة ممزقة لرجل يدعى ثيودريك واتهم اليهود بقتله فانقض الصليبيون من سكان المدينة على اليهود وقتلوا على ما يزيد من عشرين منهم وغالبا ما كان يعتبرون من يقتل في طقوس الدم من الصليبيون على يد اليهود كانوا يعتبرونه قديساً ويزعمون ظهور المعجزات عند قبورهم.
فالحملة الصليبية الثانية كانت أشد فتكاَ باليهود أكثر من الحملة الأولى وقيل أن الملك ستيفن stevenقد حصل على مباركة الكنيسة لأنه أصدر أوامر بحرق اليهود وإقامة المحارق لهم وأمر أيضاً بإشعال النيران في بيوتهم.
أما قتلى القتل الطقوسى وضحاياهم من المسيحيين فهم بمثابة الشهداء تشيد الأضرحة على قبورهم وبعد ذلك تصبح هذه الأضرحة مزارات دينية تجلب العديد من الحجاج ومنها يجلب الثراء المادير[11].
وأثرت هذه الاتهامات على اليهود سياسياً، واقتصادياً ففي نوريش جاء تأثير هذه الدعوات ضد اليهود في الوقت الذي كان اليهود يمارسون نشاطهم التجاري والمالي مما يعنى أن هناك أفراد كثيرون اقترضوا أموالاً من اليهود وأخفقوا في سدادها وأن ملكية بعض أراضيهم وربما منازلهم آلت لليهود نتيجة ذلك الأمر كان سبباً في حنق كان المدينة ضد اليهود فقد لاقى الكثير من اليهود حتفهم وفر الآخرين هرباً من مصير ممثال على يد الجموع الغاضبة[12].
أما المؤرخين اليهود فهم يرون غير ذلك وذلك لواقع التزيف التاريخي الذين برعوا فيه وأنهم مستضعفون في الأرض مشارقها ومغاربها فيقول المؤرخ اليهودي إسرائيل يوفال(Isreal J.yuvol) إن (خرافة القتل الطقوسى ظهرت في أعقاب الهجوم المسيحي على الجماعات اليهودية في أراضى الراين عام (1096 م) وعلى أيدي القوات الصليبية التي احتشدت للحملة الصليبية الأولى واختار معظم أفراد الجماعة اليهودية الموت بديلاً عن التخلي الإجباري عن عقيدتهم بالإقدام على قتل أطفالهم وزوجاتهم والانتحار بعد ذلك. وجاء ذلك تلبية لاعتقاد بين اليهود الأشكناز - يهود الغرب بأن استشهادهم سوف يعجل بقدوم المسيح وعند إذن سوف ينتصر اليهود على أعدائهم. بيد أن المسيحيين الذين شاهدوا أو سمعوا تلك الأحداث أنها تمثل تهديداً مباشراً لهم وإذا كان اليهود على استعداد لتضحية بذريتهم فلماذا لا يفعلون الشيء نفسه بالأطفال المسيحيين ويقول مؤرخ يهودي آخر إن اتهامات الدم كانت تأخذ الشكل الآتي: يختفي شخص مسيحي في العادة (طفل) أو يوجد مقتولاً فيذكر أحد الأشخاص أن هذا الطفل شوهد آخر مرة بجوار الحي اليهودي أو يعمل لدى اليهود وأن هناك عيداً يهودياً (عادة عيد الفصح) تتطلب شعائره دماً مسيحياً ومن ثم توجه لأعضاء الجماعة اليهودية تهمة قتله ويقبض على بعضهم وإدانتهم بعد ذلك ويقول المؤرخ اليهودي توماس مونماوث مخترع (وهم القتل الطقوسي) أن أكبر دليل على هذه الافتراءات أن البابا أنوسنت الرابع أصدر مرسوم عام (1245) م ومنه أن التهمة باطلة وحرم على المسيحيين توجيهاً إلى اليهود وأيضاً دافع البابا جريجورى العاشر في مرسومه الذي أصدره عام (1274 م) عن اليهود وكان سان برنالد داعي الحملة الصليبية الثانية قد نادى بوقف المجازر والمذابح ضد اليهود
يتبع
سارة محمود الجعبري
مقدمة:
لقد شغلت الحروب الصليبية عدداً كبيراً من العلماء والباحثين في إسرائيل حتى أصبحت الجامعة العبرية في إسرائيل من أهم مراكز الأبحاث الصليبية في العالم؛ وإن الموقف اليهودي من الحركة الصليبية نابع من إدراكهم للوظيفة الحضارية للتاريخ كعلم فهم يدرسون تاريخ الحملات مع التركيز على الوجود اللاتيني فوق أرض فلسطين وعوامل النجاح التي حققت للصليبيين النصر ثم عوامل الفشل والإخفاق حيث هناك العديد من التشابه بين الحركتين [الصهيونية الصليبية] فكلتاهما استعماريتان[1].
