فريق منتدى الدي في دي العربي
06-23-2022, 01:00 PM
عبد الله بن سلام رضي الله عنه
أبو عاصم البركاتي المصري
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله؛ أما بعد:
فهذا جمع لطيف في ترجمة الصحابي الجليل، الحَبْرِ العالم؛ عبدالله بن سَلَام، رضي الله عنه، فأستعين بالله وأقول:
اسمه ونسبه:
عبدالله بن سلام بن الحارث، وكنيته: أبو يوسف، وقيل أبو الحارث[1]، من ذريـة يوسف الصديق بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
وكان من يهود بني قينقاع؛ وكان حبرًا من أحبار يهود، وعالمًا من علمائهم، لديه علم بالتوراة.
كان اسمه "الحصين"، فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه "عبدالله".
إسلامه:
أسلم رضي الله عنه بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة.
ففي الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو تابعني عشرة من اليهود، لم يبقَ على ظهرها يهودي إلا أسلم)).
قصة إسلامه:
أخرج الترمذي وابن ماجه من حديث عبدالله بن سلام رضي الله عنه أنه قال: ((لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قِبله، وقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثلاثًا، فجئت في الناس؛ لأنظر، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام)).
وأخرج أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه عن أنس رضي الله عنه: ((أن عبدالله بن سلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة، فقال: يا رسول الله، إني سائلك عن ثلاث خصال، لا يعلمهن إلا نبي، قال: سَلْ، قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول ما يأكل منه أهل الجنة؟ ومن أين يشبه الولد أباه وأمه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني بهن جبريل عليه السلام آنفًا، قال: ذلك عدو اليهود من الملائكة، قال: أما أول أشراط الساعة، فنار تخرج من المشرق فتحشر الناس إلى المغرب، وأما أول ما يأكل منه أهل الجنة، زيادة كبد حوت، وأما شبه الولد أباه وأمه، فإذا سبق ماءُ الرجل ماءَ المرأة، نزع إليه الولد، وإذا سبق ماءُ المرأة ماءَ الرجل، نزع إليها، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وقال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي يبهتوني عندك، فأرسل إليهم، فاسألهم عني: أي رجل ابن سلام فيكم؟ قال: فأرسل إليهم، فقال: أي رجل عبدالله بن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وعالمنا وابن عالمنا، وأفقهنا وابن أفقهنا، قال: أرأيتم إن أسلم تسلمون؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك، قال: فخرج ابن سلام، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، قالوا: شرنا وابن شرنا، وجاهلنا وابن جاهلنا، فقال ابن سلام: هذا الذي كنت أتخوف منهم)).
وأخرج القصة كذلك الإمام أحمد في المسند (23984)، وابن حبان في صحيحه (2106 موارد)، عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: ((انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيدهم، وكرهوا دخولنا عليهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر اليهود، أروني اثنى عشر رجلًا يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، يحبط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضبَ الذي غضب عليه، قال: فأمسكوا وما أجابه منهم أحد، ثم رد عليهم، فلم يجبه أحد، ثم ثلَّث، فلم يجبه أحد، فقال: أبيتم؛ فوالله إني لأنا الحاشر، وأنا العاقِب، وأنا المقفى، آمنتم أو كذبتم، ثم انصرف وأنا معه، حتى دنا أن يخرج، فإذا رجل من خلفنا يقول: كما أنت يا محمد، قال: فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا: ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك، ولا من أبيك من قبلك، ولا من جدك قبل أبيك، قال: فإني أشهد له بالله أنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة، قالوا: كذبت ثم ردوا عليه وقالوا له شرًّا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتم لن يقبل قولكم، أما آنفًا فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، وأما إذا آمن كذبتموه، وقلتم ما قلتم، فلن يقبل قولكم، قال: فخرجنا ونحن ثلاثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وعبدالله بن سلام؛ فأنزل الله فيه: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ ﴾ [الأحقاف: 10].
قلت: ولعل هذه القصة كانت في مرة أخرى بعد إسلامه أولًا رضي الله عنه.