فالباحثون الصهاينة الآن يولون الصليبات أشد الاهتمام فأصبحت الجامعة العبرية من أهم الجامعات التي تبحث في الصليبيات CRUSADESلاستخلاص العبر من حياتهم وخير مثال على هذا الاهتمام أن الجامعة العبرية جمعت من المصادر العربية والأجنبية الهامة والعريقة منذ الحملات ما يتعدي المليوني كتاب حتى أنهم اعتنوا بالشعر في تلك المرحلة التي عاصرت الحملات الصليبية وحتى صغار شعراء ذلك الزمان ومن أهم الباحثين اليهود المعاصرين (يهوشع برافو).
أوضاع اليهود في أوربا قبل الحملات الصليبية: عام 1066 1135م:
إذا كانت العصور الوسطى المبكرة قد شهدت ازدهار الجماعات اليهودية بسبب الدور الذى قام به اليهود في مجال التجارة والمال في المجتمع الأوروبي فقد تحول هذا المجتمع من مجتمع زراعي إلى مجتمع اقتصادي يقوم على سدِّ حاجات الاستهلاك المحلى وعلى المقايضة وأصبحت للنقود قيمة هائلة[2] وفي الفترة التي سبقت خروج أولى الحملات الصليبية إلى الشرق العربي كانت الحاجة إلى المال قد تزايدت وظهر دور اليهود وخاصة المرابين منهم وتزايدت الحاجة إلى أموالهم تحت حماية التاج وذلك في عهد الملوك النورمان [1066 1135م] وعلى حد تعبير المؤرخ "هامسون" "Haymson" كان لزاما على اليهودى الإنجليزى في العصور الوسطى إما أن يكون رأسماليا مقرضا للمال في معظم الأحيان أو الرحيل عن البلاد 2 وظهور اليهود في أوروبا وفى إنجلترا خاصةً ميزهم بالحال عن غيرهم باعتبارهم أجانب وبدلاً من الاختلاط بحرية في المجتمع الإنجليزي تجمعوا بمحض إرادتهم وليس قسراً للإقامة في أحياء خاصة بهم ولم يسمح لليهود بالمشاركة في مهام الإدارة المحلية ومنعوا من ممارسة عبادتهم مع جيرانهم في وقت واحد فقد كان يوم عبادتهم مختلفاً عن يوم المسحيين وتعتبر المدن لندن، وأكسفورد وكمبريدج من أولى المدن التي استقر بها اليهود بعد عام 1066ميلادية.
وقد امتلك اليهود بيوتا كثيرة إلا أن مدينة أكسفورد انفردت بوجود تجمع عددا أكثر من اليهود الأثرياء في قلب المدينة وامتلكوا قاعات للتعليم مثل (قاعة موسى و قاعة لومبارد Lumbards Hall) وبداية اليهود بإجماع الآراء كانت أحد نتائج الغزو النورماني وحاجة الملك وليم الفاتح للمال جعلته يجلب اليهود وأحضرهم من فرنسا من مدينة روان وأنه أحضرهم لتوطيد مركزهم وتلبية احتياجاته المالية والعسكرية ودعم أسرته، وعلى حد تعبير المؤرخ ريتشارد جرين Richard Greenقال أن وليم الفاتح وجد في استقرار اليهود الذين اتبعوه من نورماندي مصدراً جاهزاً للإيراد وتمكن هؤلاء بمقتضى الحماية الملكية من إقامة احياء يهودية Jewriesخاصة بهم وفي المدن الرئيسة في إنجلترا[3] وعمل اليهود كمرابين بصفتهم الفردية دون تكوين طبقة واتخذ العامة في إنجلترا من اليهود موضع شك باعتبارهم مجرد جماعة مهاجرة واتخذوا دائماً موقفاً معادياً وأسست الجماعة اليهودية منذ بداية الغزو النورماني بحاجة إلى حماية الملك ووضعوا تحت قانون خاص[4].
ويمكن القول أن اليهود في عهد وليم الفاتح كانوا ضمن ممتلكات الملك وأصبح وجودهم في المجتمع رهن بإرادة الملك وإنعاماً منه عليهم ولم يكن للتاجر اليهودي الحق في المثول أمام المحاكم الملكية والحي اليهودي الذي يعيش فيه مثل غابة الملك King Forestمعفى من القانون العام.
وضع اليهود في فترة الحملة الصليبية الأولى: في عهد خلفاء وليم الفاتح (1087 1100م):
ذكر المؤرخ الإنجليزي (جون السالزبورى) أن الملك وليم الثاني لم يكن متديناً على الإطلاق وأن تأثير الكنيسة عليه كان ضئيلاً وقال البعض بأنه عقيديا لا يزيد عن الكفار وذلك لأنه أعطي اليهود امتيازات كثيرة وحصل على إقطاعيات الكنيسة وإيراداتها ومناصبها الشاغرة وأعطاها لليهود وذهبت خلافاته مع الكنيسة بسبب اليهود لأبعد مدى لدرجة تجاهله الساخر والمتعمد لقوانين الكنيسة وجعل اليهود هم الذين اعتنقوا المسيحية أن يعودوا لليهودية وبذلك يمكن القول أن في عهد وليم الثاني لم يشهد اليهود أي ضغوطات سياسية أو مالية وكانت قوانين الكنيسة الرومانية المناهضة لليهود موضع التنفيذ بدءًا من القرن الثاني عشر كان اليهود لا يستطيعون الاحتفاظ بعبيد وخدم من المسيحيين ومنع اليهود من تولى الوظائف العامة وشأنهم شأن الهراطقة والوثنيين لم يكن مسموحاً لهم بتوجيه الإتهامات ضد المسيحيين، واليهود الذين يتهمون بالعودة لليهودية مرة أخرى بعد اعتناقهم المسيحية يتم حرمانهم من أطفالهم وخدمهم خشية تأثير هؤلاء بهم وتتضمن مجموعة قوانين جراتيا Decrtum Gratianiوهي عبارة عن القوانين والمراسيم والأحكام البابوية بصدد مختلف أمور نظام القانون الكنيسي والقوانين الصادرة عن المجامع الكنيسية المختلفة لذا فلقد تضمنت بعض القرارات بشأن اليهود وهي كالآتي:
• لا يجب إرغام اليهود على اعتناق المسيحية.
• لا يجب لهؤلاء الذين اهتدوا للمسيحية منهم بالتراجع عن هذا الدين.
• يجب تحرير العبيد الذين يشتريهم اليهود.
• لا يجب أن يشغل اليهود أي وظائف.
• العبيد الذين يأتون من الكفر إلى المسيحية يجب أن يحرروا.
• أن تجديف الوالدين اليهود على الله لا يجب أن يضر بالأطفال الذين يظلون على مسيحيتهم.
وليس غريباً على المستوى الكنسي في إنجلترا أن يحظى اليهود الإنجليز الذين اعتنقوا المسيحية بالترحيب والمعاملة الجيدة.
وكانت هذه أحوال اليهود الاجتماعية والدينية قبل بدء الحملات الصليبية في أوروبا وخاصة إنجلترا.. أهم تجمع لهم.