وساق ابن إسحاق في السيرة قصة إسلام عبدالله بن سلام بسياق أطول فقال: ((وكان من حديث عبدالله بن سلام، كما حدثني بعض أهله عنه وعن إسلامه حين أسلم، وكان حبرًا عالمًا من علماء اليهود، قال: لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت صفته واسمه وزمانه الذي كنا نتوكف له – أي: نترقب - فكنت مُسرًّا لذلك صامتًا عليه، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلما نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، أقبل رجل حتى أخبر بقدومه وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمتي خالدة ابنة الحارث تحتي جالسة، فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت، فقالت لي عمتي حين سمعت تكبيري: خيبك الله، والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادمًا ما زدت، قال: فقلت لها: أي عمة، هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه، بُعث بما بُعث به، قال: فقالت: أي ابن أخي، أهو النبي الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة؟ قال: فقلت لها: نعم، قال: فقالت: فذاك إذًا، قال: ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، ثم رجعت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا، قال: وكتمت إسلامي من يهود، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله، إن يهود قوم بهت، وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك وتغيبني عنهم – أي: تسترني - ثم تسألهم عني حتى يخبروك كيف أنا فيهم، قبل أن يعلموا إسلامي، فإنهم إن علموا به بهتوني وعابوني، قال: فأدخلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض بيوته، ودخلوا عليه، فكلموه وسألوه، ثم قال لهم: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا، وحبرنا وعالمنا، قال: فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم، فقلت لهم: يا معشر يهود، اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة باسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله، وأومن به، وأصدقه وأعرفه، فقالوا: كذبت، ثم وقعوا بي، فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بهت، أهل غدر وكذب وفجور؟ قال: وأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي، وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث فحسن إسلامها))؛ [السيرة النبوية لابن هشام (1/ 516)].
وأخرج الطبراني في "المعجم الكبير" (14/ 322) رقم (14955) بسنده عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبدالله بن سلام، عن أبيه: ((أن عبدالله بن سلام قال لأحبار اليهود: إني أحدث بمسجد أبينا إبراهيم وإسماعيل عهدًا، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، فوافاهم وقد انصرفوا من الحج، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنًى، والناس حوله، فقام مع الناس، فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنت عبدالله بن سلام؟ قال: قلت: نعم، قال: ادْنُ، فدنوت منه، قال: أنشدك بالله يا عبدالله بن سلام، أما تجدني في التوراة رسول الله؟ فقلت له: انعت ربنا، قال: فجاء جبريل عليه السلام حتى وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4]، فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، ثم انصرف ابن سلام إلى المدينة، فكتم إسلامه[2].
عداء اليهود لجبريل عليه السلام:
أخرج البخاري في صحيحه عن أنس، قال: ((سمع عبدالله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني سائلك عن ثلاث، لا يعلمهن إلا نبي، فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفًا، قال: جبريل، قال: نعم، قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة؛ فقرأ هذه الآية: ﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ ﴾ [البقرة: 97]، أما أول أشراط الساعة، فنارٌ تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام أهل الجنة، فزيادة كبد حوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة، نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أي رجل عبدالله فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال: أرأيتم إن أسلم عبدالله بن سلام؟ فقالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبدالله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا، وانتقصوه، قال: فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله)).
وصية معاذ بن جبل رضي الله عنه:
روى أحمد والترمذي عن يزيد بن عميرة، قال: ((لما حضر معاذ بن جبل الموت، قيل له: يا أبا عبدالرحمن، أوصنا، قال: أجلسوني، فقال: إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما، يقول ثلاث مرات، فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبدالله بن مسعود، وعند عبدالله بن سلام الذي كان يهوديًّا، ثم أسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة))؛ [قال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح غريب].
علمه بالتوراة:
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما: ((أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلًا منهم وامرأةً زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبدالله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبدالله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجما، قال عبدالله: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة)).
تمسكه بالعروة الوثقى:
أخرج مسلم برقم (461) من حديث عبدالله بن سلام أنه قال: ((بينما أنا نائم إذ أتاني رجل فقال لي: قم، فأخذ بيدي فانطلقت معه، قال: فإذا أنا بجواد عن شمالي، قال: فأخذت لآخذ فيها، فقال لي: لا تأخذ فيها، فإنها طرق أصحاب الشمال، قال: فإذا جواد منهج على يميني، فقال لي: خذ ها هنا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه، فقال: أما الطرق التي رأيت عن يسارك، فهي طرق أصحاب الشمال، وأما الطرق التي رأيت عن يمينك، فهي طرق أصحاب اليمين)).
عبدالله بن سلام رضي الله عنه من أهل الجنة:
أخرج أحمد في "المسند" (22104)، والترمذي (3804) عن يزيد بن عميرة قال: ((لما حضر معاذ بن جبل الموتُ، قيل له: يا أبا عبدالرحمن، أوصِنا، قال: أجلسوني، فقال: إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما، يقول ثلاث مرات، فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبدالله بن مسعود، وعند عبدالله بن سلام الذي كان يهوديًّا، ثم أسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة)).
الآيات التي نزلت في عبدالله بن سلام:
الآية الأولى: ﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 113]:
ورد في "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 385) في قوله تعالى: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ [آل عمران: 113].
قال ابن وهب: قال مالك: يعني: قائمةً بالحق، يريد قولًا وفعلًا؛ فيعود الكلام إلى الآية المتقدمة: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾ [آل عمران: 104].
وقد اتفق المفسرون أنها نزلت فيمن أسلم من أهل الكتاب، وعليه يدل ظاهر القرآن؛ ومفتتح الكلام نفي المساواة بين من أسلم منهم وبين من بقي منهم على الكفر، إلا أنه روي عن ابن مسعود أن معناه نفي المساواة بين أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد روي عن ابن عباس أنها نزلت في عبدالله بن سلام ومن أسلم معه من أهل الكتاب؛ [انتهى].
وقوله تعالى: ﴿ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ ﴾ [المائدة: 44]:
وقوله تعالى: ﴿ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ ﴾ [المائدة: 44]، قال أبو هريرة وغيره: ومحمد منهم، يحكمون بما فيها من الحق، وكذلك قال الحسن، وهو الذي يقتضيه ظاهر اللفظ ومطلقه في قوله: ﴿ النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ ﴾ [المائدة: 44]، آخرهم عبدالله بن سلام؛ [انتهى من أحكام القرآن لابن العربي (2/ 127)].
قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43].
قوله تعالى: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43].
قال ابن العربي في "أحكام القرآن" (3/ 85): اختلف فيمن عنده علم الكتاب بعد ذكر قول مجاهد على أربعة أقوال:
الأول: أن المراد به مَن آمن مِن اليهود والنصارى.
الثاني: أنه عبدالله بن سلام.
الثالث: أنه علي بن أبي طالب، وقد قرئ: "ومِن عنده عَلم" بخفض الميم من "من"، ورفع العين من "علم".
وقرئ بخفض الميم من "مِن" وباقيه على المشهور.
الرابع: المؤمنون كلهم.
المسألة الثالثة: في تدبر ما مضى: أما من قال إنهم الذين آمنوا من اليهود، كابن سلام، وابن يامين.
ومن النصارى، كسلمان، وتميم الداري، فإن المعنى عنده بالكتاب التوراة والإنجيل.
قوله تعالى: ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ﴾ [الأحقاف: 10].
أخرج الترمذي بسنده عن عبدالملك بن عمير، عن ابن أخي عبدالله بن سلام، قال: إنه لما أُريد قتل عثمان جاء عبدالله بن سلام، فقال له عثمان: ما جاء بك؟ قال: جئت في نصرك.
قال: اخرج إلى الناس، فاطردهم عني، فإنك خارجًا خير لي منك داخلًا.
فخرج عبدالله إلى الناس، فقال: أيها الناس، إنه كان اسمي في الجاهلية فلان، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله، ونزلت فَّي آيات من القرآن فنزلت فيَّ: ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ﴾ [الأحقاف: 10] الآية إلى آخرها، ونزلت فيَّ: ﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43].
إن لله سيفًا مغمودًا عنكم، وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الله الله في هذا الرجل أن تقتلوه، فوالله لئن قتلتموه لتطردن جيرانكم الملائكة، وليسلن سيف الله المغمود عنكم، فلا يغمد إلى يوم القيامة.
قالوا: اقتلوا اليهودي، واقتلوا عثمان.
مناقب عبدالله بن سلام رضي الله عنه:
1- أخرج البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: ((ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول لأحد يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنة، إلا لعبدالله بن سلام، قال: وفيه نزلت هذه الآية: ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ﴾ [الأحقاف: 10].
2- وأخرج البخاري ومسلم بسنده عن قيس بن عباد، قال: ((كنت جالسًا في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فصلى ركعتين تجوز فيهما، ثم خرج، وتبعته، فقلت: إنك حين دخلت المسجد، قالوا: هذا رجل من أهل الجنة، قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، وسأحدثك لم ذاك: رأيت رؤيا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه، ورأيت كأني في روضة، ذكر من سعتها وخضرتها وسطها عمود من حديد، أسفله في الأرض، وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: ارقَ، قلت: لا أستطيع، فأتاني منصف، فرفع ثيابي من خلفي، فرقيت حتى كنت في أعلاها، فأخذت بالعروة، فقيل له: استمسك فاستيقظت، وإنها لفي يدي، فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: تلك الروضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة عروة الوثقى، فأنت على الإسلام حتى تموت، وذاك الرجل عبدالله بن سلام)).
ورواه مسلم بسنده عن محمد بن سيرين، قال: قال قيس بن عباد: ((كنت في حلقة فيها سعد بن مالك، وابن عمر، فمر عبدالله بن سلام، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فقمت فقلت له: إنهم قالوا كذا وكذا، قال: سبحان الله ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم، إنما رأيت كأن عمودًا وضع في روضة خضراء، فنصب فيها، وفي رأسها عروة، وفي أسفلها منصف - والمنصف الوصيف - فقيل لي: ارقَهْ، فرقيت حتى أخذت بالعروة، فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يموت عبدالله وهو آخذ بالعروة الوثقى)).