أما اليهود في الشرق العربي قبل الحملات الصليبية وخاصة الحملة الصليبية الأولى كانوا في حرية تامة ضمن أقلية دينية واقتصادية وسياسية وإذا كان اليهود في الشرق العربي يقولون أنهم ماتوا في سبيل الدفاع عن الشرق ضد الصليبين كما قال أنهم حاولوا إثارة هذه الدعاية والضجة الكبيرة حول مشكلتهم وأولى الحقائق في الشرق العربي أنهم قد تصدوا للحملات الصليبية في المنطقة العربية فهذا ادعاء كاذب فإن ذلك كان من منطق الشهادة والجهاد التي فرضت على المسلمين وحدهم ولم يكن من الممكن أن يلتحق غير المسلمين في الجيش الإسلامي إلا أن المصادر العربية قد قالت بوجود مساهمات فردية من قبل بعض المسيحيين الشرقيين في أعمال المساعدة العسكرية ضد الصليبين فإن هذه المصادر لم تذكر مثال واحد على مشاركة أي يهودي بمثل هذه المساعدات وإن يهود الشرق في هذه الفترة لم يكونوا على علم بالقتال ولم يكن يسمح للعامة بحمل السلاح أو امتلاك الخيول ويقول الرحالة اليهودي الأسباني
(بنيامين التطليتي) الذي زار المنطقة زمن نور الدين محمود (إن اليهود في هذه الفترة كانوا أكثر رقياً وأعدادهم هزيلة في المناطق الصليبية) وفي القرن الثاني عشر وبعد الغزو الصليبي للمنطقة العربية وبلاد الشام ترك اليهود مناطقهم وانتقلوا إلى كردستان والعراق حيث كان إخوانهم اليهود يتمتعون بالرخاء والغنى حيث كان لهم مركز تجاري وروحي وذلك لخوفهم الشديد من الصليبين فقد هربوا إلى سوريا والأراضي المجاورة وقد تمتع اليهود في كردستان والموصل أثناء الحكم الإسلامي بحكم شبه ذاتي تمثل بالاستقلالية التامة في شئونهم الطائفية والدينية، وإن كان لليهود دور في مواجهة الحروب الصليبية فإن البعض يقول إن السيوف الصليبية لم تفرق بين المسلمين والمسيحيين واليهود العرب في مجزرة بيت المقدس فقد كانت النظرة الصليبية الدينية تجاه الفريقين على أساس تكفر المسلمين واليهود باعتبارهم أعداء المسيح فقد منع اليهود قبل المسلمون من دخول بيت المقدس وبينما حارب المسلمون الصليبيين كان الموقف اليهودي سلبي تماماَ في حين أن اليهود في أوروبا أيضاَ قد قبلوا الاضطهاد الذي حل بهم في أوروبا ولم يفعلوا شيء سوى الانتحار الجماعي كما أن الجماعات اليهودية في فلسطين لم تملك سوى أن تسلم أمرها للصيبيين وإنما اقتصر دور اليهود في أنهم أرسلوا رسالات تحذيرية من الصليبيين لرفقاء دينهم وعلى طقوس الانتحار الجماعي وخير دليل على موقف اليهود السلبي أن الحي اليهودي في مدينة القدس كانت نقطة الضعف الذي استفاد منه الصليبيون في حصار المدينة ومنه شقوا طريقهم في دخولهم المدينة المقدسة.
وفي سياق هذا البحث يمكن القول والإشارة إلى أن الخط الفاصل في تاريخ اليهود في أوروبا المسيحية بصفة عامة جاء في منتصف القرن الحادي عشر ومع بدأ الدعوات للحملة الصليبية الأولى تم تدبير مبلغ عشرة آلاف مارك فضة لروبرت نورماندى لتمويل ذهابه إلى الحملة الصليبية الأولى هذه ولم تفرض أي ضريبة على اليهود للمساهمة في ذلك، ويأتي عهد ملوك الحقبة النورمانية أن قبل أن يشهد قيام آخر ملوك هذه الحقبة وهو هنرى الأول (1100- 1135) م لمنح أول امتياز لليهود غير معروف لمنحهم حرية التصرف في ممتلكاتهم في المملكة وإعفائهم من كل المكوس والضرائب وحقهم في طلب التعويض إذا تعرضوا للخداع وحيازة الأراضي كرهن لحين استرداد ديونهم وشراء ما يعرض عليهم فيما عدا ممتلكات الكنيسة وحق بيع الرهون والاحتفاظ بها لمدة عام ويوم؛ وبالتالي كانت الامتيازات التي حظي بها اليهود في عهد هنرى الأول قد أدت إلى تزايد أعداد اليهود ورغم ازدهار الوجود اليهودي بالمملكة وبالرغم من ذلك[5] يذكر (هامسون) أنه (بالرغم من ذلك الامتياز الذي منحه هنرى الأول لليهود إلا أن أول هجوم جاء على اليهود لم يكن من العامة)، وإنما كانَ من الملك الحامي للدستور و لليهود وانطلاقا من اعتقاده في أحقية التصرف في ممتلكاته كيفما يشاء واعتبار اليهود من ممتلكاته كما قام في عام 1130 بفرض غرامة على اليهود يهود لندن بمقدار ألفي جنيه إسترليني ما يعادل الآن مائة ألف جنيه بزعم أن يهودياَ قتل رجلا مريضا ووصل الأمر إلى حد اتهام الطبيب اليهودي بالسحر لأنه فشل في معالجة المريض المسيحي[6].