3- وأخرج مسلم بسنده عن خرشة بن الحر، قال: ((كنت جالسًا في حلقة في مسجد المدينة، قال: وفيها شيخ حسن الهيئة، وهو عبدالله بن سلام، قال: فجعل يحدثهم حديثًا حسنًا، قال: فلما قام، قال القوم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، قال فقلت: والله لأتبعنه فلأعلمن مكان بيته، قال: فتبعته، فانطلق حتى كاد أن يخرج من المدينة، ثم دخل منزله، قال: فاستأذنت عليه فأذن لي، فقال: ما حاجتك، يا ابن أخي؟ قال: فقلت له: سمعت القوم يقولون لك، لما قمت: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فأعجبني أن أكون معك، قال: الله أعلم بأهل الجنة، وسأحدثك مم قالوا ذاك، إني بينما أنا نائم، إذ أتاني رجل فقال لي: قم، فأخذ بيدي فانطلقت معه، قال: فإذا أنا بجواد عن شمالي، قال: فأخذت لآخذ فيها، فقال لي: لا تأخذ فيها؛ فإنها طرق أصحاب الشمال، قال: فإذا جواد منهج على يميني، فقال لي: خذ ها هنا، فأتى بي جبلًا، فقال لي: اصعد، قال: فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على استي، قال: حتى فعلت ذلك مرارًا، قال: ثم انطلق بي حتى أتى بي عمودًا، رأسه في السماء وأسفله في الأرض، في أعلاه حلقة، فقال لي: اصعد فوق هذا، قال قلت: كيف أصعد هذا؟ ورأسه في السماء، قال: فأخذ بيدي فزجل بي[3]، قال: فإذا أنا متعلق بالحلقة، قال: ثم ضرب العمود فخر، قال: وبقيت متعلقًا بالحلقة حتى أصبحت، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه، فقال: أما الطرق التي رأيت عن يسارك، فهي طرق أصحاب الشمال، قال وأما الطرق التي رأيت عن يمينك، فهي طرق أصحاب اليمين، وأما الجبل، فهو منزل الشهداء، ولن تناله، وأما العمود، فهو عمود الإسلام، وأما العروة، فهي عروة الإسلام، ولن تزال متمسكًا بها حتى تموت)).
4- وأخرج أحمد وابن حبان في الصحيح وحسنه الألباني "السلسلة الصحيحة" (3317) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بقصعة، فأصبنا منها، ففضلت فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطلع رجل من هذا الفج، يأكل هذه القصعة - من أهل الجنة، فقال سعد: وكنت تركت أخي عميرًا يتطهر، فقلت: هو أخي، فجاء عبدالله بن سلام، فأكلها)).
ورعه وزهده وكرمه وتواضعه:
فعن سعيد بن أبي بردة عن أبيه: ((أتيت المدينة فلقيت عبدالله بن سلام رضي الله عنه، فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقًا وتمرًا، وتدخل في بيت؟ ثم قال: إنك بأرض الربا بها فاشٍ، إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن، أو حمل شعير أو حمل قت، فلا تأخذه، فإنه ربًا))؛ [أخرجه البخاري].
وعن محمد بن القاسم، قال: ((زعم عبدالله بن حنظلة أن عبدالله بن سلام مر في السوق، عليه حزمة من حطب، فقيل له: أليس أغناك الله؟ قال: بلى، ولكن أردت أن أقمع الكبر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر))[4].
حرصه مع الصحابة على الخير:
وأخرج الدارمي (2435) والترمذي (3309) وغيرهما عن أبي سلمة، عن عبدالله بن سلام، قال: ((قعدنا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله، لعملنا، فأنزل الله: ﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 1، 2]، حتى ختمها.
توثيق العلماء له:
وقد روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه ابناه: يوسف ومحمد، وأبو هريرة وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري، وعطاء بن يسار وغيرهم، وشهد مع عمر رضي الله عنه فتح بيت المقدس، والجابية وقد عده بعضهم من البدريين، وأما ابن سعد: فذكره في الطبقة الثالثة ممن شهد الخندق وما بعدها.
وفاته:
كانت وفاته سنة ثلاث وأربعين من الهجرة؛ [سير أعلام النبلاء (2/ 424)].
هذا ما تيسر، والله وحده من وراء القصد.
[1] سير أعلام النبلاء (3/ 413).
[2] سنده منقطع حمزة لم يدرك جده عبدالله بن سلام.
[3] أي: رفعني.