وخلف هنري الأول (الملك إستيفن- 1142م) بالرغم من أن حكم ستيفن قد عمته الفوضى والاضطرابات السياسية فقد شهد عهده استمرار الامتيازات التي منحها سلفة لليهود وبالتالي استمرار سكن اليهود في العديد من المقاطعات الشرقية والجنوبية حيث كانت أكثر الأماكن سكنا لليهود ويذكر المؤرخ جاكوب (أن حكام إنجلترا بدئوا بالفعل من الاستفادة من المال اليهودي فنجد أن الملك إستيفن وماتيدا الورثية الشرعية وصاحبة الحق الشرعي في التاج فقد أخذوا في ابتزاز الدعم المالي من يهود إكسفورد التي انفردت بوجود تجمع أكبر أثرياء اليهود في المملكة) وقيل أن الملك إستيفن حصل على مباركة الكنيسة لأنه أصدر أوامره بحرق اليهود عن طريق المحارق وإشعال النيران في بيوت اليهود.
اليهود والحملة الصليبية الأولى:
أحوالهم السياسية:
مع بدء الدعوات لخروج الحملة الصليبية الأولى نتيجة لدعوة البابا أربان الثاني في مجمع كليرمونت (1095)م عن استجابة سريعة وهائلة للنبلاء والفرسان الأوروبيين والأخبار التي روجتها الدعاية الكنيسية آنذاك جعلت الناس في غرب أوروبا يأخذون هذه الأنباء على محمل الجد وخاصة أن الأوضاع الاجتماعية آنذاك كانت سيئة وكانت في صالح الحركة الصليبية ولعب العامل الاجتماعي لليهود في تلك الفترة دوراً مهماً في الحملة الصليبية الأولى لأن اليهود عاشوا في أوروبا في مجتمعات خاصة بهم أطلق عليها الجيتو Ghittoوانعزلوا فيها وبالتالي زادت الاشتباهات والشكوك فيهم على أنهم مجتمع يتآمر على من حوله من مجتمعات مخالفة لهم في الدين والمصالح الحياتية وكان اليهود في أوروبا من اليهود السيفرديم الذين انتشر أسلافهم في حوض البحر المتوسط في العصور الوسطى الباكرة وظلوا على اتصال بإخوانهم في الدين في بيزنطة والعالم العربي وعلى سبيل المثال: كتب اليهود القاطنين في شمال فرنسا إلى اليهود في ألمانيا يحذرونهم من أخطار الحروب الصليبية لأنهم اعتقدوا أن المشروع الصليبي من شأنه هو الإضرار بنشاطهم المالي في الغرب الأوروبي والشرق العربي أيضاً.
واستكمالاً لأحوالهم السياسية في فترة الاستعداد للحملة الصليبية الأولى علامة بارزة ونقطة تحول في العلاقات المسيحية اليهودية وذلك لأن القوات الصليبية المحتشدة استعداداً للحرب ضد أعداء المسيح في الشرق العربي الإسلامي جعلوها منذ البداية مذبحة وعنف واسع النطاق ضد من أسموهم أعداء المسيح في بلادهم[7] فقد أيقن قادة الحملة الصليبية الأولى في غمرة لهيبهم وحماسهم وأمام تيار عام من الاعتقاد بأن قتل اليهودي سوف يؤدي إلى الحصول على الغفران من جميع الخطايا وللضرورة يجب أن يبدأ هدفهم المقدس بتطهير الأرض من الكفار الذين هم في متناول أيديهم مباشرة وفي عقر دارهم وإن كان المسلمون يضطهدون أتباع المسيح فإن اليهود أشد عداء ونكراً لاضطهادهم وصلبهم المسيح وفي ظل هذه الأجواء وعلى حد تعبير المؤرخ (جيسيل روت Gecil Roth):[8].
أما الدافع الثالث:
هو الدافع والعامل الاقتصادي لم يقل أهمية عن العامل الاجتماعي والسياسي بل هو من أهم العوامل التي زادت من عوامل الكراهية ضد اليهود وذلك لأن الفارس الصليبي كان في حاجة لنفقات باهظة لتجهيز نفسه للاشتراك في الحملة الصليبية فإذا لم يتوافر له من الأرض والأملاك ما يرهنه فلابد له أن يقترض المال من اليهود وكان المال هو سبب العداء وإن كان اليهود قد لعبوا منذ الحملة الصليبية الأولى دوراً في غاية الأهمية واضطر الفرسان في أوروبا إلى الاقتراض من المرابين اليهود لتسليح أنفسهم ولقد استغل اليهود ذلك شر استغلال فقد اضطر الأمراء والفرسان إلى رهن أراضيهم واستبدلوها بنقود يحملونها مما أدى إلى انخفاض أسعار المبيعات من الممتلكات العقارية والأراضي وهذا يفسر ما حدث لليهود من تصفيات جسدية وأيضاً كان الألمان لهم نفس الموقف ففي طريقهم إلى بيت المقدس أعلنوا تطهير الطريق إلى المدينة المقدسة عن طريق قتل اليهود فلقد أعلن الكونت ديتمار أنه سيقتل كل يهودي سوف يقابله، وعلى طول الطريق البري عبر ألمانيا والبلقان إلى بيزنطية والتي كانت نقطة الوثوب على العالم الإسلامي ارتكبت الجيوش الصليبية ولاسيما أن هذه الحملة كانت حملة شعبية سهلت التأثير على مسامع المشاركين فيها أن اليهود هم قتلة المسيح فارتكبت هذه الحملة المذابح ضد اليهود في إقليم اللورين والراين.
أما يهود في الشرق في هذه المرحلة فاختلفت الأقاويل عنهم فكانوا يعيشون في حرية تامة في شئونهم المالية والدينية وإن كان اليهود قد بالغوا في أنهم قد تصدوا للحملات الصليبية مع المسلمين فهو أو مشكوك فيه إلا أن وجدت بعض الجهود الفردية #1601; في عام 1100 شارك بعض اليهود من أهالي حيفا في الدفاع عنها ضد الحصار الصليبي وقام المسلمون بتزويد الجالية اليهودية بالسلاح ليقاوموا بجانبهم ضد الصليبيون ورأى اليهود أنهم من واجبهم مساندة المسلمين في نضالهم ضد الصليبيون لأن هؤلاء الصليبيون طوال زحفهم إلى الشرق مارسوا ضد اليهود أبشع أنواع القتل وشبهها اليهود بالهولوكوست وذلك يقال بأن اليهود قاموا بعمليات الانتحار الجماعي لبعض الآلاف في المدن الألمانية مثل سباير وورمز ومينز على الضفة الغربية لنهر الراين أثناء الحملة الصليبية الأولى هذه..