[4] أخرجه الضياء في "الأحاديث المختارة" (9/ 452).
أبو عاصم البركاتي المصري
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله؛ أما بعد:
فهذا جمع لطيف في ترجمة الصحابي الجليل، الحَبْرِ العالم؛ عبدالله بن سَلَام، رضي الله عنه، فأستعين بالله وأقول:
اسمه ونسبه:
عبدالله بن سلام بن الحارث، وكنيته: أبو يوسف، وقيل أبو الحارث[1]، من ذريـة يوسف الصديق بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
وكان من يهود بني قينقاع؛ وكان حبرًا من أحبار يهود، وعالمًا من علمائهم، لديه علم بالتوراة.
كان اسمه "الحصين"، فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه "عبدالله".
إسلامه:
أسلم رضي الله عنه بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة.
ففي الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو تابعني عشرة من اليهود، لم يبقَ على ظهرها يهودي إلا أسلم)).
قصة إسلامه:
أخرج الترمذي وابن ماجه من حديث عبدالله بن سلام رضي الله عنه أنه قال: ((لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قِبله، وقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثلاثًا، فجئت في الناس؛ لأنظر، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام)).
وأخرج أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه عن أنس رضي الله عنه: ((أن عبدالله بن سلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة، فقال: يا رسول الله، إني سائلك عن ثلاث خصال، لا يعلمهن إلا نبي، قال: سَلْ، قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول ما يأكل منه أهل الجنة؟ ومن أين يشبه الولد أباه وأمه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني بهن جبريل عليه السلام آنفًا، قال: ذلك عدو اليهود من الملائكة، قال: أما أول أشراط الساعة، فنار تخرج من المشرق فتحشر الناس إلى المغرب، وأما أول ما يأكل منه أهل الجنة، زيادة كبد حوت، وأما شبه الولد أباه وأمه، فإذا سبق ماءُ الرجل ماءَ المرأة، نزع إليه الولد، وإذا سبق ماءُ المرأة ماءَ الرجل، نزع إليها، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وقال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي يبهتوني عندك، فأرسل إليهم، فاسألهم عني: أي رجل ابن سلام فيكم؟ قال: فأرسل إليهم، فقال: أي رجل عبدالله بن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وعالمنا وابن عالمنا، وأفقهنا وابن أفقهنا، قال: أرأيتم إن أسلم تسلمون؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك، قال: فخرج ابن سلام، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، قالوا: شرنا وابن شرنا، وجاهلنا وابن جاهلنا، فقال ابن سلام: هذا الذي كنت أتخوف منهم)).
وأخرج القصة كذلك الإمام أحمد في المسند (23984)، وابن حبان في صحيحه (2106 موارد)، عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: ((انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيدهم، وكرهوا دخولنا عليهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر اليهود، أروني اثنى عشر رجلًا يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، يحبط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضبَ الذي غضب عليه، قال: فأمسكوا وما أجابه منهم أحد، ثم رد عليهم، فلم يجبه أحد، ثم ثلَّث، فلم يجبه أحد، فقال: أبيتم؛ فوالله إني لأنا الحاشر، وأنا العاقِب، وأنا المقفى، آمنتم أو كذبتم، ثم انصرف وأنا معه، حتى دنا أن يخرج، فإذا رجل من خلفنا يقول: كما أنت يا محمد، قال: فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا: ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك، ولا من أبيك من قبلك، ولا من جدك قبل أبيك، قال: فإني أشهد له بالله أنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة، قالوا: كذبت ثم ردوا عليه وقالوا له شرًّا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتم لن يقبل قولكم، أما آنفًا فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، وأما إذا آمن كذبتموه، وقلتم ما قلتم، فلن يقبل قولكم، قال: فخرجنا ونحن ثلاثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وعبدالله بن سلام؛ فأنزل الله فيه: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ ﴾ [الأحقاف: 10].
قلت: ولعل هذه القصة كانت في مرة أخرى بعد إسلامه أولًا رضي الله عنه.