اليهود والحملة الصليبية الثانية II؟
لم تكن إنجلترا بعيده عن الأحداث التي شهدتها أوربا ضد اليهود ولقد تم إرسال التماس سان برناد ST.BERANDالزعيم الروحي للحملة الصليبية الثانية إلى ثائر البلدان الأوربية للحيلولة دون تكرار المذابح ضد اليهود ولكن هذه الحملة الصليبية الثانية لم تكن أقل عنفا من الحملة الأولى ضد اليهود بالرغم من المحاولات للسلطات المحليه والكنيسة حماية الضحايا ومنع الهجوم فجاء في التماس براند (لا يجب أن تضطهدوا اليهود، لا يجب أن تذبحوهم فإنهم مشتتون في جميع أنحاء الأرض وهذا ثمن العقاب العادل لجريمتهم الشنعاء) وشهد هذا العهد المضطرب ضد اليهود بداية حكم إستيفن الذي خلف حكم الملك هنري وكانت بداية إستيفن 1142م فقد ظلت في عهده الامتيازات التي منحها سلفه هنري لليهود فنجد أنه تم بناء أكثر من ألف ومائة قلعة بالطبع لا يمكن أن يكون تم ذلك دون اللجوء للمال اليهودي وذلك أن حكّام إنجلترا بدءوا بالفعل الاستفادة من اليهود المقيمين لديهم باعتبارهم مصدراً للمال مقابل الحماية والامتيازات التي منحت لهم ثم تغيرت سياسة إستيفن ضد اليهود وفرض عليهم هو وماتيدا سعرا محدداً مقابل تغير العملة الأجنبية أثناء احتلال ماتيلدا إكسفورد فقام الملك إستيفن بوضع محارق في أماكن كثيرة ومختلفة في المدينة وأن يشعلوا النار في بيوت اليهود فقد تم إحراق بيت أهارون ابن اسحق أحد أثرياء اليهود في إكسفورد[9] وكانت سياسة إستيفن قد تغيرت مع اليهود لأن اليهود قد ساعدوا ماتيلدا عدو إستيفن اللدود وتزامنت العوامل الاقتصادية لليهود مقرضوا المال بالربا مع بداية اتهاماتهم بالدم وظهرت هذه الاتهامات والمعروفة بطقوس الدم أو القتل الطقوس متزامنة مع بداية الحملة الصليبية الثانية وفحواه أن اليهود يقتلون صبيا مسيحيا في عيد الفصح سخرية واستهزاء من صلب المسيح.
ونظرا لأن عيد الفصح المسيحى واليهودي قريبان فقد تطورت التهمة وأصبح الاعتقاد بأن اليهود يستعملون دماء ضحاياهم في شعائرهم الدينية وأعيادهم وبخاصة في عيد الفصح اليهودي حيث أشيع أن خبز الفطير غير المخمر (ماتزوت) الذي يؤكل فيه يعجن بهذه الدماء وتطورت الشائعة فكان يقال أن اليهود يصفون دم ضحاياهم لأسباب طبية أو لاستخدامه في علاج الجروح الناتجة عن عملية الختان[10].
إن البيئة والمناخ السيكولوجي الذي أفرزته الحملة الصليبية الأولى باعتبار اليهود أعداء للمسيح خلق استعدادا شعبيا ينظر لليهود جميعاً باعتبارهم قتلة آثمين وبالتالي وجهت أول تهمة لليهود في إنجلترا عام 1144 م مصحوبة بمشاحنات نفسية ضد اليهود وكان أول اتهام هذا في غابة Thorpeفي نورتيش حيث تم العثور على جثة مشوهة لطفل يدعى وليم في الثامنة عشر من عمره وبالرغم أنه تم ذبحه بعد أن تم تعذيبه عشية عيد الفصح فقيل أنه تم صلب الطفل على لوح خشبي على هيئة صليب وقيّد بحبل وحلق شعره وتم طعنه بالشوك للاستهزاء بآلام المسيح وفى محاولة لوقف نزيف الدم قاموا بسكب ماء مغلي على الجثمان وقيل أن اليهود تشاوروا في كيفية التخلص من جثة هذا الفتى المقتول حيث تم نقله إلى غابة ووضعوا الطفل في جوال ولكنهم صادفوا في طريقهم شخص يسمى الوارديد وهو مواطن ثري ومهيب كان في طريقه للكنيسة ولمس الجوال وعرف أنه يحتوى على جثة وبذلك بدأت المشاكل تواجه اليهود وانفضح أمرهم بالقتل الطقوسي واتهامات الدم.
وفى فرنسا تكرر ذلك أيضاَ فيذكر روبرت تورن Rebert triongeyوهو رئيس دير القديس ميشيل في نورماندي لأحداث عام 1171م أن ثيوبالا كونت شارز أحرق جميع اليهود في بلوا Bloisبتهمة صلب طفل مسيحي في عيد القيامة وحدث ذلك أيضا في باريس عام 1180م.