وساق ابن إسحاق في السيرة قصة إسلام عبدالله بن سلام بسياق أطول فقال: ((وكان من حديث عبدالله بن سلام، كما حدثني بعض أهله عنه وعن إسلامه حين أسلم، وكان حبرًا عالمًا من علماء اليهود، قال: لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت صفته واسمه وزمانه الذي كنا نتوكف له – أي: نترقب - فكنت مُسرًّا لذلك صامتًا عليه، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلما نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، أقبل رجل حتى أخبر بقدومه وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمتي خالدة ابنة الحارث تحتي جالسة، فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت، فقالت لي عمتي حين سمعت تكبيري: خيبك الله، والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادمًا ما زدت، قال: فقلت لها: أي عمة، هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه، بُعث بما بُعث به، قال: فقالت: أي ابن أخي، أهو النبي الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة؟ قال: فقلت لها: نعم، قال: فقالت: فذاك إذًا، قال: ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، ثم رجعت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا، قال: وكتمت إسلامي من يهود، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله، إن يهود قوم بهت، وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك وتغيبني عنهم – أي: تسترني - ثم تسألهم عني حتى يخبروك كيف أنا فيهم، قبل أن يعلموا إسلامي، فإنهم إن علموا به بهتوني وعابوني، قال: فأدخلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض بيوته، ودخلوا عليه، فكلموه وسألوه، ثم قال لهم: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا، وحبرنا وعالمنا، قال: فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم، فقلت لهم: يا معشر يهود، اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة باسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله، وأومن به، وأصدقه وأعرفه، فقالوا: كذبت، ثم وقعوا بي، فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بهت، أهل غدر وكذب وفجور؟ قال: وأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي، وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث فحسن إسلامها))؛ [السيرة النبوية لابن هشام (1/ 516)].
وأخرج الطبراني في "المعجم الكبير" (14/ 322) رقم (14955) بسنده عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبدالله بن سلام، عن أبيه: ((أن عبدالله بن سلام قال لأحبار اليهود: إني أحدث بمسجد أبينا إبراهيم وإسماعيل عهدًا، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، فوافاهم وقد انصرفوا من الحج، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنًى، والناس حوله، فقام مع الناس، فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنت عبدالله بن سلام؟ قال: قلت: نعم، قال: ادْنُ، فدنوت منه، قال: أنشدك بالله يا عبدالله بن سلام، أما تجدني في التوراة رسول الله؟ فقلت له: انعت ربنا، قال: فجاء جبريل عليه السلام حتى وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4]، فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، ثم انصرف ابن سلام إلى المدينة، فكتم إسلامه[2].
عداء اليهود لجبريل عليه السلام:
أخرج البخاري في صحيحه عن أنس، قال: ((سمع عبدالله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني سائلك عن ثلاث، لا يعلمهن إلا نبي، فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفًا، قال: جبريل، قال: نعم، قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة؛ فقرأ هذه الآية: ﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ ﴾ [البقرة: 97]، أما أول أشراط الساعة، فنارٌ تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام أهل الجنة، فزيادة كبد حوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة، نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أي رجل عبدالله فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال: أرأيتم إن أسلم عبدالله بن سلام؟ فقالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبدالله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا، وانتقصوه، قال: فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله)).
وصية معاذ بن جبل رضي الله عنه:
روى أحمد والترمذي عن يزيد بن عميرة، قال: ((لما حضر معاذ بن جبل الموت، قيل له: يا أبا عبدالرحمن، أوصنا، قال: أجلسوني، فقال: إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما، يقول ثلاث مرات، فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبدالله بن مسعود، وعند عبدالله بن سلام الذي كان يهوديًّا، ثم أسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة))؛ [قال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح غريب].
علمه بالتوراة:
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما: ((أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلًا منهم وامرأةً زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبدالله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبدالله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجما، قال عبدالله: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة)).
تمسكه بالعروة الوثقى:
أخرج مسلم برقم (461) من حديث عبدالله بن سلام أنه قال: ((بينما أنا نائم إذ أتاني رجل فقال لي: قم، فأخذ بيدي فانطلقت معه، قال: فإذا أنا بجواد عن شمالي، قال: فأخذت لآخذ فيها، فقال لي: لا تأخذ فيها، فإنها طرق أصحاب الشمال، قال: فإذا جواد منهج على يميني، فقال لي: خذ ها هنا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه، فقال: أما الطرق التي رأيت عن يسارك، فهي طرق أصحاب الشمال، وأما الطرق التي رأيت عن يمينك، فهي طرق أصحاب اليمين)).
عبدالله بن سلام رضي الله عنه من أهل الجنة:
أخرج أحمد في "المسند" (22104)، والترمذي (3804) عن يزيد بن عميرة قال: ((لما حضر معاذ بن جبل الموتُ، قيل له: يا أبا عبدالرحمن، أوصِنا، قال: أجلسوني، فقال: إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما، يقول ثلاث مرات، فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبدالله بن مسعود، وعند عبدالله بن سلام الذي كان يهوديًّا، ثم أسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة)).
الآيات التي نزلت في عبدالله بن سلام:
الآية الأولى: ﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 113]:
ورد في "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 385) في قوله تعالى: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ [آل عمران: 113].