أما في ألمانيا فيبدو أن قصة مقتل وليم ذلك الطفل صاحب الثانية عشر عام الذي قتل في نورتيش قد وصلت إليهم ففي أواخر عام 1147م حيث تجمعت القوات الصليبية مجتمعة في ويرزبرج Wurz burgلمرافقة الإمبراطور الألماني كونراد الثالث (1138 - 1152) استعدادا للزحف صوب الأرض المقدسة انفجر العنف المضاد لليهود ثانية في أعقاب العثور على جثة ممزقة لرجل يدعى ثيودريك واتهم اليهود بقتله فانقض الصليبيون من سكان المدينة على اليهود وقتلوا على ما يزيد من عشرين منهم وغالبا ما كان يعتبرون من يقتل في طقوس الدم من الصليبيون على يد اليهود كانوا يعتبرونه قديساً ويزعمون ظهور المعجزات عند قبورهم.
فالحملة الصليبية الثانية كانت أشد فتكاَ باليهود أكثر من الحملة الأولى وقيل أن الملك ستيفن stevenقد حصل على مباركة الكنيسة لأنه أصدر أوامر بحرق اليهود وإقامة المحارق لهم وأمر أيضاً بإشعال النيران في بيوتهم.
أما قتلى القتل الطقوسى وضحاياهم من المسيحيين فهم بمثابة الشهداء تشيد الأضرحة على قبورهم وبعد ذلك تصبح هذه الأضرحة مزارات دينية تجلب العديد من الحجاج ومنها يجلب الثراء المادير[11].
وأثرت هذه الاتهامات على اليهود سياسياً، واقتصادياً ففي نوريش جاء تأثير هذه الدعوات ضد اليهود في الوقت الذي كان اليهود يمارسون نشاطهم التجاري والمالي مما يعنى أن هناك أفراد كثيرون اقترضوا أموالاً من اليهود وأخفقوا في سدادها وأن ملكية بعض أراضيهم وربما منازلهم آلت لليهود نتيجة ذلك الأمر كان سبباً في حنق كان المدينة ضد اليهود فقد لاقى الكثير من اليهود حتفهم وفر الآخرين هرباً من مصير ممثال على يد الجموع الغاضبة[12].
أما المؤرخين اليهود فهم يرون غير ذلك وذلك لواقع التزيف التاريخي الذين برعوا فيه وأنهم مستضعفون في الأرض مشارقها ومغاربها فيقول المؤرخ اليهودي إسرائيل يوفال(Isreal J.yuvol) إن (خرافة القتل الطقوسى ظهرت في أعقاب الهجوم المسيحي على الجماعات اليهودية في أراضى الراين عام (1096 م) وعلى أيدي القوات الصليبية التي احتشدت للحملة الصليبية الأولى واختار معظم أفراد الجماعة اليهودية الموت بديلاً عن التخلي الإجباري عن عقيدتهم بالإقدام على قتل أطفالهم وزوجاتهم والانتحار بعد ذلك. وجاء ذلك تلبية لاعتقاد بين اليهود الأشكناز - يهود الغرب بأن استشهادهم سوف يعجل بقدوم المسيح وعند إذن سوف ينتصر اليهود على أعدائهم. بيد أن المسيحيين الذين شاهدوا أو سمعوا تلك الأحداث أنها تمثل تهديداً مباشراً لهم وإذا كان اليهود على استعداد لتضحية بذريتهم فلماذا لا يفعلون الشيء نفسه بالأطفال المسيحيين ويقول مؤرخ يهودي آخر إن اتهامات الدم كانت تأخذ الشكل الآتي: يختفي شخص مسيحي في العادة (طفل) أو يوجد مقتولاً فيذكر أحد الأشخاص أن هذا الطفل شوهد آخر مرة بجوار الحي اليهودي أو يعمل لدى اليهود وأن هناك عيداً يهودياً (عادة عيد الفصح) تتطلب شعائره دماً مسيحياً ومن ثم توجه لأعضاء الجماعة اليهودية تهمة قتله ويقبض على بعضهم وإدانتهم بعد ذلك ويقول المؤرخ اليهودي توماس مونماوث مخترع (وهم القتل الطقوسي) أن أكبر دليل على هذه الافتراءات أن البابا أنوسنت الرابع أصدر مرسوم عام (1245) م ومنه أن التهمة باطلة وحرم على المسيحيين توجيهاً إلى اليهود وأيضاً دافع البابا جريجورى العاشر في مرسومه الذي أصدره عام (1274 م) عن اليهود وكان سان برنالد داعي الحملة الصليبية الثانية قد نادى بوقف المجازر والمذابح ضد اليهود
يتبع