قال ابن وهب: قال مالك: يعني: قائمةً بالحق، يريد قولًا وفعلًا؛ فيعود الكلام إلى الآية المتقدمة: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾ [آل عمران: 104].
وقد اتفق المفسرون أنها نزلت فيمن أسلم من أهل الكتاب، وعليه يدل ظاهر القرآن؛ ومفتتح الكلام نفي المساواة بين من أسلم منهم وبين من بقي منهم على الكفر، إلا أنه روي عن ابن مسعود أن معناه نفي المساواة بين أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد روي عن ابن عباس أنها نزلت في عبدالله بن سلام ومن أسلم معه من أهل الكتاب؛ [انتهى].
وقوله تعالى: ﴿ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ ﴾ [المائدة: 44]:
وقوله تعالى: ﴿ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ ﴾ [المائدة: 44]، قال أبو هريرة وغيره: ومحمد منهم، يحكمون بما فيها من الحق، وكذلك قال الحسن، وهو الذي يقتضيه ظاهر اللفظ ومطلقه في قوله: ﴿ النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ ﴾ [المائدة: 44]، آخرهم عبدالله بن سلام؛ [انتهى من أحكام القرآن لابن العربي (2/ 127)].
قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43].
قوله تعالى: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43].
قال ابن العربي في "أحكام القرآن" (3/ 85): اختلف فيمن عنده علم الكتاب بعد ذكر قول مجاهد على أربعة أقوال:
الأول: أن المراد به مَن آمن مِن اليهود والنصارى.
الثاني: أنه عبدالله بن سلام.
الثالث: أنه علي بن أبي طالب، وقد قرئ: "ومِن عنده عَلم" بخفض الميم من "من"، ورفع العين من "علم".
وقرئ بخفض الميم من "مِن" وباقيه على المشهور.
الرابع: المؤمنون كلهم.
المسألة الثالثة: في تدبر ما مضى: أما من قال إنهم الذين آمنوا من اليهود، كابن سلام، وابن يامين.
ومن النصارى، كسلمان، وتميم الداري، فإن المعنى عنده بالكتاب التوراة والإنجيل.
قوله تعالى: ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ﴾ [الأحقاف: 10].
أخرج الترمذي بسنده عن عبدالملك بن عمير، عن ابن أخي عبدالله بن سلام، قال: إنه لما أُريد قتل عثمان جاء عبدالله بن سلام، فقال له عثمان: ما جاء بك؟ قال: جئت في نصرك.
قال: اخرج إلى الناس، فاطردهم عني، فإنك خارجًا خير لي منك داخلًا.
فخرج عبدالله إلى الناس، فقال: أيها الناس، إنه كان اسمي في الجاهلية فلان، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله، ونزلت فَّي آيات من القرآن فنزلت فيَّ: ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ﴾ [الأحقاف: 10] الآية إلى آخرها، ونزلت فيَّ: ﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43].
إن لله سيفًا مغمودًا عنكم، وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الله الله في هذا الرجل أن تقتلوه، فوالله لئن قتلتموه لتطردن جيرانكم الملائكة، وليسلن سيف الله المغمود عنكم، فلا يغمد إلى يوم القيامة.
قالوا: اقتلوا اليهودي، واقتلوا عثمان.
مناقب عبدالله بن سلام رضي الله عنه:
1- أخرج البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: ((ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول لأحد يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنة، إلا لعبدالله بن سلام، قال: وفيه نزلت هذه الآية: ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ﴾ [الأحقاف: 10].
2- وأخرج البخاري ومسلم بسنده عن قيس بن عباد، قال: ((كنت جالسًا في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فصلى ركعتين تجوز فيهما، ثم خرج، وتبعته، فقلت: إنك حين دخلت المسجد، قالوا: هذا رجل من أهل الجنة، قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، وسأحدثك لم ذاك: رأيت رؤيا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه، ورأيت كأني في روضة، ذكر من سعتها وخضرتها وسطها عمود من حديد، أسفله في الأرض، وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: ارقَ، قلت: لا أستطيع، فأتاني منصف، فرفع ثيابي من خلفي، فرقيت حتى كنت في أعلاها، فأخذت بالعروة، فقيل له: استمسك فاستيقظت، وإنها لفي يدي، فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: تلك الروضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة عروة الوثقى، فأنت على الإسلام حتى تموت، وذاك الرجل عبدالله بن سلام)).
ورواه مسلم بسنده عن محمد بن سيرين، قال: قال قيس بن عباد: ((كنت في حلقة فيها سعد بن مالك، وابن عمر، فمر عبدالله بن سلام، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فقمت فقلت له: إنهم قالوا كذا وكذا، قال: سبحان الله ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم، إنما رأيت كأن عمودًا وضع في روضة خضراء، فنصب فيها، وفي رأسها عروة، وفي أسفلها منصف - والمنصف الوصيف - فقيل لي: ارقَهْ، فرقيت حتى أخذت بالعروة، فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يموت عبدالله وهو آخذ بالعروة الوثقى)).
3- وأخرج مسلم بسنده عن خرشة بن الحر، قال: ((كنت جالسًا في حلقة في مسجد المدينة، قال: وفيها شيخ حسن الهيئة، وهو عبدالله بن سلام، قال: فجعل يحدثهم حديثًا حسنًا، قال: فلما قام، قال القوم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، قال فقلت: والله لأتبعنه فلأعلمن مكان بيته، قال: فتبعته، فانطلق حتى كاد أن يخرج من المدينة، ثم دخل منزله، قال: فاستأذنت عليه فأذن لي، فقال: ما حاجتك، يا ابن أخي؟ قال: فقلت له: سمعت القوم يقولون لك، لما قمت: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فأعجبني أن أكون معك، قال: الله أعلم بأهل الجنة، وسأحدثك مم قالوا ذاك، إني بينما أنا نائم، إذ أتاني رجل فقال لي: قم، فأخذ بيدي فانطلقت معه، قال: فإذا أنا بجواد عن شمالي، قال: فأخذت لآخذ فيها، فقال لي: لا تأخذ فيها؛ فإنها طرق أصحاب الشمال، قال: فإذا جواد منهج على يميني، فقال لي: خذ ها هنا، فأتى بي جبلًا، فقال لي: اصعد، قال: فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على استي، قال: حتى فعلت ذلك مرارًا، قال: ثم انطلق بي حتى أتى بي عمودًا، رأسه في السماء وأسفله في الأرض، في أعلاه حلقة، فقال لي: اصعد فوق هذا، قال قلت: كيف أصعد هذا؟ ورأسه في السماء، قال: فأخذ بيدي فزجل بي[3]، قال: فإذا أنا متعلق بالحلقة، قال: ثم ضرب العمود فخر، قال: وبقيت متعلقًا بالحلقة حتى أصبحت، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه، فقال: أما الطرق التي رأيت عن يسارك، فهي طرق أصحاب الشمال، قال وأما الطرق التي رأيت عن يمينك، فهي طرق أصحاب اليمين، وأما الجبل، فهو منزل الشهداء، ولن تناله، وأما العمود، فهو عمود الإسلام، وأما العروة، فهي عروة الإسلام، ولن تزال متمسكًا بها حتى تموت)).
4- وأخرج أحمد وابن حبان في الصحيح وحسنه الألباني "السلسلة الصحيحة" (3317) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بقصعة، فأصبنا منها، ففضلت فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطلع رجل من هذا الفج، يأكل هذه القصعة - من أهل الجنة، فقال سعد: وكنت تركت أخي عميرًا يتطهر، فقلت: هو أخي، فجاء عبدالله بن سلام، فأكلها)).
ورعه وزهده وكرمه وتواضعه:
فعن سعيد بن أبي بردة عن أبيه: ((أتيت المدينة فلقيت عبدالله بن سلام رضي الله عنه، فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقًا وتمرًا، وتدخل في بيت؟ ثم قال: إنك بأرض الربا بها فاشٍ، إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن، أو حمل شعير أو حمل قت، فلا تأخذه، فإنه ربًا))؛ [أخرجه البخاري].
وعن محمد بن القاسم، قال: ((زعم عبدالله بن حنظلة أن عبدالله بن سلام مر في السوق، عليه حزمة من حطب، فقيل له: أليس أغناك الله؟ قال: بلى، ولكن أردت أن أقمع الكبر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر))[4].
حرصه مع الصحابة على الخير:
وأخرج الدارمي (2435) والترمذي (3309) وغيرهما عن أبي سلمة، عن عبدالله بن سلام، قال: ((قعدنا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله، لعملنا، فأنزل الله: ﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 1، 2]، حتى ختمها.
توثيق العلماء له:
وقد روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه ابناه: يوسف ومحمد، وأبو هريرة وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري، وعطاء بن يسار وغيرهم، وشهد مع عمر رضي الله عنه فتح بيت المقدس، والجابية وقد عده بعضهم من البدريين، وأما ابن سعد: فذكره في الطبقة الثالثة ممن شهد الخندق وما بعدها.
وفاته:
كانت وفاته سنة ثلاث وأربعين من الهجرة؛ [سير أعلام النبلاء (2/ 424)].
هذا ما تيسر، والله وحده من وراء القصد.
[1] سير أعلام النبلاء (3/ 413).
[2] سنده منقطع حمزة لم يدرك جده عبدالله بن سلام.
[3] أي: رفعني.
[4] أخرجه الضياء في "الأحاديث المختارة" (9/ 452).